اللامركزية الإدارية في المغرب

 اللامركزية الادارية منذ الاستقلال إلى غاية دستور 2011

بعد حصول المغرب على استقلاله في عام 1956، واجهت السلطة العامة وضعية سياسية و قانونية واقتصادية عصيبة و غير ملائمة للمرحلة الجديدة، وانطلاقا من روح التجديد وبهدف بناء مغرب جديد ووضع دعائم الدولة العصرية.

حيث ظهرت أولى الإشارات للتقسيم الإداري بالمغرب عند إصدار الظهير المؤرخ ب 2 دجنبر 1959، الذي عمد إلى تقسيم المملكة إلى مستويين هما العمالات والأقاليم والجماعات، ثم صدور الظهير المتعلق بالجماعات الحضرية والقروية سنة   1960كمرحلة تأسيسية للتنظيم الترابي على مستوي جغرافي ضيق هو القرية والمدينة ، حيث لت السلطة المركزية خلال هذه التجربة المتحكم الرئيسي في إدارة الشأن العام المحلي .

ثم جاءت المرحلة الدستورية بعد إصدار أول دستور في البلاد في 14دجنبر 1962 حيث حظيت اللامركزية الإقليمية من البداية بتأطير الدستوري حيث صنفها المشرع في الباب الثامن تحت عنوان "الجماعات المحلية "رخصها بثلاث فصول 93-94-95 حيث جاء فيه أن الجماعات المحلية هي العمالات والأقاليم والجماعات

بالإضافة إلى إمكانية انتخاب مجالس الجماعات المحلية لتتكلف بتدبير أن شؤونها أن يكون هذا التغيير ديمقراطيا ويتطابق الشروط التي حددها المشرع في الفصل 94 من دستور 1962 ، إلا أن نسبة المشاركة كانت تقل كلما تحولنا من الحواضر نحو البوادي نظرا للمعطيات السوسيوثقافية لم تساعد على قيام تجربة جماعية حقيقية منذ صدور ظهير 23 يونيو 1960 المتعلق بالجماعات الحضرية والقروية[1].

حيث سيطرة العمالات والأقاليم بالتحديد مؤسسة العامل في تنفيذ مقررات المجالس الإقليمية المنتخبة، الشيء الذي يمس بقاعدة دمقرطة التنظيم اللامركزي ، الأمر الذي أعطانا دمجا بين التركيز الإداري و أسلوب اللامركزية وشكلت السلطة المركزية المرجعية لممارسة الجماعة خلال تلك الفتر[2].

كما حافظ دستور 31 يوليوز 1970 على نفس التجربة الدستورية الأولى أما بالنسبة لدستور 10مارس 1972 حيث وجب الإشارة إلى أنه في تاريخ 16يونيو 1971تم تبني فكرة الجهوية عبر إصدار ظهير الذي أحدث سبعة جهات اقتصادية ، كما أن الفصل 87 من دستور 1972 خلال تعريفه للجماعات المحلية بالإضافة للجماعات الحضرية و القروية نظرا لطبيعة الإستراتيجية التنموية وخصائص المجال على حدا .

كما جاء في ذات الدستور أن إحداث أو إلغاء جماعة محلية من اختصاص السلطة التنفيذية خلافا للدستور 1962 الذي أعطاها للسلطة التشريعية و في حدود مجال القانون ، نظرا لأنها عملية تقنية أكثر منها تشريعية تستوجب معرفة الخريطة الإدارية لتقوم بدورها

التنموي .

كما أن المشرع احتفظ بقاعدة الانتخابات أسلوب ديمقراطي لتشكيل مجالس الجماعات المحلية ، إلا أنه لم يحدد طريقة الاقتراع بالإضافة إلي سطح العمال اختصاص تنفيذ مقررات المجالس الجهوية كما هو منصوص عليه في الفصل 89 من دستور 1972.

 بالإضافة إلى صدور ظهير 30 شتنبر 1976 الذي يعد بمثابة ميثاق جماعي جديد باختصاصات واسعة للمجالس المنتخبة ومنح رؤسائها السلطة التنفيذية وجعل الإدارة الجماعات تحت تصرفهم.

أما بالنسبة الدستور 4 شتنبر 1992 تم الارتقاء بالجهة إلى مصاف الجماعات المحلية بمقتضي الفصل 94 وذلك مراعاة التطورات التي عرفها المجتمع المغربي بالإضافة إلي دخول المغرب مرحلة جديدة يشكل فيها البعد الاقتصادي الإستراتيجة ومراجعة الإختلالات الاجتماعية والجالية التي أفرزها التجارب السابقة وكذلك لمواجهة تحديات المستقبل القريب [3]

 حيث أغفل المشرع الدستوري سنة 1992 منح الجماعات المحلية الشخصية المعنوية واكتفى بالضمانات التشريعية في هذا شأن اعتبارها الأستاذ أشرکی محمد "أنها أقل من الضمانات الدستورية" ، الشيء الذي جعل هذه التجربة محدودة الأثر [4]

أما بالنسبة لدستور 13 شتنبر 1996 حيث أوجدت الأستاذة مليكة الصروخ . ظروف المراجعة الدستورية لسنة 1996 انطلاقا من الخطاب الملكي بمناسبة 20 غشت الذي أعلن بمقتضاه عن تعديل الدستور نتيجة التحولات السريعة التي عرفها العالم إزاء فشل السياسة الاقتصادية في الدول الاشتراكية ، نظرا لصعوبة مواكبة السياسة الرأسمالية أمي الليبرالية الحرة في إطار النظام العالمي الجديد الذي أصبح يقوم على العولمة المنافسة الاقتصادية ، الأمر الذي يتطلب من المغرب بدوره إعادة النظر في المؤسسات التي يقع عاتقها النهوض بالاقتصاد الوطني وتثمينه ، مسايرا للتوجه العالمي الذي لا يرحم الدول  الضعيفة [5].

 وعليه ، فان الجماعات المحلية بعد ارتقاء بها إلى مؤسسة دستورية فان على عاتقها النهوض بالاقتصاد الوطني ، على اعتبار أن الاقتصاد المحلي قاطرة ودافع للاقتصاد الوطني .

إضافة إلى إحصائيات مديرية التخطيط لسنة 1996 التي تحدثت عن تركز حوالى 43,6%  من مجموع سكان المغرب الذي وصل حوالي 26000000 مليون نسمة ، في ما مجموعة %11  من التراب الوطني ، نظرا لتركيز الأنشطة الاقتصادية فيها وتوالي سنوات الجفاف الأمر الذي اضطر فئات المجتمع الهجرة نحو هذه المناطق الشيء الذي أثقل كاهل الدولة ودعاها إلي إصدار القانون المنظم للجهات رغبة في تحقيق نوع من التوازن المجالي [6]. من خلال صدور القانون رقم 47.96 الذي وضع الإطار القانون لتجسيد الفعلي كجماعة محلية .

 كما نص دستور 1996 على إحداث المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية الحسابات الذي أسند لها الفصل  94 مهمة مراقبة حسابات مراقبة حسابات الجماعات المحلية وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.

منا صدر سنة 2002 أي بعد حوالي ربع قرن قانون رقم 78,00 المتعلق بالجماعات المتمم و المغير بمقتضى القانون رقم17,08  للميثاق الجماعي سنة 2009 الذي صدر في ظل الدستور السابق ، الذي حاول أن يعطي نفسا جديد المجالس الجماعية يحكم الاختصاصات القانونية و التنظيمية الواسعة التي منحت لها الاطلاع بالأدوار في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع تعزيز سلطات رئيس المجالس وتخفيف من نظام الوصاية بنقل بعض اختصاصات وزارة الداخلية في هذا المجال إلى الولاة والعمال و تقليص أجال المصادقة ،كما تميز هذا القانون بإحداث نظام المقاطعات في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء و فاس.

لتستمر الأمور على ما هي عليه الى غاية 2011 و المراجعة الدستورية التي حملت معها مجموعة من المستجدات تهم تطور اللامركزية الإدارية

 تطور اللامركزية الإدارية في ظل دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية .

تتجلى أهم ملامح تطور اللامركزية الإدارية بعد دستور 2011 الذي جاء وفقا و تبعا الظروف التي يعلم بها الجميع، حيث شكلت تحولا لفهم اللامركزية الترابية في اطار النظام الدستوري والإداري للدولة وذلك وفق عدة مؤشرات أهمها

+ جعل اللامركزية اطار مؤسساتی و قانوني لتكريس وحدة الدولة :

حيث ظلت الدولة وفيه لمنحها الإداري ولم تنتقل الى السياسي ، كما هو منصوص عليه في المادة 2 من القانون رقم 111.14  أن إحداث وتنظيم يستند إلى الثوابت والمبادي المنصوص عليها في الدستور وسيما الفصل الأول منه ، والذي جاء فيه أن التنظيم الترابي للمملكة هو تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.

 فالستور 2011 أفرد الجماعات الترابية باب خاص بها هو باب التاسع والذي عرف الجماعات الترابية في الفصل 135بأنها تضم الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات وتمتيعها بالشخصية القانونية ، إضافة إلى أن مجالس الجماعات والجهات تنتخب غن طريق الاقتراع العام المباشر وفق الأحكام القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية .

 + المؤشر الثاني المتعلق بتغير العلاقة بين الدولة والجماعات الترابية

عبر إدخال فاعل جديد هو المواطن والمجتمع المدني كآلية الديمقراطية التشاركية التي اقتصرت على جمع توقيعات حسب نسبة السكان القديم عرائض الهدف منها مطالبة المجلس إدراج نقطة تدخل في اختصاصه وضمن جدول أعماله كما هو منصوص عليه في الفصل 139 من الدستور.

تم تحديد شروط و كيفيات ممارسة هذا الحق من خلال التالي :

 بالنسبة للجهات : بالقانون التنظيمي 14.111 المواد من 118 الي 122 و المرسوم رقم 2.16.401 الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 2016. بالنسبة للعمالات والأقاليم القانون التنظيمي 112.14 المواد من 116 الي 122 و المرسوم رقم 2.16.402 الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 2016.

 بالنسبة للجماعات : القانون التنظيمي 14.113

 .المواد من 121 الي 125 و المرسوم 2.16.403  الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 2016.

- شروط تقديم عرائض من قبل المواطنات والمواطنين :


 

الجهات

العمالات والأقاليم

جماعات

يجب أن يستوفي مقدمو العريضة من المواطنات والمواطنين الشروط الأتية

 

1-    ان يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصادية أو تجاريا أو مهنيا

2-    أن يكونوا مسجلين  في اللوائح الإنتخابية  العامة

3-   أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة .

-    أن لا يقل عدد التوقيعات على

-    30 توقيع في ما يخص الجهات التي يقل  عدد سكانها عن مليون نسمة.

-    400 توقيع بالنسبة للجهات التي يتراوح عدد سكانها بين مليون و 3 ملايين نسمة .

-    500 توقيع بالنسبة للجهات التي يتراوح عدد سكانها 3 ملايين نسمة .

4-           أن يكون الموقعون  موزعين بحسب  مقرات إقامتهم  الفعلية  على عمالات و أقاليم الجهة  شرط أن لا يقل عددهم في كل  عمال .

 

 

 

 

 

 

 

ب أن يستوفي مقدمو العريضة من المواطنات والمواطنين الشروط الأتية

 

1-   ان يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصادية أو تجاريا أو مهنيا

2-   ان تتوفر فيهم شروط في اللوائح الانتخابية

 

3-   أن نكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة.

ب أن يستوفي مقدمو العريضة من المواطنات والمواطنين الشروط الأتية

 

1-       أن يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا .

2-       أن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة.

3-       أن تكون لهم مصلحة مشتركة في تقديم العريضة.

4-       أن لا يقل عدد الموقعين منهم  عن:

-            100 مواطن و مواطنة في ما يخص الجماعات التي يقل  عدد سكانها   عن 35000 نسمة .

-            200 مواطنة و مواطن بالنسبة لغيرها من الجماعات

-             غير أنه لا يجب أن يقل عدد الموقعين عن 400  مواطن و مواطنة  بالنسبة  للجماعات ذات نظام  المقاطعات .

 

 

Zone de Texte: ترفق العريضة المقدمة من طرف المواطنات و المواطنين بنسخ من البطائق الوطنية بالتعريف الخاصة بمقدمي العرائض 


يتضح أن الشروط المنصوص عليها و الملزمة لمقدمي العرائض ، أنها ليست تعجيزية تجعل من تقديم العرائض والمساهمة في أعمال المجلس أمرا مستحيلا ، اذ تشكل هذه الألية الجديدة دلالة على تطور العلاقة بعدما كانت في السابق يشوبها فتور، جعل أمر التطور في طرق التدبير صعبا خصوصا وان حاجيات المواطنين تلزمها عناية والمعرفة بها ، اذ سن شأن الديمقراطية التشاركية رغم أنها آلية ثانوية تجاوز النقائص التي تعتلي الديمقراطية التمثيلة و تكامل معها والإسهام في تطور التكبير على مستوى الجماعات الترابية.

بالإضافة الي تدخل الدولة في الجماعات الترابية وفق الآليات التقليدية [7] لزالت في الوثيقة الدستورية التي منها :

-  الاستثمارات العمومية ترجمت مع دستور 2011 في إنشاء صندوق التأهيل الاجتماعي يهدف هذا الصندوق الي سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات ذات الطابع الاجتماعي كالماء الصالح لشرب والكهرباء و السكن اللائق و الصحة وشبكة الطرق والمواصلات كما هو منصوص عليه في المادة 229 قانون رقم 111.14  

غير أن الملاحظ أن هذا الصندوق سيبقي بيد الإدارة الترابية ممثلة بوالي الجهة ، هذا الأخير ، يعتبر أمرا مساعدا مكلفا يقيض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق على مستوي الجهة بتفويض من رئيس الحكومة.

 كما أن صندوق التضامن بين الجهات بهدف حسب المادة 234 من القانون رقم 111. 14 الي ضمان توزیع متكافئ للموارد لأجل تقليص التفاوت فيما بينها ، في ذات السياق فانه من المنتظر أن يتم توزيع موارد هذا الصندوق على الجهات المستحقة لها حسب معايير يتم تحديدها بمرسوم و بالتشاور مع رؤساء الجهات كما توضح المادة 236 من القانون 111. 14

وحتى لا تفوتني الفرصة لتذكير أن القانون السابق 47. 96 لمنظم للجهات كان قد نص على خلق صندوق التضامن بين الجهات ، لكن دون تسجيل أي محاولة جادة لتفعيل هذا المقتضي لمدة 18 سنة، لذلك فتفعيل هذا المقتضی مرتبط بإصدار الحكومة للنص التطبيقي المؤطر له

 الدعم العمومي: حيث جاء في الفقرة الثانية من الفصل أن "كل اختصاص تنقله الدولة للجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له "، حيث تحول نسبة %5 من الضريبة غلى الشركات و %5 من الضريبة على الدخل و 20 من حصيلة الرسم على عقود التأمين في أفق أن تبلغ 10 ملايين درهم سنة 2021، كما هو منصوص عليه في المادة 188 من القانون التنظيمي للجهات 14. 111  الفصل 141 من الدستور

ونسبة من الضريبة على القيمة المضافة المخصصة للجماعات والعمالات المنصوص عليه في المادة 167 من القانون رقم 14 . 111 والمادة رقم 174 من القانون رقم 113.14

- البرمجة والتخطيط حيث وخب على برامج تنمية الجهات وبرامج عمل الجماعات والعمالات والأقاليم أن تستحضر الاستراتيجية التي تعتمدها الدولة، مثل مخطط المغرب الأخضر.

+ المؤشر المتعلق بتعزيز النخب: حيث نص الفصل 146 من الدستور على حالة التنافي بمعني عدم إمكانية الجمع بين رئاستين كما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة المادة 17 من القانون رقم 14. 111، الهدف منها هو توسيع دائرة الانتخاب والاختيار، بالإضافة إلي تحسين تمثيلية النساء داخل مجالس الجماعات الترابية حيث صدر مرسوم رقم 2.15.576  الصادر 14 يونيو 2015 بتحديد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس و كل جهة وتوزيع عدد المقاعد على العمالات والأقاليم المكونة للجية ، إذ نجد أن عندهن اي النساء يتجاوز في بعض المجالس الجهوية ثلث أعضائها كذلك القانون التنظيمي رقم 11. 59 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، الذي تم تتميمه وتغيره بالقانون التنظيمي رقم 15. 34 .

+ المؤشر المتعلق بتحسين منظومة التدبير بالجماعات الترابية عبر مبدأ التدبير لحر المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور والذي يقوم على أساسين :

- سلطة التداول بكيفية ديمقراطية ، أن الجماعات الترابية المنتخبة تفصل بمداولتها

بكيفية حرة، في اختصاصاها وتمارس الصلاحيات الموكل إليها بموجب القوانين

التنظيمية المؤطرة لها .

- تنفيذ مداولات ومقررات المجالس ، حيث خولت صلاحيات هذا التنفيذ لرؤساء

الجماعات الترابية شريطة أن تتوافق والأنظمة القانونية المعمول بها وأن تتدرج

 ضمن الاختصاصات المخولة لها ، وألا يشوبها عيب من العيوب القانونية ، فضلا عن مراعاة التوجهات العامة والقطاعية لدولة والالتزام بحدود ما هو متوفر من الموارد.

زيادة على ذلك فان عمل الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية تحكمه مجموعة من مبادي المتعلقة بالمرافق العمومية المنصوص عليها في 154 منها المساواة والاستمرارية ، بالإضافة إلي خضوع هذه المرافق لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والحياد والنزاهة في إطار سعيها لتحقيق المصلحة العامة التي تعتبر السبب الأساسي و علت وجود المرفق العمومي .

 كذلك اعتماد آلية الإفتحاص والتدقيق كألية لتقيم أداء الجماعات الترابية ، واستخدام المساطر وشفافيتها كمعيار لقياس جودة الخدمات العمومية و كل الجوانب المتعلقة بتدبير الجماعات الترابية.

غير أن ما يجعل تجربة الجماعات الترابية على الرغم من أنها فتية محدودة الأثر سواء اليوم أم مستقبلا في إطار المنظومة المعيارية ، إذ نجد أن القوانين التنظيمية للجماعات التربية111.14 .112.14 113.14 تحيل إلى حوالي 76 نص تطبيقي في إحصائية للأمانة العامة للحكومة ، لم تصدر منها سوى 34 نص تطبيقي .

إذ أن من شأن إكمال صدور هذه النصوص التطبيقية أن يساهم في تطور الانتقال التشريعي للجماعات الترابية.

المطلب الثاني: الجهوية بالمغرب بين المعطى القانوني ورهان نقل الاختصاص و تحقيق التنمية .

تمت دسترة الجهة و إخراج قوانين تنظيمية تهميا ، بالتالي شكلت زخما قانونيا لها الفقرة الأولى) و بناء على ذلك نقلت لها مجموعة من الاختصاصات في إطار تحقيق التنمية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المعطى القانوني للجهوية المتقدمة

إن ورش الجهوية المتقدمة يتطلع إلى بلورة الإرادة الملكية السامية الرامية إلى تمكين المغرب من جهوية متقدمة، ديمقراطية الجوهر ... تكون مدخلا لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المترج على درب اللامركزية و اللاتمركز الفعليين النافذين، والديمقراطية المعمقة، والتحديث الاجتماعي والسياسي للبلاد و الحكامة الجيدة [8] بالموازنة مع التنصيص على مقتضياتها.

ولهذه الأسباب فقد جاء العتور صيف 2011 لتكريس ورش الجهوية المتقدمة من خلال الإقرار بها نصية، فطبقا للفقرة الأخيرة من الفصل الأول التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة"، فيها دلالة على أن المشرع الدستوري أعطى لهذا التنظيم الإداري مرتبة متقدمة من حيث تعداد الفصول، ثم تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور ضمن الجماعات الترابية وذلك في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب، ومتطلبات التوازن والتضامن الوطني مع الجهات وفيما بينها[9] وهو ما تم بالفعل حيث نصت الفقرة الثانية من الفصل 143 الباب التاسع المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى، على أن الجهة تتبوأ الصدارة تحت إشراف رئيس المجلس الجهوي، في حين نص الفصل 146 في فقرته الأولى على أنه يحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة شروط تدبير الجهات، وفي هذا الصدد خرجت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ويهمنا في هذا العرض القانون التنظيمي للجهات 14. 111[10] لإكمال بناء صرح التطورات الحاصلة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أن الجهوية المتقدمة تقوم على مجموعة من المرتكزات أهمها الوحدة وهي التي تتبنى على وحدة الوطن والتراب ويمكن أن تعتبر المرجعية الصلبة في كل توجه مستقبلي للجهوية المتقدمة التي يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي الغني بتوع روافده الثقافية والمجالية المنصهرة في هوية وطنية موحدة [11]كما أن التجارب الدولية في هذا الإطار تؤكد على أولوية هذا المرتكز الذي يعتبر وفق التنظيم الإداري الفرنسي بعدم تعدد أنماط الجماعات والمحافظات، وهو ما عكسه التنظيم الجهوي، حيث حاول المحافظة على وحدة الدولة وتماسكها [12]ولتحقيق هذا الأخير - التماسك - فلابد من التضامن باعتباره مرتكزا آخر يستدعي استثمار كل جهة في مؤهلاتها مع إيجاد آليات للتضامن والتلاحم بين مناطق في مغرب موحد

 ولمحاربة التفاوت بين الجهات وتجاوز إشكالية الجهوية بين مناطق غنية وأخرى فقيرة، وهو كذلك مبدأ يلزم القوميات والأقاليم الأساسية بالتكامل والتضامن فيما بينها ضمانا للتوازن الاقتصادي الهادف إلى التماسك الاجتماعي، فالدولة هي التي تضمن التحقيق الفعلي لمبدأ التضامن بالقدر الذي يحقق التوازن الاقتصادي الملائم والعادل بين كل أجزاء الأقاليم الاسبانية.[13]

ثم ضم القانون التنظيمي للجهات مجموعة من المبادئ التي هي في الأساس دستورية الأصل ومثل ذلك مبدأ التفريع باعتباره أسلوبا لنقل الاختصاص من المركز إلى المحيط ولما في ذلك من تحقيق التنمية وهو ما سنتناوله في الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: الجهوية رهان لنقل الاختصاص وتحقيق التنمية

 أقر القانون التنظيمي للجهات باختصاصات جديدة وتقريرية لم يكن يتوفر عليها القانون السابق وهي بناء على مبدأ التفريع اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة [14]، على أمل أن تضمن هذه الاختصاصات تنمية داخل الجهة.

1 اختصاصات ذاتية:

تمارس الجهة اختصاصات ذاتية في مجال التنمية الجهوية، كما تقوم بإعداد وتتبع تنفيذ برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب وهو الأمر نفسه تقريبا الفرنس حيث أعطى قانون 22 يوليوز 1982 للجهة دورا أساسيا في إعداد المخططات الجهوية بموازاة مع المخطط الوطني، وذلك بعد استشارة المحافظات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي الجهوي[15]، ثم تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال دعم المقاولات وتوطين وتنظيم مناطق الأنشطة الاقتصادية بالجهة...[16]

كما أن قانون 2 مارس 1982 الفرنسي وسع من تدخل الجهات في التنمية الاقتصادية، بحيث أصبح بإمكان الجهات المشاركة في كل نشاط تنموي يرمي إلى تحقيق المصلحة الجهوية المباشرة، واعطاء مساعدات مباشرة وغير مباشرة للمقاولات التي توجد في وضعية صعبة والمساهمة في رأسمال شركات التنمية الجهوية[17]

2) اختصاصات مشتركة

يمكن للجهة ممارسة اختصاصات مشتركة مع الدولة، وهي أختصاصات لم يكن منصوص عليها مسبقا، فهي تمارسها في مجال التنمية الاقتصادية والقروية والاجتماعية والثقافية فيما يخص هذه الأخيرة الثقافة- فإن اختصاص الجهة في فرنسا بخصوص هذا الميدان يتنوع باختلاف التمايز الثقافي الموجود بين الجهات، وهو ما دفع ببعضها إلى دعم عمليات إلى دعم عمليات حماية التراث والمآثر التاريخية والمطالبة بضرورة الاعتراف بلغتها المحلية[18]، مع الإشارة إلى أن هذه الاختصاصات المشتركة تمارسها بشكل تعاقدي بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة[19].

3) اختصاصات منقولة

لقد تم نقل مجموعة من الاختصاصات من المركز إلى المحيط وذلك بالاستناد إلى مبدأ التفريع والذي يعني أنه ما يستطيع أن يقوم به الأدني يترفع عنه الأعلى والحال هنا أنه ما تسطيع أن تقوم به الجهات تترفع عنه الدولة، مع أنه وجب أن يراعي مبدأ التدرج والتمايز بين الجهات عند نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهة، وجدير بالذكر أن كل جهة تتوفر على موارد ذاتية و موارد مالية مرصودة من قبل الدولة وذلك بمنطوق الفصل 141 من دستور فاتح يوليو 2011 تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى على موارد مالية ذاتية و موارد مالية مرصودة من قبل الدولة، كل اختصاص تتنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنة بتحويل الموارد المطابقة له . مع تحديد قدر هذه الموارد بصفة تدريجية في المادة 188 من القانون التنظيمي للجهات التطبيق لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 141 من الدستور، ترصد الدولة للجهات، بموجب قوانين المالية، بصفة تدريجية، نسيا محددة في %5 من حصيلة الضريبة على الشركات، %5 من حصيلة الضريبة على الدخل، و %20 من حصيلة الرسم على عقود التأمين تضاف إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 10 ملايير درهم سنة 

وتبقى عمليات الافتراضات کمورد استثنائي خاضعة لقواعد تحدد بنص تنظيمي بحسب المادة 190 من نفس القانون أعلاه.



[1]عبد الواحد  مبعوث " التنمية الجهوية  بين عدم التركيز الإداري و اللامركزية " أطروحوة لنيل الدكتورة في القانون العام ، جامعة محمد الخامس . كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال  الرباط ، 2000.1999 ص 182.

 [2] عبد الواحد، مبعوث "التنمية  الجهوية بين عدم التركيز الإدارية  اللامركزية مرجع سابق ص 183


 

[3]  رشيد لونفي  " التقسيم الترابي الجهوي بالمغرب "  ماستر الدراسات الادارية و المالية سنة 2014 .2015  أكدال . ص 54

[4]  عبد الواحد مبعوت " التنمية الجهوية  بين عدم التركيز الإداري  و اللامركزية " مرجع سابق ص 187.

[5]  مليكة الصروخ – القانون الدستوري  و مبادئه – مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء . الطبعة الأولى – سنة 1996 ص 186.

[6]  عبد الواحد مبعوث مرجع سابق ص 222

[7]  مداخلة د عبد الحفيظ ادمينو " حصيلة التطبيق الدستور المغربي 2011-2017 "  بتاريخ 31-10-2017 .

[8]  تقرير حول الجهوية المتقدمة المرفوع إلى العناية  السامية لصاحب  الجلالة الملك محمد السادس ، الجنة الاستشارية  الجهوية ص 07.

[9]  الخطاب الملكي  ل 09 مارس 2011 . حول الجهوية الموسوعة و إعلان جلالته عن تكوين لجنة خاصة لمراجعة الدستور

[10]  ظهير شريف رقم 1.15.83  صادر في 20 من رمضان 1436 ( 07 يوليو 2015)  بتنفيذ القانون التنظيمي 111.14  المتعلق بالجهات .

[11]   الخطاب الملكي ل 03 يناير 2010 بمناسبة  تنصيبه للجنة الاستشارية لإعداد مشروع جديد للجهوية .

[12]  خالد الغازي: التنظيم الجهوي بفرنسا "  المحطة المغربية  للأنظمة القانونية  والسياسية .مطبعة الرسالة .الرباط عدد خاص .يونيو 2005 .ص88.

[13]   المادة  الثانية  من دستور  اسبانيا  1978 .

[14] الفصل 140  من دستور  فاتح  يوليو  2011  مرجع سابق .

[15]  نص قانون 07 يوليوز 1983 على أن الجماعات  و الأقاليم  و الجهات  تساهم بجانب الدولة  في اعداد التراب  و في التنمية و كذا  حماية البيئة

[16]   المادة  82 من القانون  التنظيمي  رقم 111.14  المتعلق بالجهات .

[17]  د كريم الحرش " الجهوية المتقدمة بالمغرب ، " سلسلة اللامركزية  و الادارة المحلية  ، الطبعة الثانية ص 135

[18]   لقد دفعت هذه المطالب بالمشرع الفرنسي إلى اصدار مجموعة من النصوص القانونية  التي تعترف بأهمية  تدريس لغات  البرامج التربوية لهذه الجهات و نذكر منها على سبيل المثال :

-          قانون   deixenne  لسنة 1951 و خاصة المرسوم 16 يناير 1974 ، حول اللغة الكورية ..

-          مرسوم  04 أكتوبر 1970 الذي أقر بامكانية انجاز امتحان تكميلي  للغة الجهوية الباكالوريا .

-          القانون 11 يوليوز 1975  الذي اعترف بإمكانية تدريس اللغات  و التقافات الجهوية في برامج التكوين .

           عن خالد الغازي مرجع سابق، ص 95

[19]    مادة  92 من قانون رقم 111.14  المتعلق بالجهات ، مرجع سابق .




 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق