مبدأ مشروعية القرارات الإدارية
مبدأ مشروعية القرارات الإدارية
يعد
مبدأ المشروعية مدخلا ضروريا لدراسة الرقابة على أعمال الإدارة، تلك الرقابة التي
تستهدف مشروعية أعمال الإدارة والتحقق من عدم مخالفتها للقانون. وأساس الرقابة على
أعمال الإدارة هو إخضاع هذه الأعمال كما هو الشأن بالنسبة لتصرفات الأفراد وجميع
الهيئات الحكومية للقانون، وهو ما يعبر عنه بمبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة
القانون.
e
المطلب الأول : مفهوم مبدأ الشرعية
يقصد بهذا المبدأ أن تكون جميع تصرفات الإدارة في حدود
القانون، ويؤخذ القانون –في المجال- بمدلوله العام أي جميع القواعد الملزمة في
الدولة سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة، وأيا كان مصدرها مع مراعاة التدرج في
قوتها وأيا كان نوع تصرف الإدارة[116]
سواء كان عملا ماديا أو قرارا إداريا.
ويكاد
الفقه يجمع أن مبدأ المشروعية يعني "سيادة حكم القانون" وهو في الحقيقة
تعريف مناسب تماما لمبدأ المشروعية[117].
e
المطلب الثاني : طرق الرقابة على مشروعية قرارات الإدارة
تتفرع طرق رقابة
المشروعية –في المجال الإداري- إلى نوعين : رقابة إدارية ورقابة قضائية.
Ãأولا :
الرقابة الإدارية
تتميز الرقابة الإدارية بأنها رقابة ذاتية تقوم بها
الإدارية على أعمالها بغية تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها ومراجعتها إما بتعديلها
أو إلغائها أو سحبها، وتتم هذه الرقابة من طرف الإدارة إما من تلقاء نفسها أو بناء
على تظلمات من يعنيهم الأمر سواء قدمت إلى مصدر القرار أو رئيس هذا الأخير أو إلى
لجنة خاصة[118].
وتنقسم هذه الرقابة إلى أنواع مختلفة :
1)
التظلم الاستعطافي :
ويتم
بتقديم طلب صاحب المصلحة إلى مصدر القرار يبصره فيه بالخطأ الذي ارتكبه، فيطلب منه
تبعا لذلك إعادة النظر في قراره وذلك إما بسحبه أو إلغائه أو تعديله أو استبداله
بغيره[119].
2)
التظلم الرئاسي :
ويتم
بتظلم صاحب المصلحة إلى رئيس مصدر القرار من القرار الذي أصدره في حقه والذي يتسم
بعدم المشروعية، فيتولى رئيس مصدر القرار بعد ذلك البحث في هذا التظلم، فإذا تبين
صحة ما يطلبه المتضرر فإنه يقضي بسحب القرار أو إلغائه أو تعديله مما يجعله مطابقا
للقانون، وقد يتولى الرئيس الأعلى هذه المسألة من تلقاء نفسه دون تظلم من صاحب
المصلحة بمقتضى ما يملكه من سلطة رئاسية على مصدر القرار[120].
3)
التظلم أمام لجنة إدارية خاصة :
يكون
هذا التظلم أمام لجنة إدارية وهذه اللجنة نجدها في مختلف الأنظمة ذات المناهج
الإدارية المتقدمة وهي ما يطلق عليها في التشريع المغربي اللجنة الإدارية
المتساوية الأعضاء، إذ تتشكل من ممثلين عن الموظف وممثلين عن الإدارة، يحق للموظف
المتضرر من القرار الإداري غير السليم أن يتظلم منه أمام هذه اللجنة. فإذا تبينت
صحة تظلم الموظف فإنها تصدر رأيا معللا في الموضوع وتوجهه إلى الرئيس مصدر القرار،
إلا أن رأيها استشاري غير ملزم[121].
4)
التظلم الوصائي :
يكون
أمام الجهة التي تملك الوصاية على جهة معينة، فإذا حصل أن قامت هيئات عمومية تتمتع
بالاستقلال الإداري والمالي في تسيير شؤونها بعمل أو امتنعت عن القيام بعمل، خالفت
بذلك الهدف الذي قامت من أجل تحقيقه أو خالفت به النصوص التشريعية أو التنظيمية
المتعلقة بالنشاط الذي تقوم به فإنه يحق للمتضررين من ذلك، التظلم أمام السلطة
التي تملك الوصاية على تلك الهيئة.
واللجوء
إلى التظلم الإداري في التشريع المغربي سواء أكان تظلما استعطافيا أو رئاسيا قبل
سلوك طريق التظلم القضائي، وهو مسألة اختيارية غير ملزمة- الفصل 360، الفقرة 2 من
قانون المسطرة المدنية[122]،
بحيث يجوز للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي مباشرة دون أن يسلك طريق
التظلم الإداري، أما إذا اختار طريق التظلم الإداري قبل التظلم القضائي وجب عليه
احترام المسطرة الواجبة الإتباع.
وقد
عمل المشروع المغربي خيرا في جعل التظلم الإداري –سواء الاستعطافي منه أو الرئاسي-
اختياريا (باستثناء بعض الحالات التي تقضي فيها بعض النصوص التنظيمية بالالتزام
بمسطرة خصوصية للطعن الإداري)، على خلاف ما يجري عليه الوضع قبل تعديل قانون
المسطرة المدنية بظهير 1974، لأن وجود الرقابة القضائية كأساس إلى جانب الرقابة
الإدارية قد لا تفي بالغرض المرجو من ضمان مبدأ المشروعية وذلك لرغبتها أو لمصلحة
معينة في التحرر من قيود تلك المشروعية، أو لرفض جهة معينة الاعتراف بالخطأ لسبب
ما. وقد تجاريها الجهة الأعلى منها في ذلك. ولنفرض أننا استبعدنا هذه المواقف فإن
المنطق نفسه يرفض ترك النزاع بين الإدارة والأفراد بيد الإدارة لتفصل فيه بنفسها.
فهذا الأمر لا يبث بل يوحي بالثقة في نفوس الأفراد، لأن من مقتضيات العدالة ألا يكون
الحكم خصما في النزاع لذلك فإن الرقابة القضائية لها أهميتها في هذا المجال[123].
Ãثانيا :
الرقابة القضائية
تخضع الأعمال الإدارية في هذه الحالة لمراقبة القضاء
الذي يتولى رعاية حقوق الأفراد ضد تعسف الإدارة وذلك عن طريق إلغاء قراراتها أو
التعويض عنها أوهما معا إذا كانت تلك القرارات غير مشروعية ومست حقا من حقوق
الأفراد أو نالت بحرية من حرياتهم. وتختلف هذه الرقابة من دولة لأخرى حسب تاريخها
وتقاليدها وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث اعتنقت بعض الدول نظام
القضاء الموحد وأخضعت أقضية الإدارة إلى اختصاص المحاكم العادية، بينما سلكت دول
أخرى وعلى رأسها فرنسا نظام القضاء المزوج وأسندت المنازعات الإدارية لاختصاص
المحاكم الإدارية، إلا أن الرقابة القضائية تختلف عن الرقابة الإدارية في نقط
كثيرة وإن كانت تسير معها جنبا إلى جنب وأهم نقط الاختلاف ما يلي :
õ الرقابة الفضائية من
اختصاص القضاء وهي تخضع للمبادئ المقررة في هذا الصدد، وأهمها أن القضاء لا يملك
حق النظر في قضايا، إلا بعد رفعها من صاحب المصلحة. إذ لا يملك أن ينظر فيها من
تلقاء نفسه كما هو الشأن بالنسبة للرقابة الإدارية التي يحق لها أن تمارس رقابتها
من تلقاء نفسها أو بناء على تظلم المعني بالأمر.
õ الرقابة القضائية
تقتصر على جانب المشروعية في العمل الإداري ولا تمتد تلك الرقابة إلى جانب
الملائمة، أما الرقابة الإدارية فإنها تشمل الجانبين، جانب المشروعية وجانب
الملائمة.
õ الرقابة القضائية في
إطار مبدأ المشروعية لا تملك إلا الحكم بسلامة التصرف المشكو منه أو بعدم سلامته
والتعويض عنه، ولا تملك حق إنزال سلطاتها في المسألة المعروضة عليها، بخلاف الوضع
في الرقابة الإدارية إذ لها الحق في تعديل التصرف المعيب أو الغير الملائم
واستبداله بغيره.
õ إذا ما رفعت دعوى على
الإدارة أمام القضاء فإن القضاء يكون ملزما بالنظر فيها وإلا ارتكب جريمة إنكار
العدالة بخلاف الوضع بالنسبة للإدارة فهي غير ملزمة بالرد على التظلمات التي رفعها
إليها الأفراد، ما لم يقر المشرع غير ذلك.
õ الرقابة القضائية
ملزمة بإتباع الإجراءات القانونية بالنظر في الدعوى إلا إذا كان الحكم باطلا لعيب
الشكل والإجراءات، أما الرقابة الإدارية فإجراءاتها بسيطة، إذ المتظلم معفى من
الرسوم ومن وجوب توكيل محام عنه... إلخ.
õ تنتهي الرقابة
القضائية بالنظر في القضية إذا أصبح الحكم بشأنها حائزا على حجية الشيء المقضي
فيه، إذ لا يجوز المعني بالأمر إثارة النزاع من جديد مرة أخرى. أما في الرقابة
الإدارية فيجوز للمعني بالأمر أن يثير المسألة من جديد ويحق للإدارة أن تعيد النظر
فيه ويمكن رفع دعوى بشأنها أمام القضاء[124].
e
المطلب الثالث : موازنة مبدأ المشروعية
مما لاشك فيه أن خضوع الإدارة لمبدأ المشروعية في جميع
الحالات والظروف يعتبر المثل الأعلى لحماية حقوق وحريات الأفراد ويشكل صرحا متينا
لدولة الحق والقانون.
غير
أن تقييد الإدارة بذلك المبدأ بكيفية صارمة ومطلقة، من شأنه أن يوصم عمل الإدارة
بطابع الآلية والروتين ويسلب معها روح الابتكار والخلق والإبداع ولذلك كان طبيعيا
أن يتم تطبيق مبدأ المشروعية بشيء من المرونة، خاصة وأن مقتضيات التطور الحديث قد
استلزمت تدخلها في كثير من مجالات الحياة التي كانت من قبل محظورة عليها والتي
تلتمس فيها الإدارة منفذا للخروج على ذلك القيد وعذرا يبيح لها موازنة المصلحة
العامة مع مصلحة الأفراد.
ونتيجة
لهذه المقتضيات ابتدع الفقه والقضاء بل والمشرع أيضا بعض النظريات التي تسمح
للإدارة بالخروج على مبدأ المشروعية في حالات محددة تعتبر بعضا منها عوامل موازنة
لهذا المبدأ نظرية الظروف الاستثنائية ونظرية السلطة التقديرية بينما تعتبر إحداها
استثناءا حقيقيا له نظرية أعمال السيادة[125].
Ãأولا : نظرية
الظروف الاستثنائية
إذا كانت الأوضاع العادية للدولة تقتضي التزام الإدارة
بالقانون وفقا لمفهوم مبدأ المشروعية، إلا أنه قد يصعب تطبيقه في أوقات الأزمات أو
الاضطرابات التي لا تخلو من حياة أي دولة، إذ قد يترتب على الإصرار على تطبيقه
استفحال الأزمة بما قد يؤدي إلى انهيار الدولة ذاتها أو على الأقل تعريض سلامتها
لمخاطر شديدة تعصف بوجودها وبكل ما حافظ عليه مبدأ المشروعية ذاته.
ولذلك
تقررت للإدارة في الحالة الاستثنائية سلطة واسعة لتتخذ من التدابير السريعة
الحاسمة ما تواجه به الموقف الخطير الذي يهدد الأمن والطمأنينة بقدر ما تطلق
حريتها في تقرير ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدابير لصون الأمن والنظام ولا يتطلب
من الإدارة في مثل هذه الظروف الخطيرة ما يتطلب منها. في الظروف العادية من الحيطة
والدقة والحذر، حتى لا يفلت الزمام من يدها (حكم المحكمة الإدارية العليا بمصر في
القضية رقم 1517 المجموعة القضائية –السنة الثانية- ص : 886)[126].
ونظرا
لخطورة السلطات الاستثنائية التي تتمتع بها الإدارة في الظروف الاستثنائية فإن
الإدارة قد تتوارى وراء الظرف الاستثنائي للإساءة إلى حريات الأفراد وحقوقهم بما
يتجاوز القدر اللازم، ومن أجله تفادي ذلك عمل القضاء الفرنسي وعلى رأسه مجلس
الدولة على موازنة السلطات الاستثنائية للإدارة بضمانات مقابلة للأفراد عن طريق
تطبيق المبدأ المشهور : "الضرورة تقدر بقدرها" فلا سلطات استثنائية إلا
للضرورة وبالقدر اللازم فقط[127].
Ãثانيا : نظرية
السلطة التقديرية
تمثل السلطة التقديرية
للإدارة الجانب المقابل للسلطة المقيدة، فإذا كان المشرع يحدد في حالات معينة
مجالات تدخل الإدارة ووسائل هذا التدخل ووقته ويحدد الشروط والإجراءات الخاصة بهذا
التدخل، فإن المشرع قد يعمل أيضا في حالات أخرى إلى تمتيع الإدارة بقدر من الحرية
في التصرف تستعمله حسب الظروف والملابسات، وبعبارة أخرى فإن الإدارة في حالة السلطة
التقديرية هي التي تقرر وحدها ما إذا كان الإجراء المزمع اتخاذه ملائما أو غير
ملائم. وفي هذا المعنى يقول أحد الفقهاء أنه : "إذا تمتعت الإدارة بسلطة
تقديرية فإن معنى ذلك أن القانون قد منحها الحرية في مباشرة نشاطها دون أن يضع
شروطا وقيود تكبل من حرية تقدير ملائمة أعمالها"[128].
Ãثالثا : نظرية
أعمال السيادة
تعتبر أعمال السيادة من أخطر امتيازات الإدارة على
الإطلاق، لأن الإقرار لعمل من أعمال الإدارة بأنه من أعمال السيادة أو الحكومة،
يقتضي إخراجه من رقابة القضاء ويفضي عليه حصانة مطلقة تبعده عن دعوى الإلغاء ودعوى
التعويض.
وفي
مجال تحصين هذه الأعمال من الرقابة أنكر البعض وجودها منادين في ذلك بأن النظام
الديمقراطي يحتم ضرورة خضوع جميع أعمال السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإمكان
الطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، والقيام بإلغاءها والتعويض عنها
لعدم مشروعيتها، واكتفى البعض بالتلطيف من حدة النظرية منادين في ذلك بحل وسط
بإمكان التعويض عن أعمال السيادة دون إمكان الطعن فيها بالإلغاء[129].
إلا أنه بالرغم من ذلك فإن نظرية أعمال السيادة لها
الوجود الفعلي، وهي تجد مبرراتها في اعتبارات عملية، أساسها الضرورات السياسية
والعملية اللازمة لتحقيق الدفاع عن الدولة وسلامة الشعب، ويقضي الحرص على سلامة
الدولة والشعب عدم إلزام السلطة التنفيذية بالإفصاح عن أساليبها وأسرارها[130].
[116]- د. محمد سليمان الطماوي،
"القضاء الإداري، الكتاب الأول، "قضاء الإلغاء"، طبعة 1986، ملتزم
الطبع والنشر، دار الفكر العربي، القاهرة ص : 21.
[117]- د. محمد سليمان الطماوي،
"النظرية العامة للقرارات الإدارية" الطبعة الرابعة 1976 دار الفكر
العربي، القاهرة ص : 14.
[118]- د. محمد الوازني، "القضاء
الإداري قضاء الإلغاء التعويض" مطبعة دار الجسور، طبعة 2000.
[119]- دة. مليكة الصروخ، "القانون
الإداري" دراسة مقارنة، طبعة 2001، مطبعة النجاح الجديدة.
[120]- نفس المرجع، ص : 500.
[121]- للتوسع أنظر الدكتور عبد القادر
باينة، "الهيئات الاستشارية بالمغرب" مطبعة دار النشر المغربية /الدار
البيضاء، طبعة 1991، ص : 127.
[122]- ظهير شريف بمثابة قانون رقم
447-174-1 بتاريخ 11 رمان 1394 (28 شتنبر 1974) الخاص بالمصادقة على نصوص قانون
المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية، عدد 2330، مكرر 30 شتنبر 1974.
[123]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 501.
[124]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 503.
[125]- د. محمد الوزاني، مرجع سابق، ص :
11.
[126]- د. سعد عصفور، محسن خليل،
"القضاء الإداري" طبعة 1990، الناشر المنشآت المعارف بالإسكندرية.
[127]- التوسع في هذا الموضوع انظر
مؤلف، أحمد مدحت "نظرية الظروف الاستثنائية" سيادة القانون –حالة
الضرورة- القوانين الاستثنائية طبعة 1978 القاهرة.
[128]- د. محسن خليل، سعد عصفور،
"القضاء الإداري"، طبعة 1990، ص : 94.
[130]- دة. مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 505.