أنواع الدساتير حسب المصدر

 الدساتير بحسب المصدر

درج الفقه الدستوري على التمييز بين مصدرين اثنين للدستور بمعناه العام. وهما: التشريع والعرف.

فإذا كان المصدر الأساسي للدستور هو التشريع، أي تلك القواعد القانونية الصادرة عن سلطة مختصة في صيغة مكتوبة أو قالب مكتوب، فإننا نكون أمام دستور مکتوب، مع ما ارتبط به من قوانين تكميلية ؛ ونقصد بذلك القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للبرلمان (الفقرة الأولى). وإذا كان المصدر الرئيسي للدستور هو العرف فإننا نكون حينئذ أمام دستور عرفي، حتى مع وجود بعض القواعد المكتوبة التي تنظم الممارسة السياسية إلى جانبه، والتي لا تؤثر في طبيعته العرفية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الدستور المكتوب وامتداده المادي

سنتطرق أولا إلى الدستور المكتوب، ثم إلى القوانين التنظيمية والقوانين الداخلية للبرلمان کامتداد مادي للدستور المكتوب.

أولا: الدستور المكتوب

الدستور المكتوب هو مجموع القواعد الأساسية المهتمة بتنظيم السلطة في الدولة، وجودا وممارسة، والتي صدرت عن سلطة مختصة وفي صيغة مكتوبة أي مدونة.

وأول الدساتير بهذا المعنى هو دستور فرجينيا في 12 يونيو 1776، الذي جاء في اعقاب إعلان المستعمرات الشمالية الأمريكية استقلالها عن التاج البريطاني، وأسس للموجة الأولى من الدساتير المكتوبة. من قبيل الدستور الفيدرالي الأمريكي 1787 والدستور الفرنسي العام 1791.

وإذا كانت بعض الكتابات الدستورية تذهب إلى المفاضلة بين الدساتير المكتوبة والدساتير العرفية. ملامسة بذلك العديد من الايجابيات التي تميزحسب تقديرها الدستور المكتوب عن الدستور العرفي، من قبيل: الوضوح والدقة، والقدرة على التجاوب أكثر مع المتغيرات السياسية والا اقتصادية والاجتماعية، والإسهام بشكل اكبر في الشر الثقافة القانونية والوعي الحقوقي لدى المواطنين، فإننا نقول بالمقابل بانه يتعين النظر إلى كل عنصر من عناصر المفاضلة ليس فقط في علاقة مع نوع الدستور، مکتوبا كان أو عرفيا، ولكن في علاقة مع البيئة السياسية المغذية لهذا الدستور، والتي تؤثر.

- أولا: بخصوص القول باتسام أحكام الدساتير المكتوبة بالوضوح والدقة و ذلك لاعتمادها عنصرالتدوين بخلاف أحكام الدساتير العرفية. التي قد يكتنفها الغموض و عدم التحديد لافتقادها عنصر التدوين. بما يفيده هذا العنصر من حيث المبدا من دقة الصياغة. و الاحتكام الى ذلك في حالة نشوء خلاف بخصوص تفسيرها و بالتالي تطبيقها.

هذا القول يحوي جانبا كبيرا من الصحة، ولكن ينبغي استحضار أمرين اثنين. أولهما، كون الدستور العرفي ممارسة سياسية اعتيادية راسخة في ذهن الجماعة السياسية ومن هنا يكتسي وضوحه كمعيش يومي من طرف كل أبناء الجماعة السياسية. وثانيهما، أنه ليست كل الدساتير المكتوبة دساتير واضحة من حيث الصياغة. بل يبقى كل دستور في حاجة إلى تفسيرات وتأويلات يفترض أن تمارس من لدن القضاء الدستوري، كما كان الشأن بالنسبة للمحكمة العليا الفيدرالية الأمريكية التي أغنت كثيرا الدستور الأمريكي باجتهاداتها وتفسيراتها لمواده، مما جعله أكثر قدرة على مسايرة الحياة السياسية الأمريكية.

- ثانيا: يرى البعض بان الدساتير المدونة أكثر إسهاما في نشر الثقافة القانونية والوعي الحقوقي لدى المواطنين، لأنه يفترض أن هذه الدساتير في متناول الجميع لمعرفة أحكامها المدونة، وبالتالي فالاطلاع على نص مکتوب يفيد من جهة في معرفة الإطار القانوني الاسمى الذي تمارس فيه السلطة، ومن جهة ثانية. يمكن من الإطلاع على رزنامة الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا، والتي تعتبر حقوق مواطنة مضمونة.

 

واذا كان لهذا الطرح جانبه من الصحة في كون الإطلاع الواسع على القاعدة الدستوریة هو مذخل أساسي لتطوير وترسيخ الوعي القانوني والحقوقي لدى المواطنين، فاننا نتساءل حول ما إذا كانت القاعدة الدستورية المكتوبة هي الأقرب فعلا للمواطن من القاعدة الدستورية العرفية المفترض أن الجماعة السياسية تتعايش معها كممارسة سياسية اعتيادية ؟ أظن أن ترسيخ الوعي القانوني والحقوقي لدى المواطن  مرتبط بمستوى الاستثمار إيجابا في "الدستور" من طرف الحكام والمحكومين على حد سواء، سواء كان هذا الدستور مكتوبا أو عرفيا.

- ثالثا: يرى البعض بأن الدساتير المدونة أكثر تجاوبا مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تعرفها الدولة، وذلك مهما بلغت تعقيدات مسطرة التعديل والمراجعة، لأنه في الأخير تبقى القاعدة الدستورية قابلة للتعديل في ظرفية زمنية محددة، طالت أو قصرت، وذلك بخلاف الدساتير العرفية المتسمة قواعدها وأحكامها بنوع من الرسوخ المعنوي قبل المادي، وذلك من أبرز خصائص العرف كما هو معلوم.

إلا أنه بالرجوع للحياة السياسية البريطانية اليوم، نجد أن البرلمان البريطاني تدخل في أكثر من مرة بمقتضى قانون عادي لتغيير ممارسات سياسية عرفية لطالما شكلت تاريخيا جوهر الدستور العرفي في بريطانيا، من قبيل تدخل البرلمان بمقتضى قانون 15 شتنبر 2011 الذي جرد الوزير الأول من حق إعمال میکانیزم حل مجلس العموم، مع ما يترتب عن ذلك من تغيير على مستوى العلاقة بين السلط.

إذن، فتغيير الدستور العرفي بمقتضى قانون عادي وارد في التجربة السياسية البريطانية متى استدعت الظرفية السياسية ذلك.

- رابعا: الوضوح الذي يفترض أن يتسم به الدستور المكتوب، ووجود الوثيقة الدستورية في هكذا صورة مكتوبة ومدونة ملموسة يجعل فكرة الدستور اقرب الى الأذهان، ويجعل فكرة سمو الدستور اكثر تمثلا من طرف الجميع، وبذلك تتفوی إمكانية قيام رقابة حقيقية على دستورية القوانين مع الدستور المكتوب أكثر منه مع الدساتير العرفية، وإن كنا هنا نقول بان الرسوح المعنوي الذي تحظى به الدساتير العرفية لدى المواطنين في الدول الاخذة بها. يشكل أكبر ضمانة لاحترامها وضمان سمو قواعدها. وبالتالي فالرقابة الدستورية رقابة معنوية أخلاقية قبل أن تكون رقابة مادية سياسية كانت أو قضائية.

إلا أنه مهما بلغ الدستور المكتوب من الوضوح، ومهما بلغ من التفصيل، فانه لن يغطي كل تفاصيل الممارسة السياسية، ولن يواكب الدينامية التي تتسم بها هذه الحياة السياسية، لذا فرضت الممارسة السياسية، وما تستلزمه من تأطير قانوني دستوري دائم، إيجاد قوانين لها وظيفة تكميلية أساسا، تفسيرية أحيانا، والتي نجملها في اثنين: قوانين تنظيمية وأنظمة داخلية للبرلمان، والتي تعتبر بحكم طبيعتها "قوانين أساسية" كما يفضل البعض تسميتها. وهي أمتداد مادي للدستور.

ثانيا: القوانين التنظيمية

القوانين التنظيمية هي تلك القوانين التي نص الدستور صراحة على صفتها تلك، أي تنظيمية، وحدد مجالات بعينها تختص بتنظيمها على سبيل الحصر، وأقر لها مسطرة خاصة لوضعها وتعديلها. والقوانين التنظيمية في مجملها قوانين تكميلية لنص الدستور تخص تنظيم مجالات ومؤسسات دستورية لم يفصل فيها الدستور، بل أورد بشأنها إطارا عاما تاركا أمر تنظيمها للقوانين التنظيمية.

وقد حصر الدستور المغربي لسنة 1996 المجالات المنظمة بمقتضى القوانين المنظمة في تسع مجالات، مثل القوانين التنظيمية لكل من مجلس الوصاية، ومجلس النواب، و مجلس المستشارين، وقانون المالية، والإضراب، والمجلس الدستوري...، ولكن دستور 2011 وسع من دائرة القوانين التنظيمية لحوالى 28 قانون تنظيمي.

وما أكسب هذه القوانين التنظيمية صفة قوانين أساسية، وجعلها عنصرا من عناصر الكتلة الدستورية، هو تنصيص الدستور صراحة على الإحالة الإجبارية لنص القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، كما نصت على ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 85 من دستور 2011 التي جاء فيها: "لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية. إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور". وكذلك الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور التي تؤكد على الإحالة القبلية الوجوبية لهذه القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية.

كما نص الدستور في فصله 86 على ضرورة إحالة مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور وذلك قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ الدستور. وهذا المقتضى الدستوري الهام للغاية كان يتوقع منه وضع قطيعة مع التماطل الذي طبع العمل الحكومي في التعامل مع العديد من القوانين التنظيمية من قبيل القانون التنظيمي للإضراب، لكن الولاية التشريعية 2011-2016 لم تعرف هي الأخرى مصادقة البرلمان على العديد من مشاريع القوانين التنظيمية و ذلك في خرق واضح لنص الدستور.

وفي سياق الحديث عن القوانين التنظيمية، يتعين التمييز بين القانون التنظيمي والسلطة التنظيمية، وهي تلك السلطة المخولة لرئيس الحكومة بمقتضى الدستور وتحديدا الفصل التسعون منه ، من أجل اتخاذ التدابير العامة اللازمة لحسن سیر المصالح والمرافق العامة وذلك بمقتضی مقررات تنظيمية . وقد أكد الدستور المغربي في فصله الثاني والسبعون بأن المواد التي لا يشملها اختصاص القانون يختص بها المجال التنظيمي ، مميزا بذلك بين مجال القانون الذي يختص به البرلمان ، والمجال التنظيمي الذي تختص به الحكومة.

ثالثا : الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان

الأنظمة الداخلية للبرلمان في مجموع القواعد القانونية المنظمة للحياة الداخلية للمؤسسة البرلمانية، أي قواعد الاشتغال الداخلي للمؤسسة البرلمانية، والتي يتولى البرلمان نفسه وضعها باعتبارها تشريعا عاديا من حيث المنشأ. فمجلس النواب يضع نظامه الداخلي ومجلس المستشارين يضع نظامه الداخلي ويقره بالتصويت وفق المسطرة التشريعية العادية.

إلا أن ما يجعل من الأنظمة الداخلية للبرلمان امتدادا ماديا للدستور، وجزءا من الكتلة الدستورية ويرفعها إلى مصف القواعد الأساسية، هو اشتراط الدستور نفسه إحالتها على المحكمة الدستورية للتصريح بمطابقتها لأحكام الدستور وذلك كشرط لبدء العمل بها.

الداخلي و يقره بالتصويت. ولكن لا يجوز العمل به الا بعد ان تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته الاحكام هذا الدستور ‘’.

والمفترض أن الأنظمة الداخلية للبرلمان، وبحكم دورها، تبقى قوانين تكميلية النصوص الدستور فيما يتعلق بتنظيم المؤسسة البرلمانية وتحديدا تنظيمها الداخلي، واختصاصاتها، وأليات اشتغالها وعلاقتها بباقي المؤسسات الدستورية، وتحديدا علاقتها بالسلطة التنفيذية من قبيل مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب مثلا موضوع الجزء الرابع من النظام الداخلي لمجلس النواب.

إلا أنه تاريخيا وظفت الأنظمة الداخلية توظيفا سياسيا، بحيث مارست وظيفة تفسيرية تأويلية لنصوص الدستور تتعارض في العمق وعن قصد مع نصوص الدستور نفسه؛ ففي الجمهورية الثالثة في فرنسا استعملت الأنظمة الداخلية كآلية لتكريس هيمنة البرلمان على باقي المؤسسات الدستورية وتحديدا الحكومة، وكان لزاما انتظار مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى لظهور الدعوة لعقلنة العمل البرلماني وذلك من خلال:

- الحد من سلطات البرلمان في مراقبة العمل الحكومي.

- الحد من سلطاته التشريعية، لدرجة أضحت معها الحكومة في المشرع العادي والبرلمان هو المشرع الاستثنائي ، على حد تعبير أستاذتنا الفاضلة رقية المصدق، وذلك من خلال تحديد مجال القانون بنص دستوري.

- تقييد حرية البرلمان في وضع أنظمته الداخلية بكل استقلالية من خلال تقييد سلطة البرلمان في وضع جدول أعماله، وتحديد دوراته مع إخضاع الدعوة لعقد دورة استثنائية لمسطرة خاصة والأهم من هذا كله إخضاع الأنظمة الداخلية للبرلمان للرقابة الدستورية قبل بدء العمل بها، وذلك تأكيدا لمبدأ سمو الدستور على هذه الأنظمة الداخلية بالتحديد.

الفقرة الثانية: الدستور العرفي

مبدئيا يتعين التمييز بين الدستور العرفي والعرف الدستوري، من منطلق کون الدساتير العرفية والأعراف الدستورية، كلاهما عبارة عن قواعد عرفية تجسد الأصل ممارسة سياسية تميزت بالتكرار من طرف الجماعة السياسية لمدة طويلة من الزمن حتى أضحت راسخة في وجدانهم ناظمة لسلوكهم، إلا أن العرف الدستوري وخلافا للدستور العرفي يرتبط في وجوده بوجود دستور مكتوبا، وهذا ما سنعمد إلى بحثه من خلال النقطتين المواليتين.

أولا: الدستور العرفي:

الدستور العرفي هو مجموع القواعد والضوابط والآليات المتعلقة بنظام الحكم في الدولة، تنظيما وممارسة، وغير المكتوبة ولا المسنونة من طرف سلطة مختصة، بل وجدت بفعل اطراد وانتظام العمل بها حتى أضحت ممارسة سياسية دستورية راسخة في ذهن الأفراد والمجموعات، ناظمة لسير المؤسسات.

إذن، فالدستور العرفي لا يشترط صدوره في صيغة مكتوبة، ولا يتطلب صدوره بالنسبة للعرف الدستوري. كما أنه لا يتنافى ووجود قواعد دستورية مكتوبة إلى جانبه؛ فهو لا يستأثر بتنظيم كامل جزئيات الممارسة السياسية الدستورية المتعلقة بممارسة السلطة السياسية في أعلى مستوياتها، بل دلت التجربة خصوصا التجربة البريطانية على تعايش الدستور العرفي مع قواعد دستورية مكتوبة، ولكن تبقى هذه الأخيرة من حيث الحضور الكمي والنوعي أضعف من القواعد الدستورية العرفية، فالدستور العرفي في بريطانيا ينظم أهم مجالات ممارسة السلطة من قبيل: رئاسة الحكومة من طرف الوزير الأول، وعدول الملك عن رئاستها، والتزام الملك بتعيين الوزير الأول من الحزب الفائز في انتخابات مجلس العموم، والمسؤولية السياسية للحكومة، وميكانيزم حل البرلمان.

ومع ذلك توجد قواعد أساسية مكتوبة تعتبر جزء من " البنية الدستورية " المنظمة للحياة السياسية البريطانية، من قبيل:

- إعلانات الحقوق البريطانية التي لعبت تاريخيا دورا مهما في التأسيس النظام الملكية البرلمانية من خلال تقييد سلطة الملكية وتقوية سلطة البرلمان، وتحديدا مجلس العموم، وجعل الحكومة حكومة برلمانية منبثقة عن البرلمان، وتحديدا منبثقة عن مجلس العموم، ومسؤولة أمامه مسؤولية سياسية أحادية، ومن أبرز هذه الإعلانات نذكر العهد الأكبر الماكناکارطا (1215)، ملتمس الحقوق (1628)، الهابياس کوربیس (1679)، وإعلان الحقوق (1689).

- القوانين الصادرة عن البرلمان البريطاني، والتي تختص بتنظيم جانب من جوانب ممارسة السلطة، و التي تعتبر كذلك جزءا من " البنية القانونية الدستورية " تعدل كل ممارسة سياسية عرفية سابقة، كما هو الحال مثلا بالنسبة للقانون الصادر عن البرلمان في 1911 والقانون الصادر في 1949، وقانون 1999، وقانون 2005 . وقانون 2011. وكلها قوانين أعادت تنظيم العلاقات بين المؤسسات الدستورية بشكل مغاير لما كان عليه في الدستور العرفي.

هذا عن الدستور العرفي، فماذا عن العرف الدستوري؟

ثانيا: العرف الدستوري

إذا كان الدستور العرفي لا يحتاج في وجوده إلى دستور مكتوب، وغير متوقف في وجوده على وجود نص دستوري مكتوب، فان العرف الدستوري خلافا لذلك لا ينشأ إلا في دولة منظمة بدستور مكتوب، بحيث يولد وبتطور كممارسة موازية لوجود دستور مکتوب، فالعرف الدستوري ممارسة سياسية عرفية موازية في وجودها للدستور المكتوب، بحيث تولد وترعرع في ظله.

إذن، فالعرف الدستوري غير الدستور العرفي؛ فهو قاعدة عرفية مختصة بتنظيم السلطة، اتسمت بالتكرار لمدة زمنية طويلة، حتى أضحت راسخة في ذهن الأفراد والمجموعات، ناظمة السير مؤسسة من المؤسسات أو ممارسة من الممارسات السياسية. ولكن هذه القاعدة العرفية لا يتصور وجودها إلا في دولة منظمة بدستور مكتوب. ومن أمثلة الأعراف الدستورية نأخذ مثال عرف دستوري لبناني يقضي بأن تكون رئاسة الجمهورية المسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة لمسلم سني ورئاسة البرلمان المسلم شيعي. فهذه الممارسة العرفية نشأت إلى جانب الدستور اللبناني المكتوب .

أ- أركان العرف الدستوري

مثله في ذلك مثل سائر أنواع العرف، يقوم العرف الدستوري على ركنين أساسيين :

- رکن مادي: بتجسد في هذا السلوك أو هذه الممارسة السياسية المؤسساتية المادية الملموسة والمتسمة بالوضوح والثبات والاطراد والتكرار. و نقول بالممارسة المؤسساتية لما يتميز به عنصر المؤسسة من استمرارية وتنظيم ضروريين للقول بوجود عرف دستوري، لأن السابقة السياسية les précédents مثلا لا تشكل عرفا دستوريا.

- رکن معنوي: هو ذلك الرسوخ الذي تكتسبه العادة أو التقليد السياسي، بحيث تصبح متجدرة راسخة في ذهن ووجدان الأفراد والمجموعات، ناظمة للسلوكات ولعمل المؤسسات.

والعرف الدستوري بهذا الشكل بنفسم إلى أنواع.

ب- أنواع العرف الدستوري

درج الفقه على التمييز بين أربعة أنواع من العرف الدستوري: عرف دستوري مفسر، و عرف دستوري مکمل، و عرف دستوري منشئ وعرف دستوري معدل، و هو تمييز فائم من حيث المبدأ على أساس و ظيفي.

1- العرف الدستوري المفسر: هو تلك القاعدة العرفية المفسرة لنص دستوري مکتوب يشوبه غموض: حيث تكون لدينا ممارسة سياسية منظمة بمقتضى الدستور المكتوب ولكن بشكل يشوبه غموض، مما يستدعي تدخل العرف الدستوري للقيام بوظيفة تفسيرية.

2- العرف الدستوري المكمل: وهو العرف المتدخل لتكملة نص دسنوري أو مقتضيات دستورية مكتوبة لم تتطرق لتنظيم مجال من المجالات بشكل كامل، أي أن تغطية تنظيم المجال لم تكن شاملة، فيتدخل العرف الدستوري ليملأ بعض الفراغات التي تركها النص الدستوري المكتوب. وهنا تكون للعرف الدستوري وظيفة تكميلية.

3- العرف الدستوري المنشئ: في هذه الحالة، يكون الدستور المكتوب قد اهمل كلية تنظيم مجال من المجالات التي يفترض أن ينظمها، فيتدخل العرف الدستوري لتنظيم هذا المجال كلية.

فنصبح بذلك أمام قواعد دستورية عرفية منشاة لمراكز وأوضاع قانونية جديدة ولكن شريطة عدم تعارض ذلك مع النص الدستوري المكتوب والمفترض هنا. في الحالات الثلاث المومأ إليها أعلاه. عدم تعارض هذا العرف الدستوري، المنشئ أو المفسر أو المكمل، مع فلسفة الدستور ومقتضياته، وإلا أصبحنا أمام عرف دستوري معدل. وهنا نتساءل حول ما إذا كان بالإمكان الإقرار فعلا بوجد عرف دستوري معدل يمكنه أن يقوم بوظيفة تعديلية لنص الدستور؟

4- "العرف الدستوري المعدل": المفترض حسب القائلين به أن العرف الدستوري يتدخل والحالة هاته لتعديل مقتضی دستوري أقره الدستور المكتوب بحيث يكون ثمة مجال من المجالات منظم دستوريا بمقتضى الدستور المكتوب فيتدخل العرف الدستوري ليعدل تنظيم المجال على غير ما تم التنصيص عليه بمقتضى الدستور المكتوب. والتعديل يكون هنا إما بالإضافة وإما بالحذف.


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق