مدى إلزامية تعليل القرار و شروط صحته


مدى إلزامية التعليل و شروط صحته
الفقرة الأولى: مدى إلزامية التعليل
قبل دخول قانون ن 03.01  المتعلق بتعليل القرارات الإدارية لم تكن الإدارة في المغرب من الناحية المبدئية ملزمة بتعليل قرارتها إلا إذا وجد نص خاص و حينئد يصبح هذا الإجراء شكلا أساسيا في القرار و شرطا من شروط صحته و إلا كان معيبا بعيب شكلي و مع ذلك فإن القاضي الإداري كان دائما يطلب من الإدارة تعليل قرارتها متى كانت محل منازعة أمامه إلا أن الإدارة كانت تلجأ الى وضع الأسباب بعد صدور القرار، و هذا بطبيعة الحال ليس من شأنه أن يحول دون التعسف و ضياع حقوق المواطنين، فهذه الأسباب تتم صياغتها بعد أن يكون القرار الإداري قد خرج الى حيز الوجود على خلاف أسباب التعليل التي تتم صياغتها في الوقت الذي يتخذ فيه القرار، كما أن الأسباب التي تتم صياغتها أثناء تقديم المذكرات الجوابية قد لا تكون هي نفس الأسباب التي أدت بالإدارة الى اتخاذ القرار في وقت سابق، حيث قد تكون الإدارة قد ابتدعت الأسباب لاحقا لتبرير القرار الإداري الذي قام في الأصل دون أسباب، لذلك فإن التعليل اللاحق هو تعليل مرفوض، كما أن طريقة تقديم المذكرات أو بمعنى أخر الإفصاح عن الأسباب  رغم أنه وسيلة فعالة لرقابة شرعية القرار الإداري، فإن هذه الطريقة تبقى على العموم خادعة، و تسمح للإدارة بخلق تبريرات لاحقة لقرارتها، و على العكس من ذلك فإن التعليل كشرط شكلي في القرار يمكن المواطن من اتباث عدم شرعية القرار أثناء المنازعة فيه، و بالتالي تمكين القاضي من ممارسة رقابة فعالة تسمح له بالحد من تعسف الإدارة و تجاوزاتها[1]
و لقد نص القانون 03.01  المتعلق بتعليل القرارات الإدارية على إلزام جميع إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها تسيير المرافق العامة بتعليل جميع قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير المعني بالأمر، حيث أتى أن المادة الأولى من هذا القانون تشير  أنه لكي يكون القرار الإداري صحيحا يستوجب تضمنه تعليلا مكتوبا في صلبه وإلا اعتبر فاقدا لأهم شروطه، ومن تم يصبح قرارا تحت طائلة علم الشرعية[2]
حيث أتت هذه المادة بمجموعة من الخاصيات تجلت أهمها: أولا في تحديد مختلف الأجهزة الخاضعة لهذا القانون وهي كل جهاز إداري متعامل مع العموم من وزارات، إدارات مركزية وجماعات محلية ومؤسسات عمومية على اختلاف أنواعها، إضافة إلى ما أطلق عليه في نص المادة بالمصالح التي عهد إليها تسيير المرافق العامة والمتمثلة في الأجهزة الخاصة التي تستفيد من امتيازات السلطة العامة في تسييرها للأنشطة التي تهدف إلى تقديم خدمة عمومية (الهاتف، الماء، الكهرباء،النظافة...).[3] أما الخاصية الثانية فإن إلزامية التعليل مرتبطة فقط بالقرارات الفردية دون سواها و بالتالي فقد تم استثناء القرارات التنظيمية نظرا لأنها نصوص قانونية ذات قواعد عامة مجردة وملزمة.
بالإضافة إلى ذلك تم اشتراط السلبية في القرارات الفردية في علاقاتها بالمعني بالأمر، بمعنى صدورها  لغير مصلحته. والخاصية الثالثة هي وجوب تضمين القرار الإداري للتعليل بغض النظر عن جدية مضمونه، ومهما كانت مشروعية الأسباب الحقيقية المبررة لصدوره.
و إذا كان المشرع المغربي ألزم بتعليل القرارات الواردة حصرا في المادة المذكورة سلفا ، فقد أورد على ذلك استثناءات:[4]
- القرارات الإدارية التي تقتضي الأمن الداخلي والخارجي: أشارت إلى استثناء هذه القرارات المادة الثالثة من قانون 03.01، إلا أن مفهوم الأمن الداخلي والخارجي يطرح التباس لعدم وجود معايير دقيقة وواضحة للفصل فيما يدخل في إطاره، الأمر الذي قد يترتب عليه إمكانية توسيع نطاق عدم تعليل القرار الإداري تحت دريعة الأمن ليشمل حقوق الأفراد كالحق في الإضراب وغيره... بيد أنه يجوز للمعني  بالأمر الطعن في هذه القرارات، وتبقى الصلاحية هنا للقضاء الإداري لمراقبة مدى صحة ارتباط عدم التعليل بالأمن الداخلي والخارجي للدولة شكلا ومضمونا [5]، والمثال على ذلك قرار عدم التقاط صور لبعض المواقع تحت دريعة أنها تكتسي صبغة أمنية وعسكرية[6].
- القرارات الإدارية الفردية التي تتخذها الإدارة في حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية: وفي هذين الحالتين تكون الإدارة غير ملزمة بتعليل قراراتها الإدارية وقت صدورها، فلا تكون بذلك مشوبة بعيب الشرعية، غير أن هذا الإعفاء من التعليل يظل مؤقتا فقط، إذ يحق للمعني بالأمر تقديم طلب يستفسر فيه عن الأسباب التي دعت إلى اتخاذ القرار السلبي الصادر في حقه داخل أجل 30 يوما من تاريخ الإبلاغ لترد عليه الإدارة خلال 15 يوم الموالية لتوصلها بالطلب[7].  و أشارت المادة في صلب هذا الاستثناء الى الاستثناءات المتمثلة في حالة الضرورة و هو تلك القرارت الإدارية القاضية بإنزال عقوبة إدارية أو تأديبية و القرارات الإدارية التي تستند على تقادم أو فوات أجال أو سقوط حق و الواردة في المادة 8 من نفس القانون.
- القرار الإداري الضمني:   ويقصد به ذلك القرار الذي تلتزم فيه الإدارة بالصمت، حيث إذا كان بطبيعته هاته غير قابل للتعليل فإن المادة الخامسة ألزمت الإدارة تعليله شأنه في ذلك شان القرار المكتوب، إذ خولت للمعني بالأمر حق تقديم طلب لاطلاعه على أسباب اتخاد القرار داخل أجل 30 يوما الموالية لانصرام الأجل القانوني للطعن (60 يوما) وتكون الإدارة آنذاك ملزمة بالرد على الطلب داخل أجل 15 يوما من تاريخ التوصل به، ويبقى للمعني بالأمر أجل 60 يوما للطعن القضائي يبتدئ من تاريخ توصله بجواب الإدارة أو من تاريخ انصرام أجل 15 يوما في حالة عدم الجواب.
وحتى لا يتضرر المعني بالأمر خاصة في الجانب المتعلق بالطعون المقدمة سواء في إطار المواد الرابعة و الخامسة، نصت المادة السادسة على تمديد أجل الطعن المنصوص عليها في المادة 360 الفقرة 5 من قانون المسطرة المدنية وفي  المادة 23 من القانون 41.90  المنظم للمحاكم الإدارية ،وهذه الآجال لا تنتقص من أجل الطعن المقررة سابقا، بهدف إعطاء ضمانات أساسية لكافة المتعاملين مع الإدارة من أجل الدفاع عن حقوقهم.
الفقرة الثانية: شروط صحة التعليل
يجب على الإدارة التقيد بثلاث شروط حتى يكون تعليلها تعليلا صحيحا:
أ‌-   صياغة التعليل كتابة في صلب القرار: تطرق الفصل الأول من قانون 03.01  لمضمون هذا الشرط و ذلك بالتنصيص صراحة على أن يكون التعليل " بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية و الواقعية الداعية الى اتخاذها"، و المقصود بذلك أن التعليل يجب أن يرد ضمن حيثيات القرار الإداري. و بمفهوم المخالفة فإن مجرد عدم تضمين التعليل في صلب القرار الإداري يؤدي على اعتباره غير شرعي على حالت دون الالتفات إلى جدية و شرعية الأسباب الحقيقية المبررة لصدوره.
  لذلك فلا مجال هنا للاعتداد بالقرار الشفوي أو للتعليل عن طريق الإحالة، كما أنه لا يجوز فصل التعليل عن مضمون القرار في وثيقتين بتواريخ مختلفة أو حتى متزامنة.
و  قد جاءت عدة أحكام قضائية في هذا الباب نذكر من بينها حكم المحكمة الابتدائية بأكادير ملف عدد 128-2010 الذي أكد قاعدة أنه بدخول القانون 03.01 المتعلق بإلزام الإدارة بتعليل قرارتها الإدارية حيز التطبيق فإن تلك الجهات الإدارية أصبحت ملزمة تحت طائلة عدم الشرعية بتعليل قرارتها الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني بالأمر، و ذلك بالإفصاح كتابة في صلب تلك القرارات عن الأسباب القانونية و الواقعية الداعية الى اتخاذها، و لا يستثنى من ذلك إلا القرارات التي نص عليها القانون حيث أن المحكمة لم تأخذ بجواب جماعة التمسية بخصوص كون القرار غير معلل أنه أستند الى شكاية المتضررين و الانذار الموجه للمعني بالأمر و محضر اللجنة الإقليمية الذي اعتبرته الجماعة تعليلا لقرارها بإغلاق محل العارض المخصص للتلحيم و الحدادة.
ب‌- أن يكون التعليل كاملا و كافيا: و يقصد به تضمين القرار الإداري الأسباب القانونية و الواقعية على الوجه الكافي بحيث تكون هذه الأخيرة بارزة بشكل واضح و بالتالي كافية و منتجة قانونا في إصدار مثل هذا القرار، فالقرار الواجب التعليل يعتبر معيبا إذا لم يعلل أصلا أو إذا علل و لكن على وجه غير كاف لأن عدم كفاية التعليل توازي عدم التعليل. فالإدارة لا يمكن أن تحتمي وراء تعليل مقتضب و جامد و فضفاض.
ت‌- أن يكون التعليل مرتكزا على وقائع محددة: و يقصد به أن الإدارة ملزمة عند اتخاذها لقرار إداري بالاستناد الى وقائع صحيحة و تابثة و محددة في الزمان و بالتالي لا يمكنها الارتكاز على عموميات بهدف الهروب من توضيح الأسباب الحقيقية الكامنة وراء اتخاذ القرار الإداري، و لذلك يرفض القاضي الإداري التعليل الذي تستند عليه الإدارة عندما يكون مبهما أو نمطيا مختصرا لايفي بالغرض.
.


[1]  الميلود بوطريكي، النظرية العامة للقرارات الإدارية في القانون الإداري المغربي، مطبعة الأمنية الرباط،2018، الصفحة 88
[2] -ميمون يشو، تحليل لمقتضيات القانون 03.01 المتعلق بإلزام إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئتها والمؤسسات العمومية
والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية والسلبية. المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد
43/2003. ص 48
[3] -ميمون يشو، نفس المرجع، ص: 45
[4] - محمد القصري، إلزام الإدارة بتعليل قراراته الإدارية ضمانة للحقوق والحريات ورقابة قضائية فعالة، م.م.أ.م.ت. عدد 2003
/43. ص 159
[5] - محمد اليعكوبي، تحليل القانون المغربي المتعلق بتعليل القرارات الإدارية. م.م.أ.م.ت، عدد 43/2003 ص 179.
[6] - مثال أورده سعيد النكاوي. نفس المرجع. ص146
[7]  مقتضيات المادة 4 من القانون 03.01، المتعلق بإلزام ادارات الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية بتعليل قرارتها الإدارية،الجريدة الرسمية عدد 5029 بتاريخ 3 جمادى الآخرة 1423 (12 أغسطس 2002) ص 2282


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق