سؤال الحكامة في القانون التنظيمي للجهات 111.14

سؤال الحكامة في القانون التنظيمي للجهات 111.14

كوثر أمرير باحثة في القانون العام

 كثيرا ما يطرح سؤال الحكامة  كحل للعديد من المشاكل التي تعاني منها المجتمعات الانسانية . و بالنسبة للأمم  المتحدة  تعتبر ان مجموع  العراقيل التي تواجه تحقيق اهداف  التنمية  الانسانية تعود بالأساس لمشكل غياب الحكومة .وعندما نتكلم عن التنمية على المستوى المحلي  . فيمكن  لنا رصد العديد من المشاكل التي تعود  بالأساس  لغياب  الحكامة .كغياب الشفافية بالنسبة للمؤسسات المحلية و المنتخبين المحلين .غياب حس المسؤولية  في الادارات العمومية وعدم  قدراتها على بلورة سياسات اكثر استجابة لحاجيات المرتفقين .ضعف المسؤولية في الادارات العمومية و عدم قدرتها على المستوى المحلي

وغيرها من المشاكل التي يعاني منها التدبير المحلي .سوء تدبير الاموال العمومية وعدم قدرتها على بلورة  سياسات اكثر استجابة لحاجيات المرتفقين . ضعف الخبرة   على مستوى التعاون بين القطاع العام والخاص.سوء تدبير الاموال العمومية على المستوى المحلي وغيرها من المشاكل التي يعاني منها التدبير المحلي . والتي يكون للأسف نتائج جد سلبية فيما يخص تحقيق مستويات متقدمة  في  مؤشرات التنمية البشرية وهو ما يدفع بالمواطن للتذمر و الاحتجاج  في كثير من الاحيان .لذلك  كان من الازم ونحن نعيش مرحلة جديدة على مستوى التدبير المحلي  نتيجة دخول مجموعة من القوانين التنظيمي للجهات باعتبار الجهة اصبحت في ظل دستور 2011 تنبؤ مركز الصدارة  فيما يخص اعداد برامج التنمية الجهوية  وكذا التصاميم الجهوية وكذا التصاميم الجهوية  وكذا التصاميم الجهوية لإعداد التراب .واختيارنا الحديث عن هذا الموضوع  نابع  من قناعة مفادها ان اي اصلاح قانوني مهما بلغ من الرقي علي مستوى جودة النص القانوني .يبقى غير ذي جدوى اذا لم يفعل بشكل جيد .واذا لم يفعل بشكل جيد .واذا لم يتضمن مقتضيات تصب في اتجاه التخليق والنجاعة وربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا حسن التدبير . بما يضمن تحقيق نتائج جيدة مع  التأكيد على ان التنصيص على اليات الحكامة على مستوى الجهة لا يكفي لوحده بل يرتبط بوسائل اخرى لا تقل اهمية خاصة على اليات الحكامة على مستوى الجهة لا يكفي لوحده  بل يرتبط بوسائل اخرى لا تقل اهمية خاصة على مستوى تأهيل  الادارة الترابية والموارد البشرية .   

الكلمات المفتاحية : الحكامة الجيدة – التنمية المحلية –مؤسسة الجهة

تقديم                                               

يمكن تعريف الحكامة بانها اداة لضبط وتسيير التوجهات الاستراتيجية الكبرى لمؤسسة ما ,يمكن تطبيقها في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية  والثقافية .ويعرف الدارسون و الخبراء والمختصون هذا المفهوم بانه تعبير عن ممارسة السلطة السياسية  وادارتها لشؤون المجتمع و موارده المادية والمالية والبشرية الخ .

ولكن تجدر الاشارة , في هذا الصدد , الى ان هذا التعريف قديم ,لأنه يركز ويدل فقط على اليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار ,الشيء الذي جعل هذا التعريف يطرا عليه تطور بحيث اصبح مفهوم الحكامة يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة واطرا ادارية كفاءة  لتحسين نوعية حياة المواطنين  وتحقيق رفاهيتهم , وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم  ودعمهم

ولما كان المستوى المحلي الاكثر قربا واتصالا بالمواطن , اصبح من الضروري العمل على تكريس الحكامة على المستوى المحلي قصد تمكين المواطن من مستوى جيد ضمن مؤشرات التنمية . خاصة ان  مبدا الحكامة الجيدة اضحى مبدا دستوريا في ظل دستور 2011,   وهو الامر الذي يمنحه المزيد من القوة  في حالة ما تم العمل  على تنزيله على ارض الواقع .فما احوج اداراتنا ومؤسساتنا الى تبني وتفعيل الحكامة  قصد الرقي بالتدبير العمومي , وبالتالي  كانت الحاجة ملحة الى اعتماد مرجعية قانونية للحكامة على المستوى المحلي ,تعمل على تكريس وبلورة مبادئ  واليات الحكامة على مستوى مؤسسة الجهة , باعتبارها وحدة المحلي ترابية اصبحت تتمتع باختصاصات اكبر وتحظى بمكانة مهمة  على مستوى  مؤسسة الجهة , باعتبارها وحدة ترابية اصبحت تتمتع باختصاصات  اكبر وتحظى بمكانة مهمة على مستوى تحقيق اهداف التنمية ,تختلف كثيرا عما كان  معمولا  به في ظل النظام القانوني السابق وهو الامر الذي دفعنا الى طرح سؤال الحكامة في ظل القانون التنظيمي للجهات . فكيف تم تكريس الحكامة في ظل القانون التنظيمي للجهات واين تكمن تجليات الحكامة فيه ؟ وماهي العوامل المساعدة على تفعيل الحكامة على المستوى المحلي ؟

للإجابة على هذه الاسئلة اخترنا التقسيم التالي :

Ø     الفقرة الاولى تجليات الحكامة في القانون التنظيمي للجهات

Ø     اولا على مستوى التدبير الاداري للجهة

Ø     ثانيا على مستوى التدبير المالي للجهة

Ø     الفقرة الثانية عوامل نجاح الحكامة على مستوى الجهة

Ø     اولا تأهيل الادارة الترابية

Ø     ثانيا تأهيل الموارد البشرية

الفقرة الاولى : تجليات الحكامة في القانون التنظيمي للجهات

تضمن القانون التنظيمي للجهات العديد من الاليات التي يمكن تصنيفها في خانة الحكامة ,وذلك  سواء على  مستوى التدبير الاداري  لشؤون الجهة على تدبير اداري ومالي يتميز باليات الحكامة سيساهم لا محالة في جعل الجهة قاطرة  للتنمية المحلية , وسيعزز قدرات الجهة على ان تصبح فاعل كبير على المستوى الوطني . ولتحليل هذه الاليات سنتطرق اولا لتجليات الحكامة على مستوى التدبير الاداري للجهة تم ثانيا على مستوى التدبير المالي للجهة .

اولا على مستوى التدبير الاداري للجهة  : في هذا الاطار يمكن رصد تجليات  الحكامة في عدة مقتضيات ,تهم تكوين مجالس الجهات وطرق التسيير واليات اشتغال هذه المجالس , من بين هذه التجليات  نجد ما نصت عليه المادة 17 من القانون التنظيمي للجهات , من انه لا يجوز الجمع بين رئاسة مجلس الجهة و صفة عضو في الحكومة او في مجلس النواب او مجلس المستشارين او المجلس الاقتصادي  و البئي او مجلس  المنافسة او الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها .

ومن اجل اعطاء الممارسة داخل  ادارة الجهة بعدا حكماتيا , تضمن القانون التنظيمي للجهات مقتضيات جديد خاصة بإدارة الجهة وذلك في المواد من 123 الى 127 , حيث تتوفر الجهة على ادارة  يحدد تنظيمها واختصاصها بقرار لرئيس الجهة يتخذ بعد مداولة المجلس  .كما يتم التعيين في جميع المناصب  بإدارة الجهة  بقرار لرئيس المجلس .كما تتنافى مهام رئيس مجلس الجهة مع مهام رئيس او نائب رئيس مجلس جماعة ترابية اخرى ,او مهام رئيس او نائب رئيس  غرفة مهنية او مهام رئيس او نائب رئيس مجلس مقاطعة .وفي حالة الجمع بين هذه المهام , يعتبر المعني بالأمر مقالا بحكم القانون من اول رئاسة او انابة انتخب لها .تتم معاينة هذه المهام الاقالة بموجب قرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وهو ما يدخل ضمن قواعد التنظيم الجيد لمجلس الجهة وهي مسالة تبدوا منطقية جدا اذا لا يعقل الجمع بين اكتر من مسؤولية , لان ذلك سيساهم لا محالة في عدم القيام بالمهام على الوجه المطلوب كما سيساهم في تعطيل العديد من الاجراءات والمصالح بدعوى كثرة المسؤوليات, لذلك كان من الازم ضبط حالات التنافي  والتشديد على ضرورة عدم الجمع بين المهام و هو ما قد يكون له دور مهم في تجويد العمل داخل مؤسسة الجهة.

