القرار الإداري، نفاذه، تنفيذه، نهايته
عندما يصبح القرار
الإداري جاهزا فإن الإدارة تعمل على تنفيذه لكي ينتج آثاره القانونية، وإذا تم
تنفيذه واستنفد مضمونه وإذا حددت مدة معينة لتطبيق القرار فإن بعد انقضاء هذه
المدة تقوم الإدارة بإنهائه بطريقتين، إما بسحبه أو إلغاءه.
المطلب الأول : نفاذ القرار الإداري
تعد القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة الإدارية
المختصة نافذة من لحظة صدورها كقاعدة عامة. وتقتضي العدالة ألا تسري في حق الأفراد
الذين توجه إليهم الأمن تاريخ علمهم بها عن طريق إحدى وسائل العلم المقررة قانونا
وتتولى الإدارة السهر على تنفيذ تلك القرارات إما عن طريق التنفيذ المباشر أو
بواسطة القضاء.
× الفرع الأول : نفاذ القرار
الإداري وسريانه في حق الأفراد
من حيث المبدأ فإن
القرارات الإدارية تعتبر نافذة من صدورها سواء عن طيب خاطر أو عن طريق القوة إن
اقتضى الحال. ولكن لما كان شأن القرارات الإدارية التأثير على حقوق الأفراد في بعض
الحالات[1].
فمن المنطقي اشتراط عدم نفاذها في حقهم إلا إذا علموا بها عن طريق إحدى وسائل
العلم المقررة قانونا فما هي هذه الوسائل ؟
Ãأولا : النشر
النشر معناه إعلام
الجمهور بالقرار وبالتالي فهو لا ينشئ القرار وإنما يقتصر أثره على إمكان الاحتجاج
به على الكافة، فهذه الوسيلة تتبع عادة في حالة المراسيم والقرارات التنظيمية حيث
يتعذر اللجوء إلى وسيلة الإعلان لأن المراسيم والقرارات التنظيمية تطبق على عدد
غير محدد وغير معروف مسبقا من الأشخاص[2]
ويهدف النشر إلى إطلاع الأشخاص على التدابير التي تهمهم، وهذا ما يفرضه المنطق
والعدل لأنه لا يمكن في الواقع أن يمارس الإنسان حقا أو يفي بواجب إلا إذا كان على
إطلاع به[3].
ويتم النشر في المغرب كقاعدة عامة في الجريدة الرسمية
ويجب أن يتضمن نشر المراسيم والقرارات التنظيمية أيضا اسم الجهة التي أصدرتها
وبيانا تفصيليا دقيقا وواضحا لمحتوياتها وجميع المعلومات الهامة التي تتضمنها وإلا
كان النشر باطلا ولا يتم العمل به[4].
وبهذا فالنشر يشكل إجراءا إداريا أساسيا يتطلب احترامه
من طرف الإدارة لضمان شرعيته وضمان تنفيذه. وهذا ما أكدت عليه بعض التشريعات
المغربية[5]
كما يعتبر الاجتهاد القضائي النشر من الشروط الضرورية التي يحتج بالقرار من الغير.
Ãثانيا : الإعلان
الإعلان هو الطريقة الواجبة الإتباع في القرارات
الفردية، ويعتبر إجراءا إداريا أساسيا تلتزم به الإدارة لضمان شرعية قراراتها
وبالتالي لضمان تنفيذ مقتضياتها وإعطائها آثارا قانونية[6].
ويتم إعلان القرار
لذوي الشأن بأنه وسيلة من وسائل الإعلان المعترف بها قانونا. مثل تسليم نسخة من
القرار إلى صاحب الشأن شخصيا مع الحصول على توقيعه باستلام أو إرسال القرار إليه
بخطاب موصى عليه بعلم الوصول[7].
ويجب أن يكون إعلان القرار شاملا لكل محتويات القرار الإداري مادام أنه لا يجوز
الاحتجاج بهذا الأخير إلا في حدود ما تم تبليغه أو إعلانه[8].
وتتمتع الإدارة
بالسلطة التقديرية في اختيار وسيلة الإعلان التي تراها مناسبة، ولكن إذا اشترط
القانون صراحة أن يتم الإعلان بوسيلة معينة بالذات بالنسبة لنوع معين من القرارات
الإدارية، فإن الإدارة ملزمة باحترام ما نص عليه القانون[9]،
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن قرارات تعيين وترقية الموظفين يجب أن تبلغ
إلى أصحابها وأن تنشر في الجريدة الرسمية[10].
وعلى كل حال فإنه من
حيث المبدأ فإن سريان نفاذ القرارات الإدارية التنظيمية أو الفردية لا يسري في حق
المخاطبين بها إلا ابتداء من تاريخ إخبارهم بواسطة جميع الوسائل القانونية التي
تراها الإدارة المناسبة لذلك وهذا ما يحملنا على القول بأنه لا سريان للقرارات
الإدارية بالنسبة للماضي عملا بمبدأ عدم الرجعية[11].
Ãثالثا : العلم اليقيني
وهي الوسيلة الثالثة لعلم الأفراد بصدور القرار الإداري
ويقصد بها أن يثبت بطريقة ما وبشكل يقيني لا بشكل ضمني أن الفرد صاحب الشأن قد علم
بصدور القرار الإداري وبمحتوياته كأن يتقدم صاحب الشأن إلى الإدارة المعنية بتظلم
كتابي.
وقد نص القانون على طرق خاصة للنشر أو الإعلان يجب
إتباعها. وذلك كتعليق القرار في لوحات خاصة في الدوائر الحكومية أو في بعض الأماكن
العامة[12].
وكيف ما كان الحال،
فإن عبئ الإثبات سواء بالنسبة للنشر أو التبليغ أو العلم اليقيني يقع على عاتق
الإدارة بل إن القضاء يتشدد في تقبل الأدلة التي تقدمها هذه الأخيرة لإثبات
تبليغها[13].
× الفرع الثاني : سريان القرار
الإداري من حيث الزمان
الأصل أن القرار
الإداري يسري في حق الجهة التي أصدرته من تاريخ إصداره وفي حق الأفراد المخاطبين
به من تاريخ شهره بالنشر في الجريدة الرسمية أو من تاريخ إعلان صاحب الشأن
بمضمونه.
وبالرغم من القواعد
السابقة المسلم بها التي تحكم فورية نفاذ القرارات الإدارية فإن هناك استثناءين
هامين على هذه القواعد : أحدهما يقضي يسريان القراران الإدارية بالنسبة للمستقبل
دون الماضي (بمعنى عدم رجعية القرارات الإدارية)، وثانيهما : يقضي بإرجاء نفاذ
القرارات الإدارية إلى فترة لاحقة على صدوره (بمعنى نفاذه في المستقبل)[14].
Ãأولا : مبدأ عدم رجعية القرارات
الإدارية
يعتبر هذا المبدأ من
المبادئ العامة التي استقر الفقه والقضاء الإداريين على الأخذ بها... ويعني هذا
المبدأ عدم جواز تطبيق القرار الإداري على الوقائع القانونية التي تمت قبل التاريخ
المحدد لبدء سريانه، وإنما ينحصر سريان أثر القرار على ما يحدث من وقائع وأعمال
بعد تاريخ السريان[15].
وقد أكد الفقه والقضاء
الإداريين على مبررات الأخذ بهذا المبدأ والتي تتمثل في : عدم تجاوز حدود الاختصاص
الزمني، بمعنى منع مصدر القرار من الاعتداء على اختصاص سلفه، وذلك إذا لم يكن مصدر
القرار مختصا خلال الفترة السابقة التي امتدت إليها آثاره... والرغبة في احترام
الحقوق المكتسبة وضمان استقرار المعاملات والأوضاع القانونية، كأن يصدر قرار
بمعاقبة موظف بالحرمان من العلاوة بأثر رجعي فيؤدي إلى حرمانه من علاوة كان قد
استحقها فعلا قبل توقيع الجزاء، والحيلولة دون تطبيق القرار خلال فترة قد يكون سبب
القرار قائما خلالها، وإنما ظهر بعد صدوره.
وبالرغم من المبررات
السابقة التي تؤكد على الحكمة من إقرار هذا المبدأ إلا أن الفقه الإداري أجاز
الاستثناءات على هذا المبدأ تتمثل في :
õ وجود نص قانوني صريح
يبيح رجعية أنواع معينة من القرارات الإدارية عند الضرورة.
õ وجود حكم قضائي بإلغاء
القرار المعيب، فيصبح لزاما على الإدارة القيام بتصحيح ما قد ترتب على ذلك القرار
المعيب من الأوضاع الخاطئة في الماضي، وذلك بإصدار قرارات صحيحة بأثر رجعي لتصحيح
الأوضاع السالفة.
õ حالة سحب قرار إداري
فردي منشأ لوضعية قانونية بأثر رجعي له شرطين أساسيين، أن يقع السحب خلال أجل رفع
الدعوى الإلغائية أو أثناء التقاضي عند رفع الدعوى في الأجل القانوني وأن تكون
القرارات المسحوبة مشوبة بعدم مشروعيتها مما يستوجب بطلانها.
õ حالة القرارات
الإدارية التي تتضمن بالضرورة أثر رجعيا، مثل القرارات التي تصدر من هيئة إدارية
خولها القانون سلطة إصدار قرارات تسري خلال فترة معينة[16].
Ãثانيا : مبدأ أرجاء آثار
القرارات الإدارية إلى تاريخ لاحقا
وهذا المبدأ يعني جواز
أرجاء ترتيب القرار الإداري لآثاره ونفاذه في مواجهة المعنيين به وذلك بإضافته إلى
تاريخ لاحقا على صدوره من خلال تعليق نفاذه على شطر واقف إذا كان ذلك يحقق المصلحة
العامة، وفي ذلك خروج على الأصل العام المقرر للنفاذ الفوري في القرارات الإدارية.
إلا أنه يجب التمييز –في
تطبيق هذا الاستثناء- بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.
أ- القرارات التنظيمية :
بالنسبة لهذا النوع من القرارات يجوز إرجاء آثارها إلى
تاريخ مستقبل لكون هذه القرارات لا تنشئ حقوقا مكتسبة لأحد ولكنها تنشئ حقوقا
تنظيمية عامة وبالتالي يكون للسلطة القائمة وقت التاريخ المقرر لأعمال أثرها أن
تعدلها أو تكيفها وأن ذلك لا يتضمن أي اعتداء على سلطة الخلق لأن هذا الخلق يستطيع
في كل وقف أن يعدل اللائحة[17].
ب- القرارات الفردية :
بالنسبة للقرارات الفردية فإن تأخير هذه القرارات إلى
تاريخ لاحق تحدده الإدارة قد يكون فيه اعتداء على السلطة صاحبة الاختصاص في ذلك
التاريخ والتي لا تكون هي نفس السلطة المصدرة للقرار.
لذلك فإن الاجتهاد
القضائي وخاصة اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي لم يقر بهذا الإرجاع في كثير من أحكامه
إلا إذا أثبت من ظروف الحال أن أرجاء تنفيذ القرار إلى تاريخ لاحق كانت تقتضيه
ضرورات المرفق ومستلزمات سيره. ومن هذا القبيل رفضه إلغاء قرارات التعيين التي
صدرت قبل نشر المرسوم الذي أنشأ الوظائف وبعد صدوره وتسليمه بصحة تعيين مهندس مع
إرجاء آثار القرار حتى أدائه الخدمة العسكرية[18].
e
المطلب الثاني : تنفيذ القرار الإداري
عندما يتم اتخاذ القرار الإداري ويصبح نهائيا، فإن مسألة
تنفيذه تهم في نفس الوقت الإدارة والأفراد المعنيين به إذن فما هو مفهوم التنفيذ ؟
× الفرع الأول : مفهوم تنفيذ
القرار الإداري
إن الوقوف على معنى تنفيذ
القرار الإداري، باعتباره عملا انفراديا صادرا عن الإدارة يقتضي ربطه بالغاية التي
تتوخاها السلطات الإدارية من هذا العمل، فطبيعة هذه الغاية هي التي تمكن من تحديد
مدى الأهمية التي ينبغي إعطاؤها المسألة التنفيذ، ويظهر ذلك بوضوح من أن القرارات
التي تتخذها السلطات الإدارية قد يكون موضوعها إما منع حقوق لصالح الأفراد وإما
فرض التزامات عليهم.
ففي حالة الاعتراف
بالحقوق فإن مسألة التنفيذ لا تطرح أي إشكال مادام أن الأمر يتعلق بالاستفادة التي
يكون فيها المستفيد في موقع اختيار له أن ينفذ القرار الذي يمنحه الحق أو لا ينفذه،
بمعنى أن التنفيذ يرجع لحسن إرادته، أما في الحالة التي يهدف فيها القرار الإداري
إلى فرض التزامات على الأفراد، فإن التنفيذ يكون إلزاميا بالنسبة للمعنيين بهذه
الالتزامات[19].
× الفرع الثاني : أساليب تنفيذ
القرار الإداري
يكون القرار الإداري
قوة تنفيذية فهو يلزم المواطنين ويضع له امتيازات، ويمكن في بعض الحالات أن تنفذ
الإدارة قراراتها بواسطة القوة.
Ãأولا : التنفيذ الاختياري
للقرارات الإدارية
يتعلق الأمر بتلك
القرارات التي تخول لصاحبها امتيازات وحقوق فإذا كان الهدف من القرار الإداري أن
يعطي للمواطن حقا، أو يمنحه رخصة لفتح متجر أو استيراد بضائع من الخارج أو بناء
مشروع فهذا القرار لا يمكن في مضمونه أي إلزام بالتنفيذ بل يترك للمستفيد منه حق
الاختيار حسب إمكانياته وظروفه وإرادته، فإما أن يبادر بتنفيذه وفق المادة
القانونية المنصوص عليها، وإما أن يطلب تجديده وإما أن يتنازل عنه[20].
Ãثانيا : التنفيذ الجبري المباشر
للقرار الإداري بواسطة الإدارة
تعتبر هذه الوسيلة من
أهم الامتيازات التي تتمتع بها السلطة الإدارية في مزاولتها لنشاطها، إذ تستطيع
الإدارة أن تقوم بتنفيذ قراراتها بشكل مباشر على الأفراد بدون أن تلجأ إلى القضاء
للحصول منه على إذن بالتنفيذ، فالإدارة تستطيع أن تستخدم القوة الجبرية عند
الاقتضاء لمواجهة عناد الأفراد في تنفيذ القرارات، إذ أن هذا الامتياز له جانبين :
أحدهما : يتمثل في امتياز إصدار قرار من جانبها يرتب أثره قبل الأفراد دون مشاركة
منهم، وثانيهما : يتمثل في امتياز تنفيذ القرار جبرا عند الاقتضاء ودون إذن من
القضاء.
إلا أن حق الإدارة في
تنفيذ قرارتها مباشرة وبالقوة إذ لزم الأمر يخضع لمجموعة من الضوابط والقيود التي
تضمن عدم تجاوز هذا الاستثناء الخطير لحدوده والمساس وبالتالي بحقوق الأفراد
وحرياتهم، وتتمثل هذه الضوابط فيما يلي :
¯ أن يرفض من صدر بحقهم
القرار الامتثال له طواعية بعد أن تطلب منهم الجهة المختصة مصدرة القرار تنفيذه،
ذلك أن الحرص على الاستجابة السريعة والفعالة لضروريات عدم تعطيل سير العمل
الإداري واستقرار الأوضاع والمراكز الناشئة عنها، كلها مبررات تقتضي –عند عدم
انصياع الأفراد طواعية واختيارا لقراراتها- تنفيذ قراراتها تنفيذا مباشرا أو جبرا
إذا لزم الأمر.
¯ أن تستخدم الإدارة في
تنفيذ قراراتها جبرا إلا القدر اللازم لضمان تنفيذ القرار، وذلك دون المساس بحقوق
وحريات الأفراد الذي سينفذ القرار في مواجهتهم وبعد انعدام الوسائل البديلة
المتاحة أمام الإدارة لوضع قراراتها موضع التنفيذ، وخاصة في الظروف الاستثنائية
الطارئة وحالات الضرورة.
وتنبع أهمية هذا الشرط
أو الضابط الخاص بالتنفيذ الجبري للقرار الآثار الخطيرة التي تترتب على استخدامها
مثل هذه الوسيلة والمتمثلة في : الاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم، كقرار نزع
الملكية الذي يمس حق الملكية، وقرار تفتيش المنازل الذي يمس حرمة المساكن، وقرار
منع مواطن من السفر الذي يمس حريته الشخصية، أو أن يترك القرار آثارا يتعذر
تداركها بعد التنفيذ كقرار هدم منزل آيل للسقوط.
أن يوجد نص قانوني
صريح يخول الإدارة حق اللجوء الجبري المباشر ذلك لأن التنفيذ الجبري المباشر هو في
الأصل وسيلة استثنائية يتم اللجوء إليها في حالات محددة، الأمر الذي يقتضي استناد
الإدارة في استخدام هذه الوسيلة إلى نص قانوني يجيز استخدامها[21].
ونظرا لما قد يطرحه
التنفيذ القهري المباشر للقرارات الإدارية من مشاكل فإن الإدارة قد تلجأ إليه في
حالة استثنائية وهي كالتالي :
¯ إذا أجاز المشرع هذا
التنفيذ، مثلا نجد المادة 52 من قانون 00-78 المتعلق بالتنظيم الجماعي والتي تنص
على : "يمكن أن يتولى رئيس المجلس تلقائيا وعلى نفقة المعنيين بالأمر العمل
طبقا للشروط المحددة بالمرسوم الجاري به العمل على تنفيذ جميع التدابير الرامية
إلى ضمان سلامة المرور والسكينة والمحافظة على الصحة العمومية كما تنص المادة 53
من نفس الميثاق على : "يجوز للرئيس أن يطلب عند الاقتضاء من السلطة الإدارية
المحلية المختصة العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به قصد
ضمان احترام قراراته ومقرراته".
¯ في حالة الاستعجال
مثلا في حالة حريق منزل لا يمكن انتظار إذن من النيابة العامة لأجل الدخول للمنزل
وإنقاذ الأشخاص المحاصرين بالنار.
¯ في الحالات التي لا
يمكن معها احترام الآجال والإجراءات العادية مثلا كالفصل 69 من الظهير الشريف رقم
31-92-1 الصادر 17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير[22]،
يبلغ الأمر بالهدم إلى المخالف ويحدد فيه الأجل المضروب له لإنجاز أشغال الهدم،
ولا يجوز أن يتعدى هذا الأجل ثلاثين يوما. وإذا لم ينجز الهدم في الأجل المضروب
لذلك تولت السلطة المحلية القيام بذلك على نفقة المخالف.
¯ في حالة مقاومة
ومعارضة صارخة من طرف الأشخاص الذين يعاكسون عن إرادة وسابق إسرار تنفيذ القرار
الإداري تعتزم الإدارة تنفيذه وكذا عدم وجود أية طريقة قانونية كالجزاءات الجنائية
أو الإدارية (الغرامة) من ذلك مثلا ما تنص عليه الفقرة 11 من الفصل 609 من القانون
الجنائي المغربي "من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة
قانونية، إذا كان هذا المرسوم القرار لم ينص على عقوبة خاصة لمن يخالف
أحكامه"[23].
Ãثالثا : تنفيذ القرارات
الإدارية عن طريق القضاء
يفترض أن تلجأ الإدارة
أصلا إلى القضاء المختص للحصول على حقوقها في تنفيذ القرار الإداري ويتم تنفيذ
القرار الإداري بواسطة القضاء عن طريق توقيع الجزاءات الجنائية والمدنية
والتأديبية :
أ- الجزاءات الجنائية : قد تلجأ الإدارة للقضاء الجنائي لتنفيذ قراراتها وحمل
الأفراد قسرا على تنفيذها من خلال توقيع عقوبات لحمل الأفراد على تنفيذ القرارات
الإدارية بل إن وسيلة الدعوى الجنائية من الأساليب التي يعتبرها الفقه والقضاء
الأسلوب الأمثل الواجب إتباعه في الحالات التي يمتنع فيها الأفراد عن تنفيذ
القرارات طواعية حملهم جبرا على التنفيذ[24].
ب- الجزاءات المدنية : تستطيع الإدارة أن تلجأ إلى القضاء المدني لإلزام
الأفراد باحترام قراراتها وتنفيذها جبرا ويرى بعض الفقهاء أن أتباع الإدارة لطريق
القضاء العادي وإن كان قليل الحدوث عملا وعدم استخدامها لامتيازات السلطة العامة
التي تتمتع بها، فيه ضمانة أكبر لاحترام حقوق وحريات الأفراد[25].
ج- الجزاءات التأديبية : تستخدم الإدارة أحيانا الجزاءات التأديبية التي تملك
توقيعها قانونا في مواجهة من يرفض الانصياع لقراراتها أو أوامرها، ومن أمثلة ذلك :
العقوبات التأديبية التي توقع على الموظفين المخالفين لأوامرها والعقوبات التي
توقع على المنتفعين بخدمات المرافق العمومية من مخالفات إزاء القرارات المنظمة
لهذا الانتفاع، والجزاءات الجنائية والمالية الواردة في أنظمة الضبط الإداري هي
خبرات سالبة للحرية كالغرامات والمصادرة والحبس وإغلاق المحلات المقلقة للراحة أو
المضرة بالصحة العامة الخطرة، فضلا عن سحب التراخيص الخاصة بمزاولة المهن الحرة والتجارية[26].
