الفصل الأول الإطار المفاهيمي لمادة المناهج
المبحث الأول ماهية العلم
مفهوم العلم بالمنظور الفلسفي
يمكن القول في هذا الإطار إن فلسفة العلم هي ذلك الجانب الذي يبحث في أساس واصل العلم النظريات الفلسفية المتعلقة به وقد تأرجح العلم بين النظرية المثالية والنظرية المادية ,في حين كان للعلم مفهوم وأساس واضح في فهم المسلمين لذلك نحاول ان نتطرق إلى كل هذه النظريات فيما يلي
العلم من وجهة نظر الاتجاه المثالي
من أنصار هذه المدرسة الفيلسوف أفلاطون , وفي راية إن النفس البشرية كانت تعلم كل شيء قبل ان تحل بالجسد , وفي راية ان حلول النفس البشرية بالجسد جعل من العقل البشري يحتوي على الفكر الخالص الذي يفسر كل شيء ,ويرى هذا الاتجاه انه لا حاجة لاتصال الإنسان بالمادة لان هذه الأخيرة ليست أساس العلم وان مصدر العلم ليس التبادل من خلال العيش في جماعة بل هو ناتج عن الفكر الخالص.
وعند أصحاب هذه المدرسة فانه يجب الابتعاد عن الجانب المادي ,حيث إن العلم عندهم يقتصر على الجانب النظري وان العلم التطبيقي هو أمر غير محبذ لأنه يدنس العلم , وقد عاب أفلاطون على احد العلماء اللجوء إلى رسم إشكال هندسية ,حيث إن هذه عملية في رايه تنزل بالعلم مرتبة الأشياء التي يمكن إن تلمسها ,والعلم لا يلمس ولا يرى بل هو قوة عقلية لا يمكنها النزول إلى الواقع.[1]
وقد انتقلت النظرة المثالية للعلم الى اوربا طيلة القرون الوسطى , وكانت الكنيسة في هذه الفترة تسيطر على المجتمع الاوربي بوصفها مبادىء دينية صارمة , وتؤدي مخالفة هذه المبادىء الى محاكمة وحتى الاعدام , وكانت عملية نشر الكتب لا تتم الا بموافقة الكنيسة , وكانت الظواهر العملية في هذه الفترة تفسر بطريقة روحانية بحيث تربط الظاهرة بعالم خفي يتحكم فيها .
وساد مبدا "احترام الطبيعة من احترام الله" الذي يفترض عدم جواز دراسة الطبيعية بالتجربة بل يجب دراستها بمنهج الكنسي وهو المنهج الميتافيزيقي الروحاني,ولعل ابرز مثال على هو ماقامت به الكنيسة من محاكمة (جاليليو)عقب تاليفه لكتاب "حوار "
حيث عارض فيه مبادىئ الكنيسة الذي كان يقضي بان الارض هي مركز الكون وانها تابتة لا تتحرك [2].
من خلال كل ذلك, يمكن القول ان الكنيسة ساهمت كثيرا في تكريس المجهود الفكري عن طريق الاضطهاد العلماء , وانعكس ذلك على الشعوب فانتشر الجهل والتخلف,وعاشت اوربا بذلك في القرون الوسطى مرحلة من اسوا مراحل .
كل هذا وضع ولد تيارا معاكسا يسعى الى احدات التغير ويعادي النظرة المثالية بل انه يعادي حتى الدين واعتبره وسيلة لخداع الناس , وقد قاد هذا التيار االجديد"كارل مركس واسس مدرسة تحمل اسم "المدرسة المادية".
العلم من وجهة نظر المادي
يتعارض هذا الاتجاه تماما مع ماذهبت اليه المدرسة المثالية ,ويرى انصار هذا الاتجاه ان افكارنا يجب ان تتوافق مع الواقع وفي هذه الحالة نكون قد اكتسبنا معرفة , والمعرفة هي احلال افكار صادقة محل افكار غير صادقة,ويطرح انصار هذا الاتجاه سؤالا كيف نعرف ان افكارنا صادقة؟
فوق هذا الاتجاه إن مجرد الإيمان إن شيئا ما صادقا لا يعتبر معرفة ,من هنا ,لا نكون بصدد المعرفة الا اذا طورنا هذه الافكار بطريقة تبين لنا توافقها مع الواقع وإثباته ,
وهنا فقط نصل إلى المعرفة , إذن فالمعرفة عند أنصار هذا الاتجاه هي مجموع تصورتنا وآرائنا وقضايانا التي أرسيت واختبرت كانعكاسات صحيحة للواقع الموضوعي
و على عكس النظرة المثالية ,فان النظرة المادية ترى ضرورة عيش الإنسان وسط جماعي حتى يطور من لأفكاره ومعارفه ,ألان المعرفة تستمد من الوجود المادي ووجود غيرها من الناس
إذن المعرفة حسب النظرة المادية تنتج من خلال الاتصال المادي بالطبيعة, وبذلك فالمعرفة ماهي الحلول المشاكل التي يطرحها الواقع العملي ,تنص في بحوثنا نبدا أولا بالتماس المشكلة عن طريق الاتصال بالواقع والمجتمع او الطبيعة ,ثم تضع نظرية لحل الإشكال ثم نطبق هذه النظرية على الواقع لنعرف مدى توافقها مع الواقع العملي ,وعند فشل هذه النظرية نبدأ بصياغة نظرية أخرى,وبهذه الكيفية تتطور المعرفة.
وحسب النظرية المادية فان أي شيء غير متاح للحواس لا يعتبر معرفة وإنما هو خيال , وهنا انتقد الماديون الدين لأنه مبني على اعتبارات غير مرئية يجب الإيمان بها وهو خداع للناس.
فان كانت المدرسة المثالية تفصل بين المعرفة والحواس وتقييم المعرفة على الفكر الخالص , ويجب تجهل الحواس ,فان النظرة المادية على العكس تماما من ذلك ,فهي لا تؤمن بالمعرفة التي لا تتاح للحواس ومن ثم فهي لا تعترف بالدين بأنه طريقة لخداع الناس ولا يدخل في دائرة المعارف.
3-على سبيل المثال قال فلاسفة الإغريق ؟إن الجسام تتألف من ذرات وهذا صحيح,ولكن الأمر لديهم لم يكن سوى مجرد تخمين موفق ,فبينما اقتصر على التخمينات ,توصل العلم الحديت إلى هذه الحقائق عن طريق البحوث والدراسات العلمية المنظمة.
أخيرا يمكن القول إن أفكار نظرة المادية للدين أفكارا تتأثر كليا لا يتناسب مقتضيات ديننا الحنيف الذي وازن بين النظرة المثالية والمادية ,فإذا كان العداء الذي تتسم به النظرة المادية للدين مرده إلى ممارسة الكنيسة ,فان الدين الإسلامي أعطى للعلم قيمته,ووازن بين الطابع المادي للعلم و بين معتقدات الدينية
العلم عند العرب والمسلمين
أعطى الإسلام للعلم مكانة مرموقة ففي الوقت الذي أعطى كانت فيه أوربا تتخبط في الجهل والتخلف ,كانت الحضارة الإسلامية قد شهدت تقدما في مختلف العلوم ,وكانت العلوم عند العرب يحكمها مبدأ السببية ,أي لكل ظاهرة سبب ومبدأ التنامق والنظام في الكون 4.
ومن هنا (كان العلماء المسلمين)العلم عند المسلمين موضوع احترام ,ووازن العلماء المسلمين بين النظرية المادية للعلم والنظرة المثالية المتمثلة في الدين والمعتقدات (الدين الإسلامي)ولم تبدأ أوربا في التخلص من ضلاميتها إلا بعد إن بدأت عملية انتقال العلوم من اللغة العربية إلى ألاتينية.
التمييز بين العلم والمصطلحات المشابهة له
العلم والمعرفة
-تعريف العلم والمعرفة
العلم هو مجموعة من المبادئ والقواعد التي تشرح بعد الظواهر والعلاقة القائمة بينها,وهو جزء من معرفة يقوم على مجموعة من المناهج الموثوق بها التي يتبعها الباحث
4-ففي مجال الطب مثلا نجد إن ابن سينا يصف الإعراض ويشخص العلل,ثم يأتي على بيان الروابط والعلاقات بين العلل المتشابهة .وفي مجال الصيدلة كانت تعرف قوى الأدوية ,بطرقتين وهما التجربة و القياس
لتفسير
الظواهر والحقائق , هذه الأخيرة التي يتم التأكد من صحتها بواسطة التجريب او
العقل.
كما يعرف العلم بأنه"المعرفة
منسقة التي تنشئ عن الملاحظة والتجريب والدراسة والتي تقوم بفرض تحديد طبيعة وأسس
وأصول ما تتم دراسته".
ويعرف العلم بأنه "فرع من فروع المعرفة او الدراسة خصوصا ذلك المتعلق بتنسيق وترسيخ الحقائق والمبادئ والمناهج بواسطة التجارب والفروض".
أما المعرفة فهي مجموعة من المعنى والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به.
-أنواع المعرفة
هناك المعرفة الحسية .المعرفة الفلسفية التأملية,المعرفة العلمية
ا-المعرفة الحسية وتتمثل في كل التفسيرات والحلول التي توصل إليها الإنسان عن طريق الحواس, وتبدأ بالملاحظة البسيطة العفوية التي بعقبها تفسير مباشر وعفوي من طرف الإنسان كإدراكه تعاقب الليل والنهار,وتقلب الأحوال الجوية وهذه المعرفة لا ترقى إلى مرتبة المعرفة العلمية
ب-المعرفة الفلسفية التأملية هدا النوع من المعرفة مبني على التأمل والتفكير في إشكاليات مثل الموت خلق الكون وهي مشكلات غير مرتبة ترتبط بعالم الميتافيزيقي .
المعرفة العلمية وهي معرفة تقوم على إتباع منهج مضبوط وأساليب بحث. ويتوصل إليها الإنسان عن طريق الأضرار والبحث التواصل ,وهي على نوعين
المعرفة العلمية الفكرية
المعرفة العلمية التجريبية
*المعرفة العلمية الفكرية في هدا الإطار تدرس الظواهر الإنسانية والاجتماعية ويستخدم الباحث هنا الأدوات عقلية مثل الاستدلال ويتم التأكد من صحة النتائج عن طريق العقل ,وموضوع المعرفة الفكرية العلمية هي دراسة ظواهر مادية يعيشها الإنسان في واقعه مثل الدولة القانون الانتخابات الأمة ...الخ
المعرفة العلمية التجريبية هي مجموعة الحلول والتفسيرات للظواهر الطبيعية والتي توصل إليها الإنسان بدءا بالملاحظة ثم الفرضية ثم التجريب ,ويستطيع إي إنسان التأكد من صحة النتائج باعده التجربة ,وهذه معرفة توصف بأنها موثوق فيها أكثر من غيرها.
التمييز العلم والفن والثقافة
-التمييز العلم والفن
يمكن إن نميز بين العلم والفن من خلال الموضوع والهدف والوظيفة والتراكمية .
*ففيما يتعلق بالموضوع فموضوع العلم هو اكتشاف النظريات ومحاولة تفسير الظواهر والعلاقات فيم بينها, في حين إن الفن هو عبارة عن تلك الإجراءات والأساليب العملية لانجاز فكرة أو عاطفة ما ,وقد يكون انجاز هذه الفكرة بتطبيق قانون وضعه العلم ,أو يكون ناتج عن ابتكار فنان في حد ذاته , إما فيما يتعلق بانجاز عاطفة معينة , فيكون عن طريق الأعمال الشعرية والأعمال الأدبية مثل القصة والرواية ... الخ
إذن فالعلم يمتاز بالموضوعية ,في حين إن الفن يتعلق بذاتية الإنسان بل هو تعبير صادق عن الذاتية .
*إما من حيث الهدف والوظيفة فان العلم يهدف إلى الاكتشاف والتفسير والتنبؤ ,الضبط والتحكم ,في حين ان الفن يسعى الى تحقيق عمل تطبيقي تظهر فيه مهارة الفنان ويتدخل فيه شخصيته, فالفن طابعه تطبيقي في حين إن العلم طابعه نظري
6 وهناك من العلماء من لا يؤمن بالمعرفة العلمية الفكرية ولا يعتبر هدا النوع من المعرفة بأنه دو طابع علمي ,بل يؤمن فقط بالعلم الذي لا يستخدم فيه المغالاة ,لان المعرفة التجريبية لا تشكل وحدها طريق إلى العلم وما يؤكد ذلك هو استخدام المعرفة الفكرية العلمية لمناهج البحث العلمي واستخدام الفرضيات والوصول إلى حلول انطلاقا من استخدام قواعد المنهج.
*ومن حيث التراكمية , فالعلم يلغى القديم فبروز نظرية جديدة ودحضها للنظرية القديمة يسفر عنه إلغاء النظرية القديمة ,في حين ان الفن لا يتميز بالتراكمية فهو يسير في خط أفقي و ومثال ذلك أنت قد تتذوق الشعر القديم أكثر من الإعمال المعاصرة
-تمييز العلم عن الثقافة
ان الثقافة هي مجموعة أنماط وعادات سلوكية ومعرف وقيم واتجاهات اجتماعية ومعتقدات وأنماط ومعاملات ومعايير يشترك فيها إفراد جيل معين تم تناقلها الأجيال بواسطة عوامل الاتصال والتواصل الحضاري
من خلال ذلك نستنتج إن الثقافة اكتر اتساعا من العلم ,والعلم ماهو إلا جزء من الثقافة .
أهداف العلم و خصائصه
*أهداف العلم
يهدف العلم الى
1- الوصف
2- التصنيف
3- التفسير
4- الفهم
*خصائص العلم
يتصف العلم بمجموعة من الخصائص نذكر منها
1 –المنهجية
2-التراكمية
3-التنظيم
4-الموضوعية
5-اليقين
6-السببية
7-التعميم
8-التجريد
9-الدقة
[1] وقد ساعد هذا الفكر على تقسيم المجتمع اليوناني ل طبقتين احرار والعبيد , فكان العبيد يتعاملون مع المادة (الاعمال اليدوية) اما الاحرار فيتعاملون مع النقاش و الفكر لان ذلك امر روحاني يرقى عن مرتبة العبيد.
[2] وقد وصف(جاليليو )الكنيسة بالرجل الساذج,حيث صور فيه ان ثلاثة رجال يتحاورون حول مبادىء الكون احدهم (جاليليو ) صاحب النظرية الحديثية والاخر هو عالم مثله يحاوره بحكمة وعلم والثاث رجل ساذج يطرح نقاشا ساذجا غير علمي. وقد تقبلت الكنيسة في بداية هذا كتاب ,لكن فيما بعد انقلبت علية بعد ان وصلت اخبار الى البابا مفادها ان اللاجل الساذج الذي يصورهم جاليليو في كتابه هو الكنيسة في حد ذاتها , وقد دعى (جاليليو)فيما بعد للمحاكمة من قبل محاكم التفتيش وماكان امام (جاليليو)الا السجود امام المحكمة والتوبة عن ارائه العلمية التي خالفت مبادىء الكنيسة.