ومن اجل اعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي , نص القانون التنظيمي على انه يجرد العضو المنتخب بمجلس الجهة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس .وهي تبدوا مسألة منطقية من شانها القطع مع مجموعة من الممارسات المشيئة السابقة وتجسيد التوجهات التي جاء بها الاصلاح الدستوري الجديد , خاصة فيما يتعلق بالاختيار الديمقراطي الذي اصيح احدى ثوابت الامة , والذي يجب ان يشمل جميع المحطات الانتخابية , بما فيها الانتخابات الخاصة بتكوين اجهزة المؤسسات المنتخبة , حتى لا تظل عرضة للتأثير والضغط والتدخل وما يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على مصداقية هذه المؤسسات وتدبيرها للشأن العام بعدما اعتبر الفصل 11 من الدستور "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساس التمثيل الديمقراطي ".

 

اما فيما يخص عزل أعضاء المجلس وحله , فقد أصبح من اختصاص القضاء وحده وكذلك التصريح ببطلان مداولات مجلس الجهة وكذا ايقاف تنفيذ المقررات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية .وهو ما يعكس الرغبة في ضمان استقلالية الجهة عن السلطة المركزية .كما ان القضاء هو الذي له صلاحية البث في حالة امتناع الرئيس عن القيام بمهامه ومنح القضاء كافة هذه الصلاحية لهو دليل على الرغبة في تكريس استقلالية المجالس اتجاه السلطة المركزية وكذا منحها ضمانات أكثر للاشتغال .

كما أنها تشكل أهم الضمانات الأساسية وأنجع الوسائل من اجل فرض احترام القانون, فالجهاز القضائي يعد من أكثر الأجهزة القادرة على حماية مبدأ الشرعية وحقوق وحريات الأشخاص. كما ان هذه الوسيلة قد مكنت من استنباط مجموعة من القواعد والمبادئ التي حققت قدرا مهما من الضمانات الفعالة قصد حماية حقوق وحريات الأفراد في مواجهة الادارة الجماعية .

ومن أجل حماية مصالح الجهة وضمان حسن التدبير , يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجهة أن يربط مصالح خاصة مع الجهة أو مع مجموعات الجامعات الترابية التي تكون الجهة عضوا فيها , أو مع الهيئات أو مع المؤسسات العمومية أو مع شركات التنمية التابعة لها , أو أن يبرم معها أعمالا أو عقودا للكراء أو الاقتناء أو التبادل , أو كل معاملة أخرى تهم أملاك الجهة , أو أن يبرم معها صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات , أو عقودا للامتياز أو الوكالة أو أي عقد يتعلق بطرق تدبير المرافق العمومية للجهة , أو عقودا للامتياز أو الوكالة أو أي عقد يتعلق بطرق تدبير المرافق العمومية للجهة, أوأن يمارس بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجة أو أصوله أو فروعه .وفي اطار اشراك المواطن في تدبير الشأن المحلي تم التنصيص على التسجيل الاجباري للعرائض المقدمة من طرف المواطنين والجمعيات التي تم التنصيص على التسجيل الاجباري للعرائض المقدمة من أصبح يحظى بها صوت المواطن وهو يدخل في اطار الديمقراطية التشاركية التي تم تبنيها ضمن مقتضيات دستور 2011, كأحد الآليات المهمة لتطوير العمل المحلي وتجويده عبر جعل لمواطن في قلب اهتمامات الجهة وجعله شريك في عملية التنمية .

دائما في اطار الديمقراطية التشاركية نص القانون التنظيمي على ان تحدث مجالس الجهات اليات تشاركية للحوار والتشاور لتسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في اعداد برامج التنمية وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجهة .كما تحدث مجلس الجهة ثلاث هيئة استشارية بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساوات وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع , هيئة استشارية بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة القضايا المتعلقة باهتمامات الشباب . هيئة استشارية  بشراكة مع الفاعلين الاقتصادين بالجهة تهتم بدراسة القضايا الجهوية ذات الطابع الاقتصادي . يحدد النظام الداخلي للمجلس تسمية هاته الهيئات وكيفيات تأليفيها وتسييرها.

كما يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات أن يقدموا وفق الشروط المحددة بعده, عرائض يكون الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله. لا يمكن ان يمس موضوع العريضة الثوابت المنصوص عليها في الفصل الأول من الدستور (المادة 118) ويقصد بالعريضة كل محرر يطالب بموجبة المواطنات والمواطنون والجمعيات مجلس الجهة بإدراج نقطة تدخل في صلاحيته ضمن جدول أعماله , ويقصد بالوكيل :المواطنة أو المواطن الذي يعينه المواطنات والمواطنون وكيلا عنهم لتتبع مسطرة تقديم العريضة . لدى رئيس مجلس الجهة مرفقة بالوثائق المثبتة للشروط المنصوص عليها أعلاه مقابل وصل يسلم فورا. وتحال من قبل الرئيس الى مكتب المجلس

في حالة قبول العريضة ,تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية , وتحال الى اللجنة أو اللجان الدائمة المختصة لدراستها قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها .يخبر رئيس المجلس الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية , حسب الحالة , بقبول العريضة .أما في حالة عدم قبولها من قبل مكتب المجلس, يتعين على الرئيس تبليغ الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية, حسب الحالة, بقرار الرفض معللا داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ توصله بالعريضة. يحدد بنص تنظيمي شكل العريضة والوثائق المثبتة التي يتعين ارفاقها بها , حسب الحالة .و تختلف شروط ممارسة هذا الحق بحسب ما اذا قدمت العريضة من قبل المواطنين والمواطنات أو من قبل الجمعيات .

كما ينص القانون التنظيمي على ضرورة التقيد بقواعد الحكامة , والأجل ذلك يجب العمل على ضمان احترام : مقتضيات النظام الداخلي للمجلس ,.    

التداول خلال جلسات المجلس بكيفية ديمقراطية,.

حضور ومشاركة الأعضاء بصفة منتظمة ,في مداولات المجلس ,.

شفافية مداولات المجلس,.

اليات الديمقراطية التشاركية ,.

   المقتضيات المتعلقة بوضع الميزانية والتصويت عليها وتنفيذها,.

المقتضيات المنظمة للصفقات ,.

القواعد والشروط المتعلقة بولوج الوظائف بإدارة الجهة والهيئات التابعة لها ومجموعات الجهات ومجموعات الجماعات الترابية,.

القواعد المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة ,.

عدم استغلال التسريبات المخلة بالمنافسة النزيهة ,

التصريح بالممتلكات ,.

عدم تنازع المصالح,.

عدم استغلال مواقع النفوذ .

ومن أجل بلوغ الجهة الحكامة الجيدة تدبير شؤونها وممارسة اختصاصاتها نص القانون التنظيمي على أن تقوم الدولة بوضع الاليات الازمة لمواكبة ومساندة الجهة لبلوغ تلك الأهداف حيث تقوم الدولة ب :

o       تحديد الآليات لتمكين المنتخبين من دعم قدراتهم التدبيرية عند بداية كل انتداب جديد,.

o       وضع أدوات تسمح للجهة بتبني أنظمة التدبير العصري ولا سيما مؤشرات التتبع والانجاز والأداء وأنظمة المعلومات ,.

o       وضع أليات للتقييم الداخلي والخارجي المنتظم ,.

o       تمكين مجلس الجهة من المعلومات والوثائق الضرورية للقيام بممارسة صلاحياته .

ثانيا على مستوى التدبير المالي للجهة

تعتبر الموارد المالية للجماعات من أهم الاليات التي يستطيع بواسطتها المستوى المحلي تحقيق التنمية المحلية , وذلك اذا ما تم تدبيرها بشكل معقلن .وهو ما يستدعي توفر اطار قانوني يعطي الشرعية للحكامة في المجال المالي ويساهم في تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الاصلاح , والمتمثلة في تحقيق التنمية المحلية .ففي اعتقادنا فان أهم عنصر يمكن التطرق له ونحن نتحدث عن الحكامة على مستوى الموارد المالية المحلية يكمن بالأساس في مدى تمتع الجهة باستقلالية مالية .

في هذا الاطار عرفت المالية المحلية خلال الفترة 2002_2014 زيادة في الموارد مرورا من 13.8 مليار درهم سنة 2002 الى 31.9 مليار درهم سنة 2014 كما تزايدت النفقات خلال نفس الفترة حيث انتقلت من 11 مليار درهم الى 31.6 مليار درهم .غير أن هذا لا يمنع من القول ان المالية المحلية تعاني عدة اكراهات خاصة على مستوى ضعف التمويل الذاتي وهو ما يدفعنا للبحث أكثر في حدود قدرة الجهة على التمويل الذاتي .فالحديث عن الاستقلال الجبائي المحلي يعتبر في واقع الأمر دعما قانونيا لهذه الوحدات اللامركزية وارساء نوع من الاستقلال المالي المبني على التمويل الذاتي .في مقابل ذلك فان ضعف هذه الجبايات لا من حيث عددها أو نسبها , من شأنه ان يؤثر بشكل سلبي على قدرة الجماعات في تحقيق أي تنمية .

واذا كانت الوثيقة الدستورية لم تضف طابعا ملموسا على عبارة الموارد الذاتية في علاقتها ببقية أصناف التمويل , كمؤشر محوري على درجة الالتزام بمطلب الاستقلال المالي .فان القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لم تعمل بدورها على ترجمة هذا المؤشر باعتباره أحد مرتكزات مبدأ التدبير الحر مما يعني غياب أية الية بسند قانوني لضبط عبارة الموارد الذاتية من حيث علاقتها بالموارد الاجمالية . وذلك على عكس المشروع الفرنسي الذي حدد بشكل دقيق مفهوم الاستقلال المالي والموارد الذاتية للجماعات الترابية بمقتضى القانون التنظيمي ل29 يوليوز 2004 ومن أمثلة هذه المواد المادة الثالثة التي تشرح مضمون الموارد الذاتية والمادة الرابعة التي تبين طريقة احتساب حصة كل صنف من الجامعات الترابية من الموارد الذاتية وأيضا المادة الخامسة التي تشير الى احالة الحكومة لتقرير دوري على البرلمان يبين بالنسية لكل صنف من الجماعات حصة الموارد الذاتية ضمن مجموع الموارد وكيفية احتسابها وتطورها .كما مدونة الجماعات الترابية نفس الاتجاه الذي أسس له الدستور الفرنسي والقانون التنظيمي ل29 يوليوز 2004 حيث تضمنت هذه المدونة فصلا مستقلا تحت عنوان الاستقلال المالي. غير ان القانون التنظيمي المغربي  المتعلق بالجهات مثلا لم يفصل في مسألة الموارد الذاتية كما سبق ان قلنا واكتفى للإشارة فقط الى موارد الجهة المختلفة في المادة 189 والتي شهدت توسعا مبدئيا .

وأمام ضعف الموارد الذاتية للجهة تجد الدولة نفسها ملزمة برصد حصة من مداخيلها لفائدة الجهة حتى تتمكن من الاضطلاع بأدوارها التدبيرية والتنموية , حيث تعتبر الدولة الفاعل الرئيسي في مجال التنمية وهذا عكس دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية  OCDE   التي تؤمن فيها الجماعات  الترابية جزءا كبيرا من النفقات العمومية والشيء ذاته بالنسبة لفرنسا حيث تساهم الجماعات الترابية بحوالي 70 في المائة من نفقات العمومية وبحوالي 20 في المائة من الحسابات العمومية . غير أنه في المقابل نجد أن القوانين التنظيمية تسمح بالبحث عن موارد مالية اضافية , سواء من خلال تفعيل اليات الشراكة والتعاون اللامركزية (شركات التنمية الجهوية , مجموعة الجهات , مجموعة الجماعات الترابية , شركات التنمية المحلية ,مؤسسة التعاون بين الجماعات اتفاقيات الشراكة والتعاون ...) أو من خلال احداث العديد من الاتاوى والرسوم على بعض الخدمات وتدبير الاملاك العقارية وغير ذلك .

ونظرا لأهمية الدور الذي تقوم به الرقابة في تدعيم وحماية الاستقلال المالي للجهة تضمن القانون التنظيمي للجهة عدة اليات , الهدف منها بطبيعة الحال هو حماية المال العام , في هذا الاطار نجد المادة 227 من القانون التنظيمي للجهات , قد منحت المجالس الجهوية للحسابات , صلاحية المراقبة على مالية الجهات كما أصبح للجهازين الرقابيين المتمثل في المفتشية العامة للمالية التابعة لوزارة المالية , وكذا المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية , دور جد مهم في القيام بتدقيق سنوي للعمليات المالية للجهة خاصة ان التدقيق يعد من أهم اليات الحكامة .فالرقابة على المالية المحلية لها أهمية بالغة , اعتبارا للتأثير المباشر وغير المباشر الذي تحدثه على النشاط المالي المحلي. لذلك عمل المشرع المغربي على حماية المال العام من خلال العديد من الاليات , أهمها ما سبق ذكره وهو ما يشكل أحد الركائز الأساسية  التي ينبني عليها صرح الحكامة الجيدة للشأن العام المحلي على الخصوص بكل تجلياته الادارية والاقتصادية والمالية والقضائية والثقافية .

وبالتالي يعتبر الرفع التدريجي للمحاسبة القبلية للدولة على الجهات في ادارة وانجاز المشاريع جهويا , انتقالا نوعيا من مبدأ الوصية الى مبدأ الشراكة , كما أن تعزيز اليات المراقبة البعدية من خلال افتحاصات داخلية وخارجية على المجلس الجهوي وعلى الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع سيجعل الحهة أداة لترسيخ الحكامة الجيدة والتنمية .

الفقرة الثانية : عوامل نجاح الحكامة على مستوى الجهة     

سبق وان ذكرنا مجموعة من الاليات التي نص عليها القانون التنظيمي للجهات , والتي تصب في اطار حكامة محلية .سواء على مستوى التدابير الاداري او التدبير المالي . والتي في اعتقادنا تعتبر اساسية لتجويد العمل الجهوي , لكن هذه الاليات تبقى ناقصة المفعول الى عديمة الجدوى في حالة لم يتم تأهيل الادارة الترابية والموارد البشرية باعتبارها الأساس والمنطلق للعمل الجهوي .

أولا: تأهيل الادارة الترابية  

عندما نتكلم عن الادارة الترابية فنحن نقصد أساسا تطوير نظام اللاتمركز حتى يتناسب مع مقتضيات الجهوية المتقدمة , لكون الجهوية المدعومة بنظام اللاتمركز سليم وفعال ستكون أداة لامحالة لترسيخ الحكامة المحلية بشكل ناجح. لذلك نحن في حاجة الى وضع نظام اللاتمركز مواكب لتطوير الجهوية .فترسيخ الحكامة المحلية ينبني على انتهاج اللاتمركز الواسع باعتباره أحد أسس الجهوية المتقدمة , التي لن تستقيم الا بتفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجعة وقائمة على التناسق والتفاعل .ذلك أن معظم الخطب الملكية المتعلقة بالجهوية المتقدمة , ربطت بين الجهوية واللاتركيز , حيث لا يمكن أن تحققها الجهوية في شكلها السياسي أو الاداري , اذا ما بنيت على أسس قويمة فان أعمالها بصورة تتجاوز الاختلالات التي رافقت التجربة الجهوية السابقة سيخلف اثار سياسية هامة , يمكن اجمالها في تجديد النخب المحلية واغناء المشهد السياسي وتدبير التنوع المجتمعي بما ينعكس بالإيجاب على الممارسة الديمقراطية في بعدها المحلي والوطني .

فمبدأ اللاتمركز يسعى بالأساس الى توزيع الاختصاصات بين السلطات المركزية ومصالحها غير الممركزة , بالشكل الذي يضمن حسن تدبيرها ويساهم في تحقيق الاهداف المرجوة منها . دون هدر للموارد والامكانات والوقت , ودون تعطيل مصالح المواطنين وبالتالي فهو يعتير أحد العناصر الأساسية لإصلاح الادارة المغربية بشكل عام , وهو يحتاج بالأساس الى تقوية صلاحيات المصالح اللاممركزة للوزارات وضبط المواضيع التي يستلزم  اتخاد القرار بشأن الرجوع الى الادارة المركزية . وكذا تحديد مسؤولية رؤساء المصالح المحلية بما يتلاءم مع حجم الصلاحيات المفوضة اليهم .ولن يتم كل هذا الا بإخراج قانون اللاتمركز الاداري الى حيز الوجود , والذي ما فتى جلالة الملك محمد السادس في الكثير من خطبه , وفي العديد من المناسبات ينادي الى ضرورة الاسراع بوضع ميثاق اللاتركيز يتفاعل بشكل ايجابي مع متطلبات مرحلة تنزيل الجهوية وهو الأمر الملقى على عاتق الحكومة .

ثانيا: تأهيل الموارد البشرية

يعتبر العنصر البشري بمثابة الركيزة الأساسية لتطوير الادارة وتحقيق أهدافها , لذلك نجد أن مختلف الادارات العمومية والخاصة تسعى دائما الى تعزيز القدرات التنظيمية , وتمكينها من استقطاب وتأهيل الكفاءات اللازمة والقادرة على مواكبة التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه الادارة . فالإدارة الترابية وهي تقوم بممارسة وظائفها تبقى في حاجة الى فئة من الموظفين المحليين الذين يسهرون على التدبير الفعلي لمصالح الادارة . وهنا تبرز الحاجة الى اعتماد تكوين مستمر للموارد البشرية العاملة بالإدارة الترابية , وتزويد هذه الادارة بالكفاءات المؤهلة .

فالموارد البشرية المؤهلة تعتبر أهم عنصر في نجاح أي ادارة , وقد تأتت هذه القناعة من كون أن الموارد البشرية هي أثمن مورد تتعامل معه الادارة .هذا ويعتبر التكوين احدى البرامج الأساسية التي اصبحت تسترعي اهتمام الدول في عصرنا الحالي , على اعتبار أنه يؤدي الى التصدي لكل المشاكل والاختلالات التي  تعترض الأداء الاداري وقد تعددت مفاهيم التكوين, ورغم اختلافها تبقى تصب في مجرى واحد يهدف أساسا الى تنمية المهارات والقدرات والسلوكيات لدى الأفراد .ويفيد اذا انه عملية منظمة ومستمرة تكسب الفرد معرفة أو مهارات او قدرة لازمة لأداء وظيفة معينة أو بلوغ هدف محدد . ويعتبر كذلك عملية تعديل ايجابي لسلوك الفرد من الناحية المهنية او الوظيفية , وتستهدف اكسابه المعارف والخبرات و الاتجاهات المناسبة للوظيفية التي يشغلها لتحسين مستوى اداءه .كما يفيد عملية تلقين بعد المعارف والأعمال الادارية , للطلبة المكونين قصد تأهيلهم لممارسة الوظائف العمومية مستقبلا .وهو بالإضافة الى ذلك تطوير لمعارف ومهارات الموظفين القدامى وتحسين سلوكهم من اجل الرفع من مستوى انتاجيتهم , وبالتالي انتاجية الادارة .وبالتالي فالتكوين عنصر أساسي لأية ادارة تحرص على تطوير نفسها ومواكبة التغييرات  الطارئة في المجال الاداري .هذا ويعاني التنظيم بالإدارة العمومية من عدة صعوبات تنعكس سلبا على ادارة الموارد البشرية ومن اهم هذه الصعوبات :

 -عدم ملائمة الهياكل التنظيمية

 الهياكل التنظيمية للعديد من الادارات لا تحدد بدقة ماهية الواجبات والاختصاصات والمهام المختلفة في التنظيم , حيث دأبت الادارة العمومية التقليدية على وضع هياكل تنظيمية غير شمولية دون القيام ببقية الاجراءات التنظيمية الاخرى المتمثلة في تحديد الأهداف والأعمال والأنشطة . ومن جهة أخرى خضوع الرؤساء لضغط كبير من طرف المرؤوسين , وبالتالي فان عدم بيان انجاز المهام الادارية المختلفة ينعكس سلبا على مستوى الأداء الاداري ويؤدي الى عزوف المشرفين والمرؤوسين عن انجاز العديد من الأنشطة الادارية وعدم القيام بأي عمل ما لم يكن لديهم أوامر صريحة ومحددة من رؤسائهم .

-سوء تقسيم العمل وعدم التوازن في توزيع المهام :

وهي من الظواهر التي تؤثر سلبا في الأجهزة الادارية التقليدية ,مما يترتب عليه تركيز الأعمال في أيدي مجموعة من مساعدي رؤساء المصالح وانفرادهم في أداء المهام الادارية دون الموظفين والأعوان الآخرين , وذلك من خلال عدة تبريرات .وأيضا هناك غياب نظام فعال لتوصيف الوظائف المتواجدة داخل الوحدات الادارية .بالإضافة الى  مسألة تضخم الموظفين والأعوان داخل المصالح الادارية وضعف الكفاءة لدى بعضهم .والتقسيم غير السليم للعمل ما بين الموظفين والأعوان داخل الوحدات الادارية , وكذا سوء فهم السلطة .

وعندما نتحدث عن الموارد البشرية فالأمر لا يقتصر على الموظفين الجماعيين , ولكن الأمر يتعلق أيضا وأساسا بالمنتخبين المحليين , الذين تقع على عاتقهم المسؤولية الأكبر في تنزيل الجهوية بالشكل المطلوب .لذلك تبقى هذه الفئة أكثر من غيرها في حاجة الى استيعاب الأدوار المنوطة بها في ظل القانون التنظيمي للجهات , لذلك يجب العمل على اقرار التنافس الانتخابي مع اشتراط حدود دنيا من الكفاءة فحجم الأدوار المنوطة بالجهة في مجال التنمية يفترض وجود نخب محلية لها من المؤهلات العلمية  ما يؤهلها للقيام بذلك .

وفي هذا النطاق أيضا لا بمكن أن ننتظر ميلاد نخب لا يمكن أن ننتظر ميلاد نخب سياسية محلية قوية في ظل حضور هاجس المراقبة القبلية على تدبير الشأن العام ومن تم وجب على المشرع أن يفسح المجال للنخب كي تتعلم التصرف وتتعود على أخد المبادرة .أما الاختلالات المحتملة فيجب ترك أمرها للمراقبة الشعبية والسلطة القضاء .

خاتمة :

انطلاق مما سبق يتضح لنا جليا ان الحكامة ليست مجرد شعار يرفع مبادئ يتغنى بها . ولكن هي اليات ووسائل عمل , يؤدي تطبيقها بالشكل الصحيح لامحالة الى حسن التدبير الاداري والمالي للجهة والرفع من قيمته . والقانون التنظيمي للجهات تضمن العديد من هذه الاليات سواء على المستوى الاداري , والتي تهم أساسا اليات ممارسة الاختصاصات واليات التداول وتدبير شؤون مجلس الجهة .أو على المستوى المالي , والتي تهم أساسا وسائل تدبير الميزانية واليات المراقبة .والتي يمكن القول بالرغم من بعض النواقص أنها تسعى في المجمل الى الرفع من قيمة العمل المحلي بشكل يضمن له الفعالية والنجاعة, انطلاقا من أنه من حق المواطنين في كل الجهات ان يحظوا بمستوى جيد من التنمية الشاملة , وهو الامر الذي لن يتحقق الا بوجود عنصر بشري مؤهل ومسؤول وادارة ترابية منسجمة مع محيطها , وبالتي يمكن اعتبار الحكامة شرط محوري لتدبير محلي يضمن التنمية المنشودة .


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق