كيف تعامل المشرع المغربي مع قضية تعدد الزوجات
كيف تعامل المشرع المغربي مع قضية تعدد الزوجات
الاستاذ البشير عدي
لم يكن المشرع المغربي بمقتضى الفصل 29 من مدونة الأحوال الشخصية قبل التعديل يقيد التعدد سوى بشروطه الشرعية، والمتمثلة في عدم تجاوز العدد المسموح به شرعا، وتحري العدل بين الزوجات دون أن يرتب أي أثر جزائي على عدم احترام هذا الشرط الأخير، فترك مسألة تقديره لضمير الزوج ووازعه الأخلاقي.
وبعد التعديل اشترط الفصل 30 منها، ضرورة إشعار الزوجة الأولى -والتي لها أن تشترط على زوجها إلا يتزوج عليها تحت طائلة صيرورة أمرها بيدها عند مخالفة الشرط- برغبة الزوج في التزوج عليها و إشعار الثانية بأنه متزوج. وخول هذا الفصل الزوجة الأولى إمكانية رفع أمرها للقاضي للنظر في الضرر الحاصل لها جراء إقبال الزوج على التعدد.
كما منح هذا الفصل القاضي إمكانية رفض الطلب عندما يستشعر الخوف من عدم العدل بين الزوجات. و مع أن هذه الإمكانية عامة و مطلقة في الخوف من عدم العدل، إلا أنها لا تنصب إلا على النواحي المادية.
وقد أثار ما ذكر حفيظة المناوئين للتعدد ومنتقديه، حيث ما فتئ دعاة المنع المطلق للتعدد يوجهون سهامهم للمشرع ويؤلبون ضده وطنيا و دوليا، و يشهرون به ويستعدون عليه في مختلف المناسبات و المحافل الدولية والوطنية. وتقاطعت دعواتهم مع مثيلاتها لدعاة التشدد في تقييد التعدد، مما أثر في توجهات المشرع في هذه المسألة وتجلت آثارها في مقتضيات مدونة الأسرة بهذا الشأن.
وإذا كان تقييد التعدد باعتباره مجرد مباح شرعي أمرا مقبولا ومطلوبا ، لما في ذلك من تحصين استعمال المباح في غير ما شرع له، وحماية للحق العام من التعسف في استعمال الحق الخاص حين تتعلق تداعياته وآثاره في جوانبها السلبية بالمجتمع عامة، وببعض أفراده ممن يعتبر في حاجة إلى الحماية والدعم والإسناد، وهم الأطفال عموما، والنساء في غالب الأحوال؛
وبالنظر أيضا للمتغيرات الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية التي يشهدها العالم الإسلامي ، وواقع تعدد الزوجات في الكثير من حالاته؛
و كذا بالنظر إلى مقاصد الشرع في سن الزواج و الحث عليه و الترغيب فيه، ومقاصد إباحة التعدد بشروطه و محاذيره الشرعية. باعتبار تقييد المباح من أبرز مجالات اشتغال الحاكم في نطاق السياسة الشرعية، درءا لمفاسد التي قد تنجم عن الاستهتار في استعمال الحق؛
و كذا بالنظر إلى مقاصد الشرع في سن الزواج و الحث عليه و الترغيب فيه، ومقاصد إباحة التعدد بشروطه و محاذيره الشرعية. باعتبار تقييد المباح من أبرز مجالات اشتغال الحاكم في نطاق السياسة الشرعية، درءا لمفاسد التي قد تنجم عن الاستهتار في استعمال الحق؛
إذا كان التقييد مقبولا ومطلوبا على النحو المذكور من حيث المبدأ، فإن الكيف والتطبيق يطرحان تساؤلات عديدة، تظهر تجلياتها وآثارها بداية من قيود النص التنظيمي للتعدد ومرورا بالمسطرة الإجرائية، وانتهاء بالسلطة التقديرية في منعه أو الإذن به.
فقد جاءت مدونة الأسرة ومنعت التعدد مطلقا، متى اشترطت الزوجة عدم الزواج عليها بمقتضى المادة 40 منها. وخولت المحكمة رفض الطلب في الحالة التي يخاف معها عدم العدل بعد قيام التعدد، اعتمادا على مجرد قرائن الحال القبلية، واشترطت على مريد التعدد متى وافقت الزوجة تأسيس رغبته على مبرر موضوعي استثنائي، و التوفر على الموارد الكافية لإعالة أسرتين.
ورفعت عنه بذلك وصف الإباحة وقيدته بقيود جعلتها أغلب التطبيقات القضائية شروطا تعجيزية، يستحيل معها التعدد مهما كانت وجاهة السبب الداعي إليه، ولو على حساب تفكيك الأسرة القائمة، بسلوك مسطرة التطليق للشاق التي ابتكرها مشرع المدونة حلا ناجعا لمعضلة إصرار الزوج على طلب التعدد، وتمسك الزوجة بالرفض.
وسنتطرق في ما يأتي لمسطرة التعدد القضائية بشكل وجيز، و لمفهوم المبرر الموضوعي والموارد الكافية لإعالة أسرتين، قبل أن ننهي بمناقشة هذه المستجدات على ضوء العمل القضائي.
أولا) مسطرة التعدد القضائية
في حالة غياب شرط عدم التعدد في عقد الزواج الأول يتعين على الراغب في التعدد أن يتقدم بطلب للمحكمة (المادة 42)، يثبت خلاله المبرر الموضوعي الاستثنائي وراء رغبته و كذا وجود الموارد الكافية لإعالة أسرتين، وتحقيق المساواة بينهما في جميع أوجه الحياة (المادة 41).
بعدها تستدعي المحكمة الزوجة الأولى فإن أبدت موافقتها بعد محاولة إصلاح بثت في الطلب بعد التأكد من وجود المبرر الموضوعي الاستثنائي و توفر الزوج على الموارد الكافية لإعالة أسرتين إما بالقبول، إن اطمأنت المحكمة لتوفر شروط التعدد حسب مقتضيات المدونة. أو بالرفض متى استشعرت الخوف من عدم إقامة العدل بين الزوجات.
وإذا لم توافق الزوجة على التعدد، و أصر الزوج على طلبه حاولت المحكمة إجراء محاولة إصلاح بينهما، فإن لم توفق في مسعاها وأصر الطرفان على موقفهما، فإن طلبت الزوجة التطليق حكم لها بمستحقات يتعين على الزوج إيداعها بصندوق المحكمة داخل أجل 07 أيام من تاريخ الأمر، وإلا عد متراجعا عن طلب الإذن بالتعدد، وإذا لم تطلب الزوجة التطليق طبقت المحكمة مسطرة الشقاق تلقائيا(المادة45) ([1]).
ومتى توفرت الشروط المطلوبة، وارتأت المحكمة الاستجابة للطلب، أذنت المحكمة بالتعدد بمقرر معلل غير قابل للطعن يمكن تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها و أطفالها(المادة44).
ولا يعقد المأذون له بالتعدد على الزوجة الثانية إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك، ويتوجب تضمين هذا الإشعار والرضا الصادر من الزوجة الثانية في محضر رسمي(المادة46).
ثانيا) مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي وشرط الموارد الكافية لإعالة أسرتين
أ)- مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي
لم يحدد المشرع بكيفية واضحة المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي، تاركا أمر تقديره للمحكمة و هي تنظر كل حالة على حدة.
وقد ذهب الدكتور محمد الكشبور إلى أن المقصود بالمبرر الموضوعي ما لا تستقر بغيره جوانب مادية أو معنوية من حياة الإنسان، ومن ذلك أن تكون المرأة عاقرا أو تنفر كثيرا من الاتصال الجنسي، أو أن لا تكون لها الرغبة فيه مطلقا، أو أن تكون مصابة بمرض عضال يقعدها عن الفراش. و يرى أن التكييف الراجع أمره بهذا الشأن للمحكمة يتعين التضييق فيه لأن الأمر يتعلق برخصة تحمل طابع الاستثناء([2]).
ويرى الدكتور محمد الأزهر أنه يكفي أن يكون مبررا مشروعا يساير مقاصد الشريعة([3]).في حين ذهب الأستاذ حسن عجمي إلى أن المقصود بتحقق المبرر الموضوعي الاستثنائي أن يكون الطلب الرامي للتعدد مستندا على سبب مشروع، ويكون كذلك إذا توفرت فيه صفتي الموضوعية والاستثنائية المتلازمتان بحيث لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى لورودهما في النص متتاليتين غير معطوفتين، مما يفيد أن تحقق صفة الموضوعية دون صفة الاستثنائية يجعل الطلب غير مبرر والعكس صحيح كذلك. فلا بد من تحقق الضرورات المبيحة للتعدد كحالة عقم الزوجة مع رغبة الزوج الفطرية في النسل،"فإذا كان يبدو من الوهلة الأولى أن العقم مبرر موضوعي لطلب التعدد إلا أنه لا يستمد صفة الاستثنائية إلا بعد التأكد بالوسائل العلمية الحديثة والاستعانة بذوي الاختصاص في ذلك وبعد مضي فترة زمنية يقول بعض الفقهاء ويحددونها في ثلاث سنوات فما فوق والمنطق يقول لابد من التأكد من معطيات الشهادة الطبية المدلى بها في الملف لمعرفة ما إذا كان العقم ناتجا عن خلقة أم مجرد نتيجة لبعض التعفنات التناسلية ولا بد كذلك من مراجعة المختصين في ذلك و النظر في كل حالة على حدة."([4]).
غير أنه بتتبع أحكام و قرارات محاكم الموضوع بدرجتيها يتضح مدى التناقض الواضح في تحديد مفهوم المبرر الموضوعي و الاستثنائي المذكور من محكمة إلى أخرى، ومن هيئة إلى أخرى داخل نفس المحكمة، بل بين حالة و أخري من هيئة حكم واحدة.
فبينما نجد مثلا ابتدائية الفقيه بن صالح تأذن بالتعدد لعدم قدرة الزوجة الأولى على الجماع([5])، وتأذن به لمرض الزوجة الأولى وعدم قدرتها على القيام بشؤونها دون مساعدة الغير([6])، وتأذن به لعلة هجر الزوجة الأولى فراش الزوجية لمدة طويلة([7])، و أيضا لعدم قدرة الزوجة على الإنجاب([8]). باعتبار ما ذكر مبررات موضوعية استثنائية.
نجد في المقابل ابتدائية تيزنيت ترفض الإذن بالتعدد لامتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية رغم موافقتها على التعدد، معتبرة امتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية لا يعد مبررا موضوعيا استثنائيا، بل اعتبرت موقف الزوجة في الامتناع عن المعاشرة موقفا سليما،ودعت الزوج إلى احترام موقفها الذي لا تلام عليه من وجهة نظر المحكمة، حيث جاء في حكم لها:"وحيث صرحت الزوجة أمام المحكمة أنها لا ترغب في إنجاب مزيد من الأولاد و أن ذلك هو السبب الذي دفعها إلى رفض معاشرة زوجها على الفراش....و عليه فإن موقف الزوجة موقف سليم ولا ضير عليها في الامتناع، وأن على الزوج أن يقدر موقفها ويحترم إرادتها،وعليه أن لا يتخذ ذلك سببا للزواج عليها ولو أبدت موافقة على ذلك، لأن هذه الموافقة لم تكن برضاها و إنما كانت بهدف تحقيق رغبتها في عدم إنجاب مزيد من الأولاد.
وحيث إن عدم... ثبوت المبرر الموضوعي الاستثنائي يجعل الطلب غير مؤسس و يناسب التصريح برفضه... "([9]).
وفي حين نجد الهيئة القضائية بمركز القاضي المقيم بتاركيست تمنح الإذن بالتعدد لعلة مرض الزوجة وهرمها وعدم قدرتها على القيام بواجباتها الزوجية، واعتبرت ذلك مبررا موضوعيا استثنائيا([10])؛
نجد ابتدائية خنيفرة ترفض الإذن بالتعدد مع عدم قدرة الزوجة على القيام بالشؤون الزوجية وعدم قدرة الزوجة على المعاشرة الزوجية لكبر سنها (54سنة) و لوجود تعفن بجهازها التناسلي. ولم تعتبر ذلك مبررا موضوعيا استثنائيا([11]).
كما نجد ابتدائية تيزنيت ترفض الإذن بالتعدد، لهرم الزوجة وبلوغها سن اليأس وعدم قدرتها على الإنجاب، ولم تعتبر ذلك مبررا موضوعيا استثنائيا، حيث جاء في حكم لها:"حيث ثبت من رسم زواج العارض أنه تزوج بالمذكورة معه بذات العقد بتاريخ 01/12/1999 وهي امرأة مطلقة من زوج سابق أنجب منها ولدان وأنها من مواليد 02/10/1936 وعليه فإن عمرها وقت العقد عليها كان يتجاوز ستين سنة، وهي بذلك بالغة سن اليأس و غير قادرة على الإنجاب وقتئذ.
وحيث إن العارض وباعتبار ما ذكر، كان عالما بسنها وحالها ولم تكن له النية في الإنجاب منها، وبالتالي لا يجوز له أن يتخذ من هذا الوضع سببا للتعدد،لأن هذا السبب تنتفي فيه مبررات التعدد القانونية والشرعية، وهي أساسا مبررات موضوعية واستثنائية، ومن هذا الوصف ينبغي أن تكون مبررات التعدد مجهولة وقت التعاقد، أو طارئة بعده، وعليه يكون الطلب المنظور غير مؤسس ويناسب التصريح برفضه" ([12]).
مع أن ذات المحكمة اعتبرت في حكم آخر عدم القدرة على الإنجاب بسبب خلل عضوي في الزوجة مبررا موضوعيا استثنائيا، يخول منح الإذن بالتعدد([13]).
ومن جهة أخرى لم تكتف ابتدائية العرائش بالشواهد الطبية المثبتة لعقم الزوجة بل أمرت بإجراء خبرة طبية تكميلية، لمنح الإذن بالتعدد([14])، في حين اكتفت ابتدائية تيزنيت على مجرد تصريح الزوجة على قيامها بإجراء تحاليل طبية لدى طبيب مختص و إخباره إياها بعدم قدرتها على الإنجاب لمنح الإذن بالتعدد([15]).
ولم تعتبر ابتدائية إنزكان الرغبة في إشباع الرغبة الجنسية في الحلال، رغم موافقة الزوجة، مبررا استثنائيا، لمنح الإذن بالتعدد، فقضت برفض طلبين قدما أمامها، و بعد الطعن في قراريها بشأنهما بالاستئناف، قضت استئنافية أكادير بتأييد أحدهما، وألغت الثاني، وقررت منح الإذن بالتعدد للطالب اعتمادا على ما راج ابتدائيا، ولمجرد تأكيد المستأنف بمذكرته الكتابية، أنه سيضمن جميع حقوق الزوجتين، حيث جاء في قرارها:"وحيث اتضح لمحكمة الاستئناف من خلال مناقشة ذلك (توفر مبررات طلب التعدد وقدرة الطالب عليه وموافقة زوجته لعدم قدرتها على تحمل الأعباء والواجبات الأسرية) ، ودراسة وثائق الملف خاصة من البحث المجرى ابتدائيا وكذا البحث الاجتماعي المجرى من طرف الضابطة القضائية حول الوضع الاجتماعي والمادي،وتوضيحات الزوج وموافقة زوجته العدلية أن طلبه مبرر،خاصة وأنه أكد بمذكرته التأكيدية أنه سيضمن جميع حقوق الزوجتين، مما ارتأت معه محكمة الاستئناف إلغاء الحكم الابتدائي و التصدي و الحكم وفق طلب المستأنف."([16]).
وقد ذهب الدكتور محمد الكشبور إلى أن المقصود بالمبرر الموضوعي ما لا تستقر بغيره جوانب مادية أو معنوية من حياة الإنسان، ومن ذلك أن تكون المرأة عاقرا أو تنفر كثيرا من الاتصال الجنسي، أو أن لا تكون لها الرغبة فيه مطلقا، أو أن تكون مصابة بمرض عضال يقعدها عن الفراش. و يرى أن التكييف الراجع أمره بهذا الشأن للمحكمة يتعين التضييق فيه لأن الأمر يتعلق برخصة تحمل طابع الاستثناء([2]).
ويرى الدكتور محمد الأزهر أنه يكفي أن يكون مبررا مشروعا يساير مقاصد الشريعة([3]).في حين ذهب الأستاذ حسن عجمي إلى أن المقصود بتحقق المبرر الموضوعي الاستثنائي أن يكون الطلب الرامي للتعدد مستندا على سبب مشروع، ويكون كذلك إذا توفرت فيه صفتي الموضوعية والاستثنائية المتلازمتان بحيث لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى لورودهما في النص متتاليتين غير معطوفتين، مما يفيد أن تحقق صفة الموضوعية دون صفة الاستثنائية يجعل الطلب غير مبرر والعكس صحيح كذلك. فلا بد من تحقق الضرورات المبيحة للتعدد كحالة عقم الزوجة مع رغبة الزوج الفطرية في النسل،"فإذا كان يبدو من الوهلة الأولى أن العقم مبرر موضوعي لطلب التعدد إلا أنه لا يستمد صفة الاستثنائية إلا بعد التأكد بالوسائل العلمية الحديثة والاستعانة بذوي الاختصاص في ذلك وبعد مضي فترة زمنية يقول بعض الفقهاء ويحددونها في ثلاث سنوات فما فوق والمنطق يقول لابد من التأكد من معطيات الشهادة الطبية المدلى بها في الملف لمعرفة ما إذا كان العقم ناتجا عن خلقة أم مجرد نتيجة لبعض التعفنات التناسلية ولا بد كذلك من مراجعة المختصين في ذلك و النظر في كل حالة على حدة."([4]).
غير أنه بتتبع أحكام و قرارات محاكم الموضوع بدرجتيها يتضح مدى التناقض الواضح في تحديد مفهوم المبرر الموضوعي و الاستثنائي المذكور من محكمة إلى أخرى، ومن هيئة إلى أخرى داخل نفس المحكمة، بل بين حالة و أخري من هيئة حكم واحدة.
فبينما نجد مثلا ابتدائية الفقيه بن صالح تأذن بالتعدد لعدم قدرة الزوجة الأولى على الجماع([5])، وتأذن به لمرض الزوجة الأولى وعدم قدرتها على القيام بشؤونها دون مساعدة الغير([6])، وتأذن به لعلة هجر الزوجة الأولى فراش الزوجية لمدة طويلة([7])، و أيضا لعدم قدرة الزوجة على الإنجاب([8]). باعتبار ما ذكر مبررات موضوعية استثنائية.
نجد في المقابل ابتدائية تيزنيت ترفض الإذن بالتعدد لامتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية رغم موافقتها على التعدد، معتبرة امتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية لا يعد مبررا موضوعيا استثنائيا، بل اعتبرت موقف الزوجة في الامتناع عن المعاشرة موقفا سليما،ودعت الزوج إلى احترام موقفها الذي لا تلام عليه من وجهة نظر المحكمة، حيث جاء في حكم لها:"وحيث صرحت الزوجة أمام المحكمة أنها لا ترغب في إنجاب مزيد من الأولاد و أن ذلك هو السبب الذي دفعها إلى رفض معاشرة زوجها على الفراش....و عليه فإن موقف الزوجة موقف سليم ولا ضير عليها في الامتناع، وأن على الزوج أن يقدر موقفها ويحترم إرادتها،وعليه أن لا يتخذ ذلك سببا للزواج عليها ولو أبدت موافقة على ذلك، لأن هذه الموافقة لم تكن برضاها و إنما كانت بهدف تحقيق رغبتها في عدم إنجاب مزيد من الأولاد.
وحيث إن عدم... ثبوت المبرر الموضوعي الاستثنائي يجعل الطلب غير مؤسس و يناسب التصريح برفضه... "([9]).
وفي حين نجد الهيئة القضائية بمركز القاضي المقيم بتاركيست تمنح الإذن بالتعدد لعلة مرض الزوجة وهرمها وعدم قدرتها على القيام بواجباتها الزوجية، واعتبرت ذلك مبررا موضوعيا استثنائيا([10])؛
نجد ابتدائية خنيفرة ترفض الإذن بالتعدد مع عدم قدرة الزوجة على القيام بالشؤون الزوجية وعدم قدرة الزوجة على المعاشرة الزوجية لكبر سنها (54سنة) و لوجود تعفن بجهازها التناسلي. ولم تعتبر ذلك مبررا موضوعيا استثنائيا([11]).
كما نجد ابتدائية تيزنيت ترفض الإذن بالتعدد، لهرم الزوجة وبلوغها سن اليأس وعدم قدرتها على الإنجاب، ولم تعتبر ذلك مبررا موضوعيا استثنائيا، حيث جاء في حكم لها:"حيث ثبت من رسم زواج العارض أنه تزوج بالمذكورة معه بذات العقد بتاريخ 01/12/1999 وهي امرأة مطلقة من زوج سابق أنجب منها ولدان وأنها من مواليد 02/10/1936 وعليه فإن عمرها وقت العقد عليها كان يتجاوز ستين سنة، وهي بذلك بالغة سن اليأس و غير قادرة على الإنجاب وقتئذ.
وحيث إن العارض وباعتبار ما ذكر، كان عالما بسنها وحالها ولم تكن له النية في الإنجاب منها، وبالتالي لا يجوز له أن يتخذ من هذا الوضع سببا للتعدد،لأن هذا السبب تنتفي فيه مبررات التعدد القانونية والشرعية، وهي أساسا مبررات موضوعية واستثنائية، ومن هذا الوصف ينبغي أن تكون مبررات التعدد مجهولة وقت التعاقد، أو طارئة بعده، وعليه يكون الطلب المنظور غير مؤسس ويناسب التصريح برفضه" ([12]).
مع أن ذات المحكمة اعتبرت في حكم آخر عدم القدرة على الإنجاب بسبب خلل عضوي في الزوجة مبررا موضوعيا استثنائيا، يخول منح الإذن بالتعدد([13]).
ومن جهة أخرى لم تكتف ابتدائية العرائش بالشواهد الطبية المثبتة لعقم الزوجة بل أمرت بإجراء خبرة طبية تكميلية، لمنح الإذن بالتعدد([14])، في حين اكتفت ابتدائية تيزنيت على مجرد تصريح الزوجة على قيامها بإجراء تحاليل طبية لدى طبيب مختص و إخباره إياها بعدم قدرتها على الإنجاب لمنح الإذن بالتعدد([15]).
ولم تعتبر ابتدائية إنزكان الرغبة في إشباع الرغبة الجنسية في الحلال، رغم موافقة الزوجة، مبررا استثنائيا، لمنح الإذن بالتعدد، فقضت برفض طلبين قدما أمامها، و بعد الطعن في قراريها بشأنهما بالاستئناف، قضت استئنافية أكادير بتأييد أحدهما، وألغت الثاني، وقررت منح الإذن بالتعدد للطالب اعتمادا على ما راج ابتدائيا، ولمجرد تأكيد المستأنف بمذكرته الكتابية، أنه سيضمن جميع حقوق الزوجتين، حيث جاء في قرارها:"وحيث اتضح لمحكمة الاستئناف من خلال مناقشة ذلك (توفر مبررات طلب التعدد وقدرة الطالب عليه وموافقة زوجته لعدم قدرتها على تحمل الأعباء والواجبات الأسرية) ، ودراسة وثائق الملف خاصة من البحث المجرى ابتدائيا وكذا البحث الاجتماعي المجرى من طرف الضابطة القضائية حول الوضع الاجتماعي والمادي،وتوضيحات الزوج وموافقة زوجته العدلية أن طلبه مبرر،خاصة وأنه أكد بمذكرته التأكيدية أنه سيضمن جميع حقوق الزوجتين، مما ارتأت معه محكمة الاستئناف إلغاء الحكم الابتدائي و التصدي و الحكم وفق طلب المستأنف."([16]).
ب)-شرط الموارد الكافية لإعالة أسرتين
تتعلق الموارد الكافية لإعالة أسرتين بمستوى دخل الراغب في التعدد، ومدى كونه كفيلا بضمان جميع الحقوق المترتبة لفائدة الأسرتين من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، وهذه مسألة واقع يثبتها الطالب وتقدرها المحكمة، ويرى الدكتور الكشبور أن المحكمة يجب أن تراعي في تقديرها ظروف الزمان و المكان([17]).
غير أنه بتتبع بعض الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن، يتضح مدى التضييق و التعسف في العديد من الحالات في تقدير المحكمة لمدى ملائمة دخل الزوج مريد التعدد، في الوفاء بمتطلبات أسرتين دون مراعاة الظروف الزمانية والمكانية للطالب.
فبينما اعتبرت المحكمة الابتدائية بطنجة دخلا يتراوح ما بين 6.000 و8.000 درهم كافيا لإعالة أسرتين في ذات المدينة([18])؛ نجد ابتدائية تيزنيت تعتبر دخلا بمبلغ 6.000 درهم، لا يكفي لإعالة أسرتين بالوسط القروي، حيث جاء في حكم لها:"... وحيث إن الزوج ينشط في تجارة الماشية، وأن هذا النشاط يدر عليه دخلا قدره ستة آلاف شهريا حسب تصريحه.
وحيث إن هذا المدخول قد لا يكفي لتغطية حاجياته وحاجيات زوجته وأولاده الخمسة القاصرين،... "([19])؛
ونجد المحكمة الابتدائية ببولمان تعتبر دخلا يناهز 40.000 درهم لا يكفي لإعالة أسرتين إحداهما بالمغرب والأخرى بإسبانيا.
ومثل هذه المعطيات تجعل المتأمل يحس وكأن المحكمتين في شخص القضاة المكونين للهيئتين المصدرتين للحكمين، تعيشان في مجتمع غير مجتمع المتقاضين أمامها، إذ كيف لدخل يناهز 40.000 درهم لا يكفي لإعالة أسرتين في دولتين إحداهما لا يصل الحد الأدنى للأجور بها 3.000درهم، والأخرى لا يتجاوز 12.000 درهم؟. وكيف لدخل قدره 6.000 درهم، ألا يكفي لإعالة أسرتين في العالم القروي؟
ومن جهة أخرى نجد اختلافا بينا في وسائل إثبات الدخل من محكمة إلى أخرى، ما بين ميسر ومشدد، فنجد على سبيل المثال ابتدائية العرائش اعتمدت في إثبات الدخل على خبرة حسابية، و ابتدائية إنزكان على بحث للشرطة الإدارية، وابتدائية بولمان على شهادة إدارية، وبعض المحاكم على مجرد تصريح الزوج طالب التعدد.
غير أنه بتتبع بعض الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن، يتضح مدى التضييق و التعسف في العديد من الحالات في تقدير المحكمة لمدى ملائمة دخل الزوج مريد التعدد، في الوفاء بمتطلبات أسرتين دون مراعاة الظروف الزمانية والمكانية للطالب.
فبينما اعتبرت المحكمة الابتدائية بطنجة دخلا يتراوح ما بين 6.000 و8.000 درهم كافيا لإعالة أسرتين في ذات المدينة([18])؛ نجد ابتدائية تيزنيت تعتبر دخلا بمبلغ 6.000 درهم، لا يكفي لإعالة أسرتين بالوسط القروي، حيث جاء في حكم لها:"... وحيث إن الزوج ينشط في تجارة الماشية، وأن هذا النشاط يدر عليه دخلا قدره ستة آلاف شهريا حسب تصريحه.
وحيث إن هذا المدخول قد لا يكفي لتغطية حاجياته وحاجيات زوجته وأولاده الخمسة القاصرين،... "([19])؛
ونجد المحكمة الابتدائية ببولمان تعتبر دخلا يناهز 40.000 درهم لا يكفي لإعالة أسرتين إحداهما بالمغرب والأخرى بإسبانيا.
ومثل هذه المعطيات تجعل المتأمل يحس وكأن المحكمتين في شخص القضاة المكونين للهيئتين المصدرتين للحكمين، تعيشان في مجتمع غير مجتمع المتقاضين أمامها، إذ كيف لدخل يناهز 40.000 درهم لا يكفي لإعالة أسرتين في دولتين إحداهما لا يصل الحد الأدنى للأجور بها 3.000درهم، والأخرى لا يتجاوز 12.000 درهم؟. وكيف لدخل قدره 6.000 درهم، ألا يكفي لإعالة أسرتين في العالم القروي؟
ومن جهة أخرى نجد اختلافا بينا في وسائل إثبات الدخل من محكمة إلى أخرى، ما بين ميسر ومشدد، فنجد على سبيل المثال ابتدائية العرائش اعتمدت في إثبات الدخل على خبرة حسابية، و ابتدائية إنزكان على بحث للشرطة الإدارية، وابتدائية بولمان على شهادة إدارية، وبعض المحاكم على مجرد تصريح الزوج طالب التعدد.
ثالثا) مناقشة مستجدات المدونة بشأن التعدد.
نستنتج من خلال ما ذكر من التطبيقات القضائية لمسطرة التعدد، أن المشرع المغربي باشتراطه المبرر الموضوعي الاستثنائي يكون قد استبعد وصف الإباحة على تعدد الزوجات، فلا يعتد بالتمسك بمجرد التعدد للإباحة الشرعية، ففي حكم لابتدائية وجدة:"وحيث إن الطالب لم يثبت للمحكمة المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، إذ اكتفى بالقول بأنه يرغب في التعدد لكونه يود إضافة زوجة أخرى، وبذلك يكون الطلب غير مؤسس، مما ارتأت معه المحكمة عدم الاستجابة للطلب."([20]).
وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف بأكادير:"وحيث إن المستأنف إنما تمسك بمشروعية التعدد ولم يثبت المبرر الموضوعي الاستئنافي لطلب التعدد،وأنه لا يكفي موافقة الزوجة الحالية للتزوج عليها للقول بثبوت المبرر المذكور."([21]).
كما أنه من خلال التطبيقات القضائية يتضح أنه لا يكفي مجرد قبول الزوجة طلب زوجها التعدد، رغم أن إرادة المشرع تتجه إلى التيسير في هذه الحالة التي توافق فيها الزوجة على التعدد، ففي جواب للسيد وزير العدل حول سؤال مفاده هل يمكن اعتبار موافقة الزوجة الأولى على التعدد لإعطاء الإذن به رغم عدم النص على ذلك ضمن ضوابط التعدد؟ ما نصه: "يجب النظر إلى موضوع التعدد من جانب المرأة كذلك، لأن هناك نساء قد يسمحن لأزواجهن بالتعدد، فإذا عبرت الزوجة الأولى كذلك عن موافقتها على التعدد ورأى القاضي مصلحة الأسرة في التعدد، فلماذا لا يتم الإذن به؟ فالأمر في ذلك وشبهه منوط باجتهاد القاضي الذي ينطلق أساسا من مصلحة الأسرة اعتبارا لعناصر كل نازلة من النوازل المعروضة عليه."([22]).
كما نستنتج أنه لا يكفي استناد الطلب لمبرر موضوعي استثنائي، ولا توفر الزوج على الموارد الكافية لإعالة أسرتين، لقبول طلب التعدد و الإذن به. بل يبقى ذلك رهين بالسلطة التقديرية للمحكمة حين تستشعر الخوف من عدم إقامة العدل بين الزوجات، وهذا تضييق وتشديد لا مبرر له لا شرعا ولا طبعا، إذ بالإضافة إلى اختصاص الأزواج بمخاطبة القرآن الكريم في استشعار الخوف من عدمه حال الرغبة في الإقدام على التعدد([23])، إذ الخوف كحالة طبيعية في هذه المسألة بالذات لا يتصور استشعاره إلا بعد وقوعه بعد التعدد الفعلي ومباشرة الحياة الزوجية بحقوقها وواجباتها، لأنه ،كما قال المستشار عبد العزيز توفيق – وهو من القضاة المتمرسين-، حالة مستقبلية لا يشعر بها إلا الخائف نفسه، أو تظهر من أعماله و تصرفاته، وفي الحالة والظروف التي تدعوا إلى هذا الخوف، معتبرا هذا القيد سابقا لأوانه بحيث لا يتصور إلا بعد وقوعه، فيكون القاضي في هذه الحالة يحكم بوجدانه، وحسب رغبته ومزاجه، وهو أمر غير مسموح به للقاضي([24])، متسائلا: "وهل يستطيع القاضي الذي يأذن بالتعدد أو يرفضه، أن يعلم بأن هذا الزوج الماثل أمامه والذي يطلب الإذن بالتعدد أو يرفضه، أن يعدل بين زوجتيه؟".
وهذه المسائل من الأمور التي لا ينبغي أن تترك لرغبة القاضي ومزاجه وقناعاته الشخصية، وإلا انقلبت السلطة التقديرية إلى سلطة تحكمية، وإلا كيف تفسر قرارات المحاكم التي تقضي برفض طلبات وجيهة، من أمثال ما مر بنا من حالة الزوجة العاجزة عن المعاشرة الزوجية والممتنعة عنها، رغم موافقتها على التعدد و توفر الموارد الكافية لإعالة أسرتين؟ لماذا لم يمتد نظر المحكمة إلى آثار ما بعد الرفض على إحصان هذا الزوج وحياة هذه الأسرة؟ والحال أن مصلحة الأسرة هي مدار أحكام هذه المدونة التي تستند عليها هذه القرارات، وهي أهم مقاصد المشرع في سنها.كما عبر عن ذلك السيد وزير العدل في جوابه عن سؤال بشأن ما إذا كان قبول الزوجة الأولى للتعدد لعجزها مثلا عن المعاشرة الجنسية يعتبر سببا كافيا للإذن بالتعدد بأن ذلك قد يعتبر من مرتكزات القضاء في منح الإذن للزوج بالتعدد، إذا كانت الغاية هي صيانة الأسرة([25]). وكما أوضح السيد وزير الأوقاف حينما صرح بأن القاضي وهو ينظر في نوازل التعدد عليه أن يتشبع بمبدأ رفع الضرر وحماية الحقوق، وإزالة الحيف وذلك بإعمال اجتهاده واستعمال سلطته التقديرية لمختلف الوقائع بهدف تحقيق مصلحة الأسرة([26]).
أين هذه المصلحة التي تغنى بها الجميع في مثل هذه القرارات التي ترتب آثارا وخيمة على الفرد و الأسرة و المجتمع من حيث يدري القضاة المصدرين لها أولا يدرون؟، فكم من طلب وجيه تم رفضه لمجرد القناعات الشخصية لأعضاء هيئة المحكمة و تسبب في الطلاق و تشريد أسر؟، وكم من شخص رفض طلبه رغم وجاهته، وسلك طرقا أخرى انتهت به إلى الزج في السجن؟، وكم من شخص لجأ إلى التعدد الفعلي دون إذن ولا إشهاد ونتج عن ذلك ولادات شرعية يبقى الاعتراف بها تحت رحمة القانون في إطار السلطة التقديرية المتشدد فيها في إطار سماع دعوى الزوجية؟، وهلم جرا.
كما نستنتج أنه بعدم تحديد المشرع لمفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي، وتحديد المبررات المسوغة لطلب التعدد، والإذن به حال توفرها، وتخويله المحكمة كامل السلطة في تقديره، وعدم استقرار العمل القضائي على معايير محددة، و توحيد الاجتهاد القضائي بشأن المبرر الموضوعي الاستثنائي، وكذا الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، يكون المشرع قد فتح الباب بشكل أو بآخر أمام خرق مبدأ عمومية وتجريد القاعدة القانونية، ومبدأ الاستقرار و التوقع القانونيين، كما في الحالة التي يتم فيها قبول طلب الزوج، المسنود بموافقة زوجته، الإذن بالتعدد من طرف محكمة ورفضه من طرف أخرى، رغم استناد الطلبين المنظورين أمام المحكمتين لنفس المبرر كعدم رغبة الزوجة في المعاشرة الزوجية مثلا كمبرر موضوعي استثنائي، ورغم توفر الموارد الكافية لإعالة أسرتين.
وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف بأكادير:"وحيث إن المستأنف إنما تمسك بمشروعية التعدد ولم يثبت المبرر الموضوعي الاستئنافي لطلب التعدد،وأنه لا يكفي موافقة الزوجة الحالية للتزوج عليها للقول بثبوت المبرر المذكور."([21]).
كما أنه من خلال التطبيقات القضائية يتضح أنه لا يكفي مجرد قبول الزوجة طلب زوجها التعدد، رغم أن إرادة المشرع تتجه إلى التيسير في هذه الحالة التي توافق فيها الزوجة على التعدد، ففي جواب للسيد وزير العدل حول سؤال مفاده هل يمكن اعتبار موافقة الزوجة الأولى على التعدد لإعطاء الإذن به رغم عدم النص على ذلك ضمن ضوابط التعدد؟ ما نصه: "يجب النظر إلى موضوع التعدد من جانب المرأة كذلك، لأن هناك نساء قد يسمحن لأزواجهن بالتعدد، فإذا عبرت الزوجة الأولى كذلك عن موافقتها على التعدد ورأى القاضي مصلحة الأسرة في التعدد، فلماذا لا يتم الإذن به؟ فالأمر في ذلك وشبهه منوط باجتهاد القاضي الذي ينطلق أساسا من مصلحة الأسرة اعتبارا لعناصر كل نازلة من النوازل المعروضة عليه."([22]).
كما نستنتج أنه لا يكفي استناد الطلب لمبرر موضوعي استثنائي، ولا توفر الزوج على الموارد الكافية لإعالة أسرتين، لقبول طلب التعدد و الإذن به. بل يبقى ذلك رهين بالسلطة التقديرية للمحكمة حين تستشعر الخوف من عدم إقامة العدل بين الزوجات، وهذا تضييق وتشديد لا مبرر له لا شرعا ولا طبعا، إذ بالإضافة إلى اختصاص الأزواج بمخاطبة القرآن الكريم في استشعار الخوف من عدمه حال الرغبة في الإقدام على التعدد([23])، إذ الخوف كحالة طبيعية في هذه المسألة بالذات لا يتصور استشعاره إلا بعد وقوعه بعد التعدد الفعلي ومباشرة الحياة الزوجية بحقوقها وواجباتها، لأنه ،كما قال المستشار عبد العزيز توفيق – وهو من القضاة المتمرسين-، حالة مستقبلية لا يشعر بها إلا الخائف نفسه، أو تظهر من أعماله و تصرفاته، وفي الحالة والظروف التي تدعوا إلى هذا الخوف، معتبرا هذا القيد سابقا لأوانه بحيث لا يتصور إلا بعد وقوعه، فيكون القاضي في هذه الحالة يحكم بوجدانه، وحسب رغبته ومزاجه، وهو أمر غير مسموح به للقاضي([24])، متسائلا: "وهل يستطيع القاضي الذي يأذن بالتعدد أو يرفضه، أن يعلم بأن هذا الزوج الماثل أمامه والذي يطلب الإذن بالتعدد أو يرفضه، أن يعدل بين زوجتيه؟".
وهذه المسائل من الأمور التي لا ينبغي أن تترك لرغبة القاضي ومزاجه وقناعاته الشخصية، وإلا انقلبت السلطة التقديرية إلى سلطة تحكمية، وإلا كيف تفسر قرارات المحاكم التي تقضي برفض طلبات وجيهة، من أمثال ما مر بنا من حالة الزوجة العاجزة عن المعاشرة الزوجية والممتنعة عنها، رغم موافقتها على التعدد و توفر الموارد الكافية لإعالة أسرتين؟ لماذا لم يمتد نظر المحكمة إلى آثار ما بعد الرفض على إحصان هذا الزوج وحياة هذه الأسرة؟ والحال أن مصلحة الأسرة هي مدار أحكام هذه المدونة التي تستند عليها هذه القرارات، وهي أهم مقاصد المشرع في سنها.كما عبر عن ذلك السيد وزير العدل في جوابه عن سؤال بشأن ما إذا كان قبول الزوجة الأولى للتعدد لعجزها مثلا عن المعاشرة الجنسية يعتبر سببا كافيا للإذن بالتعدد بأن ذلك قد يعتبر من مرتكزات القضاء في منح الإذن للزوج بالتعدد، إذا كانت الغاية هي صيانة الأسرة([25]). وكما أوضح السيد وزير الأوقاف حينما صرح بأن القاضي وهو ينظر في نوازل التعدد عليه أن يتشبع بمبدأ رفع الضرر وحماية الحقوق، وإزالة الحيف وذلك بإعمال اجتهاده واستعمال سلطته التقديرية لمختلف الوقائع بهدف تحقيق مصلحة الأسرة([26]).
أين هذه المصلحة التي تغنى بها الجميع في مثل هذه القرارات التي ترتب آثارا وخيمة على الفرد و الأسرة و المجتمع من حيث يدري القضاة المصدرين لها أولا يدرون؟، فكم من طلب وجيه تم رفضه لمجرد القناعات الشخصية لأعضاء هيئة المحكمة و تسبب في الطلاق و تشريد أسر؟، وكم من شخص رفض طلبه رغم وجاهته، وسلك طرقا أخرى انتهت به إلى الزج في السجن؟، وكم من شخص لجأ إلى التعدد الفعلي دون إذن ولا إشهاد ونتج عن ذلك ولادات شرعية يبقى الاعتراف بها تحت رحمة القانون في إطار السلطة التقديرية المتشدد فيها في إطار سماع دعوى الزوجية؟، وهلم جرا.
كما نستنتج أنه بعدم تحديد المشرع لمفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي، وتحديد المبررات المسوغة لطلب التعدد، والإذن به حال توفرها، وتخويله المحكمة كامل السلطة في تقديره، وعدم استقرار العمل القضائي على معايير محددة، و توحيد الاجتهاد القضائي بشأن المبرر الموضوعي الاستثنائي، وكذا الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، يكون المشرع قد فتح الباب بشكل أو بآخر أمام خرق مبدأ عمومية وتجريد القاعدة القانونية، ومبدأ الاستقرار و التوقع القانونيين، كما في الحالة التي يتم فيها قبول طلب الزوج، المسنود بموافقة زوجته، الإذن بالتعدد من طرف محكمة ورفضه من طرف أخرى، رغم استناد الطلبين المنظورين أمام المحكمتين لنفس المبرر كعدم رغبة الزوجة في المعاشرة الزوجية مثلا كمبرر موضوعي استثنائي، ورغم توفر الموارد الكافية لإعالة أسرتين.
إن الأمر والحالة ما ذكر، يستدعي تدخلا تشريعيا واضحا وحاسما لتحديد حالات المبرر الموضوعي الاستثنائي التي لا يسع المحكمة معها إلا قبول الطلب، مع الإبقاء على باب الإباحة مفتوحا بترك الحالات الاستثنائية للسلطة التقديرية للمحكمة، بعيدا عن الضغوطات الانتهازية والفرقعات الإعلامية و المماحاكات الإيديولوجية والسياسية ، تأكيدا لحكمة العليم الخبير في إباحة التعدد الذي صار رغم أنف المتنطعين والمتاجرين بحقوق الناس، حلا واقعيا وكريما لمعضلة إنسانية واجتماعية مستفحلة هي العنوسة، والحرمان من معاشرة زوجية كريمة والتمتع بحق الأمومة الشرعية، كما ترجوها العفيفات الطاهرات ممن أراد البعض فرض الوصاية عليهن وعلى اختياراتهن، فضلا عن كونه، كما جاء على لسان إحدى الفعاليات النسائية المغربية: "شكلا من أشكال الأسرة في المنظومة التشريعية الإسلامية يغني التجربة الإنسانية وقد تحتاجه مستقبلا على المستوى العالمي لحل الأزمة التشريعية لأشكال التعدد غير المسؤولة والتي تظل المرأة في إطارها طرفا مبتذلا، ليس إلا." ([27]).