× الفرع الثالث : إيقاف تنفيذ
القرارات الإدارية
حتى يتمكن القضاء
الإداري من الحكم بوقف تنفيذ المقررات الإدارية يتعين توافر شروط شكلية وموضوعية
لا غنى عنها للاستجابة لطلبات الوقف وهي كالتالي :
à أولا : الشروط
الشكلية والموضوعية لإيقاف تنفيذ القرارات الإدارية
1) الشروط الشكلية لإيقاف تنفيذ
القرارات الإدارية :
هناك في الحقيقة شرط أساسي واحد وهو اقتران طلب وقف
التنفيذ بدعوى الإلغاء بالإضافة إلى قيدين آخرين يتعين مراعاتهما من حيث الشكل
وهما :
¯ أن يكون القرار
المطلوب إيقافه إيجابيا وله قوة تنفيذية.
¯ أن يكون لا زال لم
ينفذ بعد.
أ- أن يكون طلب إيقاف
التنفيذ بدعوى إلغاء القرار الإداري لعدم المشروعية : ومعنى هذا الشرط أن يطلب رافع دعوى الإلغاء وقف التنفيذ
لأن نفاذ القرار قد يؤدي إلى نتائج يتعذر تداركها وضرر كبير يصعب رده من طرف
الطاعن، والحكمة من هذا الشرط واضحة لأن طلب وقف التنفيذ لا يعدو أن يكون طعنا في
القرار المطلوب إلغاؤه. وقد يكون طلب وقف التنفيذ مقدما في نفس مقال دعوى الإلغاء،
وقد يكون مقدما بناءا على طلب مستقل عن دعوة الإلغاء، فطلب وقف التنفيذ فرعي يتبع
الطلب الأصلي بالإلغاء وجودا وعدما. ولا يهم بعد ذلك أن يكون قد قدم في نفس صحيفة
دعوى إلغاء القرار الإداري أو بطلب مستقل عن الطعن بالإلغاء.
ب- يجب أن يكون القرار
تنفيذيا : ومعنى ذلك أن يكون له
قوة تنفيذية (Force exécutive) ولا يكون كذلك إلا إذا كان إيجابيا كالقرار بترقية موظف دون موظف
آخر تتوافر فيه نفس مواصفات الموظف الموقف، أو قرار بعزله، أو قرار بإزالة أشجار
الغابة إلى غير ذلك، وقد ثار نقاش حاد في الفقه والقضاء في مختلف الأنظمة القضائية
وخاصة في فرنسا أو مصر فيما إذا كانت القرارات الإدارية السلبية المطعون فيها
بالإلغاء قابلة من باب التبعية للأمر بإيقاف قرار سلبي، لأن الأمر بإيقاف قرار
سلبي ينطوي في حد ذاته على عنصر إيجابي ويصبح القاضي في موقع من يصدر قرارات
للإدارة وهذا فيه خرق لمبدأ دستوري أساسي هو الفصل بين السلطتين القضائية
والتنفيذية، فالقاضي الإداري لا يملك حق إصدار أمر للإدارة، فمثلا قرار إيقاف
تنفيذ حالة عدم منح الرخصة يساوي بالتبعية قرار القاضي بإعطاء الترخيص وهذا يتعارض
مع المبدأ القائل بعدم جواز إعطاء أوامر للإدارة من طرف القاضي الإداري[27]
. فهو من خلال فحص شرعية المقررات من ظاهر الأوراق وبناء على نظرة أولية يرجع ما
إذا كان القرار المطعون فيه سيتم إلغاؤه لعيب فيه لكن دون بحث مفصل أو متعمق لعيوب
القرار الإداري، وهذه العيوب يصعب الكشف عنها في القرار السلبي لأن هذا النوع من
القرارات لا ينطوي على مقتضيات تنفيذية ويتعذر الأمر بإيقاف تنفيذها، وكهذا إذا
كانت القاعدة العامة في هذا الشأن هي أن القرار الإداري الذي يمكن الطعن فيه
بالإلغاء هو الذي يجوز طلب الحكم فيه بوقف تنفيذه فهل معنى ذلك أنه يجوز إيقاف
تنفيذ القرار السلبي، إذا أجبنا بالإيجاب فمعنى ذلك أن القضاء الإداري له الحق في
إلزام جهة الإدارة بإتيان أمر ليس للقضاء أن يلزمها بأن تأتيه لاسيما عندما يصدر
حكم فيما بعد يرفض طلب الإلغاء[28].
لقد
اتجاه الفقه في البداية نقلا عن مذاهب الفقهاء الفرنسيين ومجلس الدولة الفرنسي أن
مجرد القرارات السلبية في حد ذاتها لا تقبل الإلغاء أو إيقاف تنفيذ، والقرار السلبي
في هذه الحالة وهو الذي لا يتضمن مقتضيات تنفيذية إيجابية.
وهكذا
فإن مجرد استئناف الإدارة عن اتخاذ قرار معين لا يعتبر قرارا سلبيا قابلا للطعن
بالإلغاء، وطلب الإيقاف ذلك هو الأصل والمبدأ والاستئناف من القاعدة العامة لعدم
جواز قابلية القرارات الإدارية السلبية لوقف التنفيذ، هو حالة واحدة إذا كان
القرار السلبي الرافض من طرف الإدارة في مواجهة الفرد قد أدى إلى إحداث تعديل في
المركز القانوني أو الواقعي للفرد صاحب الشأن، كقرار يرفض طلب الاستقالة الذي
يتعارض مع مبدأ قانوني وهو حرية العمل وعدم إجبار الموظف على الاستمرار في وظيفة
لا يرغب فيها، وأن القرار المذكور فيه ضرر محقق للطاعن وبمعنى آخر فإنه من أجل
تحقيق العدالة وحماية الأفراد إذ كان القانون يفرض على الإدارة اتخاذ موقف معين
والقيام بشيء إزاء الأفراد، فإن سكوت الإدارة عن اتخاذ ذلك الموقف أو العمل بذلك
الإجراء يكون خلال فترة معينة بمثابة قرار إداري سلبي قابل للطعن بالإلغاء ومن باب
التبعية قابل لطلب الوقف. أما سكوت الإدارة عن اتخاذ قرار لا يوجب القانون عليها
اتخاذه –وإنما يترك ذلك لمحض تقديرها، فإنه لا يشكل قرارا سلبيا منها يمكن الطعن
فيه ومحل طلب الإيقاف، تلك هي القاعدة المتبعة حاليا في الأنظمة القضائية المقارنة
وخاصة في فرنسا ومصر[29]
بخلاف القضاء الإداري الألماني مثلا الذي له سلطة واسعة بحيث يمكنه أن يأمر
الإدارة باتخاذ عدة تدابير لا يفرضها القانون فحسب بل حتى الواقع، أما النظام
القضائي المغربي فبالرغم من كونه يتأثر بالنظامين الفرنسي والمصري، إلا أنه اتخاذ
موقفا محددا من هذه المسألة، وسنبين فيها بعد مجال اختصاص القضاء الإداري فيما يخص
طلبات وقف التنفيذ بالمغرب، ويلاحظ أن الاجتهاد القضائي المغربي، قد يتأثر في هذا
المجال بالنظام القضائي الفرنسي وهو الاتجاه المشار إليه أعلاه كون القرارات
السلبية لا يجوز إيقاف تنفيذها إلا إذا كان لها تأثير في المراكز القانونية
والواقعية للأطراف[30].
ج- يجب أن يكون القرار لم ينفذ بعد : والواقع أن هذا لا يعتبر شرطا حقيقيا في تقديم طلب وقف
التنفيذ وإنما يعد قيدا يمنع من الحكم بوقف التنفيذ، لأن الأمر بوقف التنفيذ في حد
ذاته يعتبر إجراءا وقتيا يقتضي الحماية العاجلة لمركز الطاعن قبل إصدار الحكم
بالإلغاء وقبل تمام تنفيذ القرار، أما إذا كان القرار قد وقع تنفيذه من قبل
الإدارة فلا مبرر للمطالبة بإيقاف القرار لعدم وجود جدوى من ذلك الإيقاف كان يكون ميعاد
الامتحان قد فات ودعوى الطعن بالإلغاء في قرار منع الطالب من اجتياز الامتحان لا
زالت رائجة أو كأن يكون المنزل الأثري قد تم تحطيمه بالهدم، ودعوى الطعن بالإلغاء
في قرار لازالت رائجة[31].
وتجدر
الإشارة إلى أن الشروط الواجب توافرها في القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء هي
نفس الشروط المتطلبة في القرار ذاته المطلوب إيقاف تنفيذه وهي أن يكون القرار
صادرا عن سلطة إدارية وذو قوة تنفيذية أي له تأثير على مراكز الأفراد، وأن يكون
نهائيا، (فمثلا لا يجوز وقف تنفيذ الأعمال التحضيرية لإصدار القرار الإداري فلا
يجوز حتى الطعن فيها بالإلغاء فبالأحرى إيقاف تنفيذها)[32].
2) الشروط الموضوعية لإيقاف تنفيذ
المقررات الإدارية :
هناك شرطان موضوعيان
لإمكان الحكم بوقف التنفيذ وهما ضروريان إذا تخلف أحدهما فإن المحكمة ترفض طلب وقف
تنفيذ القرار وهما : من ناحية أولى شرط الاستعجال ومن جانب ثاني شرط الجدية أو
المشروعية.
أ- شرط الاستعجال :
لم يعط القانون المغربي لهذا الشرط أي تعريف قانوني، لكن
يمكننا القول بأن هذا الشرط يتحقق عندما يكون تنفيذ القرار يرتب نتائج يتعذر
تداركها فيما لو حكم بإلغاء القرار بعد تنفيذه وعلى المحكمة أن تتحقق من وجود هذا
الشرط حسب الحالات المعروضة أمامها كما ولو صدر قرار بمنع طالب من اجتياز مباراة
أو بهدم منزل أثري أو بمنع مريض من السفر إلى الخارج للعلاج، ففي مثل هذه الحالات
يكون ركن الاستعجال قائما وبذلك فكلما ظهرت للمحكمة أمور يخشى عليها من فوات الوقت
أو نتائج يتعذر تداركها، كان عنصر الاستعجال موجودا لإيقاف التنفيذ يعتبر بحق كما
قال الأستاذ هوريو "مراقبة أولية وعاجلة لمشروعية القرار" موجودا، ولكي
يمكننا الوقوف على هذا الشرط بتدقيق يتعين القول بأن عنصر الاستعجال يقوم على
ثلاثة معايير أساسية يجب على المحكمة مراعاتها عند فحص عنصر الاستعجال بمناسبة
دراسة الملف المعروض عليها وهي كالتالي :
1. ألا تتأذى المصلحة
العامة من وقف التنفيذ ابتداءا شديدا.
2. أن يتضرر طالب وقف
التنفيذ ضررا كبيرا في عمله وحياته الخاصة.
3. أن لا يكون بإمكانه
دفع النتائج الضارة التي تترتب على استمرار تنفيذ القرار بالوسائل القانونية
المقررة[33].
وهنا غالبا ما تحاول
المحكمة الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين المصلحة العامة ومصالح الأفراد، فيكون
عنصر الاستعجال قائما عندما تتوافر ضرورة معينة تبرر وقف تنفيذ القرار لتفادي
نتائج يتعذر تداركها فيما بعد ودون التطاول على المصلحة العامة بشكل صارخ عند
الأمر بوقف التنفيذ وفي حالة تعادل المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة تلجأ المحكمة
إلى تغليب كفة المصلحة العامة على الخاصة.
وقد ثار تساؤل في
القضية حول ما إذا كانت القرارات الإدارية المعدومة قابلة لوقف التنفيذ بناءا على
حالة الاستعجال وخاصة في مصر وفرنسا ؟ وفي الحقيقة أن هذه القرارات لا تعتبر
قرارات إدارية وإنما مجرد أعمال مادية، فالقرارات الإدارية تكون لها قوة ملزمة،
أما المعدومة فهي مجرد أعمال مادية أو عقبات في وجه الأفراد فقد ذهب القضاء في مصر
إلى جواز الحكم بإيقاف تنفيذها، لمجرد أنها منعدمة ودون التقيد حتى بأجل الطعن[34]،
لأن هذا العمل كما قالت المحكمة العليا في مصر لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في
سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته مطالبتهم
بإزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة. (حكم بتاريخ 14-01-1956 منشور بمجموعة المبادئ
السنة الأولى، ص : 383)، وهكذا عندما يتوافر شرطا الاستعجال والجدية، فإن المحكمة
يتعين عليها أن تحكم بإيقاف تنفيذ القرار، أقول هنا المحكمة كهيئة مشكلة من أعضاء[35].
ويثور التساؤل عندما
تتوافر الضرورة المستعجلة القصوى بالمغرب ويتقدم الطاعن يطلب استصدار الأمر بإيقاف
التنفيذ إلى السيد رئيس المحكمة الإدارية عندما يكون النزاع منصبا في الموضوع حول
طلب إبطال محضر حجز تنفيذي إداري من طرف قابض الضريبة وتقدم الطاعن بالإلغاء يطلب
بطلان محضر الحجز وإيقاف عملية البيع أو تأجيله وفي نفس الوقت يطلب من رئيس
المحكمة إيقاف عملية الحجز التنفيذي خاصة ما إذا كان قد أدى الكفالة المنصوص عليها
بالفصل 15 وما يعده من ظهير 1935 المتعلق بالضرائب، ففي هذه الحالة يحب لرئيس
المحكمة أن يفصل في الطلب المذكور بمفرده نظرا لحالة الاستعجال القصوى دون هيئة
الحكم[36].
ب- شرط الجدية أو المشروعية :
ويقصد بهذا الشرط أن يكون طلب التنفيذ مبنيا على أسباب
جدية وواقعية حسب الظاهر من الأمور، بمعنى أن القاضي الإداري من خلال بحثه في
الجدية فإنه يتكون لديه نظرة أولية في مشروعية الطلب الموضوعي من خلال الفحص
الظاهري لوثائق الملف، بحيث يكون طلب الإلغاء ذاته قائما على أسباب جدية تحمل على
ترجيح كفة إلغاء القرار الإداري لعيب فيه من عيوب القرار الإداري دون أن يقوم
القاضي ببحث دقيق ومعمق في موضوع الطلب ودون الدخول في التفاصيل، وهناك العديد من
القرارات الإدارية التي تفقد جديتها وتكون مخالفة للقوانين أو المبادئ السائدة في
الميدان الإداري، مثل القرار الإداري بوقف صدور جريدة بصفة تعسفية ودونما أسباب
قانونية أو أمنية وجيهة أو قرار إداري بمنع صدور جريدة موازية تحت اسم جديد من طرف
حزب سياسي معين بعد صيرورة قرار إيقاف الجريدة الأولى نهائيا وناقدا، إذا في هذه
الحالة الأخيرة يعتبر الإيقاف أو المنع لصدور الجريدة هو منع لرأي الحزب وشل نشاطه
السياسي الذي يعبر عنه بواسطة جريدته[37].
ويجب دائما عدم الخوض
في جوهر النزاع وأصل الحق موضوع الطعن في القرار الصادر بشأنه، على اعتبار أن وقف
التنفيذ هو حكم مؤقت يستلزم عدم الخوض في الجوهر، لا يقيد المحكمة عند نظرها لأصل
طلب إلغاء القرار. فقد تحكم برفض الطعن بالإلغاء في الطلب الموضوعي أو قبوله حسب
الأحوال بعد قيام المحكمة ببحث مفصل ومعمق في المشروعية.
وهكذا فبالرغم من أن
وقف التنفيذ هو من قبيل الأمور المستعجلة التي لا علاقة لها بموضوع الدعوى وإننا
طلب متفرع عن طلب الإلغاء، فيجب أن يكون طلب الإلغاء مبنيا على أسباب جدية يترك
لقاضي الموضوع تقديرها[38].
õ مجال وقف التنفيذ : من المسلم به أن المحكمة لا تفحص طلب وقف التنفيذ إلا
بعد أن تكون قد تحققت أولا في اختصاصها بنظر الطلب الأصلي، وهو إلغاء القرار
الإداري المطعون فيه بعدم المشروعية وكذلك شروط قبول الدعوى وأهمها ميعاد رفعها
وإلا صرحت المحكمة بعدم قبول الطلبين معا.
õ مدة إمكانية وقف
التنفيذ القرارات الإدارية المرتبطة بعقود إدارية : هناك مسألة ذات أهمية قصوى ولابد من الإشارة إليها، هل
يمكن الطعن في القرارات الإدارية المرتبطة بالعقود الإدارية بالإلغاء والوقف ؟
فالعقد الإداري كما نعلم له مميزات خاصة تجعله يرقى على باقي العقود العادية، بحيث
تظهر فيه امتيازات السلطة العامة كأن تقوم الإدارة بالتنفيذ المباشر للعقد وتنزل
عقوبات على المتعاقد معها مثل مصادرة التأمين، فرض غرامة التأخير، إنهاء المشروع
بصفة منفردة، إلى أخره، إن الفقه قد ميز في القرارات المطعون فيها بالنسبة لهذه
العقود بين القرارات المنفصلة عن العقد والتي تكون سابقة عنه أو في المرحلة
التمهيدية للعقد وتسمى القرارات المنفصلة Actes détachables كالقرار
بطرح العمل في المناقصة والقرار الصادر باستبعاد أحد المتناقضين أو إلغاء المناقصة
إلخ، هذا من جهة ومن جهة أخرى، هناك القرارات المتعلقة بتنفيذ مقتضيات العقد
وبنوده تسمى Les actes attachables كالقرار بمصادرة التأمين أو
فسخ العقد.
والقاعدة العامة أن
القرارات الإدارية الصادرة بمناسبة تنفيذ بنود العقد Attachables كالقرار
بسحب العمل ممن تعاقد معها، والقرار بمصادرة التأمين أو إلغاء العقد ذاته لا يقبل
فيها دعوى الإلغاء وتبعا لذلك لا تقبل فيها طلبات وقف التنفيذ، ويتعين على
المتعاقد مع الإدارة أن يسلك طريق دعوى القضاء الكامل والمطالبة بالتعويض إن كان
قد حصل له ضرر محقق ومباشر. وكذلك الشأن بالنسبة للغير الذي يعتبر أجنبيا عن العقد
فهو الآخر لا يكون محقا سوى في المطالبة بالتعويض، بخلاف القرارات الإدارية
السابقة على انعقاد العقد أو المنفصلة (Détachables) والتي قد
تسهم في إبرامه كقرارات إجراء مناقصة أو المزايدات، إلخ. فهي قرارات نهائية مستقلة
عن العقد وتكون قابلة للطعن بالإلغاء ومن باب التبعية قابلة لطلب وقف التنفيذ.
وهذا الاتجاه اقتباسا من الاجتهاد الفرنسي قد اخذت به المحكمة العليا بمصر في
مجموعة مبادئ قانونية في الحكم عدد 15 المنشور في كتاب مجموعة المبادئ 1980-1965،
الجزء الأول ص : 181[39] والصلة
في ذلك أن القرارات الإدارية الصادرة في ميدان تنفيذ العقد والمرتبطة به هي تخضع
غالبا للشروط التعاقدية وتخضع في مراقبتها لقاضي العقد وليس لقاضي الإلغاء، والفصل
في هذا التمييز يرجع فيه إلى كناش التحملات غالبا، وإن كان مجلس الدولة الفرنسي قد
عدل من هذا الموقف نسبيا أو أدخل في دعوى الإلغاء وقبل طلب الإيقاف فيما يتعلق
بالقرارات المرتبطة بالعقد وحكم تبعا لذلك بإلغاء وإيقاف هذا النوع من القرارات
إذا انتقت فيها المشروعية وتوافرت حالة الاستعجال[40].
أما المقررات المنفصلة أصلا عن العقد، فلا جدال أنها قابلة للإلغاء ومن
الباب التبعية لإيقاف تنفيذها، إلا أن هذا التمييز يبقى نظريا ومنفذا ولا يستقيم
في جميع الأحوال فالمحاكم مثلا في مصر قد حكمت بإلغاء بعض المقررات المتصلة بالعقد
استنادا إلى عنصري الجدية والاستعجال وعندما تحقق أضرارا خطيرة للمتعاقد مع
الإدارية وفي جميع الأحوال التي تقبل فيها القرارات التي لا علاقة لها من بعيد أو
من قريب بالعقد للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة، يتعين ألا تكون هذه القرارات مرتبطة
بالنظام العام كالقرارات البوليسية فمثل هذه القرارات لا تقبل إيقاف تنفيذ، راجع
مستنتجات مفوض الحكومة رميو Romieu في هذا الصدد، وأن لا يمنع
القانون صراحة إيقاف تنفيذها كتدبير استثنائي يخرج عن القاعدة المألوفة قانونا وهي
نفاذ القرارات الإدارية بمجرد صدورها من الجيهات الإدارية الرسمية[41].
à ثانيا :
تطبيقات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية في بعض الأنظمة
القضائية
المقارنة (مصر، فرنسا، المغرب)
إذا كان الأصل هو أن القرارات بمجرد صدورها وتبليغها إلى ذوي الشأن بصفة
قانونية، ستكون قابلة للتنفيذ وتلجأ الإدارة إلى تنفيذها بصفة مباشرة وتنتج هذه
القرارات آثارها منذ صدورها، فإن الطعن فيها بالإلغاء لعدم المشروعية لا يوقف
تنفيذها، فإنه استثناء من هذه القاعدة ثم الأخذ بنظام وقف التنفيذ في أحكام القضاء
الإداري في فرنسا ومصر ومن هذا النظام بتطورات هامة منذ نشأته إلى الآن.
أ-وقف تنفيذ القرارات الإدارية
في النظام القضائي بمصر :
سنحاول في هذه الفقرة أن نبرز
بعض خصوصيات طلبات وقف التنفيذ بمصر حيث قطع القضاء الإداري أشواطا طويلة من النمو
والتقدم وأصبح يعرف استقلالا من حيث التنظيم الهيكلي ونوعا ما من حيث وظيفته وذلك
منذ إنشاء مجلس الدولة المصري سنة 1946، وقد جاء في الفصل 49 من قانون 1972
"يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرار إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت
المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها". فبالإضافة إلى الشروط الشكلية
والموضوعية للاستجابة لطلب وقف التنفيذ والتي اعتمدها أيضا القضاء المصري فإن
القضاء الإداري المصري يختص بالبث في طلب وقف التنفيذ، إذا كان هذا الطلب المستعجل
مرتبطا بدعوى الإلغاء وإذا توافرت الشروط السالفة الذكر، وينص الفصل 40 من قانون
مجلس الدولة الحالي بأن المحاكم الإدارية بمصر تختص بالبث في طلب وقف تنفيذ القرار
الإداري المضمون فيه بالإلغاء، وكذا في طلب استمرار صرف مرتب الموظف المفصول عن
عمله بعد تظلمه من قرار فصله عن الخدمة وقبل أن يتم رفع دعوى إلغاء هذا القرار[42].
لذلك فللمحاكم التأديبية بمصر أن تأمر بإيقاف القرار الإداري القاضي بمنع
الموظف من مرتبه كلا أو جزءا إلى حين افصل في الطلب الموضوعي المتعلق بالقرار
التأديبي وذلك للاختصاص الدقيق والتمييز المناطق بهذه المحاكم ولأن الدعوى
التأديبية تمر من عدة قنوات وهي الجهة الإدارية التي يعمل بها الموظف التي تسجل
المخالفات المهنية ثم النيابة الإدارية التي تجمع الحجج والوثائق ضد الموظف وتقوم
بمتابعته وكذا هيئة مفوضي الدولة التي تعد تقارير للمحاكمة وأخيرا المحكمة التي
تفصل في مشروعية القرار الإداري من عدمه ولها أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات
التأديبي قبل صدور حكم نهائي بشأنه، ونلاحظ أن هذه الحالة هي الحالة الوحيدة التي
لا يشترط فيها في البداية تقديم دعوى في الموضوع، فالمحكمة تقرر إيقاف القرار القاضي
بحرمان الموظف من مرتبه إلى حين الفصل في موضوع القرار التأديبي بكونه شرعي أم لا،
وغاية المشرع واقعة في هذا المجال وهي غاية نبيلة تقتضي حماية ومنع الضائقة
المالية التي قد تلحق به إلى حين ثبوت صحة القرار التأديبي المتخذ في حقه شرط أن
يكون المرتب هو مورد عيشه الوحيد، وبالإضافة إلى الشرطين الموضوعيين لقيام اختصاص
القضاء الإداري للبث في طلب وقف التنفيذ واللذان سبق توضيحهما من قبل وهما عنصرا
الاستعجال وجدية الطلب هناك شرط شكلي يعتمده القضاء في مصر وهو أن يرد طلب وقف
التنفيذ فيغير الدعاوى التأديبية المذكورة في صحيفة دعوى الإلغاء، ومعنى ذلك أن
يطلب الطاعن صراحة وقف التنفيذ في نفس المقال الذي يطلب فيه إلغاء القرار الإداري
وإذا لا يعدو أن يكون طلب وقف التنفيذ، كما قالت المحكمة الإدارية العليا طعنا في
القرار المطلوب إلغاؤه الذي قد تقوم الإدارة بتنفيذه مباشرة رغم وقوع الطعن ويكون
الجمع بين طلب الوقف والإلغاء في دعوى واحدة قد يحقق في الوقت ذاته اتخاذ بدء
ميعاد الطعن في القرار إلغاءا ووقفا ويمنع التفاوت في حساب هذا الميعاد بداية
ونهاية ولأن المادة السالفة الذكر تنص على أنه "...ويجوز للمحكمة أن تأمر
بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر
تداركها..."[43].
ونحن لا نتفق مع ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا بمصر من وجوب اشتراط
ورود طلب الإيقاف مع الطلب الأصلي في صحيفة دعوى واحدة، لأنه قد يظهر للطاعن ويغن
له ألا يقدم طلب إيقاف التنفيذ إلا بعد تقديم الدعوى الأصلية بالطعن بالإلغاء
استنادا إلى ما قد يطرأ من مستجدات بعد تقديم الطعن بالإلغاء، وهذه المستجدات قد
تحدث أضرارا يصعب تفاديها مثل ذلك أن يصدر قرار بمنع تصدير منتوج فلاحي إلى الخارج
فلا يجد الطاعن زبناء في السوق المحلي رغم أنه سبق له أن تقدم بدعوى الطعن بإلغاء
القرار المذكور لعدم مشروعيته وخوفا من ضياع المنتوج الذي قد يكون قابلا للتلف
بطبيعته فيرغب في تقديم طلب إيقاف التنفيذ ضد القرار في نفس دعوى الإلغاء أو في
القرار لم يسحب من طرف جهة إدارية مصدرته ولم يلغ من طرف
القضاء.
كما أن المادة 49 المتحدث عنها لم تستلزم اقتران طلب وقف التنفيذ مع الطلب
الأصلي في مقال واحد للدعوى، وإنما أشارت إلى هذا الاقتران على سبيل الجواز، بحيث
استعملت كلمة "يجوز".
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي في قانون 90/41 لم يشر إلى هذه الحالة
ولم يستلزم ورود دعوى واحدة تجمع بين طلب الوقت والطعن بالإلغاء في آن واحد، وقد
أحسن صنعا عند ابتعد عن هذا التعقيد المسطري، واشترط فقط على غرار التشريع
الفرنسي، ضرورة تقديم دعوى الإلغاء قبل تقديم طلب وقف التنفيذ خلافا لما ذهب إليه
القضاء المصري حكم المحكمة الإدارية العليا عدد 1612 وتاريخ 1983 المنشور بمجلة
قضاء المحكمة الإدارية العليا، عدد 27[44].
ويلاحظ أن التشريع المصري قد خرج من نطاق طلب وقف التنفيذ حالة المتعلقة
بالوضعية الإدارية للموظفين التي يكون فيها التظلم وجوبيا، لا يقبل فيها طلب وقف
التنفيذ والعلة في ذلك تكمن في افتراض عدم قيام الاستعجال المبرر لوقف تنفيذ
القرار وهي حسبما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون 165 لسنة 1955 قرينة قانونية
قاطعة لا تقبل إثبات العكس ؟ على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم
مؤقتا باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادرا بالفصل ويسرد عنه ما
قبضه، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه الحالة غير موجودة بالتشريع المغربي
بدعوى أن قانون 90/41 اعتبر أن اللجوء إلى التظلم الاستعطافي أو الرئاسي هو أمر
جوازي بالنسبة للمقررات الصادرة عن السلطات الإدارية حسبما يستفاد من المادة 23 من
قانون 90/41 الفقرة التي تنص على أنه يجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا تظلما من
القرار إلى مصدره أو إلى رئيسه، وفي مصر يتعين القيام بالتظلم حتى يمكن للمحكمة أن
تأمر بصرف مرتب الموظف على أن الحكم باستمرار صرف مرتب الموظف المتظلم المفصول
جزءا أو كلا يستند على عنصر الاستعجال من جهة وعنصر الجدية الذي يعني أن يكون
الطلب مستندا على سبب صحيح من القانون، إن قرارات التكليف مثلا في الوظيفة
العمومية تتميز بنظام قانوني مستقل ولا تعتبر من القرارات التي تقبل طلب إلغائها
قبل التظلم منها إداريا ومن الجائر طلب وقف لتنفيذها.
وفي مصر، يجوز للمحكمة الموضوع أمامها الطعن في الأحكام الصادرة عن القضاء
الإداري أن تأمر بوقف تنفيذها وأن الإشكال في صعوبة تنفيذ الحكم لا يوقف تنفيذه،
وأن مجرد امتناع الإدارة عن التنفيذ لا يعتبر عقبة في التنفيذ وإنما يعد قرارا
سلبيا بالامتناع عن تنفيذ الحكم. وهذا القرار السلبي قد يكون مجالا للطعن بالإلغاء
وفق التنفيذ وفيما يلي نورد بعض الاجتهادات المهمة التي صدرت عن المحكمة الإدارية
العليا بمصر والمرتبطة بالموضوع والتي نعتقد أن لها فائدة كبيرة في الميدان العلمي[45].
vالطعن رقم 620 لسنة 11ق
جلسة 19-11-1966 :
طلب وقف التنفيذ ركناه قيام
الاستعجال والجدية، فقيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر
تداركها والثاني أي الجدية يفصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا
الشأن قائما بحسب الظاهر على أسباب جدية، ولاشك في أن تنفيذ القرار المتضمن رفض
الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة وما نطوي عليه من تقييد لحريته في العمل،
فنتيجته عن إدارة محلات الأسلحة والدخائر التي يمكنها استنادا إلى أنه مصاب بمرض
عقلي من شأنه أن تترتب عليه أضرار جسيمة يتعذر تداركها تتمثل ليس فحسب في حرمانه
من مباشرة نشاطه التجاري بل فيما يترتب على هذا الحرمان المستند إلى وصمه بأنه
مصاب بمرض عقلي من عدم الثقة فيه والقضاء على سمعته والائتمان وتأسيسا على ذلك فإن
حكم المطعون فيه إذا أقضى بوقف تنفيذا لقرار المذكور بعد أن استظهر الركنين اللذين
يقوم عليهما هذا الطلب يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن[46].
ب- وقف التنفيذ في النظام
القضائي الفرنسي :
إن رقابة القاضي الإداري في
دعوى الإلغاء أو دعوى تجاوز السلطة كما يطلق فيها في فرنسا Excés de
pouvoir لازالت رقابة لاحقة كما الحال في المغرب لذلك فقد تردد القضاء الفرنسي
في الاستجابة لطلبات وقف التنفيذ ضد المقررات الإدارية، بحيث إنه كان ولازال يتشدد
في رقابة الشروط الشطلية والموضوعية المبرة ضد المقررات الإدارية وخاصة شرط
الاستعجال[47]
حيث لم يعتبر عنصر الاستعجال إلا في الحالة التي يخشى من ضياعها أو نتيجة يصعب
تداركها فعلا، وهكذا لم يمنح مجلس الدولة الفرنسي أحكاما يوقف التنفيذ خلال 20 سنة
وإلى غاية 1949 إلا في حالة معدودة تنحصر في وقف تنفيذ ترخيص بالبناء في مكان
أثري، قرار بحل جمعية وقرار رفض قيد الطبيب في مستشفى معين إذا كان من شأن ذلك أن
يسبب أضرارا لا يمكن تلافيها، وكأن رئيس الدولة في البداية هو المختص للبث في طلب إيقاف التنفيذ ثم انتقل الاختصاص بعد
ذلك إلى مجلس الدولة وأصبحت المحاكم الإدارية فيما بعد هي المختصة وذلك في سنة 1950
وقد أنشأت المحاكم الإدارية الفرنسية في السنة الثامنة للثورة الفرنسية وهي ذات
السنة التي أنشأ فيها مجلس الدولة وكانت تسمى مجالس المحافظات لأن كل محافظة كان
لها مجلس يرأسه المحافظ، ويتولى السكريتير العام للمحافظة وظيفة موظف الحكومة
أمامه، ومعه عدد من المستشارين، ولكنهم لم يتمتعوا بضمانات تكفل استقلالهم عن
الإدارة، ولذلك لم يكن لمجالس الأقاليم أي اختصاص بوقف تنفيذ القرارات الإدارية في
النطاق المخصص لها وإنما كان لمجلس الدولة الحق في ذلك فقط، وأنه منذ صدور المرسوم
المذكور أصبحت المحاكم الإدارية وليس لها الحق في نطاق اختصاصها وفي حدود معينة أن
تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات الإدارية وليس لها أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات
المرتبطة بالنظام العام وإلا من العام والسكينة العامة ثم بعد ذلك سمع مرسوم 1980
للمحاكم بوقف تنفيذ القرارات المتصلة بالنظام العام طالما أنها تتعلق بدخول وإقامة
أجانب على الأراضي الفرنسية إلى أن صدر قانون الإصلاح القضائي لسنة 1987 والذي
أنشأت بمقتضاه محاكم إدارية استئنافية والتي تعتبر مرجعا استئنافيا فيما يتعلق
بطلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية الفردية، أما القرارات اللائحية والتنظيمية
بقيت من اختصاص مجلس الدولة مع انتظار صدور مراسيم تحدد نوعيات هذه القرارات. كما
أن القضاء الفرنسي تردد في البداية في الاستجابة لطلبات وقف تنفيذ القرارات
السلبية وعارضها معارضة شديدة على اعتبار أن القاضي الإداري يراعي دوما عدم التدخل
في وظائف الإدارة لأنه لا يملك أن يصدر إليها أية أوامر للقيام بعمل أو الامتناع
عن عمل لاسيما وأن قرار وقف التنفيذ في حد ذاته ينطوي على مقتضيات إيجابية وبقي
الأمر على هاته الحالة بفرنسا إلى غاية سنة 1949 حيث صدر حكم بوقف تنفيذ قرار صادر
عن مجلس الأطباء يرفض تقييد جراح بسجلاتها لأنه تعاقد مع عيادة طبية خيرية وتعانية
بالمدينة بأجر أقل مما تقدر النقابة إذا رأى المجلس "مجلس الدولة" أن
هذا القرار سيحدث اضطرابا لا يمكن التغلب عليه في عمل هذه العيادة الطبية، وهذا
اجتهاد فريد من مجلس الدولة الفرنسي بحيث لم يتأثر به القضاء الفرنسي وبقي الأمر
على تلك الحالة إلى سنة 1970 في حكم Amoros أموروس[48] والذي جاء فيه بأن وقف التنفيذ لا يمكن الحكم به إلا في
مواجهة قرارات تنفيذية وبالتبعية فإنه لا يؤمر بوقف قرار إداري بالرفض إلا في حالة
تسببه في إحداث تعدي في المركز القانوني أو الواقعي لصحاب الشأن وذلك لأنه بدون
ذلك يعتبر التنفيذ أمرا موجها إلى الإدارة. وينتج عن ذلك إذا كان للمعنيين بالأمر
مجرد مصلحة فقط وليست حقوق أو مراكز ثابتة لا تقبل طلبات وقف التنفيذ للقرارات
السلبية لتلك المصلحة –وهو الاتجاه المعمول به حاليا في مصر وكذا ببلادنا.
ج- وقف التنفيذ في النظام
القضائي المغربي :
إن المبدأ العام السائد بالمغرب، شأنه شأن باقي الدول
وخاصة فرنسا ومصر، إن الطعن في المقررات الإدارية للتجاوز في استعمال السلطة لا
يوقف تنفيذ هذه المقررات فالفصل 336 من ق.م.م ينص بأنه لا يوقف طلب النقض أمام
المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الحالات التالية للمجلس الأعلى وبناء على طلب صريح
من رافع الدعوى أن يأمر بإيقاف تنفيذ المقررات الصادرة في القضايا الإدارية والتي
وقع الطعن فيها بالإلغاء، والمبرر الأساسي لهذا المبدأ سبق توضيحه من قبل لكون
القرارات الإدارية كما قلنا مبنية على الصحة والسلامة ويفترض فيها تحقيق المصلحة
العامة إلى أن يثبت العكس، وقد نصت المادة 24 من قانون 90 /41 المحدث للمحاكم
الإدارية بأنه لا يمكن للمحكمة أن تأمر بدعوى استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع
إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس منها طالب الإلغاء ذلك صراحة. ومن خلال نص
هذه المادة يتضح أن المحاكم الإدارية لا يمكن لها أن تستجيب لطلب وقف التنفيذ إلا
بصفة استثنائية وهذا الإيقاف لا يكون إلا مؤقتا وعلاوة على ذلك هناك عادة ثلاثة
شروط حتى يمكن أن يقبل توقيف تنفيذ القرارات الإدارية وهي الشروط المعتمدة في
فرنسا.
يجب أن يتقدم به رافع
الدعوى بصفة صريحة أثناء تقديم الطعن بالإلغاء أو مباشرة بعد تقديم الطعن بالإلغاء
وهذا هو الشرط التشكلي الضروري ويتعين في هذا الصدد مراعاة الشروط الشكلية الأخرى
المتعلقة برفع الدعوى من الناحية التقليدية كمراعاة مسألة الاختصاص والشروط الواجب
توافرها في رافع الدعوى "الصفحة –المصلحة –والأهلية" وقابلية القرار
للطعن وقفا وإلغاءا أن يكون وطنيا ونهائيا وله قوة تنفيذية ومؤثر في مراكز الأفراد
الواقعية والقانونية، وإذا كانت المادة 22 من نفس القانون تنص على أن طلب الإلغاء
بسبب تجاوز السلطة يعفى من أداء الرسم القضائي فهل يعني ذلك أنه من باب التبعية أن
طلب وقف التنفيذ الذي هو متفرع عن الطلب الأصلي بالإلغاء معفى من أداء الرسم
القضائي ؟ لم يحدد المشرع موقفه من هذه المسألة وفي نظرنا ومادام الطلب يخدم في
شكل مستقل، فيتعين أداء الرسوم القضائية عليه.
كذلك أن المادة 23 من
نفس القانون تنص على أن طلبات الإلغاء الموجهة ضد المقررات الصادرة عن السلطات
الإدارية، وأن المشرع أشار إلى أن قرارات السلطات الإدارية بالمغرب، هي التي تقبل
الطعن بالإلغاء ويفهم من ذلك أنها هي التي تقبل تبعا لذلك طلب وقف التنفيذ، ويثور
التساؤل حول المقررات التي تصدر عن بعض الهيئات التي يكون لها دور استشاري،
كالمجلس الأعلى للماء والمجلس المستشارين لحقوق الإنسان. الإجابة على هذا السؤال
تختلف باختلاف المعيار المحدد لطبيعة المنازلة الإدارية ولاشك أن أعمال وقرارات
الهيئات مستثناة من رقابة القضاء الإداري المغربي وقفا وإلغاءا إذا طبقنا المعيار
العضوي، في حين إذا أخذنا بالمعيار الموضوعي فإن تلك القرارات الإدارية في الدعوة
الزجرية المرفوعة لديه عندما يمثل المتهمون أمامه لا يحكم بإلغائه ومن باب الأولى
لا يحق له أن يأمر بإيقاف تنفيذه لأنه غير مؤهل لذلك، والمشرع في قانون 90 /41 لم
يمنحه هذه الصلاحية وإن كان له الحق في أن يمتنع عن تطبيق القرار الإداري الغير
الشرعي وذلك كله تطبيقا لقاعدة الجنائي يوقف المدني ونظرا لأن الدعوى العمومية تمس
أساسا الحريات الفردية والحقوق الشخصية للإنسان ويتعين البث فيها في أسرع وقت ممكن
وقبل فحص شرعية القرار الإداري من طرف الجهة المختصة وذلك حماية لتلك الحريات
والحقوق.
والقانون المغربي على
غرار القانون الفرنسي يجعل طلب وقف التنفيذ ذا طابع استثنائي ولا يلجأ إليه إذا
توافرت الشروط المذكورة آنفا، فالإضافة إلى الشرطين الموضوعيين وهما الاستعجال
والمشروعية يجب توافر الشرط الشكلي وهو أن يكون القرار المطلوب إيقاف تنفيذه لم
ينفذ بعد من جهة، وأن يكون القرار المطلوب إيقافه له قوة تنفيذية حتى وإن كان قرار
سلبيا بمعنى أن من شأنه أن يؤثر في المراكز القانونية والواقعية للأفراد.
وللإشارة فالمشرع
المغربي لم يعالج مسألة إيقاف تنفيذ القرارات المعدومة، كما أن القضاء المغربي في
الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لم يسبق لها أن حكمت بإيقاف عمل مادي صادر عن
الإدارة ومخالف للقانون والذي لا يكون قرارا إداريا في حد ذاته لأن القرار الإداري
له قوته الإلزامية وشروط صحته القانونية وإنما هو مجرد عمل مادي أو كما يقال مجرد
عقبة تنطوي في حد ذاتها على حالة الاستعجال يتعين إزالتها والحكم بإيقافها لأن
نظرية الاعتداء المادي لازالت محل نقاش هل هي من اختصاص القضاء المدني العادي أو
القضاء الإداري ؟[49].
e
المطلب الثالث : نهاية القرار الإداري
ينتهي العمل بالقرار الإداري وينتهي بالتالي تأثيره في
المراكز القانونية التي صدرت يهدف التأثير فيها بإحدى الطريقتين : إما بسحب القرار
الإداري وإما بإلغائه.
ويقصد بسحب القرار
الإداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للماضي والمستقبل، فتزول كل آثاره
ويعتبر كأن لم يكن. وفكرة السحب هذه مقصورة أساسا على القرارات الإدارية المعيبة
ويقصد بإلغاء القرار الإداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للمستقبل فقط مع
بقاء ما خلف من آثار في الماضي وفكرة الإلغاء بالنسبة إلى المستقبل هي فكرة عامة
تتأثر بالنسبة إلى القرارات الإدارية جميعا.
وقد يتناول الإلغاء أو
السحب القرار الإداري بأكمله كما قد يكون جزئيا يصيب بعضا من هذا القرار في
الحالات التي يقبل فيها القرار التجزئة، وذلك كسحب أو إلغاء قرار التعيين بالنسبة
لبعض من يشملهم القرار من الموظفين.
وفي ما يلي سنتناول
نهاية القرارات الإدارية السليمة والمعيبة[50].
× الفرع الأول : نهاية القرار
الإداري عن طريق الإلغاء
كما سبقت الإشارة أن
الإلغاء هو جعل لمفعول القرار الإداري مستقبل ابتداء من تاريخ الإلغاء والاحتفاظ
بما أنتجه من آثار قبل الإلغاء[51].
وفي هذا المجال يجب أن
نميز بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.
à أولا :
القرارات التنظيمية
باعتبار أنه لا تنتج
عنها اللامراكز قانونية عامة مجردة وموضوعية كان في حكم الممكن تعديلها أو إلغائها
في أي وقت. فالمخاطبين بها ليس له أي احتجاج في مواجهة الإدارة بأي حق مكتسب،
اللهم إذا تم تطبيق اللوائح عليه بصفة فردية وشخصية.
à ثانيا :
القرارات الفردية
المستقر عليه فقها
وقضاء ولاعتبارات استقرار المعاملات هو عدم جواز إلغاء القرارات الفردية حيث يترتب
على الإلغاء مساس بالحقوق التي اكتسبها الأفراد من هذه القرارات بيد أنه إذا كان
القرارات الفردية لا ترتب حقوقا مكتسبة فإنه يمكن تعديلها أو إلغائها بالنسبة
للمستقبل[52].
إلا أن هذه القاعدة
ليست مطلقة إذ يجوز للإدارة إلغاء هذه القرارات إذا وجدت المبررات القانونية أي في
الحالات وبالإجراءات التي يحددها القانون فيجوز إلغاء الترخيص الممنوح لأحد
الأفراد إذا زال شرط من الشروط الترخيص أو اقتضت المصلحة العامة ذلك طبقا لما
يقتضي به القانون ويجوز فصل الموظف سواء بالطريق التأديبي أو بغير الطريق
التأديبي، وهو يعتبر إلغاء لقرار تعيينه ويجوز في الحالات التي يسمح بها القانون.
ولا يعتبر الاجتهاد
القضائي من القرارات المرتبة للحقوق ترخيصات الضبط الإداري، والقرارات ذات الصبغة
الوقتية تشمل الطريق العام، والقرارات التي علقت آثارها على شرط، وكذلك القرارات الولائية
والتي تخول الفرد مجرد رخصة أو تسامح كمنح الإجازة المرضية لأحد الموظفين في غير
الحالات التي يوجب القانون فيها ذلك.
فهذه القرارات تستطيع
الإدارة إنهاءها في أي وقت وبالتالي فهي لا ترتب أي حق مكتسب[53].
× الفرع الثاني : نهاية القرارات
الإدارية عن طريق السحب
إذا كان إلغاء القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثار القرار
بالنسبة للمستقبل فقط، فإن سحب القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثار القرار بالنسبة
للماضي والمستقبل وهذا يترتب عليه زوال كل آثار القرار بآثار رجعي كذلك[54].
وسلطة الإدارة في سحب القرارات الإدارية تختلف إذا كان
القرار سليما ومعيبا.
à أولا :
القرارات الإدارية السليمة
القاعدة هي عدم جواز سحب القرارات الإدارية الفردية
السليمة التي ولدت حقوقا مكتسبة للأفراد احتراما لمبدأ عدم رجعية القوانين
الإدارية.
ويستثنى من ذلك جواز
سحب القرارات الإدارية السليمة في حالة فصل الموظفين مراعاة لا اعتبارات إنسانية.
أما القرارات التنظيمية فإنها لا تنشئ حقا إلا إذا طبقت
على الأفراد ولذلك فإذا لم تكن قد طبقت بعد فالوسيلة القانونية لإنهائها هو
الإلغاء وليس السحب لكونها لم تنتج آثار في الماضي. ولكن يتعلق الأمر بعدم تطبيقها
مستقبلا فإذا كانت قد طبقت فعلا فإنها وإن كانت لا تكسب أحدا مباشرة حقوقا مكتسبة
لكونها عامة ومجردة إلا أن القرارات الفردية التي تصدر بالتطبيق لما تكسب الأفراد
حقوقا ويترتب على سحب اللائحة اعتبار القرارات الفردية الصادرة تطبيقا لها في
الماضي كأن لم تكن وهذا يعني المساس بالحقوق المكتسبة التي رتبتها القرارات
الفردية وبالتالي يتمنع على الإدارة سحبها لمخالفة ذلك لمبدأ عدم رجعية القرارات
الإدارية وعدم المساس بالحقوق المكتسبة[55].
à ثانيا :
القرارات الإدارية المعيبة
الأصل أنه يجوز للإدارة أن تسحب قرارها المعيب (غير
مشروع)[56]
حتى تسقط بأثر رجعي ويترتب على هذا السحب للقرار المعيب سواء كان تنظيما أم فرديا
زواله بأثر رجعي يمتد إلى تاريخ صدوره. ويختلف الوضع في سحب القرارات الإدارية بين
القرارات التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها، والقرارات التي لا يترتب عليها
حقوقا مكتسبة لأطرافها.
فالقرارات المعيبة
التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها يجوز سحبها سواء خلال المدة المحددة للسحب
أم بعد انقضائها.
أما القرارات المعيبة التي
يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأصحابها فلا يجوز سحبها الإخلال المدة القانونية
المحددة لإجراء السحب أي خلال الفترة التي يجوز فيها الطعن في القرار وهي في الأصل
ستون يوما من تاريخ صدور القرار الإداري المخالف للقانون.
ويترتب على ذلك أن سحب
القرار الإداري المعيب "المنشئ لحقوق مكتسبة" بعد انتهاء المدة المحددة
للسحب من شأنه أبطال القرار الساحب ذاته[57].
وهناك حالات استثنائية
يجوز فيها سحب القرارات الإدارية دون التقيد بالمدة وهي :
õ حالة انعدام القرار : وتتوفر هذه الحالة عندما تبلغ درجة جسامة العيب في
القرار المعدم حدا يفقده صفته كقرار إداري، فيجوز سحبه في أي وقت.
õ حالة قيام القرار على
غشت أو تدليس : إن الغش أو
التدليس كما هو معلوم من عيوب الرضا فإذا ثبت قيام القرار الإداري على ذلك الغش أو
التدليس من صاحب المصلحة فإنه يجوز سحب القرار دون التقيد بمدة جواز الطعن لأن
الغش كقاعدة يفسد كل شيء، كما أن أحسن نية المستفيد من القرار هي التي تبرر عدم
جواز المساس به بعد فوات مواعيد الطعن، أما إذا انتفى حسن النية لذا المستفيد من
القرار فإنه يكون جدير بالحماية[58].
õ حالة القرار الذي لم
يعلن أو ينشر : إن القرارات
الإدارية لا تصبح سارية المفعول تجاه الأفراد الأمن تاريخ شهرها بالإعلان أو النشر
حسب طبيعة تلك القرارات سواء أكانت فردية أم تنظيمية فإذا لم يتم الشهر عن تلك
القرارات بأية طريقة من طرف الإعلان فإن مدة السحب لا تبدأ في مواجهة الإدارة إذ
تستطيع سحبها في أية لحظة وفي مواجهة الأفراد الذين يستطيعون الطعن فيها قضائيا
دون التقيد بميعاد غير أن الوضع لا ينطبق الأعلى القرارات الإدارية الصريحة فقط
بدون غيرها. أما بالنسبة للقرارات الإدارية الضمنية التي تنشأ حسب القانون من سكوت
الإدارة خلال هذه معينة فإنها تصبح نهائية بانتماء هذه المدة ولا يجوز للإدارة
سحبها إبان مدة جواز الطعن.
õ حالة تأخر عدم مشروعية
القرار الفردي المتخذ أساسا لغيرة : وتتحقق هذه الحالة عند صدور القرار المترتب عليه قد فات، ولا تظهر عدم
مشروعية القرار الذي صدور مؤخرا إلا بعد فوات ميعاد الطعن فيه. في هذه الحالة يجوز
سحب هذا القرار كما يجوز الطعن فيه قضائيا يصرف النظر عن فوات هذه الطعن. ومثال
ذلك أن يصدر قرار بنقل الموظف من مكان إلى آخر بحجة المصلحة العامة. وبتعيين آخر
في مكان ولم يكتشف سر نقل الموظف الأول الذي يكمن في تعيين الثاني على أساس رابطة
النسب إلا بعد انتهاء مواعيد الطعن. فإن إبطال قرار نقل الموظف مثلا يسمح بسحب
القرار الصادر بتعيين خلفه رغم انتهاء مواعيد الطعن في هذا القرار[59].
والأصل أن يتم سحب
القرار (المعيب) من نفس الجهة التي قامت بإصداره وبنفس الأداة المستخدمة في
الإصدار. وسواء كان اختصاص هذه بالسحب مقررا بنص قانوني أو بموجب قاعدة توازي
الاختصاص، فالسلطة الرئاسية مثلا تملك سحب القرارات الإدارية الصادرة عن مرؤوسها
لأنها تملك سلطة التعقيب على قرارات هؤلاء المرؤوسين بسحبها لعدم مشروعيتها.
ويترتب عن سحب القرار
الإداري أن يعتبر كأن لم يكن من تاريخ صدوره وهو نفس آثار الإلغاء القضائي وبناء
على أن السحب بأثر رجعي إزالة للقرار وكل ما يترتب عليه من آثار وإعادة الحال إلى
ما كان عليه قبل صدور القرار المسحوب وزوال آثار السحب قد يكون جزئيا أو كليا إن
كان القرار المراد سحبه قابل للتجزئة[60].
وخلاصة القول فإن سحب
القرارات الإدارية المعيبة تعتبر أسلوبا قانونيا وضروريا بالنسبة لسير نشاط المرفق
العالم ووسيلة لضمان مبدأ الشريعة، كما أن قيام الإدارة بسحب قراراتها اللاشرعية
يعبر عن نضجها في مراقبة عملها مراقبة ذاتية بحيث تحكم نفسها بنفسها قبل أن تتبخر
العدالة في شؤونها.
وبناء على ما سبق
يتبين لنا أن القرارات الإدارية طالما استكملت مقوماتها الذاتية، وبمجرد صدورها عن
السلطة الإدارية التي تملكها أصبحت نافذة وتعد سارية في جانب الإدارة من هذا
التاريخ بيد أنها لا تسري في حق الأفراد الذين توجه إليها إلا إذا عملوا بها بإحدى
وسائل العلم المقررة قانونا. والقرارات الإداري تسري على الماضي كقاعدة عامة ولا
يجوز تأجيل آثار القرار الإداري إلا في حالات معينة. كما يمكن للإدارة أن تقوم
بتنفيذ قراراتها الإدارية بطريقتين عن طريق التنفيذ المباشر دون حاجة للالتجاء إلى
القضاء وهذا يرجع إلى أن الإدارة تتمتع بقرينة سلامة القرارات والدعوى المدينة
الذي تعتبر ضمانة لاحترام حقوق وحريات الأفراد. فبعدما يستنفد القرار الإداري كل
مضمونه وتحدد المدة المعينة لتطبيقه فبعد انقضاء هذه المدة ينتهي القرار. وتقوم
الإدارة بنفسها يسحبه وإلغاء وتختلف عملية السحب عن عملية الإلغاء بحسب طبيعة
القرار الإداري. فالقرارات التنظيمية التي لا تنشئ حقوقا مكتسبة ولا تخلق اللامركز
قانونية يجوز إلغاءها. في حين أن القرارات الفردية لا يجوز إلغاءها لأنه يترتب على
إلغاء مساس بالحقوق المكتسبة للأفراد. أما إذا كانت لا ترتب حقوقا مكتسبة فلأنه
يمكن تعديلها أو إلغاءها أما عملية السحب فإنها تختلف إذا كان القرار سليما أو
معيبا، فالمقررات الإدارية، السليمة لا يجوز سحبها إذا ولدت حقوقا مكتسبة للأفراد.
أما بشأن القرارات الإدارية المعيبة يجوز سحبها حتى ولو تعلقت بها حقوق مكتسبة
للأفراد.
[1]- د. رضوان بوجمعة، المقتضب في
القانون الإداري المغربي، م.س. 198.
[2]- د.ة. مليكة الصروخ، القانون
الإداري، م.س. ص : 401.
[3]- إدريس البصري، جان كرانيون،
ميشال روسي، أحمد بلحاج، القانون الإداري المغربي، الطبعة الأولى المطبعة الملكية،
الرباط 1988، ص : 289.
[4]- د.ة. مليكة الصروخ القانون
الإداري، م.س. ص : 402.
[5]- نجد مثلا الفصل 45 من الدستور
المراجع في 13 شتنبر 1996 الذي ينص "وللقانون يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من
الزمن محدود ولغاية معينة وبمقتضى مراسيم، تدابير يختص القانون عادة باتخذاها
ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها.
õ وتنص المادة 76 من القانون 00-78 المتعلق بالميثاق
الجماعي على ما يلي : "يجب تعليق القرارات التي الرئيس، باستثناء القرارات
الواجب تبليغها إلى المعنيين بالأمر بمقر الجماعة أو نشرها في الصحف أو تبليغها
إلى المعنيين بالأمر بكل وسيلة ملائمة أخرى يحتفظ بالوثائق التي تثبت التبليغ
والنشر بمحفوظات الجماعة".
õ تنص المادة 25 من الظهير الشريف رقم 008-58-1 بتاريخ 24
فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على ما يلي : "يجب
أن تنشر تسميات الموظفين وترقياتهم في الجريدة الرسمية".
[6]- د. رضوان بوجمعة، المقتضب في
القانون الإداري المغربي، مرجع سابق، ص : 198.
[7]- د.ة. مليكة الصروخ، القانون
الإداري مرجع سابق، ص : 400.
[9]- د.ة. مليكة الصروخ، القانون
الإداري، م.س. ص : 401.
[10]- الفصل 25 من الظهير شريف رقم
008-58-1 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958.
[11]- د. الحاج الشكرة، القانون
الإداري، مرجع سابق، ص : 100.
[12]- د.ة. مليحة الصروخ، مرجع سابق، ص
: 401-402.
[14]- د. نواف كنعان، القانون الإداري،
م.س. ص : 293-294.
[16]- د. نواف كنعان، القانون الإداري،
مرجع سابق، ص : 402.
[18]- د. رضوان بوجمعى، م.س. ص : 74.
[19]- د. محمد كرامي، القانون الإداري،
التنظيم الإداري، النشاط الإداري، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة
الأولى 1421هـ/2000م.
[20]- د. محمد أنور حمادة، القرارات
الإدارية ورقابة القضاء، ص : 57.
[21]- د. نواف كنعان، القانون الإداري،
الكتاب الثاني، م.س. ص : 296-297.
[23]- د. الحاج الشكرة، القانون
الإداري، مرجع سابق، ص : 103.
[24]- د. سليمان الطماوي، الوجيز في
القانون الإداري، م.س. ص : 260.
[26]- د. محمد يحيا، المغرب الإداري،
م.س. ص : 384-385.
[27]- المقال المأخوذ من مجلة القضاء الإداري
حصيلة وآفاق، سنة 1993، ص : 100، الصادرة عن المجلة المغربية للعلوم الإدارية.
[28]- عزيز يودالي، قاضي بالمحكمة
الإدارية بمكناس، عن المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 14-15،
يناير يونيو 1996.،ص : 60.
[29]- يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون
القرار السلبي مؤثرا في المركز الواقعي والقانوني للطاعن.
[30]- المجلة المغربية للإدارة المحلية
والتنمية، م.س. ص : 60-61.
[32]- د.ة. مليكة الصروخ، القانون
الإداري، م.س. ص : 405-406.
[33]- عبد الله حداد، القضاء الإداري
المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية،ص : 225.
[34]- مقال إبراهيم زعيم، مسطرة وقف
التنفيذ ومسطرة الاستعجال في المادة الإدارية، أي ترابط بينهما، منشور بالمجلة
المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 12 يوليوز- شتنبر 1995، ص: 57 وما
بعدها.
[35]- إن القضاء الإداري المغربي سواء
قبل إنشاء المحاكم الإدارية 90/41 أو بعد إنشائها يعتبر نفسه غير مختص للنظر في
قضايا الاعتداء المادي للإدارة كالاعتداء على الملكية الخاصة دون سلوك الوسائل
القانونية المخولة للإدارة وهي مسطرة نزع الملكية أو الاستيلاء المؤقت، فالأعمال
المادية غير الشرعية أو أعمال التعدي التي تقوم بها الإدارة تجعل هذه الأخيرة
كأنها شأن الأفراد والخواص الذين يخالفون القانون ويمكن الحكم عليها بإخلاء العقار
المترامي عليه أو بصفة عامة وضع حد لهذا الاعتداء أو التعدي ولا تكون تلك إلا
بواسطة المحاكم العادية المدنية الحامية الطبيعية لحقوق الأفراد، أما المحاكم
الإدارية فإن أغلب الأحكام الصادرة عنها، إن لم نقل في مجموعها تصرح بعدم اختصاصها
للنظر في مثل هذه الأعمال، ولا يمكن اعتبار الأعمال قرارات إدارية، وهو الاتجاه
المتبع في النظام القضائي الفرنسية. أما في مصر، فإن النظام القضائي قد ذهب شوطا
بعيدا في هذا الإيطار، واعتبر نفسه مختصا بالنظر في قضايا الاعتداء المادي للإدارة
إذا كانت هاته الأعمال المادية غير الشرعية قد صدرت عن الإدارة
في شكل قرارات إدارية وبالتالي فالقضاء المصري يحكم تبعا لذلك بإيقاف تنفيذها
وبإلغائها إذا توافرت الشروط اللازمة لذلك.
[36]- د. مساعد عبد القادر، أستاذ
بكلية الحقوق، طنجة نظام وقف تنفيذ القرارات الإدارية في الاجتهاد القضائي الإداري
المغربي، ص : 54.
[37]- رضوان بوجمعة، المقتضى في
القانون الإدارية المغربي، ص : 182-183.
[38]- محمد مرغلي خيري، م.س. ص : 90.
[39]- وقد جاء في حيثيات الحكم
المذكور، اختصاص جهة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود
الإدارية هو اختصاص شامل مطلق لأصل تلك المنازعات وما يتفرع عنها وللمحكمة أن تفصل
في الطلب المستعجل المتفرع عن العقد الإدارية. وحيث إن مدار المنازع في الدعوى
الماثلة رهين في جوهره بمدى حقوق طرفيها عند نهاية مدة عقد الالتزام. ومثل هذه
المنازعات جميعا لا تتجاوز حقيقة العقد الإداري ولا تخرج عن دائرته ومن ثم تدخل في
ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء ولا يرد عليه وقف التنفيذ المتعلق
بالقرارات الإدارية.
[40]- كالقرار بنقل الشيء التعاقدي
لفائدة ملتزم جديد مع الإدارة بدلا من الملتزم الأصلي وبدون أي مبرر.
[42]- المجلة المغربية للإدارة المحلية
والتنمية، عدد مزدوج 14-15، يناير –يونيو 1996، ص : 62-63.
[43]- إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية،
دراسات + د. عزيز بودالي، قاضي بالمحكمة الإدارية بمكناس، ص : 64-65.
[45]- إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية،
دراسات، د.عزيز بودالي قاضي بالمحكمة
الإدارية بمكناس، ص : 65-66-67.
[46]- المجلة المغربية للإدارة المحلية
والتنمية، عدد مزدوج 4-15 يناير –يونيو 1996، ص : 69.
[47]- إن الدول الأخرى كألمانيا
الاتحادية والنمسا والدول الاشتراكية تعتبر إيقاف التنفيذ مقبولا بمجرد التقدم
بدعوى الطعن من أجل إلغاء القرار الإداري إذا لم ينص على خلاف ذلك بنص صريح.
[48]- المسطور المنشور في كتاب
لوبادير، ميثاق القانون الإداري، ص : 609.
[49]- المجلة المغربية للإدارة المحلية
والتنمية عدد مزدوج، 14-15 يناير - يونيو
1996، ص : 72-76.
[50]- رضوان بوجمعة، القانون الإداري،
مرجع سابق، ص ك 209.
[51]- محمد يحيا، المغرب الإداري، مرجع
سابق، ص : 385.
[53]- مليكة الصروخ، القانون الإداري،
م.س. ص : 406.
[54]- د. نواف كنعان، القانون الإداري،
م.س. ص : 305.
[56]- الحكم عدد 239 في 25-09-96 أيت
الحسن رشيدة من السيد النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية عن المجلة المغربية
للإدارة المحلية والتنمية –عدد 20 و21 سنة 1997 (لا يمكن للإدارة أن تسحب قراراتها
إلا إذا كانت غير شرعية).
[57]- د. نواف كنعان، القانون الإداري،
مرجع سابق، ص : 307-308.
[58]- د. الحاج الشكرة، القانون
الإداري، م.س. 101.
[59]- د. مليكة الصروخ، القانون
الإداري، م.س. ص : 407-408
[60]- د. محمد أنور حمادة، القرارات
الإدارية ورقابة القضاء،/ م.س. ص : 77-78-79.