إشكالات العقار بالمغرب
يعرف المغرب بنية عقارية مركبة ومعقدة ناتجة عن تداخل مجموعة من العوامل التاريخية واالجتماعية واالقتصادية وغيرها. وقد نتج عن هذ الوضعية تنوع في األنظمة القانونية المؤطرة للعقار، مما أفرز بدور جملة من اإلكراهات واالختالالت والقيود التي تعيق تصفية الوضعية القانونية والمادية للعقار وتنظيم تداوله واستعماله. ويمكن الوقوف بالخصوص على الإشكاليات التالية :
.1 ترسانة قانونية في حاجة إلى التحيين والتحديث والملائمة لعل أول ملاحظة يمكن تسجيلها تتمثل في قدم الترسانة القانونية المنظمة للعقار بمختلف أنظمته، حيث إن جملة من التشريعات العقارية تعود إلى بداية القرن الماضي إبان نظام الحماية. ومن جهة أخرى، فقد نتج عن تنوع البنية العقارية بالمغرب تعدد النصوص القانونية المنظمة للعقار باختالف أصنافه، مما نجم عنه تشتت القواعد المطبقة على الملكية العقارية وتداخلها، مع ما يتبع ذلك من أوضاع قانونية متشابكة ومعقدة.
لقد تم بذل مجهود كبير خلال العقد الأخير من أجل سن النصوص القانونية التي تروم التخفيف من حدة المشاكل التي يعرفها هذا القطاع الحيوي، غير أن الترسانة القانونية المنظمة للعقار ال تزال تسجل بعض االختالالت التي يمكن إجمالها فيما يلي:
۔ غياب منظور شمولي ومتكامل لتحيين وتحديث المنظومة القانونية المؤطرة بما يساير الترورات الإقتصادية والإجتماعية الراهنة والأدوار المتجددة للعقار في التنمية؛
۔ عدم ملائمة مختلف النصوص القانونية المنظمة للعقار مع باقي القوانين المتعلقة باستعماله، والسيما في مجال التعمير والتهيئة المجالية؛
۔ افتقاد السياسة التشريعية للتنسيق والإلتقائية المرلوبين، حيث تتم صياغة النصوص التشريعية والتنظيمية وفق مقاربة منفردة لكل قراع على حدة، مما يؤدي إلى تداخل النصوص في بعض الحاالت؛
۔ عدم توفر الكثير من النصوص التشريعية للمراسيم التطبيقية والأيات التنظيمية اللازمة لتنزيلها، بما ينسجم مع الترورات االقتصادية واالجتماعية.
.2 ازدواجية النظام العقاري المغربي
على الرغم من سعي مدونة الحقوق العينية إلى تجاوز مشكل ازدواجية القواعد الموضوعية المربقة على الملكية العقارية والحقوق العينية المتفرعة عنها، فإن النظام العقاري المغربي لا يزال يتسم بالإزدواجية، إذ يتعايش نظام العقارات المحفظة الخاضع ألحكام الشهر العيني، مع نظام العقارات غير المحفظة الذي يخرج عن نطاق تطبيق هذ الأحكام. وتعترض نظام العقارات غير المحفظة، والتي تشكل غالبة النسيج العقاري المغرب، جملة من الصعوبات واإلكراهات التي تحول دون تعبئتها وتنظيم تداولها واستعمالها، األمر الذي يجعل جزءا كبيرا من الوعاء العقاري خارج الدورة االقتصادية، ومنها على الخصوص:
۔ هشاشة الوضعية القانونية والمادية للعقارات غير المحفظة، فالعقود العدلية التي يعتمد عليها إلثبات حق الملكية ال تتوفر في أغلب األحيان على المعلومات المدققة للعقار،لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الربوغرافية من حيث المساحة والحدود والمشتملات؛
۔ عدم استقرار الوضعية القانونية لهذ العقارات، وكذا التصرفات القانونية التي تقع عليها، وهو ما يجعلها مفتوحة للنزاعات بشكل مكثف، ويعرض حقوق أصحابها أحيانا للضياع؛
۔ عدم إشهار الحقوق العينية الواردة على هذ العقارات، األمر الذي يصعب معه، في كثير من األحيان، تتبع الوضعية القانونية لهذ العقارات، ومعرفة مالكيها الحقيقيين وأصحاب الحقوق العينية عليها؛
تعقد مسررة الخروج من الشياع؛
۔ غياب جهة محددة لتقييد التحمالت العقارية الواردة على العقارات غير المحفظة؛
۔ ضعف سندات إثبات ملكية هذ العقارات وباقي الحقوق العينية الواردة عليها، وتعدد المنازعات المتعلقة بها، وكذا طول الفترة الزمنية للبت فيها؛
عدم صلاحية سندات ملكية هذ العقارات كضمانة رهنية لتمكين أصحابها من إمكانية الولوج إلى إمكانية التمويل البنكي، مما يجعلها ال تتوفر على الصفة االئتمانية. إن واقعا من هذا القبيل يجعل جزءا كبيرا من الوعاء العقاري خارج الدورة االقتصادية، مما يستدعي التفكير في تأهيل نظام العقار غير المحفظ وتسخير لخدمة التنمية، في انتظار إدماجه في نظام السجل العيني مع ما يوفر هذا النظام من امتيازات. .3 إشكاليات على مستوى نظام التحفيظ العقاري: إذا كانت إيجابيات نظام التحفيظ العقاري ال يجادل فيها أحد، من حيث تأمين الملكية العقارية وتيسير تداولها واستقرار المعامالت الواردة عليها، فإن هذا النظام ال يزال يعاني من بعض اإلكراهات التي تحد من تعميمه، حيث ال تتعدى نسبة العقارات المحفظة لحد اآلن 20 % من مجموع الوعاء العقاري الوطني، مع اإلشارة إلى أن هذ النسبة تفوق في بعض الدوائر الحضرية 90 .% ومن أهم اإلكراهات التي تعيق تعميم نظام التحفيظ العقاري:
۔ الرابع االختياري للتحفيظ وجهل المالك بمزايا التحفيظ؛
۔ ارتفاع كلفة التحفيظ بالنظر للقدرة الشرائية للمواطنين؛ ۔ كثرة التعرضات وبطء مسررة البت فيها من طرف القضاء؛
۔ عدم تحيين الرسوم العقارية التي تؤدي إلى عدم مرابقة الرسوم العقارية للواقع المادي للعقار من حيث أصحاب الحقوق العينية الواردة عليه وتواريخ نشوئها، وكذا التغييرات الالحقة على وضعيته المادية ومشتمالته.
4 تعدد وتنوع الهياكل العقارية يتميز النظام العقاري المغربي بتنوع هياكله، فإلى جانب الملكية الخاصة التي تشكل حوالي 75 % من الوعاء العقاري الوطني، نجد أمالك الدولة العامة والملك الخاص للدولة، والملك الغابوي، وأمالك الجماعات الترابية، واألراضي الساللية، وأراضي الجيش، واألمالك الوقفية. ومع أن هذا التعدد ال يمثل إشكالا في حد ذاته، إلا أن طريقة تدبير تنروي على مجموعة من اإلكراهات التي تؤثر على تأمين الوضعية القانونية لهذ األنظمة العقارية المتعددة، وتعبئتها وإدماجها في التنمية
. ويمكن التمييز في هذا اإلتجا ما بين ملك الدولة العام والملك الخاص للدولة والملك الغابوي واألمالك الخاصة للجماعات الترابية وأراضي الجموع وأراضي الجيش وأراضي األوقاف.
.5 تعدد الفاعلين المؤسساتيين في تدبير العقار: إشكالية التنسيق وااللتقائية لقد نتج عن تعدد وتنوع البنية العقارية أثر على عملية ضبط المجال العقاري وتنظيمه على المستوى المؤسساتي من حيث الجهات الرسمية المتدخلة في تدبير وضبط المجال العقاري، فهناك وزارة االقتصاد والمالية، ووزارة الداخلية، ووزارة األوقاف والشؤون الإسلامية، والوزارة المكلفة بالتجهيز، والمندوبية السامية للميا والغابات ومحاربة التصحر، مما يكرح إشكالية التنسيق والإلتقائية بين هذ الجهات المدبرة، وعدم توحيد الرؤية بخصوص كيفية ضبط هذ الأملاك وتنظيم استعمالها وتعبئتها
ونذكر من جملة االختالالت المرتبرة بهذ الوضعية: ۔ صعوبة ضبط الوضعية المادية للعقارات العمومية غير المحفظة من حيث الحدود والمساحة، مما يررح إشكالية إثبات الصبغة العمومية للعقار، ويسهل عملية الترامي عليه من طرف الغير وإبرام التصرفات القانونية بشأنه؛
۔ غياب قاعدة بيانات خاصة بالعقار العمومي من شأنها تحسين معرفة مدبريه بمكونات هذا العقار، سواء من حيث المساحة والموقع الجغرافي أو من حيث الربيعة؛
۔ نشوء نزاعات في كثير من األحيان بين األنظمة العقارية العمومية، في ظل غياب جهة رسمية للتحكيم في شأن هذ النزاعات بدل اللجوء إلى القضاء؛
۔ غياب إطار شمولي ومندمج للتخريط والبرمجة كفيل بتحديد الحاجيات الحقيقية من األرصدة العقارية للدولة وإعادة تكوينها؛
۔ صعوبة إعادة تكوين االحتياط العقاري العمومي لمواكبة المشاريع التنموية.