الركن المعنوي للجريمة

 الركن المعنوي للجريمة

لا يكفي للعقاب على سلوك اجرامي من الناحية القانونية، ان يأتي الفاعل ماديا هذا السلوك الاجرامي، بل لابد من توفر الركن المعنوي الذي يسند معنويا الجريمة إليه ولا يتوفر هذا الركن الا إذا قام الخطأ في حق الفاعل المادي للجريمة.

وهذا الخطأ اما أن يكون متعمد ويسمى بالقصد الجنائي وإما ان يكون غير متعمد، فيسمى بالخطأ الغير العمدي. وقد أشار المشرع الجنائي الى ان الركن المعنوي في الفصل 133 بما يلي:

الجنائيات والجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا إلا ان الجنح التي ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات التي ينص عليها القانون

أما المخالفات فيعاقب عليها حتى ولو ارتكبت خطا فيما عدا الحالات التي يستلزم فيها القانون.

أما المخالفات فيعاقب عليها حتى ولو ارتكبت خطا فيما عدا الحالات التي يستلزم فيها القانون صراحة قصد الاضرار

من خلال هذا النص، نلاحظ أن المشرع جعل الركن المعنوي في الجنائيات قائما على القصد الجنائي او العمد وهو نفس الامر بالنسبة للجنح إلا ما استثنائي صراحة في حين اعتبر الخطأ هو الأصل في الركن المعنوي للمخالفات إلا استثنى صراحة.

وعليه ما سنبحث الركن المعنوي في مطلبين الأول نخصصه للقصد الجنائي والثاني للخطأ غير العمدي.

المطلب الأول: القصد الجنائي

أولا تعريف القصد الجنائي:

يعرف الفقه القصد الجنائي بالقوة النفسية التي تقف وراء السلوك الارامي الذي استهدف به الفاعل اراديا الاعتداء على مصلحة من مصالح المحمية من طرف المشرع الجنائي

فالجريمة التي تتحقق في الواقع ماهي إلا نتيجة لما خالج نفسية الفاعل قبل اقدامه على ارتكاب الجريمة، فالسارق يقوم عن علم وإرادة بفعل السرقة وهذه الارادة هي التي دفعته الى الاعتداء على حق الغير في ملكيته، فهذه الارادة هي الدافعة الى اقتراف جريمة السرقة. ماهي عناصر القصد الجنائي?

ثانيا عناصر القصد الجنائي

يتكون القصد الجنائي من عنصرين أساسين:

1- توجيه ارادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة : بحيث لا يقوم القصد الجنائي لدى الفاعل ما لم يوجه ارادته نحو تحقيق الواقعة المكونة للجريمة. كمن يطلق النار على شخص له عداوة ومعه فيتربص به ويقتله. ففي هذه الحلة يكون الجاني قد وجه ارادته الى ازهاق روح الضحية.

ويترتب على ما سبق انه لا يكفي ان يوجه الجاني ارادته نحو السلوك مادي مجرم حتى ولو تصور امكانية حدوث الواقعة المكونة للجريمة، انما ينبغي أن يكون ذلك من اجل تحقيق نتيجة اجرامية كواقعة بذاتها ولذاتها

2- العلم بحقيقة الواقعة الاجرامية من الناحية القانونية و الواقعية :ان توجيه ارادة الجاني نحو تحقيق الوقائع المكونة للجريمة, لا يكون كافيا لتحقيق العمد أو القصد الجنائي وإنما يلزم زيادة على ذلك ان يكون محيطا بالواقع احاطة تامة, اي أن علمه يكون ملما بكل عناصر الجريمة من الناحية الواقعية والقانونية. فهل هذا الامر يكون مؤثرا ويعدم القصد الجنائي، ام غير مؤثر على القصد الجنائي، فتقوم الجريمة العمدية?

أ/عدم العلم بالواقعة نتيجة جهل أو غلط في الواقع: الإجابة عن هذا الاشكال ستكون حسب الافتراضات التالية:

 الافتراض الأول إذا وقع الغلط أو الجهل على أحد العناصر المكونة للجريمة كما هي معرفة قانونا، في هذه الحالة ينعدم القصد الجنائي لدى الفاعل. ومثاله تقديم طعام مسموم من شخص مع عدم علمه بوجود مادة سامة الى شخص اخر ترتبت عن وفاته

الافتراض الثاني إذا وقع الجهل أو الغلط على أحد العناصر التي لا تدخل في التعريف القانوني للجريمة في هذه الصورة لا يكون لهذا الجهل أو الغلط أي تأثير على قيام القصد الجنائي. ومثاله سرقة أموال من طرف شخص يعتقد انها تعود لشخص يبعضه فيتبين انها تعود لشخص أخر غير الشخص المبغض.

الافتراض الثالث إذا وقع الجهل أو الغلط على أحد الظروف المشددة في الجريمة في هذه الصورة القصد الجنائي يظل قائم بحيث تبقى الجريمة قائمة يسأل عنها الجني مسؤولية كاملة إلا أن هذه لواقعة الظرف المشدد.

تجعله غير ممكن سريانه في حقه، فلا يؤخذ في الاعتبار عند ومسألته ومن تم لا يتغير وصف الجريمة. ومثاله أن يقتل شخص شخصا أخر عمدا لكن بفعل انعدام الضوء يتبين من بعد أن المفتول هو أحد أصول الجاني فانه نظرا للغلط لا يتابع الجاني قتل الأصول والتي تكون عقوبتها أشد يقصد الارث مثلا.

الافتراض الرابع إذا وقع الجهل أو الغلط بأحد الأعذار القانونية المعفية أو المخففة في هذه الصورة أيضا القصد الجنائي لا ينتفي بحيث تظل الجريمة قائمه إلا ان الفاعل يستفيد من العذر القانوني المخفف أو المعفى من العقاب. ومثاله ما نصت عليه المادة 440 ق. ج

ب/ عدم العلم بالواقعة نتيجة جهل او الغلط في القانون: الجهل بحكم القانون أو الغلط في تأويله متساويي من حيث الأثر لكن يجب التمييز بين الجهل أو الغلط بالقانون الجنائي وبين الجهل أو الغلط بالقوانين الغير الجنائية.

وهكذا ما تبناه المشرع بالنص عليه في الفصل 02 اما بالنسبة للجهل او الغلط في أحكام القوانين غير النائية (كقانون الالتزامات والعقود او مدونة الأسرة أو القانون الاداري أو القانون التجاري أيضا تكون المسالة ويتحمل المخطئ نتيجة جهله إلا ما استثنى قانونا وفقا للقواعد العمة كما في الحالة عيوب الرضا بالنسبة للغلط.

 

يتميز القصد الجنائي او الركن المعنوي بعد صور منها ما يلي

1) القصد العام, و القصد الخاص

2) القصد المباشر, والقصد الغير المباشر

3) القصد المحدود, والقصد الغير المحدود

4) القصد الفجائي, والقصد مع سبق الاصرار

1)القصد العام والقصد الخاص

          أ/القصد الجنائي العام هو توجيه الجاني لإرادته نحو تحقيق الواقعة المكونة للجريمة مع علمه بعناصرها المحددة في النص الجنائي، وكذا الجانب الواقعي.

والقصد العام يتحقق في جرائم العمدية ولا فرق في ذلك بين الجناية او الجنحة لو المخالفة

       ب/القصد الجنائي الخاص: يقوم القصد الجنائي الخاص على نفس العناصر التي يقوم عليها القصد العام. اي على الارادة والعلم الا ان القصد الخاص يضيف عنصرا أخرا هو الباعث أو الدافع أو الغاية من الجريمة كالانتقام والطمع واللذة ....

اذن لا يمكن تصور قيام قصد جنائي خاص في الجريمة دون توفر القصد الجنائي العام لدى الجاني اولا وبعبارة أخرى القصد الخاص هو القصد العام مضاف اليه الرغبة على ارتكاب الجريمة.

2) القصد المباشر و القصد الغير المباشر

 أ/القصد المباشر: ويكون عندما تتجه ارادة الجاني مباشرة نحو المساس بمصلحة حماها النص الجاني تستهدف في نفس الوقت تحقيق نتيجة اجرامية معينة ابتداء، مثاله جريمة القتل العمد يأخذ المجرم سلاحه ويتعدى به على المجني عليه مريدا ازهاق روحه ويحدث ذلك بالفعل.

وقد يكون القصد الجاني المباشر قصدا مباشرا من الدرجة الثانية، كمن يرمي قنبلة على عدو له لتخلص منه فاذا بفعله الجرمي هذا يؤدي الى قتل مجموعة من الاشخاص كانوا رفقته

ب/القصد الغير المباشر او الاحتمالي: حسب الفقه القصد الغير المباشر او الاحتمالي فكرة يحوطها الكثير من الغموض فهو يختلط بالقصد المباشر من الدرجة الثانية كما يختلط بفكرة الخطأ الغير العمدي ويرى الفقه كذلك ان الارادة في القصد المباشر تتجه مباشرة نحو تحقيق النتيجة الاجرامية. لكن الارادة في القصد المباشر وان كانت تتجه مباشرة نحو تحقيق النتيجة الاجرامية لكن الارادة في القصد الغير المباشر وان كانت تتجه الى تحقيق إلا انها تتوقع زيادة على ذلك حصول نتيجة اخرى.

إلا ان هناك فقه اخر أنكر بشدة فكرة الاحتمالي فهو يرى اما ان يكون الجاني قد قصد الجريمة وهنا يتوفر لديه القصد الجنائي وإما ان الجاني غير قاصد فعل الجريمة أصلا فلا يتصور بالتالي لديه هذا القصد الاحتمالي أبدا وبالرجوع الى القانون الجنائي المغربي نجده لم يتطرق للقصد الجنائي الاحتمالي بأي اشارة تدل عليه بشكل واضح

3) القصد المحدود و القصد الغير المحدود

أ/القصد المحدود: القصد المحدود يكون عندما تتجه ارادة الفاعل الى ارتكاب جريمة بنتائج محددة كما كان يتصورها عند ارتكاب لها. فمن يطلق النار على شخص معين ويقتله بالفعل فنا الجاني يتوفر لديه قصد محدود يتجلى في ازهاق روح ضحية معينة.

ب/القصد الغير المحدود: عندما تتصرف ارادة المجرم الى ارتكاب جريمة ما. لكنه لا يستطيع تحديد نتائجها ومثال على ذلك من يرمي قنبلة مستهدفا قتل بعض الاعداء فتحصل النتيجة قتل عدد كبير من القتلى متجاوزا بذلك العدد الذي بنى عليه توقعه من الضحايا ففي الحالة فان القصد القناني يوصف بأنه غير محدود ويسأل كقاتل عمد، لتوفر القصد الجاني في حق قتل الاعداء وغيرهم

4) القصد الفجائي و القصد المقترن يسبق الاصرار :

يتحقق القصد الفجائي لحظة ارتكاب جريمة عمديه كانت نتيجة ردة فعل لسبب اهانة وغيض شديد لم يستطع معه الجاني ضبط انفاسه فيرتمي على المجني فيقتله ويجرحه

المطلب الثاني: الخطأ الغير العمدي

يقوم الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية يتوفر سلوك خاطئ يأتيه الفاعل عن ارادة ودون استهدف للنتيجة الاجرامية التي تترتب عن هذا السلوك الخاطئ

فلخطأ غير العمد يتحقق عندما لا يلتزم الفاعل بما يلتزم به الكافة من ضرورة مراعاة قدر من اليقظة والتبصر والحرص على الحقوق المحمية قانونا

وللإشارة فان الخطأ غير العمدي له صور متعددة من

1/الاهمالالفصول الجنائية المنظمة (الفصل.433.192/2)

2/عدم التبصر الفصول الجنائية المنظمة (432/433)

3/عدم الاحتياط الفصول الجنائية المنظمة (432/433/609/34)

4/ عدم الانتباه الفصول الجنائية المنظمة (432/433)

5/ عدم مراعاة النظم و القوانين الفصول الجنائية المنظمة (432/433)

6/الرعونةالفصول الجنائية (609/36)

هذه الصور لا تمثل كل الصور ممكنة للخطأ عمليا ألانها من الشمول الذي تدخل ضمنه كل صورة ممكنة للخطأ وعلى هذا الاساس اعتبر الفقه بان المشرع اراد بهذه الصور التمثيل فقط وليس الحصر وهدا يستتبع أن القاضي لما يدين شخصا معينا باقترافه لجريمة غير عمديه.

لا يكون ملزما بأن ينسب له خطأ غير عمدي مدرج ضمن

 صور الخطأ الواردة في النص القانوني المحدد للجريمة

بعد هذه الإشارة، لابد من الوقوف على الصور التي أتى بها

 المشرع المغربي للخطأ الغير العمدي و هي على الشكل 

التالي:

1-   الإهمال : و يظهر في الموقف السلبي لشخص في مواجهة بعض الأوضاع التي تفرض عليه الحذر . و  نحو ذلك الأم التي تترك طفلها الصغير بجانب الموقد الذي تطبخ فيه، فينقلب ذلك الإناء عليه، فيصاب بحروق بليغة تؤدي به الى الوفاة

2-   عدم التبصر: و هو خطأ يرتكب غالبا في إطار مهني كالأطباء و الصيادلة ، و الرياضيين، قد يتسببون في بعض الأحيان، في جرائم نتيجة جهلهم بقواعد تخصصهم الفني، حيث لا يجوز لمثلهم جهلها أو عدم القيام بها كما هو متطلب، مثال ذلك اللاعب الذي يهاجم الحارس الذي تلقف الكرة في يده و يوجه له ضربة بقدمه على مستوى بطنه فيقتله، فهذا الرياضي يسأل عن فعله هذا باعتباره قاتلا نتيجة الخطأ.

3-   عدم الاحتياط: ويظهر في الطيش و قلة التحرز للنتائج المضرة و الخطيرة التي قد تترتب عن فعل من الأفعال، كالسائق الذي يقود سيارته بسرعة جنونية و في ظروف واقعية غير ملائمة، و دون مراعاة لقواعد السير فيصدم أحد المارة و يقتله.

4-   عدم الانتباه: كمن يقود كلبا شرسا دون أن يحكم حراسته فيفلت من يده ويهجم  على احد الأشخاص فيصيبه بجروح بليغة

5-   عدم مراعاة النظم أو القوانين:  المقصود بالنظم و القوانين كل مايصدر من تشريعات سواء عن السلطة التشريعية أو التنفيذية في الحدود المخونة لها ويمتد هذا المفهوم ليشمل تنظيمات المعامل كالنظام الذي بموجبه يمنع التدخين في اماكن انتاج الغاز وتعبئته ...

هذه باختصار مداولات مختلف صور الخطأ التي جاء بها المشرع المغربي  وهي تبدو متداخلة بعضها في بعض باستثناء الخطأ في عدم مراعاة النظم والقوانين

فكلما حصل الخطأ غير عمدي إلا وترتبت  المسؤوليتين  الجنائية والمدنية وبطبيعة الحال مع توفر الشروط القانونية المتطلبة في الجريمة .


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق