المؤشرات والأجهزة المكلفة بممارسة مبدأي الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة

 

المؤشرات والأجهزة المكلفة بممارسة مبدأي الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة

المطلب الاول׃ الأجهزة المكلفة بتطبيق مبدأي ربط المسؤولية بالمحاسبة

تمثل عمليات مراقبة الأجهزة العمومية واحدة من اهم مقومات المراقبة البعدية للفعل العمومي في التجربة المغربية، فبدلا من الاقتصار على مراقبة شرعية التصرفات الإدارية والمالية لمدبرين العموميين، تسعى هذه المراقبة إلى مراقبة مدى جودة تسيير الاجهزة العمومية بالنظر إلى الأهداف التي تسعى إليها هذه الأخيرة. وتمثل أنشطة المجلس الاعلى للحسابات في مجال مراقبة التسيير وكذا مهام الافتحام والتدقيق الممارسة من قبل المفتشية العامة للمالية أهم تجل لهذا النوع من المراقبة.

 

الفقرة الاولى׃ المفتشية العامة للمالية ومحدوديتها

1-المفتشية العامة للمالية׃

تعتبر المفتشية العامة للمالية هيئة عليا لتفتيش أحدثت لدى الوزير المكلف بالمالية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.269 والمؤرخ 14 ابريل 1960

ويقوم مفتشو المالية بإجراء سائر الأبحاث والتحريات التي يرونها ضرورية وطلب الإيضاحات من المصالح التي يجري عليها التدقيق وكذا المستخدمين دون أي تعرض او تعليل بالسر المهني.

ويمكن ادراج مهام المفتشية العامة للمالية والتي تدخل ضمن الرقابة الإدارية للمال العام الى׃

-اجراء تحقيقات بخصوص مصالح الصندوق ومحاسبة النقود والمواد التي يمسكها المحاسبون العموميين

-رقابة تسيير الامرين بالصرف وبصفة عامة مستخدمي الدولة والجماعات الترابية.

-مراقبة تسيير المؤسسات والمنشئات العامة وكذا جميع الأشخاص الماديين والمعنويين المستفيدين بصفة مباشرة او غير مباشرة من دعم مالي من طرف الدولة او الجماعات الترابية او المنشآت العامة.

-تدقيق وابداء راي حول مشروعية وصدق العمليات المتعلقة بحسابات المشاريع الممولة من طرف الحكومات او الهيئات المالية الدولية والجهوية.

-القيام بتقييم البرامج والسياسات العمومية بطلب من رئيس الحكومة او من طرف أعضاء الحكومة.

وقد تمكنت المفتشية العامة للمالية من ׃

-انجاز ما يفوق 680 تقرير حول تدقيق حسابات المشاريع الممولة من طرف هيئات مالية دولية وجهوية.

-توجيه أكثر من800 ملف الى المجلس الأعلى للحسابات وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 57 من القانون 62-99 بمثابة مدونة المحاكم المالية.

-إحالة 22 تقرير على السلطة القضائية في إطار محاربة جرائم الأموال منذ سنة 2002.

تكوين 120 مفتشا ينتمون الى 32 مفتشية عامة وزارية في ميدان التدقيق و 112 مدقق ينتمون الى الخزينة العامة و50  قاضيا متخصصا في الجرائم المالية .

2-محدودية المفتشية العامة للمالية ׃

رغم الإمكانيات والسلطات الواسعة التي تتمتع بها المفتشية العامة للمالية والتي  تسمح لها بالتدخل في كل العمليات الخاصة بتدبير الأموال العمومية و تنظيم أوجه الاتفاق العام في سائر الإدارات و المرافق العمومية فإنها تبقى محدودة على المستوى العملي وذلك نتيجة׃

غياب الاستقلالية׃ ان تبعية المفتشية العامة للمالية لوزارة المالية قد يؤدي لمحالة الى تقويم دورها الفعلي في مراقبة هذه الوزارة و المصالح النابعة لها. مما يؤثر على دورها في التأكد من ان المشروع المالي والعامليين فيه يسيرون في الاتجاه المرسوم والبحث عن الانحرافات والأخطاء ومعالجتها ومنع الفساد والتلاعب بالمال العام الذي قد يصيب هذه الوزارة او المصالح التابعة لها.

-المساس بقاعدة السرية׃خول المشرع المغربي لوزارة المالية اختصاص تحديد نظام عمل المفتشية العامة للمالية بعد اقتراح يتقدم به المفتش العام ويكون بذلك قد اثر في نفس الوقت مراقبة تنفيذ العمليات المالية المتعلقة بوزارته وهذا يعتبر مساسا بقاعدة السرية التي يجب ان تخضع لها جميع المصالح و المؤسسات العمومية دون استثناء فوزير المالية هذا يصبح مقررا لخطة التفتيش فيما يخص وزارة المالية وكذلك موضوعا للمراقبة مما يستحيل معه المحافظة على القاعدة المباغتة مادام هو الذي سيسمح بإدراج او عدم ادراج وزارته او المصالح التابعة له لمراقبتها.

كما تمنح هده التبعية لوزارة المالية درجة متفوقة على باقي الوزارات فهي التي تحدد المصالح والوزارات الممكن ادراجها في لائحة التفتيش لهذا يحظى وزير المالية بمكانة قوية امام باقي الوزراء كأمرين بالصرف الرئيسيين.

فهذا الدور المزدوج لوزير المالية باعتباره آمرا بالصرف لوزارة المالية، وكذلك بيئة متحكمة في جهاز التفتيش المالي، يؤثر عمى المفتشين أثناء مزاولتيهم لمهامهم، ويجعل من رقابتيهم لهذه الوزارة شكلية وبعيدة عن الهدف والإطار القانوني الذي حدد اختصاصات ومهام المفتشية العامة للمالية. إن هذا الدور الذي يتمتع بو وزير المالية في مقابل هذا الجهاز يعد نقطة سلبية في مساره مما يستوجب على المشرع أن يرفع عليه هذه الوصاية، و يقوم بإلغاء علاقة التبعية الإدارية بين المفتشية العامة للمالية ووزارة المالية، كما وقع بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات.-

غياب سلطة الزجر: لقد سلك المشرع المغربي، نهجا مغايرا عن الذي اتخذه المشرع الفرنسي، فيما يخص مسألة تمكين هذا الجهاز من اتخاذ الإجراءات العقابية و الزجرية في  حق الخارجين عن القواعد القانونية، بحيث ان التشريع الفرنسي يسمح للمفتشين بحق  توقيف المحاسب العمومي إذا أضر بالمال العام، أما فيما يخص التشريع المغربي فإنه يكتفي في مثل هذه الحالات بإحالة محضر المفتشية العامة الذي يدين الموظف أو المراقب إلى الجهة المختصة، و المتمثلة في الرئيس الإداري المعني لمطالبته بتوقيفه، ويختص الوزير باتخاذ القرار المناسب في حق المخل بالمساطر القانونية المتبعة في مادة تنفيذ العمليات المالية.

فإذا عدنا إلى الفصل الخامس من ظهير 14 أبريل 1960 المنظم للمفتشية العامة للمالية نجده يفيد بأنه في حالة مخالفة جسيمة يرفع المفتش تقريره إلى المفتش العام، وللجهة التي تتوفر على السلطة التأديبية في حق المحاسب، وبالتالي يمكن إصدار عقوبات في حق المخل بتنفيذ العمليات المالية، إلا أنه وفي نفس الوقت نجد أن النص قد سكت عن بيان المسطرة الواجب اتباعها في حق الآمرين بالصرف في حالة مخالفتهم للقانون وللمشروعية و الجدير بالذكر أن حرمان المفتشية العامة للمالية من سلطة الزجر والعقاب و اكتفائها في أقصى الحالات باقتراح التوقيف المؤقت في حق المحاسب العمومي المخطئ، و الذي لا يتعدى شهر شريطة موافقة السلطة الرئاسية، يؤثر بدوره عمى المراقبة التي يقو م بها المحاسب العمومي على الآمر بالصرف الرئيسي، و يجعله متخوفا من هذه المراقبة التي قد

تطاله في يوم من الأيام و العقوبات الزجرية التي قد تلحقه من الآمر بالصرف الرئيسي في حالة رفضه التأشير على أوامره، فالمحاسب يحس رغم مبدأ الفصل بين الآمرين بالصرف و المحاسبين العموميين، أنه تحت رحمة الآمر بالصرف في حالة وقوعه في الخطأ أو  المخالفة، لهذا فهو نفسيا مرتبط بو و تابعا له.

الفقرة الثانية : المجلس الأعلى للحسابات و محدوديته

المجلس الأعلى للحسابات׃

بمقتضى القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 15 غشت 2002 يراقب المجلس تسيير الاجهزة الخاضعة لرقابته، لأجل تقدير هذا التسيير من حيث الكيف والإدلاء، عند الاقتضاء، باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته.

ويتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة الرقابة العليا و يتحقق من سلامة العمليات المتعمقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لتنفيذ قوانين المالية ولمراقبته، و يقدم مساعدته للبرلمان في مجال مراقبة المالية العامة، كما يكون ملزما برفع تقرير سنوي للملك يتضمن بيان عن جميع أعماله وقد سعى المغرب من خلال تحديث ترسانته القانونية من وضع المجلس الأعلى للحسابات في مقام مؤسسة دستورية استنادا لظهير 14 شتنبر 1979 ليتم تخصيص الباب العاشر من دستور 2011 للاستفاضة في توضيح عمل هذا المجلس. هذا وقد تم بالإضافة إلى هاته النصوص إصدار تشريعات مكملة تمكنها من الممارسة الفعلية الاختصاصات ها وبسط رقابتها على كل الجهات و نعني بذلك، قانون رقم 99-62 المتعلق بإحداث المحاكم المالية و الذي صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 غشت 2002 و تنقسم اختصاصات هذا المجلس إلى اختصاصات׃

1-الاختصاص الإداري للمجلس الأعلى للحسابات׃حسب المادة51 من مدونة المحاكم المالية فييتم هذا المجلس بتقييم تسيير الأجهزة الخاضعة لرقابته، من حيث تحقيق الأهداف المسطرة وتكاليف وشروط اقتناء و استخدام الوسائل المستعملة، مع تقديم  اقتراحات من شأنها دعم فعالية و مردودية مناهج التسيير.

وكذلك فإن مدونة المحاكم المالية أسندت للمجلس مهام جديدة على مستوى مراقبة استعمال الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات باستثناء تلك الواردة في المادة 76 وكذا مراقبة الأموال التي تجمع عن طريق الدعوى إلى التبرعات العمومية، ويتولى كذلك المجلس تقديم مساعدة للبرلمان من خلال رده على طلبات التوضيح المعروضة عليه من قبل رئيسي 26 غرفتي البرلمان عند دراسة تقرير المتعمق بتنفيذ قانون المالية والتصريح العام بالمطابقة.

2-اختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات: يهتم الاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات بين النظر في حسابات المحاسبين العموميين واختصاصهم في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ويتعلق الاختصاص الأول بالتحقق من مشروعية العمليات المالية للمحاسبين العموميين لدى الدولة، كما يخضع لهده الرقابة جميع الموظفين المسؤولين عن تحصيل أو أداء أموال عامة أو الالتزام بنفقات عامة. أما الاختصاص الثاني فيتولى هذا المجلس مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية و ذلك أثناء خرق الأشخاص الخاضعين لهذا النوع الرقابي للقواعد المؤطرة لمجال الإجراءات المتعمقة بالميزانية والشؤون المالية وهو ما أشارت إليه المادة 57 من مدونة المحاكم المالية.

2-محدودية المجلس الأعلى للحسابات׃

يعاني المجلس الأعلى للحسابات من عدة عوائق و إكراهات تحول في مجملها دون قيامه بالمهام المنوطة به على أكمل وجه، ويتسم أدائه الرقابي بضعف بين على عدة مستويات׃

الاكراهات القانونية للمجلس׃ترتبط بمسألة غياب النصوص التطبيقية في شكل مراسيم مثلا   للقانون رقم 79-12 المحدث للمجلس الأعلى للحسابات، مما جعل تبيان العديد من الإشكاليات يكتنفها اللباس والغموض والبطء و التعقيد المتعمقة بمساطر الفحص والتحقيق.

 

 

نجيب جري، الرقابة المالٌة بالمغرب بن الحكامة المالٌة و متطلبات التنمية، منشورات مجلة الحقوق المغربة، طبعة 2012 ، صفحة 100 حركات، ما لحظات منهجه حول مشروع مدون المحاكم المالٌة، المجلة المغربة للتدفق و التنمٌة،عدد5 دجنبر 2000، الصفحة نجيب جري، الرقابة المالٌة بالمغرب بٌن الحكامة المالٌة و متطلبات التنمية، منشورات مجلة الحقوق المغربٌة، طبعة صفحة99

 

   

      

                                                                                     20

 

ومن هذا المنطلق يتوجب تجاوز هذه الثغرات القانونية خاصة في إطار المرحمة الجديدة التي ستواكب تنفيد القانون رقم 99-62 المتعمق بمدونة المحاكم المالية، وذلك بإصدار مختلف النصوص التطبيقية المرتبطة بهذا القانون.

ضعف الموارد البشرية والمالية للمجلس الأعلى للحسابات׃اتسمت تجربة وحصيلة المجلس الأعلى للحسابات في شموليتيها من حيث الأداء والمردودية بالضعف والقصور، وذلك راجع إلى ضعف والنقص الذي عارفه الموارد البشرية سواء من حيث الكم أو النوع.

أما أسباب هذا الضعف البشري الذي تعرفه الهيئة فيعود من جهة إلى عدم قدرتها على استقطاب أطر جديدة متنوعة و الى  ضعف الرواتب والتعويضات ، كما أن المتتبع لوضعية التوظيف بالمجلس الأعلى للحسابات، خاصة التأليف الأولي للمؤسسات حيث اتسم بالثنائية، ذلك أنه تم إدماج موظفي المجنة الوطنية للحسابات، و الحاق مجموعة لا يستهان بها من موظفي وزارة المالية للسهر على تأطير القضاة الذين ولجوا المؤسسة عن طريق المباراة الوطنية.

وقد ساهمت هذه العوامل في بروز ظاهرة عدم استقرار الجهاز من حيث الموارد البشرية وذلك أن نسبة من القضاة غادرت هذه المؤسسة بحثا عن وضعية مادية و ادارية أكثر ملاءمة خارج هذه الهيئة.

أما الإمكانيات المادية المرصودة للمجلس الأعلى للحسابات والتي اتسمت بالضعف لم تسمح للجهاز بممارسة اختصاصاته بشكل فعال، وانعكس ذلك سلبا على مردودية وانتاجيات  الجهاز بصفة عامة، هذا الأمر حال دون اعتماد المجلس منذ البداية عمى إمكانيات التدبير الحديثة و التي تستوجب اللجوء والاستعانة بتقنيات المعلومات أو الحاسوب كأسلوب حديث لمواجهة متطلبات افتحاص والرقابة، وحتى يتم الحصول عمى النتائج المرجوة في الوقت المناسب.

وتعود أسباب الضعف إلى آليات التحديث و الى عوامل موضوعية ربما قللت من اعتماد الرقابة بواسطة الحاسوب، أهمها تخلف وضعف المجلس ذاته بالمقارنة مع الأجهزة الخاضعة للمراقبة، و الضعف المرتبط بالتكوين في الميدان المعلوماتي.


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق