تطور العلاقات الدولية ومعايير تمييزها
المطلب
الأول: مفهوم العلاقات الدولية
يحتم
علينا دراسة العلاقات الدولية أن نكون على وعي باللبس الذي يحيط بمصطلح العلاقات
الدولية، حيث أن هذا الأخير يعني في آن واحد "الظاهرة" و"الخطاب
العلمي" أو "العلم حول الظاهرة"، من جهة، ومن جهة أخرى ان تعريف
الظاهرة هو لحظة من الوعي البشري بهذه الأخيرة (بوجودها هناك)، أما بروز العلاقات
الدولية كحقل معرفي، فيمثل لحظة أخرى من الوعي بالظاهرة وبضرورة "التحكم
الفكري في الظاهرة". ليس ضروريا أن يكون هناك تطابق بين تعريف العلاقات
الدولية كظاهرة وتعريفها كعلم، وهذه إحدى إشكاليات هذا العلم[1]،
حيث نجد مجموعة من المؤلفات تخص العلاقات الدولية بتسميات مختلفة: السياسة
الدولية، السياسة الخارجية، السياسة العالمية، العلاقات الدولية، إلى أن هناك
إجماع حول التسمية الأخيرة.
متى
ظهرت العلاقات الدولية؟
هناك
من الكتاب من يطلق هذا المصطلح على العلاقات بين كل الوحدات (المستقلة؟ السياسية؟)
التي عرفها التاريخ وحتى ما قبل التاريخ إلى اليوم.
هولتسي: يعتبر أن العلاقات الدولية
تنشأ داخل كل "مجموعة من كيانات سياسية- قبائل- دول- مدن- أمم- أو
امبراطوريات، تربط بينها تفاعلات تتميز بقدر كبير من التواتر ووفق نوع من
الانتظام".
هيدلي
بول:
يرفض أن يعطي هذا المفهوم الواسع لعبارة العلاقات الدولية، ويقول بضرورة الأخذ
بالمعنى الضيق لها: أي العلاقات بين الدول القومية كما نشأت في أوربا عصر النهضة،
بين القرنين 16 و17 وانتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء المعمور، خصوصا بعد سنة 1945
ويقترح للتعبير عن مجموع العلاقات بين الدول كل الوحدات السياسية التي عرفها
التاريخ "العلاقات بين القوى".
هايس: يرى أنه "بدون مبدأ
المساواة بين دول ذات السيادة فالعلاقات الدولية غير ممكنة" لا يكفي أن تكون
هناك كيانات مستقلة، بل يجب أن تقوم علاقاتها على الاعتراف المتبادل بالمساواة في
السيادة بين الأطراف كقاعدة أساسية.
كريندورف: يرى أن العلاقات الدولية
الراهنة "نتاج لخمس مائة سنة من التوسع الأوربي، ولا يمكن وضعها إلا في
تاريخانيتها، أي من خلال الطبيعة التي أحدثتها في التاريخ الإنساني الثورة
الرأسمالية، فالعلاقات الدولية من هذا المنظور تجد سبب وجودها في قيام النظام
الاجتماعي، الاقتصادي، الرأسمالي (أو البرجوازي) وخاصيتها في الطابع الكوني
للتفاعلات التي تتضمنها (الاعتماد المتبادل، الحروب) نتيجة للتوسع الاقتصادي
والسياسي والحضاري الأوربي[2].
دانيال
كولار:
دراسة العلاقات الدولية تغطي العلاقات السلمية والحربية بين الدول والمنظمات
الدولية، وتأثير القوى ذات البعد الدولي وجميع المبادلات والنشاطات التي تتعدى
حدود الدول[3].
يبقى
تعريف هذه المادة أمر صعب بحيث لا يمكن أن تنفصل عن باقي الظواهر، بما فيها علم
السياسة، علم النفس، علم الاجتماع والقانون والاقتصاد.
المطلب
الثاني: معايير تمييز العلاقات الدولية عن العلاقات الداخلية
1_ معيار الحدود
يذهب
أصحاب هذا المعيار ومن بينهم مارسيل ميرل إلى اعتبار الحدود المادية
المقياس الحاسم للتمييز بين العلاقات الداخلية والعلاقات الدولية، كما يذهب فليب
برايار إلى اعتماد نفس المعيار ولكنه خلافا لميرل لا يأخذه كمعيار مطلق، حيث
يعرف العلاقات الدولية "كعلاقات اجتماعية عابرة للحدود" ويبرز أنها
"علاقات قائمة بين مجتمعات أخذت شكل الدول-الأمم" ويشير إلى أن تعريفه
هذا محدد زمنيا ويمكن أن يفقد كل معنى إذا ما اندثرت الدولة _ الأمة.
وقد
انتقد المؤرخ الفرنسي ديروزيل تعريف العلاقات الدولية على أساس معيار
الحدود، إذ يرى أن الحدود بالمعنى العصري والتي تتمثل في فاصل خطي قانوني وفي بعض
المظاهر الأخرى كجواز السفر، وتأشيرة الدخول والجمارك، هي ظاهرة لم تكن دوما واضحة
بهذا الشكل، حيث أنه بالقدر الذي تعود إلى الوراء بقدر ما يصعب تحديد هذه الحدود،
مثال حدود الدولة الإسلامية، حدود الدولة المغربية.
2_
معيار الوحدة السياسية
رايمون
أرون:
يعتبر أن هذا المعيار أساسيا لكل تعريف لظاهرة العلاقات الدولية: إن العلاقات
الدولية هي صنف من العلاقات الاجتماعية التي تربط بين "وحدات سياسية".
الوحدة
السياسية: هي استجابة لرغبة بيولوجية لدى الجنس البشري في الحياة الجماعية لضمان
بقائه، وإعادة إنتاجه وتطوره بتخزين معارفه وأساليب تنظيمه، وانتقالها بين الأجيال
عبر المؤسسات الاجتماعية.
كانت
هذه الوحدات ترى نفسها في مراكز الكون وتعتبر نفسها كيان قائم بذاته له القدرة على
الاستغناء عن العالم الخارجي لتحقيق الوظائف الأساسية الكفيلة ببقائه كوحدة
منسجمة.
وبتعبير
آرون، فمن اتصال واصطدام هذه الوحدات فيما بينها نشأت ظاهرة العلاقات
الدولية، وتمة يمكن تعريفها.
معيار
الوحدة السياسية اشمل من معيار الحدود لكن ديروزيل يجده تعبيرا غامضا وغير
دقيق، فكيف، يمكن اعتبار الوحدة السياسة أساسا للعلاقات الدولية، في الوقت الذي
يمكن إطلاق نفس التعبير، الوحدة السياسية، على كيانات داخلية كالحزب السياسي، أو
الجهة السياسية أو إحدى دويلات اتحاد فيدرالي، واقترح المؤرخ الفرنسي معيارا آخر
وهو معيار الأجنبي؛
3_
معيار الأجنبي
انطلاقا
من هذا المعيار يعرف ديروزيل العلاقات الدولية بأنها: "مجموعة الأحداث
التي يكون أحد أطرافها فردا كان أو جماعة، أجنبيا عن الطرف الآخر".
لفظة
الأجنبي: لا تعني العدو الأجنبي: هو الذي يخالفنا في سلوكه وردود
أفعاله هو الغريب الذي نجهل عنه كل شيء أو بعض الشيء "العرق، الدين،
اللغة" أو كل هذه العوامل مجتمعة، لكن هذه العوامل عوامل قانونية وليست قطعية
بحسب ديروزيل لأن الذي يحدث حقيقة التباعد بين الجماعات البشرية، ويحدث
الفوارق في الطبائع والقيم والتصورات لديها: هو تلك "السلسلة الطويلة من
الصدف والأحداث التاريخية من حروب ونزوح السكان والمبادلات".
وقد
عرف المسلمون في عهد الإمبراطورية الإسلامية (الأموية والعباسية) أصناف من الأجانب
وفق معايير عرقية ودينية الأعجمي، الرومي؛ وشرعية سياسية "أهل الذمة، دار
الإسلام الإعداء من "دار الحرب" والمتعاهدون "دار الصلح أو دار
العهد".[4]
وفي
أواخر القرن 18 (منذ الثورة الأمريكية 1776) وبعد الامبراطوريات التقليدية
واستقلال كل المستعمرات تقريبا، اصبح المفهوم المعاصر للأجنبي محددا قانونا
"بعدم المواطنة فالأجنبي هو الذي يحمل جنسية مختلفة أو لا يحمل أي
جنسية" لكن هذا الجانب القانوني لا يجب أن ينسينا الجانب النفساني لمفهوم
الأجنبي وهو الشعور بالاختلاف، والذي له جذوره التاريخية.
[1] - بوقنطار، المعلمي،
العلاقات الدولية، مفاهيم وإرشادات منهجية مع نماذج لمواضيع الامتحانات، مطبعة دار
توبقال، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 1983، ص 8.
[2] - نفس المرجع السابق، ص
12.
[3] - محمد نشطاوي، العلاقات
الدولية، مقترب في دراسة النظريات الفاعلين و أنماط التفاعل، مطبعة الوراقة
الوطنية، الطبعة الأولى، مراكش، 2002، ص 10.
[4] بوقنطار ، معلمي: العلاقات الدولية مفاهيم وارشادات منهجية مع نمادج لمواضيع الامتحانات، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، الدار البضاء، 1988، ص13- 17.