التحديد الإداري لملك الدولة الخاص
لم يعرف المشرع المغربي التحديد الإداري في حين عرفه الفقه بأنه مسطرة إدارية انفرادية منظمة بمقتضى القانون تهدف إلى تثبيت حقيقة الملك الخاص للدولة [1]
وتعد مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة
الخاص من بين الآليات التي تهدف إلى ضبط وتثبيت الوضعية القانونية المادية
للعقارات المملوكة للدولة بشكل لا يقبل النزاع و حمايتها من أي اعتداء ، وكذا
تطهيرها من جميع المنازعات التي لم تظهر للوجود خلال الآجال القانونية أثناء مرحلة
عملية التحديد الإداري التي ينظمها ظهير 3
يناير 1916 [2]
و للقيام بعملية التحديد الإداري يلزم سلوك
مسطرة التحديد الإداري (المطلب الأول ) ثم الآثار القانونية المترتبة عن عملية
التحديد الإداري (المطلب الثاني ) ثم الاستكشاف كعمل سابق للتحديد الإداري (
المطلب الثالث ) ثم واقع التحديد الإداري (المطلب الرابع ).
المطلب الأول:
مسطرة التحديد الإداري
مما لا شك فيه أن عملية التحديد الإداري لا
تباشر إلا بعد استنفاد العديد من الشكليات في إطار المرحلة السابقة للمسطرة محل
الدراسة وذلك يرمي بالدرجة الأولى إلى الوقوف على الوضعية القانونية والمادية
للعقار من خلال بحث ميداني بعين المكان من أجل معرفة موقع العقار ، طبيعته مساحته
و مشتملاته و يشكل استكشافا مسبقا لعقار قبل مرور اللجنة المكلفة بالتحديد الإداري [3]
، وكذلك أصحاب الأملاك المجاورة ، وحقوق الاستعمال المنشأة عليه .
أولا : التحديد المؤقت لأملاك الدولة الخاصة
نظم المشرع إجراءات التحديد الإداري للملك
الخاص للدولة بمقتضى ظهير 3 يناير 1916 [4]
حيث نص في فصله الأول " كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجرى فيه
أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل إستبانة حقيقته وتعيين حالته الشرعية وذلك
بطلب من إدارة الغابات والمياه أو إدارة الأملاك " .
تجدر الإشارة إلى أنه لا تستأنف مسطرة
التحديد الإداري الأملاك الدولة الخاصة إلا بعد استنفاد مجموعة من الشكليات في
إطار المرحلة السابقة في المسطرة محل الدراسة ، ويبقى أهم إجراء سابق لهذه المسطرة
هو البحث الميداني ، ويتم هذا البحث بعد نشره في الجريدة الرسمية بمبادرة من
مديرية أملاك الدولة وبتنسيق من السلطة المحلية ، وتتم هذه العملية بوضع الأنصاب من طرف ممثل الإدارة المعنية بالتحديد وبحضور
المجاورين قبل مرور اللجنة الرسمية والتي تتحقق بصفة نهائية من الحدود المقترحة من
طرف الإدارة ، وإن كان المشرع في إطار ظهير 3 يناير 1916 لم ينص صراحة على هذا
الإجراء ، فإنه يمكن استنتاجه من مقتضيات الفصل الثالث منه والذي جاء فيه ما يلي
:" يصدر قرار وزيري في تحديد كل عقار يبين فيه تاريخ الشروع في العمل وذلك بمطلب تقدمه الحكومة تذكر فيه العقار المقصود تحديده مع
الأسماء التي يعرف بها و محل وجوده مع حدوده والأملاك المجاورة له والقطع الداخلة
في حدوده وما عسى أن يتبعه من الحقوق و المرافق "
وهو ما لا يمكن توفره دون القيام ببحث تمهيدي
مسبق يعرف بالعقار وما يحيط به ، ومن بين فوائد هذه العملية تنبيه المجاورين
للعقار موضوع عملية التحديد الإداري وبالتالي دفعهم إلى إثارة تعرضاتهم المحتملة
أثناء عملية التحديد الرسمية أو إبداء مواقفهم على هذه العملية ، لذا يتم التنبيه
بأهمية حضورهم وأن الأشغال ليست نهائية إلا بعد خروج اللجنة مما يتطلب حضورهم بعين
المكان للتغلب على بعض الخلافات التي قد تنشأ أثناء هاته العملية . [5]
ويتعين على المكلف بعملية التحديد أن يغرس
الأنصاب على مسافة تتعدى بين النصب والأخر 200 متر تقريبا ، ويجب على المكلف
بالعملية أن يضع تصميما تمهيديا على اساس أن يلحق بطلب التحديد مع مذكرة يبين فيها أسماء
المجاورين والعلامات التي عينت بها حدود العقار الخاص بالدولة .
ويمكن القول بأن التحديد الإداري المؤقت يوفر
حماية قانونية مؤقتة ومرجعية أساسية لعملية التحديد الإداري الرسمية ونظرا
لإجراءات الميدانية التي تقوم بها مديرية الأملاك الدولة بتنسيق مع السلطات
المحلية ، خلال فترة البحث الميداني ماهي إلا إجراءات من أجل التأكيد على أملاك الدولة على التي يشملها التحديد الإداري والتعرف العقارات
المجاورة ليتم بعده تقديم الطلب لاستصدار مرسوم الموافقة على إجراء عملية التحديد
الإداري بعد التأكد من أن الرصيد العقاري الذي تم معاينته يدخل في أملاك الدولة
الخاص التي ستخضع لاحقا لمسطرة التحديد الإداري المنصوص على مقتضياته في ظهير 3
يناير 1916 .
تانيا : إعداد طلب و الشروع في التحديد
الإداري للملك الدولة الخاص
كما أسلفنا الذكر فعملية التحديد الإداري
لأملاك الدولة الخاصة لا يتم الشروع فيها إلا بعد القيام بتحديد
مؤقت يكون الهدف منه تجميع المعلومات عن
العقار المراد إخضاعه لعملية التحديد الإداري.
وينشر هذا البحث بمبادرة من مديرية أملاك الدولة بالجريدة الرسمية [6]
وبعد التأكد من حقوق الدولة على العقار المراد تحديده يقدم طلب إجراء عملية
التحديد مرفقا بالوثائق المطلوبة الى الأمانة العامة للحكومة ومن تم يصدر مرسوم
لرئيس الحكومة يعطي الضوء الأخضر ويأمر
بإجراء عمليات التحديد الإداري ، ويجب أن يبين المرسوم تاريخ الشروع في عملية
التحديد وكذا المعلومات المرتبطة بالعقار اسمه ومحل وجوده .
والأملاك المجاورة له والقطع الداخلة في حدوده ، وكذا الحقوق والارتفاقات
التي يتحملها ، وبعد صدور المرسوم الآذن بالتحديد تقوم مديرية أملاك الدولة بنشر
خلاصة طلب التحديد والمرسوم وكذا تعليقه لدى العديد من الجهات التي نص عليها الفصل
الرابع من ظهير التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة . ويترتب عن صدور هذا
المرسوم الموافق على التحديد الإداري أثرين هامين:
1. ) لا يمكن إنجاز أية معاملة عقارية داخل المنطقة الخاضعة للتحديد الإداري
خلال المدة الفاصلة بين تاريخ افتتاح عمليات التحديد وتاريخ التصديق عليها إلا
بشرط الحصول على شهادة بعدم تعرض مسلمة من طرف الإدارة التي لها الحق في ذلك وإلا
فلا يصح التعاقد .
2. ) لا يمكن خلال هذه المدة تقديم أي طلب للتحفيظ باستثناء الطلبات المتضمنة
للتعرضات على التحفيظ [7].
بعد ذلك تجتمع اللجنة المكلفة بالتحديد كما
نص عليها الفصل 2 من ظهير 1.3.1916 وتتكون هذه اللجنة من:
·
السلطة المحلية
·
ممثل عن أملاك الدولة .
·
مهندس طبوغرافي .
·
عدلين إذا اقتضى الأمر ذلك .
في اليوم والمكان والساعة المعلن عنها وتشرع
في الطواف بالملك والتعرف عليه، ووضع العلامات لحدوده، وذلك بمحضر الجوار وكل
المعنيين بالأمر قدر المستطاع [8].
ثم تتم بعد ذلك مباشرة عملية شهر انتهاء
أشغال التحديد وفق كيفية نشر المرسوم المعلن عنه انطلاق العمليات حسب الفصل الخامس من ظهير 3
يناير 1916 ، وبعد انصرام أجل ثلاثة أشهر من تاريخ النشر وفق الكيفية المحددة
بالفصل الرابع ، لا يقبل أي تعرض على عملية التحديد الإداري [9]
و لا تتم المصادقة على المرسوم المذكور إلا بعد الحصول من المحافظ على الأملاك
العقارية والرهون على شهادة تثبت عدم وقوع أية عملية تحفيظ سابقة لأية قطعة أرضية
واقعة داخلة منطقة التحديد مع عدم وروود أي تعرض في شكل مطلب التحفيظ على عملية
التحديد الإداري حسب الفصل الثاني من ظهير 24 ماي 1922 المتعلقة بتحفيظ العقارات
المخزنية المحددة إداريا .
المطلب الثاني: آثار مرسوم التحديد الإداري
بعد المصادقة على عملية التحديد الإداري
بواسطة مرسوم ، تصفي الوضعية القانونية للعقار المحدد بشكل لا رجعة فيه طبقا لما
يقرره صراحة ظهير 3 يناير 1916 ، و هنا يطرح تساؤل هام يتعلق بمدى تمتع قرار
المصادقة على التحديد الإداري بالقوة التطهيرية التي يكتسبها العقار بعد صدور قرار
المحافظ بالتحفيظ . وجوابا على السؤال أعلاه ، اختلف الفقهاء في هذا الإطار ، فذهب
بعض الفقه إلى اعتبار عملية التحديد الإداري تكتسي مناعة مطلقة بعد المصادقة عليها
بواسطة المرسوم الصادر عن رئيس الحكومة مستندا على رأي قضائي غير معلن عنه جاء فيه
: " سبق للقضاء المغربي أن قضي بأن ظهير 3 يناير 1916 المتعلق بالتحديد
الإداري ، خصص فيما يتعلق بالعقارات المخزنية مسطرة خاصة للتحديد والتطهير دون أن
يكون لها نفس آثار التحفيظ "[10]،
في حين يرى الدكتور ناصر خليل بأن القضاء في وقت سابق وتحديدا بموجب قرار 17 ماي 1922
الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط ، وأقر بنهائية قرار المصادقة على مسطرة
التحديد الإداري ، إلا أن الأمر على خلافه بعد هذا التاريخ ذلك أن القرار المذكور
لا يلغي حقوق الحيازة المادية على العقار المحدد إداريا كما أن ظهير 24 ماي 1922
المتعلق بتحفيظ العقارات المخزنية المحددة إداريا خير دليل على عدم نهائية
المصادقة على عملية التحديد . [11]
المطلب الثالث: استكشاف الأملاك الخاصة
تلجأ إدارة أملاك الدولة إلى عملية الاستكشاف
بقصد فتح بحث عن الأرض التي يفترض أنها ملك للدولة وذلك بهدف التعرف عليها والتحري
عن مصدرها والحصول على المعلومات المتعلقة بها وكذا الوثائق التي يمكن أن تثبت
تملك الدولة لها ليتسنى بالتالي تصفية وضعيتها القانونية .
وتمارس الإدارة كذلك هذه العملية على الأراضي
التي لا مالك لها ((sans maitre أو أراضي الموات ( terres
mortes)
تحدوها في ذلك رغبة أكيدة في استغلال هذه الأراضي استغلالا مجديا ونافعا و
الحيلولة دون بقائها عرضة للضياع والنهب الاحتلال [12]،
وتتم عبر محضر استكشاف تعده لجنة الاستكشاف المكونة من السلطة المحلية وممثل عن
مندوبية أملاك الدولة و المصلحة الطبوغرافية بأملاك الدولة وشيخ القبيلة التي يوجد
بها العقار .
يتضمن الاسم والمواقع ، والمساحة التقريبية
وحدود واستعمال ووصف دقيق للملك المعني وكذا مصدر تملكه ، مع إرفاقه بتصميم للعقار
، أو على الأقل رسم تخطيطي له في حالة انعدام مهندس طبوغرافي ضمن أعضاء اللجنة ،
كما يتضمن هذا المحضر الاحتجاجات التي تكون قد وقعت بعين المكان أثناء عملية
الاستكشاف . وليست لهذا المحضر أية قوة قانونية وليست له أية حجية اتجاه الغير .
المطلب الرابع: واقع التحديد الإداري
نظرا لأهمية التحديد الإداري ارتأينا تقديم
نموذج من عمل مديرية أملاك الدولة يبين المجهود المبذول في هذا المجال وحجم
الإنجاز فيه .
عمليات التحديد الإداري باشرتها الدولة
(الملك الخاص ) همت 146 ملكا بمساحة إجمالية بلغت 107.105 هكتارات تتوزع مابين 38.629
هكتار في طور التحديد و 58.400 هكتار مصادق على تحديدها و 44.840 هكتار تم إصدار
رسومها العقارية .[13]
[1] - خليل الرحماني
، آليات تكوين الرصيد العقاري للملك الدولة الخاص ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في
قانون العقود والعقار ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة
محمد الأول ، وجدة ، لسنة 2008 : ص : 53 .
[2] - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص: 116
[3] - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص : 117 .
[4] - ظهير شريف صادر في 3 يناير 2016 في تأسيس
خصوصيات لتحديد الأملاك المخزنية منشور في الجريدة الرسمية عدد 141 بتاريخ 10
يناير 1916 .
[5] - جابر بابا، دور التحديد الإداري في حماية
أملاك الدولة الخاصة،منشورات مجلة المنار للدراسات القانونية و الادارية،العدد 4،
مطبعة دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع،الرباط،سنة 2014، ص 13-14.
[6] - خالد الرحماني ، مرجع سابق ، ص : 54 .
[7] - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص 118 .
[8] - حسن الخشين ، ملك الدولة الخاص ، تميزه
–نظامه-وظائفه ، منشورات مجلة الحقوق ، سلسلة المعارف القانونية ، العدد 28 سنة
2015 ، ص : 200 .
[9] - حسن الخشين ، نفس المرجع ، ص : 201 .
[10] - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص: 119 .
[11] - يونس الزهري ، التحديد الإداري للملك الغابوي
للدولة ، مجلة القضاء المدني ، سنة 2009 ، ص89 .
[12] - الحسين بارك الله ،
مرجع سابق ، ص : 120 .
[13] - تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011 ، منشور بالجريدة الرسمية ، عدد 6116 مكرر بتاريخ 10 يناير 2013، ص: 173 .