دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة
دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة
تعتبر
دعوى الإلغاء من أهم الدعاوي الإدارية وأكثرها قيمة من الناحية النظرية والعملية،
إذ من جهة تمثل ضمانة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتعمل على توجيه القائمين على
الإدارة العامة للإلتزام حدود القانون وعدم الخروج عليه من جهة أخرى.
وعليه
سنتناول في هذا المبحث : تعريف دعوى الإلغاء، شروط قبولها، أسباب عدم المشروعية،
وأخيرا إجراءت رفعها وكيفية تنفيذ الأحكام.
e
المطلب الأول : ماهية دعوى الإلغاء
دعوى الإلغاء هي الدعوى التي يتقدم بها صاحبها إلى
القاضي طالبا إلغاء قرار إداري غير مشروع بحجة عدم مشروعيته، ويتضح من هذا التعريف
أن دعوى الإلغاء، طعن قضائي ضد قرار إداري لعيب في أحد أركانه، وذلك بهدف إلغائه
وإزالة أثاره، ويتعين على صاحب الشأن أن يستند في دعواه إلى أسباب قانونية تسوغ
دعواه، وذلك بخلاف التظلم الإداري الذي يشترط فيه الاستناد إلى هذه الأسباب.
وتعتبر دعوى الإلغاء الوسيلة الأساسية لتحقيق طمأنينة الأفراد بعلاقتهم بالإدارة.
إذ تتأكد بها سيادة القانون وعلو سلطانه على أعمالها بترتيب هذه الدعوى بطلان
قرارات الإدارة جراء مخالفتهما القانون[1].
وإذا
كانت دعوى الإلغاء تعرف في فرنسا بدعوى تجاوز السلطة، فإنه في المغرب وقبله صدور
قانون المحاكم الإدارية كانت هذه الدعوى تعرف بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال
السلطة، أما بعد صدور هذا القانون فإن المشرع استعاض عن الشطط بمصطلح التجاوز
فأصبحت دعوى الإلغاء تعرف بمقتضى المادة 8 من القانون المذكور بدعوى الإلغاء بسبب
تجاوز السلطة.
ولئن
كانت دعوى الإلغاء وقبل إحداث المحاكم الإدارية، تدخل ضمن الاختصاصات المحددة
للمجلس الأعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 والتي كان ينظر فيها ابتدائيا وانتهائيا،
فإن هذه الدعوى قد أصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية بدرجة أولى ويمكن استئناف
أحكامها أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مع مراعاة الاستثناء الوارد في
المادة 9 من قانون المحاكم الإدارية 90-41 والذي يظل بمقتضاها المجلس الأعلى مختص
بالبث ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بالمقررات
التنظيمية والفردية الصادر عن الوزير الأول وكذلك قرارات السلطات الإدارية التي
يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[2].
وتتميز
دعوى الإلغاء بجملة من الخصائص، تجعل منها دعوى مستقلة ومتميزة عن غيرها من
الدعاوي القضائية الأخرى، ولقد حاول الفقهاء رد هذه الخصائص إلى الأمور التالية :
õ دعوى الإلغاء دعوى
القانون العام بمعنى أنها توجه إلى أي قرار إداري دون حاجة إلى نص صريح في القانون
بذلك.
õ دعوى الإلغاء دعوى
المشروعية بحيث يتجه أغلب الفقه إلى اعتبارها دعوى المشروعية وعليه فإن رقابة
القاضي تقتصر على فحص المشروعية ولا تبعدها إلى مراقبة الملائمة.
õ دعوى الإلغاء من
الدعاوي العينية (الموضوعية) لأنها لا ترمي إلى حماية حق شخصي، بل ترمي إلى الدفاع
عن سيادة القانون وذلك بإلغاء كل قرار صادر عن الإدارة يخالف القانون.
e
المطلب الثاني : شروط قبول دعوى الإلغاء
استقر الفقه والقضاء
الإداريان الفرنسية والمغربي على أنه يجب لقبول دعوى الإلغاء شكلا توافر شروط
تتعلق بطبيعة العمل موضع الطعن، صفة الطعن، ميعاد الطعن، وأخيرا شروط الدعوى
الموازية، وفيما يلي سنلقي الضوء على هذه الشروط.
Ãأولا : الشروط
المتعلقة بطبيعة القرار المطعون فيه :
يشترط في العمل
الإداري موضع الطعن بالإلغاء أن يكون القرار إداريا نهائيا صادرا عن سلطة وطنية،
ومؤثرا في المركز القانوني للطاعن. ويترتب على ذلك عدم جواز الطعن بالإلغاء في
الأعمال التي لا تتوفر فيها هذه الشروط.
1) أن يكون القرار الإداري نهائيا
:
بمعنى أن يكون قابلا للتنفيذ بغير حاجة إلى تصديق أو أي
إجراء لاحق أي أن يكون تام الأركان.
وتبعا
لذلك لا يجوز الطعن بالإلغاء في الأعمال التحضيرية للقرار الذي لم يكتمل بعد ومن
هذا القبيل ما ذهب إليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها بتاريخ 15/06/1995[3]،
من أن قرار المجلس التأديبي لا يعتبر مقرا ذا صبغة تنفيذية بل لا يعدو أن يكون
مجرد رأي استشاري يدخل ضمن الأعمال التحضيرية للقرار الإداري الذي يمكن اتخاذه من
طرف السلطة الإدارية التي لها حق التسمية والتأديب وتبعا لذلك قضت المحكمة بعدم
قبول الطعن. وأيضا لا يجوز الطعن في الإجراءات اللاحقة للقرار كإجراءات التنفيذ
لأنها لا تضيف جديدا. وهذا ما أكدته محكمة الرباط الإدارية في حكمها الصادر بتاريخ
9/2/1995 بقولها أن القرارات التي يتخذها وزير العدل تنفي أعمال المجلس الأعلى
للقضاء، بعد مصادفة الجناب الشريف عليها، تعد إجراءات تنفيذية محضة، ولا تعتبر
قرارات إدارة وبالتالي فإن المحكمة الإدارية غير مختصة في النظر فيها[4].
2) أن يكون القرار الإداري مؤثرا
في مركز الطاعن :
فلكي تقبل دعوى الإلغاء ضد القرار الإداري، ينبغي أن
يكون هذا القرار قد أثر في المركز القانوني للطاعن، أي ينبغي أن يكون قد ألحق ضررا
بمصالح الطاعن المادية أو الأدبية، وتطبيقا لذلك قررت الغرفة الإدارية بالمجلس
الأعلى أنه يكون مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة ويحلق ضررا بصاحب المصلحة،
فالقرار الصادر عن الكاتب العام للحكومة بواسطة رسالة عامل يأمر جراحا للأسنان أن
يغلق تطبيقا لنظام المهنة إحدى عياداته قبل تاريخ معين[5].
واستنادا
على ما سبق فإن القرارات الإدارية التي لا تولد أثار قانونية لا يمكن الطعن فيها
بالإلغاء، وتستبعد بالتالي من نطاق دعوى الإلغاء.
3) أن يكون القرار صادرا عن سلطة
إدارية وطنية :
إن القرارات التي تقبل الطعن بالإلغاء هي القرارات
الصادرة عن سلطات إدارية وطنية وليس من سلطة أو هيئة أجنبية، ويعتبر القرار
الإداري صادرا عن سلطة إدارية وطنية إذا كان مثلا متخذا باسم وسيادة المملكة
المغربية. فتصدق بذلك صفة القرارات الإدارية حتى على تلك المتخذة من طرف ممثلي
السلطات المغربية ولو كانوا خارج تراب المملكة في السفارات والقنصليات المغربية[6].
Ãثانيا :
الشروط الخاصة برافع الدعوى
نص المشرع في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية لسنة
1974 صراحة على أنه "لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة
للإثبات حقوقه" بل إنه جعل توفرها من النظام العام، إذ أضاف قائلا "يثير
القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة..." فالأهلية هنا لا
تختلف عن مثيرتها في الدعاوي الأخرى[7].
أما
شرط الصفة فقد قضى بإدماجه في شرط المصلحة[8]
في دعوى الإلغاء إذ يتوفر في صاحب المصلحة الذي يجب توفره في رافع دعوى الإلغاء.
لأنه من المبادئ القانونية المسلمة قاعدة تقوم حيث "لا مصلحة فلا دعوى"
بمعنى أنه لا يقبل طلب الإلغاء إلا من المتضرر من القرار الإداري المطعون فيه أو
الذي ألحق به ضررا حقيقيا.
والمصلحة
المطلوب توفرها في هذا المجال هي أن يكون الطاعن في حالة قانونية خاصة إزاء القرار
المطعون فيه، والتي من شأنها أن تجعل القرار بالنسبة له مؤثرا مباشرا ومعنى ذلك أن
تكون المصلحة محتملة كما يشترط في تلك المصلحة استمرارها لتاريخ صدور الحكم وإلا
قضى القضاء بعدم قبول الدعوى[9]
وقد أدى القضاء الإداري على أن سكوت المجلس البلدي عن الجواب على طلب رخصة التجزئة
العقارية لا يعتبر رفضا وإنما يعتبر قبولا ضمنيا طبقا لمقتضيات الفصل الثامن من
ظهير 7/6/1996 بشأن التجزئات العقارية والمجموعة الحضرية لدى فليست للطاعنين أية
مصلحة في إقامة الدعوة الرامية إلى إلغاء القرار الضمني القاضي بالمرافقة على
إقامة التجزئة[10].
Ãثالثا :
الشروط المتعلقة بالمواعد والطعون
1) آجال رفع دعوى الإلغاء وبدء
سريانها :
حدد المشرع المغربي ميعاد رفع دعوى الإلغاء، في أجل
معين، وهو ستون يوما. بحيث نصت المادة 360 من قانون المسطرة المدنية على أنه
"...يجب أن تقدم طلبات إلغاء مقررات السلطات الإدارية للشطط في استعمال
السلطة داخل أجل ستين يوما من يوم نشر أو تبليغ المقرر المطعون فيه".
كما
تنص المادة 23 من قانون المحاكم الإدارية على أنه "يجب أن تقدم طلبات إلغاء
القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل ستين يوما يبتدئ
من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر".
وهكذا
يبتدأ ميعاد الستون يوما، من تاريخ نشر أو تبليغ القرار الإداري في حالة عدم
التظلم الإداري. أما إذا تم تقديم هذا الطعن. فإن الستين يوما، يبتدئ من يوم صدور
القرار الإداري الصريح أو الضمني المتعلق بالجواب على الطعن الإداري[11].
والحكمة
من تحديد هذا الميعاد القصير نسبيا هي ما تقتضيه المصلحة العامة من استقرار
الأوضاع الإدارية من جهة وتأمين الحقوق المكتسبة من جهة أخرى.
2) وقف سريان ميعاد الطعن بالإلغاء
:
يوقف سريان ميعاد
الطعن بالإلغاء عند حدوث طارئ معين، ويواصل سريان ذلك الميعاد بزوال الظرف الطارئ،
وذلك من نفس النقطة التي توقف عندها وصف أهم أسباب وقت سريان أجل دعوى الإلغاء،
القوة القاهرة كحدوث فيضانات أو زلازل أو الإصابة بمرض شديد.
3) انقطاع سريان الميعاد :
ينقطع سريان ميعاد الطعن بالإلغاء بكل إجراء إداري أو
قضائي يلجأ إليه المتضرر ويترتب عليه إنهاء المدة السابقة وفتح ميعاد جديد يبدأ من
تاريخ انتهاء بسبب القطع، ويشمل أسباب القطع حالات مختلفة منها ما نص عليها
القانون صراحة، ومنها ما يرجع اجتهاد القضاء[12]،
ويمكن أن نذكر على سبيل المثال الأسباب التالية :
¯ تقديم طلب المساعدة
القضائية من شأنه أن يقطع سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء[13]
حتى يصدر القرار في طلب المساعدة سواء بالقبول أو الرفض.
¯ تأخر اكتشاف المصلحة
لتعذر إدراك هدف الإدارة في هذه الحالة لا يحاسب المتضرر على فوات ميعاد الطعن في
ذلك القرار المعيب.
Ãرابعا : شرط
انعدام الدعوى الموازية
ينص الفصل 360 في فقرته الأخيرة من قانون المسطرة
المدنية على أنه لا يقبل طلب الإلغاء الموجه ضد المقررات الإدارية إذا كان في
استطاعة من يعينهم الأمر المطالبة بحقوقهم لدى المحاكم العادية.
كما
نصت على نفس المقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم
الإدارية لسنة 1993.
بمعنى
أنه إذا كان أمام المدعي طريق قضائي آخر يمكنه من الوصول إلى نفس النتائج التي
ترتبها دعوى الإلغاء، فإنه ينبغي عليه أن يسلك ذلك الطريق القضائي، وإلا كان مصير طعنه
الرفض وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرارها عدد 26/11/1989[16].
بقولها "وحيث أنه بإمكان الطاعن المطالبة بحقوقه أمام المحاكم الابتدائية وهي
ذات قضاء شامل للأمر الذي يجعل دعوى الإلغاء غير مقبولة لوجود دعوى موازية"[17].
e
المطلب الثالث : أسباب عدم المشروعية أو أوجه الإلغاء
بعد أن يقوم القاضي للممارسة رقابته على شروط قبول دعوى
الإلغاء في المنازعات المطروحة أمامه ويستبعد بذلك كل دفع بعدم القبول فإنه يمد
رقابته بعد ذلك على موضوع النزاع وهو المتعلق بمدى مشروعيته القرار المطعون فيه
والقاضي يستند في هذه المراقبة على ما يدعيه الطاعن من أوجه عدم المشروعية التي قد
تلحق القرار الإداري، ومن ثم فإن الأساس الذي تقوم عليه مرحلة الفصل في موضوع
الدعوى هو دراسة أوجه الطعن وهي العيوب التي تصيب القرار الإداري وتؤدي إلى
إلغائه.
ويكون
القرار غير مشروع إذا كان مشوبا بعيب من العيوب أو بسبب من الأسباب التي تأدي إلى
بطلانه، وعيوب القرار الإداري عددية ومتنوعة، وللقضاء الإداري الفرنسي دور كبير في
تحديد معالمها، ويعتبر عيب الاختصاص من أولى العيوب التي ظهرت في اجتهادات القضاء
الإداري الفرنسي، حيث أن مجلس الدولة لا يقبل الطعن بسبب تجاوز السلطة إلا بالنسبة
للقرارات التي تصدر من جهة غير مختصة بإصدارها، ثم ظهر بعد ذلك عيب الشكل
والإجراءات، فأخذ مجلس الدولة يلغي القرارات الإدارية التي تكون تجاهلت الإدارة في
إصدارها الشكل الذي يقرره القانون أو الإجراءات التي يرسمها، ثم ظهر بعد ذلك عيب
الانحراف في استعمال السلطة (الغاية)، ثم أخذ بعد ذلك بعيب مخالفة القانون (المحل)
وحديثا أخذ مجلس الدولة يعيب السبب كسبب من أسباب إلغاء القرارات الإدارية.
وقد
حل المشرع المغربي، قبل صدور قانون المحاكم الإدارية، حدو المشرع الفرنسي إذ أن
قانون المجلس الأعلى لم يحدد أسباب الإلغاء، وترك للقاضي سلطة تحديد معنى الشطط
وحالاته، وقد تولت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى هذه المهمة مستهدية في ذلك ما
جرى عليه القضاء الإداري الفرنسي.
إلا
أنه مع صدور قانون المحاكم الإدارية فإن المشرع قد تولى بنفسه تحديد الحالات التي
تعتبر تجاوزا للسلطة والتي تؤدي إلى إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية،
حيث نصت المادة 20 من القانون المذكور على أن كل قرار إداري صدر عن جهة غير مختصة
أو لعيب في شكله أو الانحراف في السلطة أو للانعدام التعليل أو لمخالفة القانون
يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ويحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة[18].
وما
يجدر ذكره، أن عيوب القرار الإداري التي تجعله قابلا للإلغاء تتداخل مع بعضها
البعض في كثير من الأحيان، ولكن طبيعة الدراسة العلمية تتطلب أن نفصل بينها لكي
نبحث في كل واحد منها على حدة، كما أنه من ناحية أخرى، يكفي أن يصاب القرار
الإداري بأحد هذه العيوب لكي يطعن فيه بالإلغاء وحتى يقضي بإلغائه
وتقوم
الجهات القضائية المختصة بمراقبة مشروعية القرار الإداري في مختلف عناصره، غير أن
رقابته في اختصاص الإدارة المقيد تكون أوسع إطارا من رقابته في حالة السلطة
التقديرية، إذ في حالة الاختصاص المقيد يبحث القاضي في توفر كافة الوقائع والشروط
التي استلزمها القانون كسبب لصدور القرار على نحو معين، فإذا وجد أن القرار لم
يصدر كما فرضه القانون حكم ببطلانه لعيب في محله أو لمخالفته القانون بالمعنى
الضيق أما في حالة السلطة التقديرية التي لا يحدد فيها القانون محل القرار فإن هذا
المحل لا يكون باطلا إلا إذا كان في حد ذاته مخالفا للقانون ويقتصر دور القاضي
الإداري على مراقبة سبب القرار من حيث ثبوت مبررات اتخاذه وصحة تكييفها من الناحية
القانونية، وذلك لتحقق من مشروعية محل القرار.
والأصل
أن الإدارة هي التي تقدر مدى فائدة أو ملائمة ما تتخذه من قرارات في نطاق ما هو
مشروع، غير أن القضاء الإداري في رقابته على محل القرار الإداري تجاوز ذلك إلى
مراقبة استخدام الإدارة لسلطتها التقديرية فيما يسمى برقابة الملائمة ولكن على
أساس أن تكون تلك الملائمة على شروط المشروعية كما سنبين ذلك من خلال الآتي بيانه.
لكن
ما هو الجانب المقيد والجانب التقديري من تلك السلطات حتى يتبين حدود رقابة القضاء
على الجانبين ؟
إذا
استعرضنا هذه العناصر سنجد عنصر الاختصاص وعنصر الشكل وعنصر الغاية لا محل للسلطة
التقديرية فيها، لأن الإدارة تكون ملزمة باحترام قواعد الاختصاص وبإتباع القواعد
الشكلية وتحقيق الغاية التي حددها المشرع بحيث يكون عملها معدوما إذا ما خرجت عن
القواعد السابقة[19]
فلا مجال لتقدير في هذه العناصر. أما العنصران الآخران وهما عيب السبب وعيب المحل
فإنهما يضمان في جانب منهما اختصاصا مقيدا وفي جانب آخر اختصاص تقدرينا. وبما أن
الجانب المقيد يخضع لرقابة القضاء بناء على مبدأ المشروعية وأن الجانب التقديري لا
يخضع لمراقبة القضاء –كما سنرى ذلك- فالمطلوب هو بيان الكيفية التي اعتمدها القضاء
في التمييز بين الجانبين وقصر رقابته على جانب المشروعية دون جانب الملائمة في
القرارات الإدارية[20].
إن
تحليل هذه الأمور يتطلب تقسيم الموضوع إلى نقطتين : النقطة الأولى سنتناول فيها
حدود رقابة القضاء على المجال المقيد في القرارات الإدارية أما النقطة الثانية
فسنتطرق فيها إلى رقابة القضاء على مجالين التقديري والمقيد في القرارات الإدارية.
Ãأولا : رقابة
القضاء على المجال المقيد في القرارات الإدارية
إن عناصر القرار
الإداري التي تحتوي فقط على الجانب لسلطات الإدارة هي عنصر الاختصاص، عنصر الشكل
وعنصر الغاية : بحيث إذا اعترى تلك العناصر أي عيب من العيوب فإن القرار يصبح
مشوبا بعيب عدم المشروعية وبالتالي يكون قابلا للإلغاء.
1) رقابة القضاء على عيب الاختصاص
في القرار الإداري :
أ- تعريف عيب عدم الاختصاص وأهميته
:
يقصد بعيب الاختصاص خرق القواعد التي تحدد الجهة المختصة
بالقيام بتصرفات معينة، بمعنى أنه إذا قام المشرع بتحديد اختصاص ما أوكل به إلى
فرد معين أو إلى هيئة بذاتها دون مشاركة، أو أوكل به إلى عدة موظفين أو هيئات
ليمارسه كل على حدة، أو اشترط لممارسة اختصاص ما مشاركة عدة أفراد أو هيئات
وتعاونها معا، بحيث لا يكون العمل الإداري صحيحا إلا بموافقتهم جميعا وإذ صدر
العمل أو التصرف الإداري من جهة مخالفة للجهة التي حددها المشرع للقيام بذلك العمل
فإن تصرفها يعتبر صادرا ممن لا يملك هذا الحق لأنها غير مختصة به ويكون قابلا
للإلغاء لتوفر عيب الاختصاص[21].
وتظهر أهمية عدم الاختصاص في كونه أول عيب اعتمده القضاء
لقبول دعوى الإلغاء، ولعل من ضروب التكرار والقول بأنه العيب الذي انبثق منه بقية
العيوب، وبأن دعوى الإلغاء في بدايتها حملت اسم دعوى عدم الإختصاص وتجاوز حد
السلطة[22].
وعيب الاختصاص لا يزال العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام
العام، بحيث يستطيع القاضي أن يتصدى له من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره طالب
الإلغاء، كما أن الإدارة لا تستطيع أن تتفق مع الأفراد على مخالفة قواعد الاختصاص،
لأن هذه القواعد مقررة للصالح العام وليس لمصلحة الإدارة، كما أن العيب
الذي يلحق القرارات الإدارية بعدم الاختصاص يجعلها قرارات باطلة لا يمكن تصحيحها
بإجراء لاحق من حق السلطة المختصة[23].
ب- صور عيب الاختصاص :
لعيب الاختصاص صورتان بينهما الفقه والقضاء الإداريان،
فالصورة الأولى هي التي يكون فيها عيب الاختصاص جسيما، ويسمى اغتصاب السلطة، أما
الصورة الثانية فيكون فيها عيب الاختصاص بسيطا.
عيب الاختصاص الجسيم : ويتحقق عندما يصدر القرار من فرد
عادي ليس له الصفة القانونية أو من موظف لا صلة له بإصدار القرارات الإدارية، أو
من سلطة إدارية في موضع من الاختصاص إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية ويترتب
على ذلك أن القرار لا يعتبر باطلا فحسب، بل معدوما وفاقدا لصفته الإدارية، فلا
يتحصن بفوات الأوان – ميعاد الطعن – وتدخل إجراءات تنفيذه ضمن أعمال التعدي، وهذا
ما جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 84/60 بتاريخ 21 ماي 1960[24]
إذا اعتبر قرار رجل السلطة المحلية (قائد) بإغلاق محل التنازع حول استغلاله
بين الشركاء فيه قرارا يتجاهل مبدأ الفصل بين اختصاص السلطتين القضائية والإدارية
ويشكل اعتداء على اختصاص السلطة القضائية.
عيب الاختصاص البسيط : ويكون عندما يتعلق الأمر بمخالفة قواعد الاختصاص في
نطاق الوظيفة الإدارية، وهذا العيب أقل خطورة وأكثر حدوثا من العيب السابق ذكره
وينقسم إلى أنواع مختلفة، فهناك عدم الاختصاص الموضوعي وعدم الاختصاص الزمني ثم
عدم الاختصاص المكاني.
2) رقابة القضاء على عيب الشكل في
القرار الإداري :
أ- ماهية عيب الشكل :
الأصل في القرارات الإدارية، أن رجل الإدارة المختصة غير
مقيد بشكل معين في إصدارها، وعلى ذلك فقد يرد القرار كتابة كما يرد شفاهة، غير أن
المشرع قد يفرض على الإدارة إفراغ إرادتها في شكل معين ووفق إجراءات معينة، فإذا
خالفت الإدارة هذا الشكل أو تلك الإجراءات يكون قرارها غير مشروع ومعيبا بعيب
الشكل. وعلى هذا الأساس يمكن تعريف عيب الشكل بأنه عدم احترام القواعد الإجرائية
أو الشكلية المحددة لإصدار القرارات الإدارية المنصوص عليها في القوانين المختلفة[25].
وقواعد الشكل
والإجراءات في إصدار القرارات الإدارية على جانب كبير من الأهمية، فهي مقررة
لحماية المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء، وذلك بتجنيب الإدارة المواطن
الزلل والتسرع، ومنحها فرصة معقولة للتروي ودراسة وجهات النظر المختلفة، فليست
قواعد الشكل والإجراءات أمور ثانوية واختيارية إن شاءت أهملتها، ولكنها ضمانات
أصلية للأفراد ضد تعسف الإدارة فهي تمثل ضمانات حقيقية توازن سلطات الإدارة[26].
ب- حالات عيب الشكل :
يقصد بهذه الحالات العيوب الجوهرية التي تصيب المظهر
الخارجي للقرار وتؤدي إلى بطلانه.
ü
الحالة الأولى : الكتابة
الأصل أن يأخذ القرار الإداري شكلا كتابيا، إلا أنها لا
تعتبر شكلية جوهرية يترتب البطلان على الإخلال بها. وقد اعترف القضاء والفقه بوجود
القرار الشفوي بشرط إثباته وبشرط أن يكون المشرع اشترط أن يكون القرار مكتوبا
صراحة أو ضمنا.
وفي هذا الاتجاه استقر قرار المجلس الأعلى، على قبول
الطعن بالإلغاء في القرارات الشفوية، فقد ألغت الغرفة الإدارية في قضية لحسن بن
عبد المالك السوسي القرار الشفوي الذي صدر عن قائد مدينة الخميسات القاضي بإغلاق
مقهى لعيب عدم الاختصاص والانحراف في استعمال السلطة[27].
ü الحالة الثانية : التوقيع على
القرار وذكر تاريخ إصداره :
بحيث يجب أن يذيل القرار بتوقيع مصدره أو مصدرية إن
تعددوا، وغياب التوقيع ينفي وجود القرار، وكذلك إغفال ذكر تاريخ إصداره لا يعد في
حد ذاته عيب شكل جوهري يترتب عليه البطلان، بل يعد من الأخطاء المادية أو بتعبير
آخر قد يعد عيب شكل ثانوي، ولا يؤثر أيضا على صحة القرار كون التاريخ الموضوع عليه
لاحق للتوقيع، وهذا بطبيعة الحال لا يقلل من أهمية التاريخ لأنه في حالة الطعن في
مشروعية القرار تلك المشروعية وفقا للنظام القانوني السائد وقت اتخاذ القرار علاوة
على أن القانون قد يفرض اتخاذ القرار في فترة زمنية معينة، كما قد يدعي صاحب الشأن
بأن يبين التوقيع وكتابة التاريخ جد ظرف قانوني أو واقعي يستدعي تغيير القرار.
ü الحالة الثالثة : الخطأ في
الإحالة أو إغفالها :
بحيث إذا تم إغفال النص التشريعي الذي يستند عليه القرار
أو الخطأ فيه يعتبر من الأخطاء المادية أو بتعبير آخر من عيوب الشكل الثانوية التي
لا تؤثر على مشروعية القرار، يستثني من هذه الحالة كون النص التشريعي هو السبب
الذي أوحى بالقرار[28].
ü الحالة الرابعة : تسبيب القرار
الإداري :
يقصد به الإفصاح عن الأسباب القانونية والواقعية التي
يجد فيها القرار أساسه القانوني وعلته السببية، والتسبيب وفق هذا التعريف يتعلق
بركن الشكل وهو أحد عناصر الجانب الشكلي للقرار وهذا ما يميزه عن السبب الذي يمثل
في حد ذاته ركنا مستقلا من أركان القرار الإداري.
والأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها أي تضمينها
الأسباب التي قامت عليها، غير أن القانون قد يشترط ذلك في بعض القرارات وفي هذه
الحالة يجب على الإدارة ذكر سبب القرار، وإذا أغفلت هذا الإجراء كان قرارها معيبا
من حيث الشكل، مثل ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من قانون الوظيفة
العمومية لسنة 1958 « ويقع الإنذار والتوبيخ لمقرر تصدره السلطة التي لها حق
التأديب...».
3) رقابة القضاء على عيب الغاية في
القرار الإداري – عيب الانحراف في استعمال
السلطة :
أ- ماهية عيب الانحراف بالسلطة
:
يعرف عيب الانحراف بالسلطة الذي يطلق عليه أيضا عيب
تحويل السلطة، بأن تصدر الجهة الإدارية قرارا إداريا داخلا في اختصاصها إلا أنها
تصدره لتحقيق هدف مخالف للهدف الذي رسمه القانون وهو دائما المصلحة العامة[29]
وهو عيب موضوعي يتعلق بالبواعث والأهداف غير المشروعة، يصبح على عاتق القضاء مهمة
اكتشافها، وهي مهمة صعبة ودقيقة.
والقاعدة هنا أن الإدارة ليست حرة في اختيار الغاية من
تصرفاتها بل عليها أن تلتزم بالغرض الذي حدده المشرع لكل اختصاص يضعه بين يدي
الإدارة فإذا خالفت الغاية المحددة حتى ولو كانت حسنة النية أصبحت قراراتها مشوبة
بعدم المشروعية لاتسامها بعيب التجاوز في استعمال السلطة[30].
ب- حالات الانحراف في استعمال السلطة :
يظهر عيب الانحراف في السلطة في صورتين وذلك تبعا لأهداف
السلطة ذاتها، فإذا كان الهدف من تصرف السلطة عاما غير محدد بهدف قانوني معين، فإن
عيب الانحراف بالسلطة يتحقق كلما استهدف رجل الإدارة من إصدار لقراره هدفا مخالفا
للهدف العام المتمثل بالمصلحة العامة.
أما إذا كان الهدف خاصا فإن عيب الانحراف بالسلطة يظهر
عندما تكون نية رجل الإدارة قد اتجهت نحو تحقيق أهداف غير الهدف المحدد قانونا،
حتى ولو كانت تلك الأهداف تدخل ضمن إطار المصلحة العامة.
إلا أن الفقه والقضاء يضيفان إلى الصورتين السابقتين
ذكرهما صورة ثالثة يطلق عليها الانحراف في الإجراءات، وعليه يمكن رد الانحراف
بالسلطة إلى ثلاث صور هي كالتالي :
ü
الحالة الأولى : حالة الانحراف بالسلطة لغاية تجانب المصلحة العامة :
تعتبر هذه الحالة من أسوأ صور
الانحراف بالسلطة، لأنها تتضمن تنكر رجل الإدارة للالتزام المفروض عليه بتحقيق
المصلحة العامة في كل تصرفاته، وذلك بتوجيه إرادته المعتمدة نحو تحقيق أغراض بعيدة
عن الصالح العام[31].
وهذه الأغراض متنوعة نكتفي بذكر أهمها :
اتخاذ القرار بغرض تحقيق مصلحة
شخصية لمصدر القرار أو لغيره، بحيث لا يجوز لأعضاء السلطة الإدارية استخدام
سلطاتهم القانونية لتحقيق أغراض شخصية لهم أو لغيرهم، وعلى ذلك يمنع عليهم إصدار
قرارات يكون الغرض منها تحقيق منافع ذاتية لهم أو لغيرهم من معارفهم أو
لأقاربهم ومتى تم ذلك يكون القرار مشوبا
بعيب الانحراف.
اتخاذ القرار بدافع حزبي أو
سياسي كإصدار الإدارة قرار لأغراض فئوية لا تمت بصلة إلى المصلحة العامة، وعليه
يعتبر الصادر نتيجة لبواعث سياسية أو حزبية قرارا غير مشروع لمخالفته الغرض العام
الذي يحكم جميع القرارات الإدارية.
اتخاذ القرار لأغراض أجنبية عن
مصلحة المرفق العام، كأن يستعمل رجل الإدارة سلطته بقصد الانتقام والتنكيل أو
التشفي... إلخ.
ü
الحالة الثانية : الانحراف
بالسلطة لأغراض تخالف تخصص الأهداف :
كأن يلتجأ المشرع في بعض الأحيان إلى ربط قرار إداري،
بمصلحة عامة معينة وهو ما يطلق عليه بقاعدة تخصيص الأهداف، إلا أن الإدارة قد تلجأ
إلى تحقيق مصلحة عامة أخرى غير التي خصصها أو حددها المشرع فنكون بذلك أمام انحراف
عن المصلحة العامة المحددة من قبل المشرع[32].
ü الحالة الثالثة : الانحراف
بالمسطرة أو الإجراءات :
ويتم ذلك عندما تقوم الإدارة بإصدار قرار إداري
لتحقيق غاية معينة غير الغاية المعلن عنها، لأن الغاية الحقيقية تتطلب إتباع
إجراءات معقدة وطويلة لذلك اضطرت أن تعلن عن غاية أخرى لا تتطلب إلا إجراءات
بسيطة، كأن يصدر قرار تأديبي من الإدارة يقضي بمعاقبة المعني بالأمر على جريمة
الزيادة غير مشروعة في الأسعار في حين أنه ارتكب جريمة الغش في السلع الغذائية،
ولعل السبب هو تجنب الإجراءات المعقدة شيئا ما والمقررة في جرائم الغش[33].
à ثانيا : مدى
رقابة القضاء على المجالين : التقديري والمقيد في القرارات الإدارية
إن عنصري القرار الإداري اللذان
يظهر فيهما جانب من السلطة التقديرية وجانب آخر من السلطة المقيدة للإدارة هما
السبب والمحل.
1- مدى رقابة القضاء على عيب السبب في القرار الإداري :
يقصد بركن السبب – كما رأينا –
توفر الحالة القانونية أو الواقعية التي تخول السلطة الإدارية المختصة إمكانية
التدخل لإصدار قرار إداري بشأنه، وبالمفهوم العكسي فإن انعدام الأسباب معناه عدم
توفر الحالات القانونية أو الواقعية، فلا يكون لتلك السلطة الحق في إمكانية التدخل
لإصدار قرارها الإداري، فإن تدخلت بالرغم من انتقاء تلك الحالات القانونية أو
الواقعية، وأصدرت قرارها الإداري فإن هذا القرار يعتبر غير مشروع لاتسامه بعيب السبب
وبالتالي يكون قابلا للإلغاء[34]. وقد يثار
بسبب عنصر السبب نزاع أمام القضاء يتخذ إحدى الصور الثلاثة الآتية :
أ- التحقق من صحة الوقائع التي تدخلت الإدارة على أساسها
:
يفحص قاضي الإلغاء الوقائع التي تكون سببا للقرار الإداري ليرى
مدى صحتها من الناحية المادية فإذا اختلفت الواقعة أو الوقائع التي استند عليها
القرار عند اتخاذه أصبح ذلك القرار مشوبا بعيب السبب وجديرا بالإلغاء[35].
ب- الرقابة على تكييف الوقائع قانونا :
ومفادها قيام القاضي الإداري
بعد تأكده من وجود الواقعة – أو الوقائع – المتخذة سببا للقرار بفحص صحة الوصف
القانوني المعطى لتلك الوقائع[36]
والمقصود بالتكييف القانوني، حسب تعريف أحد الفقهاء هو« إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة قانونية[37] » أي إجراء مقابلة بين الحالة الواقعية ونصوص القانون.
ويتضح مما سبق أن عملية التكييف القانوني ما هي إلا
عملية قانونية صرفة فهي تهدف إلى استخلاص العناصر والصفات القانونية الأساسية
المشتركة التي تتضمنها كل من القاعدة والواقعة لمطابقتها مع بعضها بقصد إعطاء
الوصف القانوني السليم للواقعة المادية[38].
والقضاء يمارس رقابته على هذا التكييف القانوني الذي
تجريه الإدارة على الوقائع فإنما أن يؤدي إلى تأييد القرار كما يمكنه رفض طلب
الإلغاء.
ج- الرقابة على أهمية وخطورة السبب :
إذا كان القاضي في دعوى الإلغاء
يقوم بمراقبة الوجود المادي ومدى صحة التكييف القانوني، فإننا نتساءل عن مدى
إمكانية تجاوز القاضي لهذين النطاقين ويتعداهما إلى بحث أهمية وخطورة السبب ؟
إن الجواب على هذا التساؤل يؤدي إلى طرح تساؤل آخر يرتبط به ويلازمه وهو
إذا كان القاضي في دعوى الإلغاء، قاضي مشروعية أم قاضي ملائمة ؟
لقد ذهب القضاء الإداري في بداية نشأته مدعما برأي الفقه، إلا أن القاضي في
دعوى الإلغاء، هو قاضي مشروعية فحسب، وليس قاضي ملائمة، ومن تم وجب عليه الامتناع
عن مراجعة الإدارة في تقديرها لأهمية وخطورة السبب.
فبالنسبة لموقف الغرفة الإدارية، فإن اجتهادها قد انتهى إلى تعيين حدود
رقابتها في وقت مبكر، فإذا كان القاضي يراقب أسباب القرار من ناحية الوجود المادي
ويراقب صحة تكييفها القانوني، فإن دور القاضي يجب أن يقف عند هذا الحد، فلا
يتعداها إلى مراقبة أهمية خطورة السبب، فرقابته تقتصر على فحص مشروعية القرار
الإداري ولا تمتد إلى ملاءمتها[39].
2- مدى رقابة القضاء على عيب المحل
في القرار الإداري :
يطلق عيب مخالفة القانون على معنيين : معنى عام لو أخذ به على إطلاقه لشمل
جميع أوجه الإلغاء، ومعنى ضيق ينطبق على مخالفة القواعد القانونية وهذا المعنى
الأخير هو المقصود في هذا الإطار، ويعد هذا العيب من أهم أوجه الإلغاء لأنه يتعلق
بمحل أو موضع القرار الإداري، فالرقابة هنا تكون رقابة موضوعية[40].
ويتخذ عيب مخالفة القانون صورا مختلفة، فهو قد يأتي في صورة الخطأ المباشر
في تطبيق القانون، كأن تقوم السلطة التأديبية بتطبيق عقوبة غير منصوص عليها في
لائحة العقوبات، كما يعد من قبيل عيب مخالفة القانون قيام الإدارة بتطبيق عقوبتين
تأديبيتين على جريمة تأديبية واحدة خلافا للمبدأ العام الذي يقضي بعدم معاقبة
الشخص عن الفعل الواحد مرتين. وقد يتخذ هذا العيب صورة الخطأ في تفسير القاعدة
القانونية أو تأويلها أو تطبيقها. كما يعتبر من صور عيب مخالفة القانون عدم احترام
المبادئ العامة للقانون، كمبدأ حق الدفاع ومبدأ قوة الشيء المقضى به ومبدأ الحرية[41]... إلخ.
e
المطلب الرابع : الإجراءات المسطرية في دعوى الإلغاء وأثرها على القرارات الإدارية
تخضع دعوى الإلغاء
لمجموعة من الإجراءات المسطرية سواء فيما يتعلق بكيفية رفعها إلى الجهة المختصة،
أو بإجراءات وسير الدعوى أو بشكليات إصدار الحكم، ثم إن تقديم دعوى الإلغاء للشطط
في استعمال السلطة لا يرتب وفق تنفيذ القرار المطعون فيه إلا إذا قضى بذلك القضاء
الإداري بناء على طلب المعني بالأمر وإذا اقتضت الضرورة ذلك، كما أن القضاء
الإداري عند نظره في الدعوى لا يملك إلا الحكم بإلغاء القرار الإداري كلية، بل قد
يكتفي بالإلغاء الجزئي للمقرر المطعون فيه، ويكون على الإدارة أن تنفذ الحكم بحسن
نية.
Ãأولا :
الإجراءات المسطرية في دعوى الإلغاء
1-
إجراءات رفع دعوى الإلغاء :
هناك مجموعة من الإجراءات مخصصة
لرفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز حد السلطة يتعين على ذوي المصلحة احترامها والعمل
بها ومخالفتها تسبب في إبطال الدعوى، لأنها تكتسي طابع النظام العام[42].
ولقد حدد
الفصل الثاني من الباب الأول قانون 90/41 الإجراءات المتبعة أمام المحاكم
الإدارية، وهكذا ترفع الدعوى إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في
جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، ويجب أن يتضمن مقال الدعوى فضلا عن البيانات
العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحل إقامتهم، موضوع الطلب، والوسائل
والحيثيات المستند إليها[43]. وإذا
كان المدعي عليه أكثر من واحد وجب المدعى أن يرافق مقال الدعوى بعدد من نسخ
المستندات يتناسب مع عدد المدعى عليهم.
كما يجب أن يرافق
المقال بنسخة من القرار إذا ما كان القرار ايجابيا أما إذا كان القرار سلبيا،
افترض في صدوره لوقوف الإدارة موقفا سلبيا خلال مدة معينة، وفي هذه الحالة يكفي
تقديم ما يثبت إرسال التظلم الذي بدأت به المدة.
ويمكن للطاعن أن يحتفظ في المقال بالحق في تقديم مذكرة تفصيلية شرط أن
يقدمها خلال ثلاثين يوما الموالية لتاريخ رفع الدعوى، وإذا لم يقدمها خلال هذا
الأجل اعتبر متخليا عنها، ويقدم مقال الدعوى إلى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية
المختصة، ويسلم كاتب الضبط هذه المحكمة وصلا بإيداع مقال يتكون من نسخة منه يوضع
عليها خاتم كاتب الضبط وتاريخ الإيداع مع بيان الوثائق المرفقة[44].
2-
إجراءات تحضير وسير الدعوى :
بمجرد تقييد دعوى الإلغاء لدى
كتابة الضبط، يعين الرئيس على صعيد الفرقة الإدارية، مستشارا مقررا يكلف بإجراء
المسطرة، وعلى صعيد المحكمة الإدارية قاض مقرر يعهد له بتحضير الدعوى عن طريق
القيام بالتحقيق فيها وتأمين إيداع الوثائق للخصوم وتحديد مهلة لهم لتقديم
دفوعاتهم[45].
ويبلغ القاضي المقرر المقال والمذكرة التفصيلية إن وجدت إلى المعني بالأمر بواسطة
كتابة الضبط الذين عليهم أن يجيبوا خلال 30 يوما الموالية لتاريخ التبليغ. وإذا
انقطعت الآجال المحددة للمذكرات الجوابية، ورأي القاضي المقرر أن القضية جاهزة،
أصدر أمره بتخليه عن الملف وحدد تاريخا للجلسة التي سوف تدرج فيها القضية ويبلغ
هذا الأمر للأطراف طبقا للفصول 37-38-355 من قانون المسطرة المدنية.
وبعد أن تصبح القضية جائزة للحكم،
يتولى الفصل فيها هيئة قضائية تتكون من ثلاثة قضاة يساعدهم كاتب الضبط، وذلك في
جلسة علنية، ما لم يتبين للمحكمة عقد جلسة سرية محافظة على النظام والآداب العامة
أو على حرمة الأسرة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد أطراف الدعوى. وتنعقد
الجلسة برئاسة رئيس المحكمة أو قاضي يتم تعينه من لدن الجمعية العمومية السنوية
لقضاة المحاكم الإدارية، ويجب أن يحضر المفوض الملكي جميع الجلسات ويعرض آراءه
الكتابية والشفهية بكامل الاستقلالية، ويقدم خلال ثلاثين يوما تحليله واستنتاجاته
الموضوعية، ويحق للأطراف الإطلاع على ذلك، دون أن يشارك المفوض الملكي في إصدار
الحكم.
وبعد استنفاذ جميع الإجراءات
وتلقي وجهات النظر والدفوعات تصبح القضية جاهزة لإصدار الحكم فيها[46].
3-
إجراءات إصدار الحكم :
عادة تكون جلسات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى والمحاكم
الإدارية علنية، عدا إذا ظهر هناك استثناء، فيمكن أن يقرر عقدها سرية، وتصدر
الأحكام باسم جلالة الملك. ويجب أن يتضمن الحكم أو القرار لزاما البيانات الآتية :
¯
الأسماء العائلية والشخصية
للأطراف وصفاتهم ومهنهم وموطنهم الحقيقي.
¯
المذكرات المدلي بها وكذا
الوسائل المثارة ومستنتجات الأطراف.
¯
أسماء القضاة الذين أصدروا
القرار مع التنصيص على اسم المستشار المقرر.
¯
اسم ممثلي النيابة العامة.
¯
تلاوة التقرير والاستماع إلى
النيابة العامة – المفوض الملكي –
¯
أسماء المدافعين الذين آزروا
الأطراف.
ويوقع على أصل القرار كل من
الرئيس والمستشار المقرر وكاتب الضبط وهذا الحكم بعد تسليمه أو تبليغه للأطراف
المعنية، يشار فيه إلى آجال الاستئناف الذي لا يتعدى ثلاثون يوما، وبانقضاء هذا
الأجل يصبح للحكم قوة الشيء المقضي به وينفذ[47].
à ثانيا : أثر
دعوى الإلغاء على القرار الإداري
1
- لا يترتب على تقديم دعوى
الإلغاء وقف تنفيذ القرار الإداري :
لا يترتب على تقديم دعوى الإلغاء وقف تنفيذ القرار الإداري
الصادر من الجهة الإدارية المختصة، ولكن يجوز للقضاء الإداري بناء على طلب صريح من
واقع الدعوى أن يأمر بذلك الوقف بصفة استثنائية إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك، وإلا
قضى برفض الطلب كما هو الشأن في قضية إدريس العلوي التي قضى فيها المجلس الأعلى
بما يلي : ... حيث أن الطالب المذكور أعلاه يلتمس من المجلس الأعلى الحكم بإيقاف
تنفيذ القرار القاضي بالتشطيب عليه من سلك موظفي المالية مع حرمانه من حقوق
المعاش.
وحيث سبق له أن طلب إلغاء القرار المذكور في الملف عدد 886118
وحيث أن المجلس الأعلى بعد اضطلاعه على الوثائق المدرجة في الملف وعلى ظروف
النازلة، وملابستها ارتأى عدم الاستجابة للطلب المرفوع إليه لذلك قضى المجلس
الأعلى برفض الطلب، وعلى صاحبه بنفقات الدعوى. والاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ أصبحت تدخل في الاختصاص
التقديري للمحكمة الإدارية وتخضع لظروف القضية وملابستها، الأمر الذي يخولها
صلاحية فحص دعوى الإلغاء أيضا لتقف على مدى جديتها وتقرر ما إذا كانت تستجيب للطلب
المذكور أم لا[48].
2
- لا يملك القضاء الإداري إلا
الحكم بإلغاء القرار الإداري :
إن القضاء الإداري أنن النظر في
دعوى الإلغاء لتجاوز استعمال السلطة لا يملك إلا الحكم بإلغاء القرار الإداري،
وليس له أن يوجه أوامر إلى الإدارة بعمل شيء أو بالامتناع عن فعل شيء و لا يوجد أي
مقتضى قانوني يسند الاختصاص للقضاء الإداري لإعطاء الفتوى للإدارة[49]. أو
يقوم بإجراء مسطرة التنفيذ الجبري على الإدارة. ولكن في حالة امتناع الإدارة عن
تنفيذ الحكم القضائي فإن المجلس الأعلى يعتبر الامتناع قرارا إداريا سلبيا مشوبا
بعيب الشطط في استعمال السلطة يجوز الطعن فيه بالإلغاء، فضلا عن إمكان الحكم
بالتعويض[50].
3
- ألا يحكم بأكثر مما يطلب منه :
الواقع أن القضاء الإداري
ملزم بالنظر فيما هو مطلوب في مقال دعوى الإلغاء، والاستجابة إلى إلغاء القرار
الإداري إذا تبين له توفر عيب من العيوب التي تبيح الإلغاء.
4
- أن القضاء الإداري غير ملزم
بإلغاء القرار الإداري كلية بل قد يكتفي بالإلغاء الجزئي منه :
أن القرار الإداري إذا كان سليما في جزء منه، وغير سليم في
الجزء الآخر، فإن القضاء الإداري يكتفي بالإلغاء الجزئي للمقرر المطعون فيه، مثال
ذلك أن تنتهي الإجازة المرضية للموظف ولم يعد لمباشرة عمله بدون إذن مشروع فترتب
على ذلك فصل الإدارة له وقطع مرتبه متى عن المدة المرضية، وهنا سيكون المقرر غير
المشروع بالنسبة لجزء منه، وهو الخاص بقطع المرتب عن المدة المرضية، فالإدارة في
هذه الحالة تلتزم بسداد هذا المبلغ ولا يسري القطع إلا من يوم امتناعه عن العودة
لمباشرة عمله بعد انتهاء الإجازة المرضية.
5
- يجب على الإدارة أن تنفذ الحكم
بحسن نية في حالة إلغاء القرار الإداري كليا أو جزئيا :
إن خضوع الإدارة لتنفيذ الأحكام قوامه التنفيذ السليم، وذلك
بألا يشوبه أي تحايل يسعى إلى تنفيذه ظاهريا لترجع بعد ذلك لتطبيق ما ترغب في
تحقيقه بطرق احتيالية كأن يصدر حكم إداري بالإلغاء قرار العزل وعودة الموظف إلى
عمله، فتقوم الإدارة بإرجاعه ثم فصله بعد مدة مستندة في ذلك إلى علة إلغاء الوظيفة
التي كان يشغلها وفي كون الإدارة لم تعد محتاجة إليه[51].
e
المطلب الخامس : تنفيذ الأحكام القضائية على قوة الشيء المقضى به في مجال
دعوى الإلغاء
لاكتمال دولة الحق والقانون،
تخضع الإدارة بوصفها جهاز من أجهزة الدولة للمشروعية، والخضوع للمشروعية يعني عدم
تجاهل السلطة الإدارية للقانون بمفهومه الواسع ومن ذلك القواعد القضائية الإدارية،
وقد يحصل أن يمتنع رجل الإدارة عن تنفيذ القرار القاضي النهائي، الحائز على قوة
الشيء المقضى به، متدرعا بأسباب كثيرة تهربا من تطبيق العدالة. وهذه الأسباب قد
تكون نتيجة لغياب مسطرة إكراهية فعلية أو لاعتبارات شخصية أو لاعتبارات المصلحة
العامة.
à أولا : غياب مسطرة إكراهية لتنفيذ الأحكام القضائية
ففي نطاق دعوى تجاوز السلطة،
يعتبر غياب التنفيذ الجبري أو الإكراه على تنفيذ مقرر، أحد الامتيازات الكبرى التي
تتوفر عليها السلطة العمومية، وذلك أن أطراف النزاع ليسوا في وضعية مساوية، فعندما
يرفض القاضي الدعوى سيكون من السهل دخولها حيز النفاذ، لأن العمل الإداري المطعون
فيه قد يكون شرعيا، أما في حالة الإلغاء، فالطاعن لا يمكنه أن يعتمد سوى على
الإدارة أو النية الحسنة للإدارة لأنه ليس في استطاعته استدعاء القوة العمومية من
أجل إبعاد الآثار القانونية المترتبة عن العمل الإداري الغير المشروع[52].
فالقاضي الإداري لا يملك ولا يتوفر على الوسائل الإكراهية من أجل إجبار
الدولة على تنفيذ مقرراتها القضائية كالجيش والشرطة.
وعليه فإن عنصر الإلزام في تنفيذ أحكام القضاء في المغرب، كما قال الأستاذ
عبد الله حداد «... لا يمكن بالنسبة للأشخاص
العمومية في الاستعانة بالقوة العمومية بل يجد أولا في الأمر الذي يوجهه جلالته
الذي يعتبر سلطة عليا موجودة فوق الجميع، فالوزير الذي يرفض الامتثال لحكم القضاء
يكون قد عصى أمرا مولويا ويجب مؤاخذته عليه ولا يمكن أن يعفى من الجزاءات مهما
كانت الحصانة التي يتمتع بها ».
à ثانيا دوافع عدم تنفيذ المقررات القضائية
1-
الاعتبارات الشخصية لعدم تنفيذ
المقرر القضائي النهائي
ففيما يخص الاعتبارات الشخصية، فإن تراجع رجل الإدارة عن قراره قد يوهمه
بأنه ضعيف، وليس في مستوى تسيير المرفق الإداري بل من شأنه أن يبين للمواطن الصورة
السلبية لهذا التسيير الإداري. إلا أن هذه النظرة لا علاقة لها بالإنصاف والعدل،
بل أن ضعف رجل الإدارة لا يفسر إلا بالاحتفاظ على قرار غير مشروع مما يسبب فوضى في
النظام العام وجريمة يرتكبها رجل الإدارة في حق المجتمع.
فرجل الإدارة قد يمتنع عن تنفيذ
القرار القضائي مستندا على المفهوم المطلق لمبدأ فصل السلطات الذي يحول دون إجبار
الإدارة أو أعوانه المسؤولين على الانصياع للسلطة القضائية، وهذه الحجة لا ترتكز
على أي سند قانوني صحيح لأن فصل السلط يكرس عدم اعتداء سلطة على سلطة أخرى وليس
التعاون بينهم لتحقيق الصالح العام[53].
¯
وتملصا من تنفيذ قرار قضائي
نهائي، يعاد إصدار قرار الملغي، أي أن تعمد الإدارة في حالة إلغاء القرار لعيب في
الشكل، وعدم الاختصاص، إلى إصدار قرار آخر مماثل للسابق وخال من العيوب المنسوبة
للقرار الأول.
¯
الامتناع عن تنفيذ الحكم
القضائي دون مبرر، وهي حالة تجد مجالها الخصب في مجال التعويض النهائي عن نزع
الملكية خصوصا بالنسبة لوزارة الأشغال العمومية.
¯
رفع تسلم الأعذار ونسخة الحكم
وهي صورة غير مبررة تؤكد بصيغة علنية على رغبة الإدارة المعلومة المكان في عدم
تنفيذ الحكم الصادر ضدها[54].
وهكذا، فإن الامتناع عن تنفيذ
الحكم القضائي ينطوي على مخالفة قانونية لمبدأ أساسي، وأصل من الأصول القانونية
تمليه الطمأنينة العامة، وتقتضي به ضرورة الحقوق، واستقرار الروابط الاجتماعية،
استقرار ثابتا، وهو مبدأ قوة الشيء المقضى به[55].
2-
الاعتبار اللازم لقيام حالة
امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الإداري
إن امتناع الإدارة عن تنفيذ
الأحكام القضائية يشكل استثناء على قاعدة تنفيذ الأحكام القضائية وتم حصرها في
حالة واحدة إذا كان من شأن تنفيذ الحكم إثارة اضطرابات جسيمة تهدد الأمن العام
بشكل خطير أو النظام العام[56].
وبذلك تشكل قضية تنفيذ الحكم الإداري ضد الإدارة محور
آليات تحريك الدعوى الإدارية ونتاجا لعمل قضائي إداري ومرآة لتمتع الأفراد بمختلف
الحقوق اللازمة لبلوغ دولة القانون إذ به تقاس الضمانة المسندة للقضاء الإداري
المغربي[57].
إلا أن إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية بالمغرب لازالت
تعاني من العديد من المعوقات التي تحول دون أداء الدور المنوط بها.
هذا وتعتبر دعوى الإلغاء حق من حقوق الأفراد من خلالها
يمكنه أن يحافظ على حقوقه وحرياته، وحتى تكون هذه الدعوى صحيحة فإنها يجب أن تستند
إلى شروط ومواصفات منها مثلا أن يكون القرار الإداري نهائيا وأن يكون قد صدر بصفة
نهائية وليس في طور التحضير كذلك يجب أن يكون قد صدر هيئة وطنية وليست أجنبية...
كما يجب احترام الشروط المتعلقة بالمواعيد والطعن كآجال رفع الدعوى وسريانها ولكن
رقابة القضاء تنتهي عند حد رقابته على شروط قبول دعوى الإلغاء في المنازعات
المطروحة أمامه بل تمتد إلى موضوع النزاع والتي تتمثل في العيوب التي تصيب القرار
وتؤدي إلى إلغائه وكذلك إتباع إجراءات مسطرية يجب إتباعها في دعوى الإلغاء منها ما
يتعلق مثلا بكيفية رفعها إلى الجهة المختصة أو مثلا شكليات إصدار الحكم.
وبالتالي فإن دعوى الإلغاء على القرار الإداري أثر يتمثل
في عدم وقف تنفيذ القرار الإداري وكذلك أن للقضاء الإداري الحكم بالإلغاء الجزئي
للمقرر المطعون فيه وليس الإلغاء الكلي.
[1]- د. فهد بن محمد بن عبد العزيز
الدغيثر، "رقابة القضاء على قرارات الإدارة" ولاية الإلغاء أمام ديوان
المظالم، دراسة مقارنة، طبعة 1992 دار النهضة العربية القاهرة.
[2]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص :
89.
[3]- تحت عدد 185 في الملف 26/95غ.
[4]- تحت عدد 39 في الملف رقم 85/
94غ.
[6]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 546.
[7]- وهي تتحدد بسن 20 سنة ميلادية في
كل شخص طبيعي ذاتي ما لم يحجر عليه لجنون أو سفله.
[8]- وشرط المصلحة لم ينص عليه المشرع
المغربي في قانون تنظيم المجلس الأعلى ولا في القانون المنظم للمحاكم الإدارية،
ولا في قانون المسطرة المدنية القديم الذي جاء في فصله (455) أنه "لا يجوز
الترافع أمام القضاء إلا لمن لهم الصفة والأهلية لمباشرة حقوقهم" ويلاحظ هنا
أن كلمة "المصلحة" لم تذكر في هذا الفصل فقد ذهب بعض القوانين إلى
"التأكيد بأن كلمة الصفة التي وردت في هذا الفصل ما هي إلا وصف المصلحة، أي
أن المقصود من المصلحة الشخصية التي يمكن أن يعبر عنها أيضا بالفائدة "مجلة
المحاماة العدد 13 أكتوبر 1978، ص : 9.
[9]- أنظر حكم المحكمة الإدارية
بالرباط بتاريخ 13/04/1995 تحت عدد 100 في ملف رقم 20/90. ت.
[11]- الفقرة الأولى والثانية من
المادة 360 من قانون المسطرة المدنية.
[12]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص :
113.
[13]- "قرار الغرفة الإدارية
بالمجلس الأعلى، عدد 469 بتاريخ 24/11/1978 في الملف الإداري عدد 60654 قضية إدريس
السلاوي ضد وزير السكنى والتعمير المجموعة 39.
[15]- المادة 25 من قانون المحاكم
الإدارية 90/41.
[16]- ي الملف الإداري عدد 7364/86،
انظر كذلك قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 231 بتاريخ 29/12/1986 وحكمها
عدد 210 بتاريخ 27/11/1986.
[18]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص:
118.
[19]- إلا أن هذه القاعدة تحتوي على
استثناء يخضع لتبريرات معينة كما هو الشأن في نظرية الموظف الفعلي أو الواقعي على
سبيل المثال.
[20]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 559.
[21]- نفس المرجع، ص : 560.
[22]- د. فهد بن محمد بن عبد العزيز
الدغيثر، مرجع سابق ص: 190.
[24] - في ملف إداري عدد 2790 (منشورات المجلس الأعلى في
ذاكراه الأربعين لسنة 1970، المادة الإدارية) ص: 31.
[27] - المجلس الأعلى 21 ماي 1960 لحسن عبد المالك السوسي،
مجموعة قرارات المجلس الأعلى الغرفة الإدارية 1966/ 70 ص: 147.
[29] - الدكتور عبد القادر مساعد : محاضرات في القضاء
الإداري ألقيت على طلبة السنة الثالثة قانون عام، كلية الحقوق بطنجة سنة
2000-2001.
[33] - الحكم الإداري عدد 8 الصادر في 30 يناير 1970، قضية
محمد فرج، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 14 ص: 101.
[42] - د. مولاي إدريس الكتاني الحلابي "مسطرة
التقاضي الإدارية" الجزء الأول سلسلة مواضيع الساعة 12 منشورات المجلة
المغربية للإدارة المحلية والتنمية 1997 دار النشر المغربية الدار البيضاء.
[45] - د.مولاي إدريس الكتاني الحلابي "منشورات
المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية" مرجع سابق ص: 35.
[49] - أنظر حكم المحكمة الإدارية لأكادير رقم 99/95
بتاريخ 07/12/1995
ملف رقم 43/95 لقضية الجماعة الحضرية لمدينة ورزازات ضد شكير عبد الفتاح ومن معه.
[54] - د. عبد القادر مساعد "القضاء الإداري المغربي
ضمانة للحقوق والحريات" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة محمد
الخامس كلية الحقوق أكدال الرباط سنة 1998-1999 .