مفهوم تعليل القرار الإداري و تمييزه عن المفاهيم الأخرى
مفهوم التعليل و تمييزه عن المفاهيم الأخرى
الفقرة الأولى : مفهوم التعليل
ان التعليل لغة من مصدر >>علل<< حيث يقال، علل الشيء أي بين علته أو أتبته بالدليل، وتعلل أبدى الحجة
وتمسك بها، وبتعبير اخر ما يتوقف عليه وجوب الشيء، ويكون خارجا ومؤثرا فيه، وعلة
الشيء سببه[1]. والأصل اللغوي في
الفكر اللاتيني لكلمة علل (Motiver) هي
مشتقة من كلمتين الأولى (Mouvoir) يدفع أو يحركK والثانية (Motifs) والتي تعني الأسباب التي تدفع الشخص الى اتخاذ اجراء
ما. وانطلاقا من الكلمتين تكونت كلمة (Motiver)[2].
وكان ظهور لفظ علل لأول مرة في فرنسا كاصطلاح لغوي والذي يقصد به تضمين الحكم
بالأسباب الضرورية التي أدت الى وجوده، وقد اكتسبت هذا اللفظ مند ميلاده مدلولا
قانونيا. واصطلاحا نجد الامام الشاطبي يذهب الى القول "بأن المراد بالعلة هو
الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر، والاباحة
والمقاصد التي تعلقت بها النواهي".[3]
الى جانب التعريف اللغوي والاصطلاحي للتعليل، نجد مجموعة من الأساتذة
قد عرفوا التعليل كل حسب تصوره، ومن بينهم أبوزيد فهمي الذي عرف التعليل بأنه
"إيضاح وجهة نظر الإدارة في الطلب الذي
ترفضه حتى يكون صاحب الأمر على بنية من أمره"، ويتخذ موقفه على أساس
هذا الايضاح عله يستكمل أوجه النقص. والتعليل في التشريع الإداري يعرف بأنه
"التزام قانوني تعلن الإدارة بمقتضاه عن الأسباب القانونية والواقعية التي
حملتها على اصدار القرار، وشكلت الأساس القانوني الذي بني عليه، ويعرف أيضا بأنه
اعلان الأسباب التي تشكل الأساس القانوني للقرار الإداري".[4]
وإذا كان التعليل وسيلة للإقناع بمشروعية القرار فهو يسعى بذلك إلى
ضمان الأمان القانوني والاطمئنان للأفراد اتجاه السلطة الإدارية، حيث أنه من جهة
يمنح الأفراد قناعة تتمثل في عدم الخوف من أي سلطة إدارية طالما أن ممارستهم
لحقوقهم تبقى في حدود الشرعية، ومن جهة أخرى يجعل الأفراد يؤمنون بـأنه في حالة
اشتباههم لتجاوز الإدارة حدودها القانونية، سيكونون محميين من كل قرار تعسفي يمكن
أن يعرضهم لجزاء غير شرعي[5].
أما بالنسبة للإدارة فالتعليل يشكل وسيلة لعقلنة العمل الإداري
وتحسينه، فهو يسعى إلى التوصل للوضوح والدقة في العمل الإداري، ويلزم الإدارة بأن
تفكر وتتروى قبل أن تصدر القرار.
الفقرة الثانية: التعليل و تمييزه عن المفاهيم الأخرى
أ-تمييز التعليل عن السبب:
يعتبر السبب أحد الأركان الداخلية للقرار الإداري، و يقصد به الحالة
القانونية أو الواقعية التي دفعت الإدارة لاتخاذ القرار، إذ لابد لكل قرار إداري
من سبب و السبب هو تلك الوقائع المادية التي تبرر صدوره
وسبب القرار الإداري و إن كان يخرج عن إرادة الإدارة و يستقل عنها إلا
أنه هو الذي يدفعها لاتخاذ قرارها.
و لا يقصد بالباعث هنا الغاية أو الهدف من من إصدار القرار بل الأسباب
و الظروف الواقعية أو القانونية التي تحدت قبل مولد القرار و تدفع إلى إصداره.
فسبب القرار سابق عليه، في حين أن غايته لاحقة لصدوره و تكون من نتائجه، حيث أن
القرار الإداري يجب أن يتغيى دائما الصالح العام.[6]
ولكي يوجد ركن السبب في القرارات الإدارية لابد من توفر عناصر ثلاثة،
وهي:
-عنصر الوجود
المادي للوقائع القانونية أو المادية.
-عنصر التكييف القانوني السليم لهذه الواقعة القانونية أو المادية.
-عنصر التقدير السليم لمدى ملاءمة وأهمية أو خطورة هذه الوقائع المادية أو القانونية
-عنصر التكييف القانوني السليم لهذه الواقعة القانونية أو المادية.
-عنصر التقدير السليم لمدى ملاءمة وأهمية أو خطورة هذه الوقائع المادية أو القانونية
و الأصل أن الإدارة غير ملزمة بكر سبب القرار الإداري لأنه يفترض في
ذلك أن القرار يكون مبنيا على سبب مشروع، و يقع عبء الاتباث على من يدعي العكس،
غير أنه إذا أفصحت الإدارة عن سبب القرار و لو من تلقاء نفسها دون إلزام من
القانون فإنه يصبح من حق القضاء فرض رقابته عليه[7]
أما التعليل يراد به الإفصاح كتابة في صلب القرار عن الأسباب
القانونية أو الواقعية لاتخاذ القرار ماعدا في الحالات التي يعفيها القانون صراحة
من ذلك[8] . ويمكن حصر أوجه
الخلاف بين السبب والتعليل فيما يلي:
إذا كان السبب من الأركان الداخلية التي يستند عليها القرار الإداري،
فإن التعليل لا يرقى إلى درجة ركن القرار الإداري فهو شرط شكلي في القرار الإداري
يتعلق بالمشروعية الخارجية للقرار الإداري. أما الصفة القانونية التي يكتسبها
القرار فتستوجب وجود السبب، فالقرار الذي ليس له سبب هو قرار لا يحميه القانون، في
حين لا يستوجب بالضرورة وجود التعليل، فالإدارة غير ملزمة بالتعليل إلا إذا أوجب
القانون ذلك عليها. أما من حيث الرقابة القضائية
فتمارس على أسباب القرار الإداري، كعيب موضوعي وكركن من أركان القرار الإداري مستقلا وقائم لذاته،
أما التعليل فيعد إجراء شكلي يتطلبه القانون وتترتب عدم المشروعية عن انعدامه.
ب- تمييز التعليل عن طلب الإفصاح:
إن الأصل في القرارات الإدارية أن الإدارة غير ملزمة بتعليل قراراتها،
إلا في الحالات التي ألزمها القانون بذلك، و لهذا فإن القرار غير المعلل إذا كان
موضوع طلب الطعن بالإلغاء ففي هذه الحالة فإنه يجب على الإدارة أن توضح أسباب
اتخاذ قرارتها في مذكرتها الجوابية، و عند الضرورة الإدلاء بجميع الوثائق لتبرير
موقفها.
لهذا فإن طلب الإفصاح عن الاسباب هو أحد إجراءات المسطرة القضائية، و
يقصد به أن تقوم الإدارة بذكر العلل التي دفعتها إلى اتخاذ القرار المطعون فيه و
ذلك في مذكرتها الجوابية، عندما يطلب القضاء منها ذلك.
و تجدر الإشارة إلى أن مسطرة
الخصومة القضائية لها سمة تحقيقية أي أن توجيهها موكول للقاضي المقرر الذي
بإمكانه مساعدة رافع الدعوى الذي يوجد في وضعية غير متكافئة في مواجهة الإدارة.
و إذا كان التعليل إجراء شكلي يهم صلب القرار الإداري و يتزامن
مع إصداره، و يترتب عن تخلفه انعدام
مشروعية القرار لعيب في الشكل، فإن طلب
الإفصاح عن الأسباب خلال المسطرة القضائية أو مايسمى بالتعليل اللاحق ينبغي أن
يطلب القاضي من الإدارة إطلاعه على الأسباب التي استندت عليها لإصدار قرارها
الإداري، و بالتالي له خاصية لاحقة عن صدور القرار، و لا وجود له إلا في إطار
علاقة الإدارة بالقاضي، أي أنه يقتضي وجود دعوى قضائية. و إن عدم قيام الإدارة
بالإفصاح عند طلب القاضي ذلك يترتب عنه إلغاء القرار.
[2] - محمد الأعرج، تعليل القرارات الإدارية على ضوء قانون 01.03 بشأن إلزام
الإدارات العمومية والجماعات المحلية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية،
عدد43.ص :57
[3] -محمد الأعرج، قابلية قواعد الاجراء والشكل في القرارات الإدارية
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، تخصص القانون العام، جامعة محمد الخامس،
كلية العموم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2001
-2002 ص :201.
[8] -عبد القادر مساعد: تعليل القرارات الإدارية، من
الاختيار إلى الوجوب، المجلة المغربية لإدارة المحلية والتنمية عدد37، السنة 2001