النظريات الكلاسيكية في العلاقات الدولية
تشكل
كل من النظرية الواقعية ( الفقرة الاولى)، والنظرية المثالية (الفقرة الثانية)،
ابرز النظريات التي اسهمت في تطور العلاقات بين الدول ودرستها.
الفقرة
الأولى: النظرية الواقعية
تطلق
الواقعية على التوجه النظري في دراسة العلاقات الدولية، الذي نشأ في الأوساط الأمريكية
بين الحربين وهو يستند إلى مجموعة من المسلمات النظرية القائمة على أساس أن الأصل
في العلاقات الدولية هو الصراع، وأن الإنسان أناني بالطبع.
بالنسبة
للمدافعين عن نظرية الفوضى وأهمهم هوبز (1588-1679)، في كتابه "الليفيثان"
فإن هناك تناقضا جذريا بين المجتمع الدولي والمجتمع الوطني"[1].
لدى
معظم الواقعين جواب مباشر عن مشكلة النظام العام، وهو السلطة المركزية الفعالة،
فالحكومات التي تدافع عن الحدود وتفرض تطبيق القوانين، وتحمي المواطنين، تجعل
السياسة الداخلية أكثر سلمية، ومختلفة نوعيا عن السياسة الخارجية، وتبقى الساحة
الدولية نظاما من الفوضى السياسية والمساعدة الذاتية، "ساحة من العنف تبحث
فيها الدول عن فرص لاستغلال بعضها البعض"، ويعتمد بقاء الدولة على قدراتها
المادية وتحالفاتها مع الدول الأخرى"[2].
وهكذا
فالمجتمع الدولي عكس المجتمعات الوطنية فوضوي ومجزاء، وبالتالي فالمفروض في الدول
المستقلة أن تعمل على توقع عقدا اجتماعيا عالميا كفيل بتحقيق حكومة عالمية وحيدة.
تعتبر
الواقعية أكثر النظريات اتصالا بالواقع
الدولي، وتعبيرا عن أوضاعه ومن أبرز دعاتها هانز مورجانتو، ينبني فكر
مورجانتو: على فكرتي المصلحة، والقوة، وهنا تتحدد المصلحة في إطار القوة التي
تتحدد بدورها في إطار ما يسميه بفكرة التأثير أو السيطرة، وتعني تلك النظرية
بالقوة: السيطرة التي تمارسها الدول في علاقاتها المتبادلة[3].
يؤكد
مورجانتو على أن جوهر العلاقات الدولية هي السياسة الدولية التي مادتها
الأساسية الصراع من أجل القوة بين الدول ذات السيادة، ومن وجهة نظره فإن السياسة
الدولية هي عملية يتم فيها تسوية المصالح القومية المختلفة، ويرى بأن السياسات
الدولية والمحلية ليست إلا إحدى الثلاث: سياسة تسعى للحفاظ على القوة، سياسة
تسعى لزيادة القوة، وسياسة تتظاهر بالقوة[4].
تلعب
الإمكانيات المتوفرة للدولة دورا هاما في تحديد نتيجة الصراع الدولي وقدرة الدولة
على التأثير على سلوك الآخرين، شريطة إدراك أن قدرات الدولة لا تقتصر على الإطلاق على
الجانب العسكري، بل تشمل كذلك مستوى التطور التقني، والموارد البشرية، والمصادر
الطبيعية والعوامل الجغرافية، وتشكل الحكومة والقيادة السياسية، والإيديولوجية[5].
كل
هذا جعل عدد كبير من الباحثين يرون بأن الدولة هي الطرف الوحيد في العلاقات
الدولية، وأن الفاعلين الآخرين لا يمثلون إلا كيانات تترجم إرادة الدولة ولكن من
خلال وجهات أخرى، ومن إبراز المدافعين عن هذا الرأي (مورجانتو، ريمون آرون).
يقدم
ريمون أرون تعريفا للعلاقات الدولية، ويعتبر أنها تمثل العلاقات بين
الوحدات السياسية المستقبلية الموجودة في العالم، وأن خصوصية هذه العلاقات تنبع من
حقيقة أنها تتناول علاقات بين وحدات سياسية تدعي كل منها بأن الحق في جانبها وإنها
صاحبة الرأي الوحيد في قرار اللجوء إلى القتال أو عدمه ونتيجة لوجود العديد من هذه
الوحدات المستقلة يصبح الهدف الأساسي هو ضمان أمنها وبالتالي ضمان وجودها[6].
رغم
اختلاف هؤلاء الفقهاء إلا أنهم يتفقون على فكرة أساسية، وهي أن المجتمع الدولي مجتمع
الفوضى.
v
ركائز النظرية الواقعية
v الأخلاق
لا يمكن أن تحدد السياسة كما يقول المثاليون، بل العكس هو الصحيح، وبالتالي
فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي، فمسؤولية السياسة هي
الحفاظ على الدولة.
v شكل
العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية، فالغاية الأساسية لدولة هي
الحفاظ على أمنها بشتى الطرق والوسائل حتى لو تطلب ذلك الاستعانة بدولة أخرى.
v النظام
الدولي بالنسبة لأصحاب النظرية الواقعية غابة نتيجة غياب سلطة مركزية، تحتكر القوة
وتستطيع فرضها على الكل كما هو الحال في داخل الدولة.
v النظر
لدولة كوحدة واحدة، رغم تعدد المتدخلين ومتخذي القرارات في السياسة الخارجية
لدولة، (رئيس الدولة، وزير الخارجية...) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي
بصفتها كيان واحد متماسك.
v تعتبر
الدولة الفاعل الوحيد في السياسة الدولية، مما يعني التركيز على الدول، وليس على
المنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسية.
v إن
النظريات السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية
ودراسة التاريخ.
v لا
تسعى الوحدات السياسية إلى امتلاك القوة كغاية في حد ذاتها، وإنما كوسيلة لتحقيق
المجد والسلم لتأثير في مستقبل النظام الدولي.
العوامل
التي أسهمت في بروز الواقعية
ü الحرب
العالمية الثانية؛
ü وجود
حالات من الاختلاف والتضارب في المصالح؛
ü دخول
الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي في سباق التسلح
الفقرة
الثانية: النظرية المثالية
على
عكس دعاة أطروحة الفوضى (الواقعية) يعتبر أصحاب المذهب أو النظرية المثالية، أن
المجتمع الدولي، يطبعه النظام[7]،
وذلك نتيجة انتقال الإنسان إلى طور الاستقرار، وابتكار لوسائل تؤمن له ممارسة
حقوقه وحرياته وتبعده عن النزاعات والصراعات اليومية اتجاه إقامة مجتمع مشترك، وهو
بذلك ينتقل من حالة الفطرة إلى حياة الجماعة.
ينطلق
المثاليون من أولوية الأخلاق في العلاقات بين الأفراد سواء في المجتمع الداخلي أو
بين الدول المجتمع الدولي، إذ لا بد للفرد من الخضوع للقوانين والقواعد التي وضعت
لخدمة الجماعة، نفس الشيء بالنسبة للعلاقة بين الدول فمن منطلق تطابق المصالح
واعتبار أن لكل دولة مصلحة في السلم، فإن كل دولة تريد أن تعرقل هي دولة غير عقلانية
وغير أخلاقية[8].
تذهب
هذه النظرية إلى وجوب إخضاع العلاقات الدولية للقانون ولقيم العدالة والتسامح
والتضامن، مما يعني إمكانية تنظيم العلاقات الدولية وإقرار السلم[9]،
بهدف بناء عالم أفضل خال من النزاعات، مرتكزا على مسلمات فلسفية تفاولية حول
الطبيعة البشرية، ودور المعرفة العقلانية وانسجام المصالح، وكذا إمكانية إقامة
معايير قيمة مطلقة[10]
إذا ما استعملت بعض الأدوات الضرورية (القانون، الأخلاق).
هناك
تياران يدافعان على فكرة النظام لكن بطرق مختلفة
1_
التيار المساند لفكرة سيادة الدول:
يعتبر بأن المجتمع الدولي هو مجتمع دول مستقلة ذات سيادة، وأن كل دولة لها سيادة
متطابقة مع سيادة الدول الأخرى، وهذا لا يعني أن المجتمع الدولي مجتمع غير منظم
لأن الدول فيه تخضع للقانون الدولي.
2_
التيار المعارض لفكرة السيادة:
يؤكد على أن المجتمع الدولي مجتمع الأمم وتجمعاتها وليس مجتمع الدول.
[1] - - محمد نشطاوي، مرجع
سابق، ص 13.
[2] - تيم دان، يليا كوركي
وستيف سميث، ترجمة دينا الخضرا، نظريات العلاقات الدولية، التخصص والنوع، المركز
العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، بيروت، 2016، ص 173.
[3]-
TAHARLY80.Blogspot.com/2009/12/blog-post-4025.html.
[4] - جيمس دورتي، روبرت بالستعراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية،
ترجمة وليد عبد الحي، كاظمة لنشر والترجمة والتوزيع، المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع، الكويت، ط 1، 1985، ص 71.
[5] - محمد نشطاوي، م س، ص
13-14.
[6]- نفس المرجع السابق
[7] - سعد الركراكي، مقترب في
دراسة العلاقات الدولية، المطبعة الوراقة الخطية، الطبعة الثانية، مراكش، 1992، ص
3.
[8] - محمد نشطاوي، م س، ص
18-19.
[9] - بوقنطار لمعلمي، م س، ص
32.