دروس القانون دروس القانون
recent

آخر المقالات

recent
جاري التحميل ...

سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار وسؤال الفعالية

 

                                                                                                    عادل تميم                                                                 أستاذ التعليم العالي مساعد بكلية الحقوق

                                                                            بأيت ملول

 مقدمة

       في ظل ما يعرفه مجال تدبير الاستثمار من تعدد المتدخلين وإحداث مؤسسات جديدة لها توجهات استثمارية ، وما تم تحقيقه من تراكمات وزخم قانوني وتنظيمي جراء اعتماد الجهوية المتقدمة ببلادنا ، يطرح سؤال الفعالية نفسه في سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار.

       فمن جهة تعتمد سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار على ركائز أساسية تتمثل في فيها يقوم به الوالي بموجب الصلاحيات المنوطة له بتفويضات ، ومن خلال ترأسه للمركز الجهوي للاستثمار ، ومن جهة أخرى ، المغرب سائر في اعتماد سياسة جهوية تعطي هامش كبير للسلطة المنتخبة في إطار ورش الجهوية المتقدمة ، ولعل أبرزها تنفيذ المجلس الجهوي لمقرراته وإناطة رئيسه بمهمة الأمر بالصرف ، بالإضافة إلى إحداث مؤسسات جهوية ذات بعد استثماري تابعة للجهة ، كالوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع ، وشركات التنمية الجهوية .

      فأمام هذا الوضع ، هل نحن أمام توجهين متعارضين ( التدبير اللامتمرکز التدبير الجهوي ) ، أم أن هناك تكامل ، أم الأمر لا يعدو أن يكون ازدواجية في الأدوار بالمفهوم البسيط ؟

المحور الأول : سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار ، السياق والدلالات

       يعتبر البطء السمة البارزة في معالجة ملفات الاستثمار ، ومؤشرا على عقم الإدارة الاقتصادية وعدم فعالیتها ، ويعتبر هذا الأمر المحبط لكل عملية إنتاجية بمثابة نتيجة طبيعية ، إن لم نقل حتمية لتعدد المساطر الإدارية وغياب التنسيق بين الإدارات ، وعدم - تحديد الاختصاصات تحديدا دقيقا . وكلها مظاهر الإدارة بيروقراطية وغير فعالة ، لا سيما في التعامل مع ملفات المستثمرين[1].

      ولذلك جاءت الرسالة الملكية والموجهة للوزير الأول حول التدبير اللامتمرکز للاستثمار في 9 يناير 2002 ، لتضع حدا لعراقيل الاستثمار في جوانبه القانونية والإدارية ، وذلك عبر الدعوة لخلق شباك وحيد ( كمخاطب وحيد ) مهمته تسهيل مأمورية المستثمر في كل ما يرتبط بعمليات الاستثمار[2] ، وتجاوز المقاربة الكلاسيكية في التعامل مع الاستثمار ، والتأكيد في نفس الوقت على أهمية هذه السياسة الجديدة في دعم التنمية بالمنظور الشمولي ، انطلاقا من إرهاصات التجارب السابقة ومتطلبات الظرفية الحالية[3] .

       وبذلك يمكن اعتبار التدبير اللامتمرکز للاستثمار مجموعة التدابير اللازمة للقضاء على جمود الإدارة الاقتصادية وتكسير الحواجز المعيقة للاستثمار ، بتفویض عملية اتخاذ القرار الاقتصادي من المركز إلى المحيط . وحسب الرسالة الملكية الموجة إلى الوزير الأول فإن الجهة تعتبر الإطار الأمثل لتحفيز الاستثمار وتطويره بشكل يتجاوب مع تنافسيته الاقتصادية

      فالتزام المغرب الثابت بتحصين وتعزيز ما تم تحقيقه من مكتسبات في مجال التنمية المستدامة وإنعاش الاستثمار ، دفع بالسلطات العمومية إلى إعادة النظر في آليات التدبير المركزي بالنسبة لهياكل الإدارة على الصعيد اللامركزي ، وذلك بإعطاء والي الجهة قدرا كافيا من الصلاحيات ، وتوسيع اختصاصاته وعقلنة طرق عمله ، قصد تمكينه من توجيه جهوده على نحو أفضل من التنسيق بين مختلف الوحدات الإدارية .

        وقد جسدت الرسالة الملكية رؤى جديدة لمفهوم السلطة ، والوقوف على مكامن الخلل في الاقتصاد الوطني ، حيث جاءت هذه المبادرة الملكية في إطار ديناميكية سياسية وضعها جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش والتي عبر فيها عن إرادته القوية للاهتمام بالمشاكل التنموية والسوسيواقتصادية التي تواجه المغرب . وقد ابتدأها بإنشاء صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وتعيين ولاة جدد هم في الحقيقة تقنوقراطيون وليسوا رجال سلطة بالمفهوم الكلاسيكي القديم ، ومنحهم سلطة تدبيرية ( تنموية ) ، وجعل المقاربة الاقتصادية تأخذ مكانها الطبيعي في مجال القرار السياسي ، وليتحول الهاجس الأمني الذي كان سائدا في الماضي إلى هاجس اقتصادی للمساهمة في حل المشاكل الاجتماعية بالمغرب6.

        وقد جاءت سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار لترسيخ مبادئ جديدة في تدبير الشأن الإداري عبر ركيزتين أساسيتين هما اللامركزية واللاتركيز ، فالأولى تقوم على تكريس البعد الجهوي والمحلي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، إذ أن هذه الوحدات اللامركزية تشكل أهم الوسائل التي يلجأ إليها المركز قصد صياغة سياسات محلية متوازنة ، ومن خلالها تنمية وطنية شاملة .

       أما المرتكز الثاني فيتجلى في إعادة النظر في توزيع الصلاحيات والسلط ، وذلك عبر تقوية دور الوالي كفاعل تنموي رئيسي بالجهة ، من خلال إيلائه اختصاصات جديدة في مجال الاستثمار سواء من جراء توسيع دائرة التفويضات أو من خلال ترأسه للمركز الجهوي للاستثمار .

      وعملت الرسالة الملكية على تحديد هيكلة المراكز الجهوية وتنظيمها ، حيث جعلتها تتشكل من شباكين اثنين يهتم الأول بالمساعدة على خلق المقاولة ، والثاني يركز على مؤازرة ومساعدة المستثمرين ، وبذلك تعتبر المراكز الجهوية للاستثمار إحدى الآليات الهامة في تفعيل سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار .

المحور الثاني : تفویض الاختصاصات كآلية لإعادة توزيع

المهام في مجال الاستثمار بين المركز والجهة

      يعتبر بناء مفهوم جديد للسلطة مدخلا رئيسيا لكل عملية إصلاحية ، ولعل فشل معظم الإصلاحات بالمغرب يرجع حسب العديد من الباحثين إلى عدم الاهتمام الكافي بإشكالية توزيع الاختصاصات بين المركز والمحيط .

       وأمام الصعوبات الجمة التي يطرحها العمل الإداري عبر أسلوب مركزة القرار ، وخاصة في الميدان الاستثماري ، عملت السلطات العمومية على تجسيد التوجهات الملكية المعبر عنها في الرسالة الملكية الموجهة للوزير الأول حول التدبير اللامتمرکز للاستثمار في 9 يناير 2002 ، والتي اعتبرت الإطار الجهوي المجال الترابي والإداري الأنسب لتحقيق الاستثمار عبر تكريس اللامركزية واللاتمركز كأسلوبين يكمل أحدهما الآخر8 .

      ووعيا بأهمية اللامركزية في اتخاذ القرار وتدبير الأنشطة الاقتصادية ، ركزت سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار على تقنية التفويض . ويهدف هذا التفويض إلى تحويل الاختصاصات من المستوى المركزي إلى المستوى الجهوي لفائدة الولاة وإلى المصالح الخارجية ، وذلك بهدف دمقرطة النظام والقضاء على مركزية القرار9 .

       ويعتبر التفويض من المفاهيم الأساسية المرتبطة بعدم التمركز الإداري، حيث يعتبر التفويض بمثابة المقياس الأساسي للنسب والدرجات التي تتوزع بها السلطات عبر التسلسل الإداري من القمة إلى القاعدة، حيث تعتبر قلة التفويض دليل على تركيز السلطة.

            أولا : دور الولاة في مجال الاستثمار

       شكلت الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمرکز للاستثمار بتاريخ 9 يناير 2002 منعطفا كبيرا ، في تدعيم وتقوية مؤسسة الوالي من الناحية السياسية بواسطة المراسيم والقرارات الصادرة عن الحكومة ، إذ تم تقوية صلاحيات وسلطات الوالي وتعزيز اختصاصاته التدبيرية بالنسبة للمصالح الغير الممركزة .

 فالوالي يعتبر المؤسسة المتراهن عليها لتفعيل سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار ، وفق مقاربات حديثة في مجال تدبير الشأن العام المحلي المتصلة بالميدان الاستثماري ، إذ يعتبر هذا الأخير المنطلق الحقيقي للإقلاع الاقتصادي ، وركيزة أساسية للسلم الاجتماعي.

      بالإضافة إلى أن مؤسسة الوالي أصبحت تتوفر على مكانة متميزة، حيث نالت اهتمام دستوري من خلال دستور 2011، فالوالي يمثل السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويعمل باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، کما یمارس المراقبة الإدارية . ويساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية ، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية ، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية . ويقوم الولاة والعمال ، تحت سلطة الوزراء المعنيين ، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ، ويسهرون على حسن سيرها  .

       فالدولة في هذا السياق تشكل كتلة منسجمة ، حيث يصبح العمال أصحاب الاختصاص في النظر في الأمور المتعلقة  بهم ، ذات المصلحة المحلية ( العامل ) والجهوية (والي الجهة بناء) على المبادئ  التالية :

1-    تفویض الاختصاصات من المصالح الوزارية المركزية إلى الولاة

يحيلنا موضوع التدبير اللامتمرکز للاستثمار على مفهوم اللاتمركز الإداري ، الذي يرتبط بوجود وكينونة الدولة ، عبر منح السلطة التقريرية لممثليها على الصعيد الترابي .

       وهذا الإجراء لا تنتفع منه اللامركزية فقط عبر التحاور بين المسؤولين في عين المكان الذي تطرح فيه المشاكل على السكان ، بل أكثر من ذلك ، فاللاتمركز بعد إجراء لتحديث وعصرنة الدولة ، فسياسة إعداد التراب تحتاج إلى لاتمركز إداري يستجيب لمتطلبات التماسك العيش المشترك و التعاون على حل المشاكل التي تطرح في شتى أنحاء البلاد .

        فبالنسبة للتجربة المغربية على مستوى عدم التمركز الإداري، فإنه يمكن القول بأن المصالح الخارجية للوزارات لا تتحكم قانونيا في أنشطتها، إذ أن تسيير السلطة واتخاذ القرار يتمان انطلاقا من المركز بعد مرور اضطراري لدى العامل.

       ووعيا من جلالة الملك بأهمية اللاتمركز الإداري في تقليص حجم الظاهرة البيروقراطية ، والتقريب الوظيفي للإدارة من المواطنين والمستثمرين ، فقد أولى عناية خاصة في رسالته الموجهة إلى الوزير الأول بضرورة تفويض العديد من السلطات إلى الولاة ، وذلك كإجراء عملي إلى جانب إحداث المراكز الجهوية للاستثمار ، نظرا لما يتطلبه الاستثمار من سرعة في اتخاذ القرارات ، فالدعوة الملكية إلى توسيع دائرة التفويضات ، تهدف إلى إدخال قیم جديدة وأشكال حديثة لاتخاذ القرار عبر قنوات الاتصال والحوار.

      " وقد ترتب عن الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول حول التدبير اللامتمركز للاستثمار مجموعة من الإجراءات القانونية التي تشمل الآليات اللازمة لإنعاش الاتحاد الجهوي هذه الإجراءات تكتسي طبيعة قانونية تجلت في إصدار مجموعة من المراسيم والقرارات الوزارية ، والتي من خلالها تم التفويض لولاة الجهات مجموعة من الاختصاصات الضرورية لإنعاش الاستثمار .

       وبهذا تكون الجهة قد أضافت إلى أدبياتها القانونية والمؤسساتية ترسانة من المقتضيات ، التي من شأنها أن تساهم في تفعيل التنمية الجهوية عبر إنعاش الاستثمار وتشجيع المستمرین .

      وتتكون هذه الترسانة القانونية للاستثمار من خمسة ( 5 ) مراسيم وسبع قرارات تتعلق كلها بتفويض السلطة من طرف الوزراء، وتخص التدبير الجماعي المحلي، وقطاع السياحة والفلاحة والمالية والتجهيز والصناعة والتجارة والمعادن. وهكذا قد أعطت الرسالة الملكية لولاة الجهات أدوات العمل قصد تنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية الجهوية التي عينوا من أجلها ، كما أن هذه النصوص تتضمن إجراءات ومساطر إدارية ومالية وقانونية جديدة ومرنة والتي بواسطتها يمكن تفعيل سياسة الاستثمار الجهوي4 .

       وقد خولت الرسالة الملكية للولاة اختصاصات واسعة في ميدان الاستثمار وفي المجالات التي تتطلب سرعة في اتخاذ القرار ، بغية التسريع في إنجاز المشاريع التي لا تفوق 200 مليون درهم .

       فتفويض بعض الاختصاصات الوزارية للولاة في مجال الاستثمار يبقى مواكبا للرؤية الإستراتيجية للدولة ، والتي توفرها الوزارات المعنية في مجال إنعاش الاستثمار ، وكذا العمل على تهييئها للمنظومة القانونية والضريبية والاجتماعية ، لتنشيط وتهيئ البيئة المناسبة للاستثمار .

       إن هاته التفويضات قد عملت على تشجيع عدم التركيز الإداري ، لكن صوب سلطة واحدة وهي سلطة الوالي ، وذلك بجعلها سلطة مشرفة وموجهة على صعيد الجهة . وإلى جانب ذلك هناك تفويضا من نوع آخر، أي من الوالي إلى العامل۔

 2 - تفویض الاختصاصات من الولاة إلى العمال في مجال الاستثمار

       يتمتع العامل باختصاصات مهمة، حيث يقوم تحت سلطة الوزراء المختصين بتنسيق أعمال المصالح الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة، والمؤسسات العامة التي لا يتجاوز مجال عملها نطاق العمالة أو الإقليم. وبهذه الصفة يتولى العامل النهوض بأعمال المصالح والمؤسسات المذكورة ومراقبتها وتتبعها قصد السهر على تنفيذ القرارات الصادرة عن الوزراء ، ويرفع في شأن ذلك إلى الوزراء المعنيين بالأمر بيانا عن شروط تنفيذ ما يصدرونه من توجيهات وتعليمات ، ويخبر العامل بالأعمال التي تقوم بها المصالح الخارجية ، ولهذه الغاية تبلغ إليه نسخة من برامج العمل والتوجيهات الواردة من الوزراء المعنيين بالأمر ومن التقارير والبيانات العامة الموجهة إليهم .

       کما يوجه العامل سنويا إلى كل وزير تقريرا عن حالة الاستثمارات المقررة من لدن الوزارة المعنية بالأمر، وله أن يقترح بهذه المناسبة كل تدبير من التدابير التي يرى في اتخاذها فائدة لتحقيق الاستثمارات الداخلة في اختصاص الوزير المعني بالأمر

       وبالإضافة إلى الاختصاصات الممنوحة للعامل فقد عملت الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بشأن التدبير اللامتمركز للاستثمار من تعزيز سلطاته ، وذلك بتركيزها على نوع أخر من التفويضات ، وهي تفويضات من الوالي إلى العامل . وقد نصت الرسالة الملكية على كون العمال يتحملون مسؤوليتهم كاملة لدى الولاة في تطبيق السياسة المتعلقة بالاستثمار ، كما تم إلزامهم إلى جانب الولاة على المشاركة الفعالة في تفعيل سياسة اللاتركيز ، والعمل على إعداد البنيات اللازمة حتى يمكن أن تمارس على صعيدي العمالة والإقليم الاختصاصات التي ستمارس في مرحلة أولى على الصعيد الجهوي .

        وقد حثت الرسالة الملكية العمال بأن يتأكدوا على أن السلطات المحلية المختصة التي تتصرف بصفتها ممثلة للدولة ، تقوم بتسليم التراخيص الضرورية لإنجاز الاستثمارات ، خاصة التراخيص المتعلقة بتجزئة الأراضي والبناء والسكن وشهادة المطابقة في الآجال التي تحددها القانون أو النصوص التنظيمية الجاري بها العمل . وفي حالة التأخير في تسليم التراخيص فإن العامل يأمر السلطات المعنية بالتقيد بالآجال القانونية ، كما يحق له ممارسة سلطة الحلول التي يخولها له الميثاق الجماعي بعد إشعار الوالي في حالة استمرار هذا التأخير

غير أن منح الولاة والعمال صلاحيات مهمة يجب أن يلازمه أليات التنسيق بين مختلف الفاعلين المتدخلين ، وتجاوز الهاجس الأمني إلى الهاجس الاقتصادي والاجتماعي في إطار المفهوم الجديد للسلطة .

ثانيا : تفویض الاختصاصات من المصالح المركزية للوزارات إلى المصالح الخارجية

      نظرا لما تتطلبه بعض القرارات من السرعة في اتخاذها، ولما يوفره انتشار المصالح الخارجية من التخفيف على المواطنين عبء التكاليف الإضافية التي قد يتحملونها، تم إحداث المصالح الخارجية للإدارات العامة

       ويجوز للوزراء أن يفوضوا إلى رؤساء المصالح الخارجية التابعة لهم وإلى العمال التصرف بإسمهم ضمن الحدود الداخلة في نطاق اختصاصهم . كما يمكن لهم تعيين رؤساء المصالح الخارجية آمرين نوابا لصرف النفقات فيما يتعلق الاعتمادات الموضوعة رهن تصرفهم.

      وبالرغم من إقرار المصالح الخارجية من طرف الوزارات والإدارات المركزية ، فقد ظل عدم التوازن الناتج عن التوزيع اللامتكافئ للخريطة الترابية مع الإدارات التقنية والاقتصادية والاجتماعية قائما ، الأمر الذي شكل عائقا في تطوير اللاتركيز الإداري بمختلف صوره .

       فالمشاكل السابقة كانت إفرازا من إفرازات الإدارة المغربية المركزية ، الناتج عن وجود عقلیات رافضة للتغيير وغير مؤمنة به . ويظهر ذلك في تحفظها الدائم وترددها في كثير من المناسبات لإدخال أساليب جديدة غير مأمونة قد لا يتحملها النمط الإداري البيروقراطي السائد

       وفي سياق التوجهات الملكية السامية المتضمنة في الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمرکز للاستثمار ، عملت السلطات الحكومية على إقرار مرسوم للاتمركز الإداري، ويحدد هذا المرسوم قواعد تنظيم القطاعات الوزارية ، وكذا توزيع الاختصاصات والوسائل بين الإدارة المركزية والمصالح اللامتمركزة . وفي هذا الإطار ، أعدت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية مشروع جديد لميثاق اللاتركيز ، وأحالته على مجلس النواب في 28 نونبر 2017 ، والذي أعطى تعريفا للاتمركز الإداري بحيث اعتبره : " عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين البنيات والمستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة " .

       فسیاسة اللاتمركز لا يمكن أن تتم في غياب تفويضات هامة ، ذلك أن تقنية التفويض هي الإطار الذي يتم من خلاله نقل السلطات من مستوى إلى آخر ، وبالتالي سيكون لهذا الأسلوب أثر إيجابي على الفاعلين المحليين ، إذ تتوفر أمامهم مصالح للدولة كمخاطب فعلي دون الرجوع إلى العاصمة لتسوية الملفات خاصة الاستثمارية منها .

      وإذا كانت الرسالة الملكية قد دعت إلى ضرورة تقديم التسهيلات في مجال الاستثمار ، فالملاحظ أن هذه التسهيلات تخص فقط القطاعات التي أشارت إليها الرسالة الملكية ، وذلك بسبب التحديد الواضح للتفويضات التي منحت للسادة الولاة ، مما يجعل المشاريع في القطاعات الأخرى لا تستفيد من هذه التسهيلات .

المحور الثالث : المدخلات الدستورية والتنظيمية للانتقال

إلى سياسة التدبير الجهوي للاستثمار

        إن تقييم سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار بالمغرب ، من خلال المعطيات الإحصائية على أرض الواقع ومدى حجم التفاوتات في العديد من المجالات خاصة التوزيع الديموغرافي وتوزيع البنية التحتية والاستثمار العمومي والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية . يبين ضعف نتائجها وعدم فعاليتها في محو الفوارق الجهوية وتحقيق تنمية.  متوازنة بين مناطق البلاد ، حيث ظلت الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية مستمرة بين الجهات .

      فرغم اعتاد المغرب على سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار لازال الحال کما عليه ، حيث أن البعد الجهوي والمحلي الذي تم اعتماده في هذه السياسة لتدبير الاستثمار ، لم ينجع في تحقيق تنمية متوازنة ، وذلك أن الجهة بدورها تعرف عدة عراقيل ومعوقات جعلت منها فضاء متعثرا في مجال التنمية .

       وتعد إشكالية تعدد المتدخلين ، إشكالية رئيسية تطرح معها صعوبات تحد من تطبيق الحكامة والالتقانية بين السياسات والبرامج العمومية ، فالمجال الجهوي يتواجد فيه العديد من الفاعلين والمؤسسات المتدخلة في مجال الاستثمار بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، وعلى مستويات متعددة ومختلفة ، يمكن أن نموقعها مبدئيا حسب الجهة التابعة لها إلى ثلاثة مستويات على الأقل . فنجد في المستوى الأول مؤسسة الوالي والمراكز الجهوية للاستثمار .  أما المستوى الثاني فيضم المجلس الجهوي ورئيسه ، الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع وشركات التنمية الجهوية والمستوى الثالث ، فيضم المؤسسات العمومية ، صندوق التضامن بين الجهة ، صندوق التأهيل الجهوي ، وکالات تنمية الأقاليم ، المصالح الخارجية والغرف المهنية .

      وأمام هذا الوضع ، فلابد من تحديد توجه في تدبير الاستثمار ، والذي يجب على الدولة أن تعطي فيه الفرصة للجهة ، استكمالا لمشروع الجهوية المتقدمة . فدستور 2011 والقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات نصا على مقتضيات من شأنه أن تجعل من الجهة فضاء مناسب لتدبير الاستثمار وتحقيق التنمية. ومن أبرز هاته المقتضيات ، المؤسسات الجهوية التي تشتغل على مجالي التنمية والاستثمار ، فمنها ما هو جديد في إحداثه القانوني كالوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع ، ومنها ما أدخل عليها إصلاحات وتعدیلات همت الاسم والاختصاصات كشركات التنمية الجهوية التي كانت تحمل إسم " مقاولات الاقتصاد المختلط " ، في القانون السابق ( 96-47 ) المنظم للجهات

فلأجل تمكين مجالس الجهات من تدبير شؤونها ، تم التنصيص على إحداث لدى كل جهة ، تحت اسم " الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع " ، شخص اعتباري خاضع للقانون العام ، يتمتع بالاستقلال الاداري والمالي ، ويكون مقر الوكالة داخل الدائرة الترابية للجهة

      وتخضع الوكالة لوصاية مجلس الجهة ، وللمراقبة المالية للدولة المطبقة على المنشآت العامة وهيئات أخرى28 . وقد أناط القانون التنظيمي للجهات للوكالة اختصاصات تتمثل فيما يلي :

 - مد مجلس الجهة ، كلما طلب رئیسه ذلك ، بكل أشكال المساعدة القانونية والهندسة التقنية المالية عند دراسة وإعداد المشاريع وبرامج التنمية ؛

 - تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية التي يقرها مجلس الجهة .

      کما يمكن لمجلس الجهة أن يعهد إلى الوكالة باستغلال أو تدبير بعض المشاريع الحساب الجهة ، طبقا للشروط والكيفيات التي يحددها بمقرر . ويمكن للوكالة أيضا أن تقترح على مجلس الجهة إحداث شركة من شركات التنمية الجهوية تشتغل تحت إشراف الوكالة

       وإلى جانب هاته المؤسسة التنفيذية للمشاريع الاستثمارية للجهة ، أناط القانون المنظم للجهات ( 111.14 ) إمكانية اقتصادية مهمة للجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية والمتمثلة في الحق بإحداث شركات مساهمة تسمى " شركات التنمية الجهوية " أو المساهمة في رأسمالها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أو الخاص ، وتحدث هذه الشركات لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجهة أو تدبير مرفق عمومي تابع للجهة

      وينحصر غرض الشركة في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية، التي تدخل في اختصاصات الجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية باستثناء تدبير الملك الخاص للجهة

خاتمة:

      إن استناد فلسفة سياسة التدبير اللامتمرکز للاستثمار على الجهة لم يعطي النتائج المرجوة . ويرجع السبب في ذلك أن الجهة في ظل القوانين السابقة لم تعطى لها المكانة المستحقة في أن تصبح فاعلا اقتصاديا واجتماعيا إلى جانب الدولة، بل بقيت السلطات المركزية تحتفظ بجزء كبير من الاختصاصات المهمة.

       ومن هاته المنطلقات ، فلابد الانتقال من سياسية التدبير اللامتمركز إلى سياسية التدبير الجهوي لضمان الفعالية في مجال تدبير الاستثمار على المستوى الجهوي ، ليتم الحسم مع إشكالية تعدد الفاعلين ، بل الازدواجية في الأدوار جراء التشابه في الصلاحيات والتدخلات .



1-      [1]  خالد الغازي : " التدبير اللامتمرکز للاستثمار والمفهوم الجديد للسلطات " ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المغربية والتنمية ، سلسلة         " نصوص ووثائق " ، عدد 66 ، 2002 ، ص : 37 ,

 

[2]  رضوان السنباك : " التدبير اللامتمرکز للاستثمار ورهان التنمية " ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة عبد المالك السعدي ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة ، 2006 2007 ، ص : 94

[3]  محمد أنور : " الجهة والاستثمار : أية ازدواجية وأية حصيلة " ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 74 2007 ، ص : 129


 

عن الكاتب

agadirnews

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

دروس القانون