تنظيم الوظيفة العمومية

 

مقدمة

شكل صدور النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بموجب ظهير 24 فبراير 1958، عملا مؤسسا للوظيفة العمومية المغربية، إذ لم يكن مجرد نص قانوني يحدد حقوق وواجبات الموظف ويؤطر مساره المهني، بقدر ما أسس الوظيفة العمومية الوطنية وحدد طبيعتها وهويتها، ومن ثم فهو يعتبر إحدى اللبنات الأساسية لبناء الإدارة العمومية وتشييد صرح الدولة  بعد نيل الإستقلال، وفضلا عن كون هذا النظام يتضمن مبادئ كبرى مؤطرة وقواعد كبرى مؤطرة للوظيفة العمومية، فهو يعد الإطار القانوني الأساسي لتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية، وبالنظر لما يشكله العنصر البشري من أهمية حاسمة، يمكن أن نتصور مكانة  إصلاح النظام الأساسي العام في كل مشروع بإصلاح الإدارة العمومية.

ومن المعلوم أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية إستلهم مجمل قواعده وأحكامه، في خمسينيات القرن الماضي من النظام القانوني الفرنسي وتحديدا النظام الأساسي العام لموظفي الدولة الصادر بمقتضي قانوني 19 أكتوبر 1946، ولاسيما المبادئ الكبرى لهذا النظام وعلى رأسها إعتماد نظام الخدمة الدائمة والعلاقة القانونية والنظامية بين الموظف والإدارة  ومراعاة التوازن بين الحقوق الواجبات وإقرار النظام التأديبي وغيرها.

وبالرغم من التعديلات التي عرفها النظام الأساسي العام والتي بلغت 15 تعديلا، فقد إتسمت بطابع جزئي وتقني محدود، ما جعل هذا النظام يحتفظ ببنيته العامة ومرتكزاته الأساسية[1].

غير أنه ومقابل ذالك عرف المحيط المؤسساتي والتدبيري والإجتماعي للوظيفة العمومية تحولات متسارعة على مدار الستة عقود الماضية، لذلك كان من الطبيعي أن تفكر الحكومات المتعاقبة خلال العقدين الماضيين في ضرورة المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

أن من شأن إصلاح منظومة الوظفية العمومية أن يشكل اصلاحا مهيكلا للإدارة العمومية ورهانا  كبيرا لتطوير التدبير العمومي.

ولاشك أن السياق الدستوري الحالي يعطي لهذا الإصلاح أهمية اكبر، إذ أن الدستور جعل من الحكامة الجيدة أحد مرتكاته الأساسية، بل أحد مقومات النظام الدستوري المغربي، وحدد جملة من مبادئ الحكامة التي يتعين أن تؤطر تنظيم المرافق العامة وتحكم ممارسة أعوان هذه المرافق لمهامهم.

الأهمية:

وفي ضوء كل ذلك أصبح تأسيس وظيفة عمومية مهنية وفعالة وناجعة مرتكزة على مفهوم الوظيفة، ومنفتحة على أليات التدبير الحديث للموارد البشرية، في ظل مراعاة المبادئ سالفة الذكر لاسيما الإستحقاق والنزاهة والشفافية والمساواة والمساءلة، ليس بإعتباره ضرورة دستورية فقط، بل لأنه يرهن تحديث وتطوير الإدارة العمومية، ويساهم وفق مقاربة خدماتية في الرفع من قدرتها على تقديم خدمات ذات جودة عالية تستجب للتطلعات المرتفقين.

الإشكالية:

·       إلى أي حد يمكن إعتبار تنظيم الوظيفة العمومية ألية للرقي بمستوى الإدارة المغربية؟

الفرضيات:

·       لا تسعى الدولة من خلال تنظيم الوظيفة العمومية إلى الرقي بالإدارة المغربية.

·       تسعى الدولة من خلال تنظيم الوظيفة العمومية إلى الرقي بالإدارة المغربية.

·       تعترض الدولة خلال تتظيم الوظيفة العمومية إكراهات متعددة تؤول دون تحقيق حكامة جيدة للادارة

·       لا تعترض الدولة خلال تنظيمها للوظيفة العمومية أية إكراهات.

 التصميم:

·       المبحث الأول: الإطار العام للوظيفة العمومية.

·       المبحث الثاني: وضعية الوظيفة العمومية بالمغرب.

    سوف نتطرق في المبحث الأول ( الإطار العام للوظيفة العمومية)، إلى المفاهيم الاساسية المرتبطة بالوظيفة العمومية والمبادئ المؤطرة لها ( المطلب الأول) والانساق الكبرى للوظيفة العمومية والاسس الدستورية والقانونية لها ( المطلب الثاني) ثم ننتقل للتحدث  عن وضعية الوظيفة العمومية بالمغرب (المبحث الثاني)، للوقوف على مظاهر سعي الدولة للرقي  بالادارة المغربية من خلال تنظيم الوظيفة العمومية ( المطلب الأول) و الإكراهات التي تعترض الدولة أثاء تتظيم الوظيفة العمومية والتي تؤول دون تحقيق حكامة جيدة للادارة ( المطلب الثاني ) لننهي عرضنا في هذا الموضوع بخاتمة.

المبحث الأول: الإطار العام للوظيفة العمومية

يعتمد التدبير العمومي على أليات وتقنيات، يكون الهدف منها تحقيق المردودية والإنتاجية، وتنمية الممارسة الإدارية من خلال تقديم الإدارة لخدماتها العمومية بكل فعالية ونجاعة، هذه الأليات وإن كانت قد ظهرت في الإدارة الخاصة التي تعتمد على السرعة و الفعالية، وإستثمارها في الإدارة العمومية أعطى دفعة وحيوية متميزة للنشاط الإداري، كما أن ذلك لا يأتي من دون الإهتمام بالعنصر البشري كمحور إرتكاز العمل الإداري، فالإستجابة لمطالب وحاجيات المرتفقين من طرف الجهاز الإداري تتوقف على مدى إمتلاك الإدارة العمومية لموارد بشرية، وأطر تتميز بالكفاءة والأهلية.

ومن ثم أصبح  نظام الوظيفة العمومية يحتل مكانة متميزة نظرا لكثرة مهامها وتشعب مجالات تدخلها، وأمام ذلك وجب التعرف عن مختلف المفاهيم الأساسية المحيطة له وأيضا المبادئ المرتبطة به، دون أن ننسى الأنساق الكبرى للوظيفة العمومية والأسس الدستورية والقانونية المشكلة لها، مشكلين بذلك إطارا عاما حول الوظيفة العمومية.

المطلب الأول: المفاهيم الأساسية والمبادئ المرتبطة بالوظيفة العمومية

      يحيط بموضوع تنظيم الوظيفة العمومية مجموعة من المفاهيم الأساسية( الفقرة الأولى) والمبادئ( الفقرة الثانية) لزم علينا في هذا المبحث التطرق لأبرزها.

الفقرة الأولى: المفاهيم الاساسية المرتبطة بالوظيفة العمومية

        تتعدد المفاهيم الاساسية التي تتعلق بالنظام االاساسي للوظيفة العمومية ولكن سنتنوال الفقرة تعريف النظام الاساسي العام ( أولا) والوظيفة العمومية ( ثانيا)  وأيضا الموظف ( ثالثا).

 

أولا: النظام الأساسي العام

يعني مصطلح النظام الأساسي العام بالمعنى العام مجموعة من القواعد القانونية المطبقة على النشاط المهني للموظف ، وبالمعنى الضيق فيقصد به القواعد المحددة لوضعية فئة من الموظفين[2].

ومنه النظام الأساسي في عبارة عن مجموع القواعد القانونية التي تخضع لها في سيرها مصلحة أو مؤسسة، ومن تم فالنظام الأساسي هو الذي يحدد الوضعية كل فرد وكل جماعة في دائرة الوظيفة العمومية.

ثانيا: الوظيفة العمومية

إن الأدبيات المهتمة بالوظيفة العمومية تبين أن للوظيفة العمومية ثلاثة معان:

 المعنى العام: مجموع الأشخاص الطبيعين والمعنويين الذين تتألف منهم إدارة الدولة أو يخضعون للقانون الإداري.

المعنى الشكلي: هي مجموع النصوص القانونية والتنظيمية، أي أن الوظيفة العمومية على مستوى الشكل، تعني مجموعة القوانين المتحكمة في المسار الوظيفي للموظف وطريقة تسيير الإدارة. و يتمثل هذا الأمر قي النظام القانوني للوظيفة العمومية الذي يعد الحجر الأساس قي تنظيم نظام الوظيفة العمومية ، نظرا لكونه يعكس واقع الوظيفة العمومية وينظم مركز الفاعلين فيها مثل حقوق وواجبات الموظفين. لذا ينبغي التركيز على تطوير هذا النظام القانوني بالنسبة للمغرب وذلك من خلال مقارنته بنظيره في فرنسا لمعرفة مدى الانسجام ومدى الاختلاف بين النظامين ، خصوصا وأن نظام الوظيفة العمومي الصادر بظهير 1958 استمد معظم نصوصه من نظام الوظيفة العمومية في فرنسا. هذا الأخير شهد عدة تعديلات وإصلاحات لمواكبة التطور الحاصل قي هذا المجال بينما بقي نظام الوظيفة العمومية المغربي دون إصلاحات حقيقية رغم ما يشهده واقع الوظيفة العمومية من إشكالات حقيقية.

المعنى الموضوعي أو العضوي: هي الأنشطة الإدارية والمهنية التي يمارسها الموظفون أي ان الوظيفة العمومية على مستوى المضمون تعني أساسا النشاط الإداري أو الخدمات الإدارية والموظفون الذين يقومون بهذا النشاط ويقدمون هده الخدمات. فتدخل الدولة في هذا المضمار يعد ضروريا لإشباع الحاجات العامة حسب ما تقتضيه المصلحة العامة ، وتدخل الدولة يتخذ في الغالب صورة المرفق العام خاصة إذا أخذت بوسائل القانون العام في تحقيق نشاطها . إذ إن تدخل الإدارة عبر المرفق العام من أهم صور النشاط الإداري في تحقيق المصالح العامة و أكثرها انتشارا في الوقت الحاضر. وبالتالي أصبحت فكرة المرفق العام المحور الأساسي الذي تقوم عليه الدراسات الإدارية بصفة عامة ونشاط الإدارة بصفة خاصة . وفكرة المرفق العام مرتبطة بضرورة تلبية الاحتياجات الجماعية، وبما أن هذه الاحتياجات العامة قد عرفت تطورات مختلفة نتيجة تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية المختلفة فان ذلك قد انعكس بالتبعية على مفهوم المرفق العام.

ثالثا: الموظف العمومي

       يجب التمييز خلال تعريفنا للموظف العمومي بين التعريف الإداري والتعريف الجنائي للموظف العمومي.

فمن خلال إنطلاقنا من المادة الإدارية ( قانون الوظيفة العمومية) سنعرف الموظف العمومي على أنه : “يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة[3]”.

تبين من خلال هذا التعريف أنه من الشروط الأساسية لاعتبار الشخص موظفا عموميا هو ”الترسيم في إحدى درجات السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة”، وبناء على ذلك لا نطلق صفة الموظف العام طبقا للظهير على العمال المؤقتين العمال باليومية؛ فهم مرتبطون بعقد التزام، ويخضعون لأحكام القانون الخاص. المتعاقدين مع الإدارة بموجب عقد من عقود القانون الخاص (كالمقاولين والمهندسين)، حيث تتعاقد معهم الإدارة لمدة محدودة. الأجانب المتعاقدين مع الإدارة المغربية وإدارة أخرى أو بينها وبين منظمة دولية عالمية أواقليمية أو متخصصة .

وعلى خلاف الطوائف السابقة، فهناك بعض الموظفين العموميين الذي ينطبق عليهم تعريف الفصل الثاني من الظهير ولكن قد استبعدهم القانون صراحة من تطبيق أحكام النظام العام للوظيفة العمومية، وذلك وفقا لما نص عليه المشرع في الفصل الرابع من قانون الوظيفة العمومية فأخضعهم لنصوص قانونية خاصة بهم وهم: رجال القضاء، العسكريون التابعون للقوات المسلحة الملكية، هيئة التصرفين بوزارة الداخلية.

وهناك نوع ثالث من الأشخاص يخضع لأحكام قانون الوظيفة العمومية بصفة أساسية، وقد يعفون من بعض أحكامه بمقتضى قوانين أساسية خصوصية، إذا كانت تلك الأحكام لاتتفق والالتزامات الملقاة على عاتق الهيئات والمصالح التي يعملون فيها. وهؤلاء الأشخاص كما جاء في نص الفقرة الثانية من الفصل الرابع هم: أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي، الهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية، رجال التعليم، أعوان الشرطة وإدارة السجون، رجال المطافئ، أعوان المصلحة بإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة والمفتشون والمراقبون والحراس بالبحرية التجارية وضباط الموانئ وموظفو المنارات وموظفو المياه والغابات .

و تعد علاقة الموظف بالدولة علاقة تنظيمية، ذلك أن أحكام الوظيفة بما تتضمنه من حقوق وماتفرضه من واجبات مستمدة مباشرة من نصوص القوانين والمراسيم التطبيقية لها. والموظف في مركز تنظيمي، وقرارات تعيينه لاتنشئ له مركزا ذاتيا خاص، فهذا المركز موجود بمقتضى القوانين والمراسيم وسابق على قرارت التعيين. لذلك فان الوظيفة لم تنشأ للموظف بل على العكس وجد الموظف للوظيفة نفسها، فهو ملزم بما يطلبه هذا المركز الوظيفي، وأي تصرف منه يتنافى مع مصلحة هذا المرفق العام يعرضه للجزاء التأديبي.

ولقد نص المشرع المغربي صراحة على المركز التنظيمي للموظف العام في قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958  ”أن الموظف في حالة قانونية ونظامية إزاء الإدارة”[4].

إن مفهوم الموظف العمومي في القانون الجنائي المغربي وعلى خلاف ماهو منصوص عليه في قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 وسع من نطاق هذا الأخير. ومن خلال مقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي الذي ينص :” يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات العمومية أو الهيئات البلدية ، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام…”.

هذا التعريف يؤخذ به عند زجر الجرائم المتعلقة باختلاس الأموال العمومية وجرائم الرشوة والغدر. ولعل القصد من ذلك الأهمية التي يمكن أن يكتسبها الكثير من الأشخاص الذين ربما يكون لهم دور عملي فعال في إدارة الشؤون العامة ولايسبغ القانون الإداري مع ذلك صفة الموظفين العموميين.

فالمشرع المغربي لا يعتد بنوعية العمل أو الوظيفة وإنما يشترط أن يكون الشخص موظفا لدى الإدارة المغربية. أما إذا كان تابعا لإدارة أجنبية ولو كان يعمل بالمغرب كرجال السلك الدبلوماسي والسياسي الأجنبي العاملين في المغرب فانه لا يعتبر موظفا عموميا حسب مفهوم الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي .

الفقرة الثانية: المفاهيم المبادئ المؤطرة للوظيفة العمومية

بعدما كانت الوظیفة العمومیة مجرد وسیلة لتنفیذ السیاسة العامة للدولة، أضحت تعد معیارا لتقدمها، ومقیاسا حقیقیا لمدى تطورها، وجزء من حیاة المواطن من میلاده إلى وفاته، فقد نصت أغلب الدول في دساتیرها على أن الوظائف العمومية حق للمواطنین، تطبق على قدم المساواة، مسایرة في ذلك للتطبیقات المباشرة لبعض المواثیق الدولیة و منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948 الذي كرس الحق في التوظیف و المساواة في شغل الوظائف العمومية دون أي تمییز.

ففي عالمنا المعاصر أصبحت الوظیفة العمومیة تتبوأ مكانة معتبرة في الترسانة القانونیة باعتبارها أداة و مظهر من مظاهر ممارسة سلطة الدولة، فإلى جانب دورها السیاسي و الإداري فهي مطالبة بالتماشي مع مقتضیات العصرنة، لاسیما في الدول النامیة، من خلال التكفل بالموارد البشریة، التي تعتبر أساس كل تقدم و تطور، فحتى لا یكون الفرد أداة معرقلة للتنمیة یجب تسخیره و تعبئته لخدمة التنمیة المستدامة.

لذا لم تعد الوظیفة العمومیة أمرا استثنائیا في حیاة المواطنین كما من قبل، بل صارت جزء لا یتجزأ من حیاتهم، فلا یمكن بأي حال من الأحوال تجنب التعامل مع الموظف، حیث أن الشخص یدخل الحیاة بشهادة میلاد و یخرج منها بشهادة وفاة، و كلاهما یقوم بتحریره الموظف العمومي.

ولقد تطورت الوظیفة العمومیة عما كانت علیه سابقا، و أصبحت في الوقت الحالي خدمة عامة لها نظام قانوني و أسس ومبادئ تقوم علیها، ومما لاشك فیه أن من أبرز أهداف الدولة للتنمیة الإداریة، هو ضمان سیر العمل على وجه مرض، حیث تعنى الدولة بالارتقاء بمستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنین، وفقا للأسس و المبادئ المتعارف علیها في مجال الإدارة العامة.

ومبدأ المساواة في تقلد الوظائف العمومية مظهر من مظاهر المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات العامة، وهو يرجع من ناحية أصله التاريخي إلى الثورة الفرنسية، حيث نصت وثيقة إعلان حقوق الإنسان الذي أعلنته هذه الثورة عام 1789 في مادتها السادسة على أن جميع الموطنين متساوون في الالتحاق بالوظائف العمومية، ولا فضل لأحدهم إلا بقدر ما يتمتع به من قدرات ومواهب.

وهو ما تبنته المجموعة الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948 حيث تنص المادة 21 منه على أنه "يحق لكل شخص الدخول على قدم المساواة في الوظائف العمومية التابعة لبلده" وقد ارتقى إلى مرتبة المبادئ الدستورية وعموما في سائر القوانين الأساسية للوظيفة العمومية المعاصرة اعتبار لكون الوظائف التي يحميها مظهرا من مظاهر ممارسة الحقوق المدنية بالنسبة للمواطن[5]. ومفاد هذا المبدأ أنه لا يجوز التميز بين المواطنين على أساس الجنس والعرق أو الدين أو الأفكار السياسية كما ينبغي أن يعامل الجميع على قدم مساواة بعضهم لبعض.

 كما يمكن تحليله كدعوة مباشرة للسلطات العمومية قصد تصور نظام انتقائي يعطي حظوظا متساوية لجميع المترشحين للوظيفة العمومية.

 ويخضع إلتحاق المواطنين بالوظيفة العمومية إلى مقتضيات ضمان تنفيذ مهمة من مهام المرفق العام، أي القيام بعمل تتطلبه المصلحة العامة، وهو ما يفسر وجود العديد من الشروط المقررة لتولي الوظائف العمومية، ترتبط أساسا بجملة من المواصفات المطلوبة في المترشحين وإخضاعهم بعدئذ إلى مبدأ عام ذي قوة دستورية، هو مبدأ المساواة في الالتحاق بالوظائف العمومية  إلى جانب الشروط التنظيمية المحددة أصلا بالقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية وإلى تلك العمليات الأخرى التي أفرزتها الممارسة العملية والتقنية.

 فالمساواة مبدأ يلزم السلطة الإدارية بضمان احترامه والسهر على تفادي ممارسة تميز غير موضوعي بين المترشحين، بمعنى الالتزام بعدم إخضاع عملية انتقاء موظفي المستقبل إلى المعايير والقيم الذاتية المرتبطة بالتمييز، أي على الفوارق المتعلقة بالأصل أو الانتماء السياسي أو الآراء الفلسفية أو المعتقدات الدينية أو الجنس، فهي ممارسات ومعايير منبوذة وحقوق وكرامة الإنسان والوظيفة عموما. فالعبرة بالتحقيق في إطار ممارسة مراقبة المشروعية لمن توفر كافة الشروط المطلوبة في المترشح المؤهلة لممارسة مهامه، القانونية منها والبدنية والذهنية.

وأيضا من أهم المبادئ الاساسية التي تؤطر المرفق العام والمرتبطة طبيعيا بالوظيفة العمومية نجد الاستمرارية، فإن الدولة لا تكتفي بإنشاء المرافق العامة، بل عليها أن تلتزم بضمان إستمرارها، نظرا لما يترتب على هذا الإنقطاع من إنعكاسات سلبية على حياة الأفراد، ولهذا حرص القضاء على تأكيد هذا المبدأ، وإعتبره من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري. وتبعا لهذا المبدأ، يقع على السلطة المسؤولة إدارة المرافق العامة دون أي إنقطاع، مهما كانت الصعوبات التي تواجهها مادامت الغاية من إنشائها هي إشباع الحاجيات الجماعية، ويترتب على تطبيق هذا المبدأ في قطاع الوظيفة العمومية، تنظيم حق الإضراب وتنظيم إستقالة الموظفين المعمومين، وإعتماد نظريات متعددة تخدم هذا المبدأ منها نظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة[6].

وغيرها من المبادئ التي جاءت بها مختلف النصوص القانونية والتي صنفها مشروخقانون [7]54.19 المتمثل في ميثاق الموافق العمومية، كمبدأ الملاءمة عبر التطوير المستمر لتنظيم وتدبير المرافق العاممومية والخدمات التي تقدمها، إستجابة لحاجيات المرتفقين المتنامية ومسايرة للتطورات التي يشهدها محيط هذه المرافق، لاسيما منها التكنولوجية والإقتصادية والإجتماعية، وهذا  يحيل على مبدأ قابلية المرفق العمومي للتغيير. إضافة إلى مبدأ الجودة وعلاقة بالوظيفة العمومية فإنها يجب أن هذه الخدمات التي تقدم من خلال هذه الوظائف يستجيب لحاجيات المرتفقين وإنظاراتهم بتعبئة جميع الوسائل المتاحة، أخدا بعين الإعتبار تحقيق النجاعة والفعالية. زيادة على مبادئ الإنصاف؛ وربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال إلرام مسؤولي المرافق العمومية بتقديم الحساب عن أدائهم بناء على النتائج المحققة مقارنة مع الأهداف المسطرة والوسائل الممنوحة. دون أن ننسى مبدأ النزاهة وهو مبدأ جد مهم في قطاع الوظيفة العمومية إذ أن يجب على موظفي المرافق العمومية التقيد بقواعد السلوك المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وأخيرا مبدأ الإنفتاح؛ من خلال التواصل الذي يجريه الموظفين مع المرفقين وتلقي إقتراحاتهم وملاحظاتهم بخصوص تظوير المرفق العام والتفاعل معها.

 المطلب الثاني: الانساق الكبرى للوظيفة العمومية والأسس الدستورية والقانونية لها

سنتناول في هذا المطلب مختلف الاسس الدستورية والقانونية المرتبطة بتنظيم الوظيفة العمومية (الفقرة الاولى) .وأيضا مختلق المتدخلين وهنا نقصد الجهات الأساسية التي تدخل في تنظيم الوظيفة العمومية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الأسس الدستورية والقانونية للوظيفة العمومية وتنظيمها

تتعدد النصوص القانونية المؤطرة للوظيفة العمومية والتي تحكم تنظيمها، فنجد الدستور ينظم هذه الوظيفة في مختلف فصوله؛ ففي الفصل الأول نجده يتحدث عن الحكامة الجيدة ومختلف المبادئ التي تأتي لتفعيلها، وفي نفس الفصل نجد المشرع يتحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة التي تحدثنا عنها آنفا، وأيضا في الفصل 154 و 156 التي جعلت المساواة في الولوج إلى الوظيفة العمومية والإنصاف في تغطية التراب الوطني والإستمرارية في أداء الخدمات مبادئ يسعى عن طريقها تنظيم الوضيفة العمومية، كما حدد عدة معايير منها الجودة والشفافية... وقد نص الفصل 71 من الدستور على أن من الميادين التي يختص بها القانون بالتشريع النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وأيضا الضامانات الأساسية الممنوحة للوظفين والعسكرين إضافة إلى علاقات الشغل والضمان الإجتلاعي وحوادث الشغل والأمراض المهنية. كما أن  لرئيس الحكومة بالتعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤساسات والمقاولات العمومية مع مراعاة إختصاص الملك والمجلس الوزاري . كما من الأسس الدستورية التي تحكم  تنظيم الوظيفة العمومية لدينا ضمان وتنظيم حق الإضراب وحرية الإنتماء النقابي.

ويعتبر ظهير 24 فبراير بثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية نصا ذي طبيعة تشريعية، حيث أدرج أول دستور للمملكة دستور 1992 هذا الأخير ضمن مجال القانون، وتكرر نفس المقتضى في جميع الدساتير اللاحقة[8]. كما يشكل المصدر التشريعي الرئيسي للوظيفة العمومية المدنية، إلى جانب مصادر: قوانين أخرى والإجتهاد القضائي والفقهي والمبادئ العامة للقانون. كما أن هذا النظام الأساسي يعتبر الإطار القانوني العام لتدبير الموارد البشرية بالإدارات العمومية والجماعات الترابية.

وعلى أساس مقياس سريان النظام الأساسي على موظفي الدولة يمكن تصنيف الأنظمة الأساسية الخاصة إلى ثلاثة أنواع[9]:

الأنظمة الأساسية الخصوصية؛ هي أنظمة لا تخضع للنظام الأسي العام للوظيفة العمومية وهي بالتالي بمثابة أنظمة أساسية مزاوية له. ويتعلق الأمر بالأنظمة الأساسية الخاصة بالقضاة ومتصرفي وزارة الداخلية مجلسي النواب والمتشارين ورجال السلطة.

·       النظام الأساسي لرجال القضاة؛

·       النظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية؛

·       النظام الأساسي الخصوصي للتصرفين بوزارة الداخلية؛

·       النظام الأساسي لهيئة رجال السلطة؛

·       النظام الأساسي الخاص برجال القوات المساعدة؛

·       النظام الأساسي الخاص وموظفات وموظفي مجلس المستشارين؛

·        النظام الأساسي الخاص بالمجلس الأعلى للحسابات؛

·        النظام الأساسي الخاص العسكريون.

الأنظمة الأساسية المخالفة، هي أنظمة أساسية يمكن أن تخالف جزئيا النظام الأساسي للوظيفة العمومية بالنظر لطبيعة إلتزاماتها وهي محددة على سبييل الحصر في الفصل 4 من النظام الأساسي العام من بينها: هيئات موظفي الخارجية وموظفي التربية الوطنية وموظفي التربية الوطنية وموظفي السجون وموظفي الأمن الوطني.

الأنظمة الأساسية العادية، وهي أنظمة أساسية يخضع كليا للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وتنقسم إلى أنظمة أساسية مشتركة بين الإدارت العمومية من قبيل

·       مرسوم 2.06.377 المتعلق بالنظام الأساس الخاص بهيئة المتصرفين المشركة بين الوزارات

·       مرسوم 2.99.651 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان المشتركة بين الوزارات

·       مرسوم 2.96.804 في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا.

  وأيضا نجد في الأنظمة العادية أنظمة خاصة[10] ببعض الإدارات العمومية كمفتشي المالية، ومفتشي الإدارة الترابية، وموظفي الجماعات الترابية.

الفقرة الثانية: الجهات الأساسية التي تدخل في تنظيم الوظيفة العمومية

تتعدد الجهات الأساسية المتدخلة في تنظيم الوظيفة العمومية أو عموما لها علاقة بالوظيفة العمومية، فيجب التمييز بين الأجهزة التنفيدية والأجهزة الإستشارية وأخرى قضائية.

فأما الأجهزة التنفيدية هي وزاية المالية وإصلاح الإدارة التي تهتم بتنظيم الحياة الإداري للموظفين عن ذلك عن طريق مديرية الوظيفة العموميةأيضا نفس الوزارة التي تهتم بالتنظيم الجانب المالي للموظفين والمتقاعدين، ثم نجد الوزارة الوصية التي تقوم بتسىير شؤون الموظفين من توظيف وترسيم وترقية... ، وأخير لدينا الصندوق المغربي للتقاعد الذي يتكلف بجمع إقتطاعات التقاعد وتوظيفها وأداء معاشات المتعاقدين.

يعتبر الحوار والتشاور من بين الأولويات الهامة التي تنهجها مديرية الوظيفة العمومية بقطاع إصلاح الإدارة بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الادارة، باعتبارهما من بين الأسس التي ترتكز عليها استراتيجية إصلاح الإدارة المغربية .

وحيث إن العمل بمبدأ التشاور ضمان لانخراط ومساهمة كافة الفرقاء في تدعيم الإصلاح الإداري ، فإن إحداث مؤسسة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية يحقق إلى جانب اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء أهم فضاءات التشاور ممثلة بذلك الاجهزة الاستشارية بقطاع الوظيفة العمومية .

وفي هذا الاتجاه ، تم تفعيل دور المجلس الأعلى للوظيفة العمومية كفضاء يسمح بمناقشة وطرح التصورات الحديثة والعملية للنهوض بالإدارة وبالإطلاع على المشاكل اليومية للتسيير الإداري وذلك عن طريق إشراك جميع الفاعلين المعنيين( الإدارات والجماعات المحلية وممثلي الموظفين). 

بالنسبة للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية فإنه يتكلف بإختصاصات متعددة منها أنه ينظر في جميع مشاريع القوانين الرامية إلى تغيير أو تتميم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية؛ كما يتكلف بالنظر في جميع القضايا ذات الطابع العام المتعلقة بالوظيفة العمومية المعروضة عليه من طرف الحكومة. كما يسهر في إطار المهام الموكولة إليه ، على احترام الضمانات الأساسية المخولة للموظفين. ويتكون المجلس من ممثلي للإدارة وممثلي الجماعات الترابية.

اما بالنسبة للجان الإدارية المتساوية الأعضاء فهي تكون مسؤولة على المستوى المركزي أي على المستوى الوزارات وأيضا على مستوى المصالح الخارجية وتقوم بدور إستشاري بعدد من الأمور التي تهم الموظفين كالترسيم بالنسبة للموظفين المتدربين أو مسألة الترقي بالإختبار أو بالدرجات. إذن فهي لجان إدارية تتابع الوضعية الإدارية للموظفين وتكون موجودة على مستوى الأقاليم وعلى مستوى المركز.

وأخيرا لدينا الجهات القضائية المتمثلة في المحاكم الإدارية بمختلف مستوياتها، فإن المحاكم الإدارية الإبتدائية تعتبر كملاذ من أجل تظلم إداري أو مالي[11]  ثم المحاكم الإستئناف الإدارية التي تبث في الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ثم لتبث الغرفة الإدارية فيها محكمة النقض. وأيضا في الجهة الأخرى لدينا المجلس الأعلى للحسابات الذي وقابة تنفيد للقوانين المالية والتحقق من سلامة العمليات الخاصة بمداخيل ومصاريف مصالح الدولة والجماعات الترابية.

  المبحث الثاني: وضعية الوظيفة العمومية بالمغرب

تعتبر الوظيفة العمومية الوسيلة الأساسية لممارسة الدولة لسيادتها المتمثلة في ضمان استمرارية المرفق العام أولا ثم تحسين جودة خدماته بشكل مضطرد والرقي بعمل الإدارة. ولذلك تقوم بمجموعة من التدابير. والوظيفة العمومية حق دستوري لكل مواطن و مواطنة، يمارسه وفق شروط يحددها القانون وإنطلاقا من مبادئ متجدرة كالمساواة التي تعتبر من أهم المبادئ التي ترتكز عليها الوظيفة العمومية، إلا أن الواقع المعاش يعكس تفاوتات تخل بهذا المبدأ و تخلق حالة من التوتر. لذلك تسهر على حمايتها مجموعة من الهيئات؛ إدارية مركزية ولامركزية، والتي تتجلى في مختلف مصالح الوزارات و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، ومن جهة أخرى هيئات كاللجان المتساوية الأعضاء و المجلس الوطني للوظيفة العمومية. ولكن رغم ذلك فقد شهد تدبير الوظيفة العمومية في الآونة الأخيرة اختلالات جوهرية خلخلت كياناتها على مستويين؛ الأول داخلي و يعني سيرها السير الطبيعي و الآخر خارجي و يعني النزوح عن وظيفتها في مواكبة تطور المجتمع. اختلالات تضاف إلى تركات قديمة تندر بمزيد من الاحتقان في غياب القدرة على التخلي عن الوظيفة العمومية كوسيلة لشراء السلم الاجتماعي و إقحامها فيما هو سياسي رغم أن البحث العلمي الإداري و الإحصائي قد بلغ في ضبط متغيراتها الإقتصادية مبلغ الكمال[12]

المطلب الأول:  مظاهر سعي الدولة للرقي  بالادارة المغربية من خلال تنظيم الوظيفة العمومية

         تسعى الدولة جاهدة إلى الرقي بمستوى جودة خدماتها و تحسين عمل الإدارة، متجنبة بذلك مختلف الاكراهات التي تعترض الإدارة بشكل عام. والجدير بالذكر أن تنظيم الوظيفة العمومية يكتسي مكانة مهمة في الاصلاح الذي تتبناه الدولة. ولدينا مجموع من التقارير التي تتحدث عن اصلاح الإدارة التي تتبناه الدولة والذي يمكن أن نتستشفه من خلاله مظاهر سعي الدولة للرقي بعمل الإدارة وذلك من خلال تنظيم الوظيفة العمومية، وعلى سبيل المثال تقارير الحصيلة السنوية لقطاع الوظيفة العمومية وتحديث الإداراة. وأيضا لدينا التقارير العامة للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية، ففي تقرير 16 يناير 2019 حيث إنعقد مجمع عام للمجلس كانت محل سياق الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018/ 2021، التي تنكب الحكومة ومختلف الفاعلين على تنزيلها، والتي من شأنها أن تدفع بالمسار الإصلاحي نحو تحولات هيكلية على المستوى التظييمي والتدبيري والتخليفي والرقمي من خلال تكريس ثلاثة مبادئ كبرى: الجودة في الخدمات العمومية، والكفاءة في تدبير الموارد البشرية وهذا المبدأ يتعلق بشكل خاص بالوظيفة العمومية وتنظيمها، وأخيرا لدينا مبدأ رعاية المرفق العام وخذمة المصلحة العامة[13].

وكما قلنا آنفا فإن قطاع الوظيفة العمومية قد إكتسح مكانة بارزة في الإصلاح إذ تبين ضرورة مراجعة منظومة الوظيفة العمومية وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا. فقد تضمنت الخطة الوطنية مشاريع أساسية تتوزع على أربع تحولات هيكلية، همت ثلاث منها الوظيفة العمومية: تحول تدبيري وتحول رقمي وتحول تخليقي.

فأما التحول التدبيري والذي يتعلق بشكل كبير موضوع بحثنا فيتمحور حول إعادة النظر في طرق ومنهجيات التدبير المعتمدة عبر إستعمال الأساليب التدبيرية الحديثة، سواء فيما يتعلق بالموارد البشرية أو يتصل بأنشطة العمل العمومي، وتضمن المشاريع التالية:

 

·       إعتماد التدبير بالكفاءات؛

·       إعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا والمتوسطة؛

·       تطوير منظومة الولوج إلى الوظائف العمومية؛

·       تطوير منظومة تقييم أداء الموظف؛

·       المرصد الوطني للموارد البشرية بالإدارة العمومية؛

·       إصلاح نظام الرخص.

وأما التحول الرقمي فيتحدد في إعتماد الأليات والوسائل التكنولوجية الحديثة، وإستثمارها من طرف مختلف الإدارات العمومية من أجل تعميم ودعم الخدمات العمومية وتيسير ولوج المقاولة إليها، والذي يتضمن من بين مشارعيه، مشروع نظام معلوماتي مشترك لتدبير الموارد البشرية بالإدارات العموميةSHIRT-UP .

وأما في مايتعلق بالتحول التخليقي، فهو يرتكز على الصيغ والأليات الكفيلة بترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة ودعم الأخلاقيات المهنية بالإدارة العمومية بغية تعزيز النزاهة والشفافية والمسؤولية وتكريس الإنفتاح على المواطن والمجتمع، تضمن مشروع يهدف إلى تدبير الزمن الإداري بالإدارة العمومية.

ومن خلال هذ الإطلالة يتضح أن الدولة تقوم بجموعة من التدابير التي تسعى من خلالها التحسين والرقي بعمل الادارة إنطلاقا من تنظيم ذي جودة وفعالية للوظيفة العمومية.

 المطلب الثاني: الإكراهات التي تعترض الدولة أثاء تتظيم الوظيفة العمومية والتي تؤول دون تحقيق حكامة جيدة للادارة

من خلال النقاش العام الدائر حول تحديث الدولة للإدارة، كان نظام الوظيفة العمومية في غالب الأحيان محط نقد. فهو يقدم كمصدر لكل ذلك التحجر وتلك النقائص اللذان يطبعان الإدارة، كما يعتبر سببا لسوء تسيير الإدارة، ويرى البعض أن إصلاحه بمثابة تمهيد لكل تحديث لتدبير الموارد البشرية داخل الإدارة . فالتساؤل المطروح: هو معرفة ما إذا كان بإمكان نظام الوظيفة العمومية، والنصوص الصادرة بتطبيقه، مساير لمتطلبات تجديد وتحديث الإدارة.

وهكذا، فإن قضايا أساسية تتعلق بالنظام العام للوظيفة العمومية يتعين دراستها من أجل تشخيص السلبيات التي تمس مسألة الولوج الى الوظيفة العمومية، وتدبير المسار الوظيفي، والأجور والحركية ونظام التأديب[14].

تخضع الوظيفة العمومية لمقتضيات القانون العام في شقه الإداري و هي بهذا تستلهم قواعدها بالإضافة إلى القوانين و التنظيمات من اجتهاد القضاء الإداري.

 يرجع القانون المنظم للوظيفة العمومية إلى سنة 1958، وقدم مقتضياته رغم عدد ليس بالهين من التعديلات تؤدي دون قدرته على احتواء تطور المجتمع المغربي الذي عرف تغيرات جوهرية مهمة طيلة نصف القرن الماضية.

فمن جهة، تعتبر الدولة القانون الأساسي للوظيفة العمومية نصا جامدا لايناسب الطبيعة المرنة لاقتصاد السوق الذي ما فتئت تنادي بتطبيق قواعده في شقها البشري. و هذا يعني إمكانية التسريح لظروف اقتصادية مثلا، و هذا إجراء متواجد في عدد من الدول خاصة المتقدمة. و من جهة أخرى يجد الموظفون العموميين أنفسهم أمام نصوص قانونية لا تساير طموحاتهم و رغبتهم الطبيعية في التطور كالترقية والتكوين والانتقال جغرافيا وبين القطاعات.

بقدر ما ينتقد جمود و أحادية نظرة القانون الأساسي للوظيفة العمومية بقدر ما خلق تعدد الأنظمة الخاصة بكل قطاع تفاوتات بين أسرة الموظفين العموميين. هذا دون إغفال نتائج اللاتمركز الإداري التي سمحت لبعض المؤسسات العمومية من التوفر على أنظمة خاصة بها تعطي في غالب الأحيان امتيازات مهمة بالمقارنة مع القطاعات الوزارية و الجماعات الترابية، و يكفي استقصاء هذا الأمر في صندوق الإيداع و التدبير أو المكتب الوطني للكهرباء أو الوكالة الجهوية للاستثمار الفلاحي و غيرها من المؤسسات العمومية. و هذه التفاوتات هي ضرب واضح لمبدأ المساواة التي تخلق حالات شاذة لا يمكن في أي حال من الأحوال إغفال تأثيرها على سير الوظيفة العمومية و المجتمع عامة[15].

وأيضا لدينا إكراهات مرتبطة بتدبير الموارد البشرية:

·       فعلاقة بالإشكال القانوني فإن تنوع فئات الموظفين يؤدي إلى تعدد مساطر تدبير الحياة المهنية للموظفين، وأحيانا تنحدث حول نزوع للفئوية؛

·       أن ضخامة الكتلة البشرية العاملة بإحدى القطاعات كقطاع التعليم يؤدي إلى ضخامة العمليات التدبيرية مما يخلق ضغط كبير على المدبرين وبالتأكيد لهذا آثار سبلية على أجال المعالجة؛

·       كما أن تنوع المهام المزاولة لبعض الموظفين يشكل عبأ لا يسمح للتفرغ بالمهام الأساسية؛

·       زيادة على ذلك تعدد فئات المسؤولين؛

·       تعدد المستويات الإدارية لمزاولة المهام؛ مركزية ولامتمركزة وأيضا لامركزية ترابية ومرفقية، مما يخلق صعوبات في الإشراف والتنسيق والتواصل الداخلي؛

·       كما أن الموارد البشرية لبعض الوزاراة في حركية مستمر كما نجد في وزارة التربية الوطنية حيث يسجل في السنة أكثر من 51000 مشارك[16] في الحركة التعليمية الوطنية كما تنضاف إلي هذه الحركة حركات إنتقالية جهوية ومحلية تخلق صعوبات في إستقرار الموارد البشرية ويشكل عبئ في تنظيم هذه الحركات؛

·       الصعوبات المرتبطة بالحوار الإجتماعي القطاعي التي تأتي مع تعدد الملفات المطلبية وتنوع الأجندات النقابية بتعدد الفئات والنقابات مما يفرز عبئ تدبيير الحوار الإجتماعي.

  خاتمة

إن الجدير بالذكر أن الدولة وباقي الهيئات تسعى إلى التحسين من عمل الإدارة وذلك بالقيام بمجموعة من الإجراءات  لكن إن تراكم المهام و المسؤوليات يجعل من استراتيجيات الدولة في هذا الموضوع مخططات متسرعة و متوترة كما أن ضعف البحث العلمي المندمج في الموضوع يجعل من هذه الاستراتيجيات برامج فقيرة تجسدها عناوين كبرى مستمدة من الرصيد الاصطلاحي للبنك الدولي و صندوق النقد الدولي.

خلاصة القول أن الوظيفة العمومية بالمغرب تعاني من مجموعة من التغراث من بينها عدم إعطاء أليات حقيقية تكفل مشاركة الموظفين في إصلاح الوظيفة العمومية والتجويد من تنظيمها، فالبرغم من تنصيصه على أجهزة في هذا المجال كالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية واللجان المتساوية الأعضاء التي تستشار في الوضعيات الإدارية للوظفين، إلا أن هذذ الأجهزة ليست كافية لتحقيق مشاركة فعلية للموظفين في إصلاح الوظيفة العمومية. كما أن تعدد الأنظمة الخاصة قد خلق تفاوت بين أسر الموظفين العموميين هذا دون إغفال نتائج اللامركزية المرفقية التي سمحث لبعض المؤسسات العمومية من التوفر على أنظمة خاصه بها تعطي في غالب الأحيان إمتيازات مهمة بالمقارنة مع قطاعات وزارية أخرى وجماعات ترابية.

لذلك يمكن القول أن تنظيم الوظيفة العمومية يكتسي أهمية بالغة، إذ أنه يمكن إعتباره مدخل للإصلاح الإدارة؛ مما يجعل الفرضيتين الاولى والاخيرة خاطئة على خلاف الفرضتيين الثانية والثالثة لنخلص أن الدولة تسعى  من خلال تنظيم الوظيفة العمومية إلى الرقي بالإدارة المغربية الا انه هناك مجموعة من الاكراهات تعترضها.

 



[1]  الندوة العلمية الدولية "مسقبل الوظيفة العمومية المغربية بعد 60 سة من صدور النظام الاساسي للوظيفة العمومية"، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويوي، يوم الأربعاء 28 مارس 2018.

[2] عرض حول الوظيفة العمومية الحقوق والواجبات، المسار المهني، المملكة المغربية، رئيس الحكومة، وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، مديرية الوظيفة العمومية، 24 ـــ25 يناير 2018، ص 11,

[3] الظهير شريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ونشر بالجريدة الرسمية العدد 2372 ب 11 أبريل 1958،الفصل 2

[4] الفصل الثالث، النظام الاساسي للوظيفة العمومية، مرجع سابق

[5] غوفي هارون، المبـادئ المعـتمـدة في تـولي الوظائف العمومية، مذكرة مكملة من متطلبات نيل شهادة الماستر في الحقوق تخصص: قانون إداري، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية, الموسم الجامعي:2013/ 2014، الصفحة 36.

[6] اسماعيل صحافي، القانون الاداري( النشاط الاداري)، دار القلم بالرباط، الطبعة الثانية 2010، الصفحة 82

[7]المادة 5 مشروع قانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية، الامانة العامة للحكومة، المطبعة الرسمية، الرباط 2019.

[8] عرض حول الوظيفة العمومية الحقوق والواجبات، المسار المهني، مرجع سابق، ٍص16

[9] عرض حول الوظيفة العمومية الحقوق والواجبات، المسار المهني، مرجع سابق، ٍص 22

[10] عرض حول الوظيفة العمومية الحقوق والواجبات، المسار المهني، مرجع سابق، ٍص 27

[11] محمد أمين الركالة، النظام الاساسي للوظيفة العمومية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، المدرسة العليا للاساتدة، شعبة علوم الاحياء، مادة التشريع المدرسي https://www.youtube.com/watch?v=TEM3D8gzXDs تاريخ الزيارة 27 مارس 2020 على الساعة 21:13

[12] جواد أشنيض، الوظيفة العمومية، نشر في بني ملال أون لاين يوم 25 - 05 – 2012، https://www.maghress.com/benimellal/1000533 تاريخ الزيارة 28 مارس 2020 على الساعة 17:44

[13]  التقرير العام للمجلس الاعلى للوظيفة العمومية، الجمع العادي، يوم الأربعاء 16 يناير 2019 بمقر المدرسة الوطنية العليا للإدارة، الصفحة 2

[14] ملخص للتقرير المنجز حول النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، https://www.mmsp.gov.ma/SiteMonadara/siteAra/publication/nidamasassi.pdf تاريخ الزيارة 29 مارس 2020 على الساعة 15:30 الصفحة 5،

 

[15] جواد أشنيض، الوظيفة العمومية،  مرجع سابق، تاريخ الزيارة 29 مارس 2020 على الساعة 17:29

https://www.maghress.com/benimellal/1000533

[16]  المراجعة الشاملة للنظام الاساسي للوظيفة العمومية، ،المملكة المغربية، وزارة النربية الوطنية، قصر المؤتمرات، الصخيرات الجمعة، 21

 يونيو 2013،    https://www.mmsp.gov.ma/uploads/file/Education_Nationale.pdf تاريخ الزيارة 29 مارس 2020 على الساعة 19:23، ص 14



المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق