الجهوية المتقدمة
الإطار العام
التاريخي و لمفاهيمي للجهوية الموسعة
تزايد الاهتمام
بالجهوية بشكل بارز في توجه الدول سواء المتقدمة أو النامية، بحيث أصبح الاهتمام بها
أحد المقومات الأساسية في سياساتها العامة. إد جاءت لتجاوز الاختلالات التاريخية
المتمثلة في تركز الأنشطة الصناعية في بعض الجهات والمدن، وللتخفيف من
المركزية الشديدة التي كانت تعاني منها بعض الأنظمة، ولاسيما
الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية كألمانيا وإيطاليا، ولخلق عدالة اجتماعية في
الدول النامية بعد أن استفحلت الظواهر الاجتماعية التهميش-الفقر الظلم الاجتماعي
بكل تجلياته، وتفاوتت الفوارق المجالية بين المناطق الغنية جدا والمناطق الفقيرة جدا والمضطهدة.
وينطبق هدا الوصف بمختلف أبعاده وتجلياته على المغرب الذي عانى الأمرين
من أجل محاولة الخروج من هدا الوضع الذي هدد استقرار الدولة واستمراريتها.
بعد حصول المغرب على استقلاله وجد
نفسه أمام تركة استعمارية جسيمة على صعيد الفوارق الجهوية على كافة
الأصعدة الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية. وبعد ما تبين العجز الواضح للإقليم
كإطار لمحو تلك الفوارق والتفاوتات حيث أن الإطار الإقليمي كوحدة جغرافية لم تعد
كافية وقادرة بأن تستعمل كحقل للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي. فظهرت ضرورة الاعتماد
على تنظيم جديد وفعال. فكانت الجهة الوسيلة الملائمة لاختيارات إعداد التراب
الوطني والتنمية الجهوية، والتي يفترض فما إن تكون وحدة ترابية قادة على
تقديم إطار للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
وإذا كان من الصعب التحدث في
مرحلة ما بعد الاستقلال إلى سنة 1971 عن المركزية الجهوية، فإن إشكالية التنمية
الجهوية طرحت من خلال المخططات عرفتها البلاد مند الستينات. واكتسبت درجات متفاوتة
من مخطط لأخر بهدف تخطي صعوبة الاختلالات المجالية وعدم التوازن بين مختلف الجهات
والمناطق.
ففي مرحلة الستينات تم تسجيل تجربتين
اعتبرتا مدخلا حقيقيا نحو ظهور تجربة المناطق الاقتصادية التي جاء بها ظهير 16
يونيو 1971، وهما: مشروع تهيئة حوض سبو، ومشروع التنمية الاقتصادية القروية للريف
الغربي، الا ان اهم العراقيل التي حالت دون تحقيق اهداف المخططات السابقة هي عدم
المعرفة بالحقائق المحلية وبالتالي ضرورة اقحام البعد المجالي لعمليات التنمية في
المخططات.
وقد صدر في هذا الاطار الظهير الشريف
بتاريخ 16/06/1971 بشان احداث الجهات الاقتصادية السبعة، كلبنة اولى لتنظيم حقيقي
للجهة في المغرب، حيث وضعها في اطار قانوني مؤسساتي مبينا وظيفتها وحدود مشاركتها
في المسلسل الوطني للتنمية، وجاء ليترجم التوجه الجهوي الذي اصبح من صميم الاختيارات
الاقتصادية للمغرب، وبالتالي اعادة تقسيم المغرب جهويا على اسس جديدة تأخذ بعين
الاعتبار المستجدات والمعطيات السوسيو- اقتصادية، خصوصا بعد ترقية الجهة الى جماعة
محلية وفق الفصل 94 من دستور 1992 والفصل 100 من دستور 1996، أصبحت في الدستور
الحالي لسنة 2011 تتصدر الجماعات الترابية، وأصبحت أيضا تحظى بمكانة الصدارة ضمن
الخطب الملكية والأنشطة الحكومية واهتمام كبير من طرف باقي هيآت الدولة سواء
الرسمية أو الغير الرسمية.
· 2 مفاهيم وأفكار توضح
المقصود بالجهوية وأهدافه
تعد الجهوية الإطار
الأنسب لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية فبعدما أظهرت الوحدات
اللامركزية التقليدية المقصود هنا الجماعات الحضرية والإطار الإقليمي – عجزها عن
استيعاب المشاكل الاقتصادية ومختلف الإكراهات التي يواجهها المجال المغرب ، ظهر
الفضاء الجهوي كإطار أوسع وملائم لمواجهة هذه الاختلافات وتحقيق التنمية ، وذلك
بالنظر لما تتيحه الجهوية من إمكانية لتجميع الثروات المتواجدة على صعيد الأقاليم
والمناطق والتنسيق بين مختلف الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية المحلية
والمخططات الوطنية، الأمر الذي من شأنه أن يحقق نموا اقتصاديا واجتماعيا لكافة
المناطق والجهات وبالتالي محاربة الاختلالات والتباينات الاقتصادية والاجتماعية .
كما أن الجهوية تعد أحد الأساليب
الإدارية التي تجعل إدارة المرافق العامة مطابقا لحاجيات الأفراد والسكان حيث أن
المجلس الجهوي المنتخب من طرف سكان الجهة يكون أدرى من غيره بحاجيات هذه الجهة
وبإدارة مرافقها الأمر الذي من شأنه أن يجعل القرارات المقترحة أكثر موضوعية
ونجاعة وفعالية لكافة المشاكل والقضايا ذات الطابع المحلي.
كما أنها – الجهوية – تعد نوع متطورا
من اللامركزية الإدارية وإحدى آليات تجسيد الحكم المحلي وتفعيل مبدأ المشاركة
الشعبية في تدبير الشؤون المحلية
· 4 أنواع الجهوية
يمكن التمييز بين ثلاث أنواع من
الجهوية اعتمادا على المرجعية القانونية التي تستمد منها وجودها، وتتمثل في:
1- الجهوية الوظيفية : حيث تعتبر الجهة فضاءا ترابيا لتيسير مهمة
محددة من مهام الدولة دون أن يقتضي الأمر تمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلالية
الذاتية.
2- الجهوية الإدارية :
وينبغي الفصل داخلها بين الجهوية الإدارية اللامركزية (تكون الجهة وحدة ترابية
متميزة عن السلطة المركزية- للتوضيح أكثر -) والجهوية الإدارية مع عدم التركيز (في
هذه الجهوية تكون الجهة عبارة عن مقاطعة إدارية خاضعة للسلطة الرئاسية للمؤسسات المركزية).
3- الجهوية السياسية3 : تتبوأ في ظلها الجهة بمرتبة سامية داخل تنظيم الدولة، فالجهة (في
الجهوية السياسية) تتقاسم مع السلطة المركزية جملة من الوظائف السياسية خاصة في
الميدان التشريعي والتنظيمي، والتي تحددها الوثيقة الدستورية، وتمثل الجهوية
السياسية أعلى مستوى من مستويات اللامركزية الترابية دون الوصول إلى الدولة الفدرالية.
· 4 الجهوية
الموسعة في الخطب الملكية :
+ الخطاب المرجع للجهوية
الموسعة بالمغرب: خطاب 6 نونبر 2008
تشكل الجهوية الموسعة مرجعية
شبه دائمة في الخطب الملكية، إلا أن خطاب 6 نونبر 2008 يعد مرجعية أساسية إذ يحدد
تصورا مفصلا إلى حد ما للجهوية المتقدمة أو الموسعة، ويؤكد صاحب الجلالة في هذا
الخطاب على ما يلي:" لذلك قررنا بعون الله فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات
المتواصلة الشاملة التي نقودها بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق
المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية... "، وهكذا يشير الخطاب الملكي
إلى مفاهيم وعبارات يمكن الاستناد إليها لتحديد المعالم الكبرى للجهوية المرتقبة:
" الجهوية المتقدمة والمتدرجة "، " التدبير الديمقراطي للشؤون
المحلية "، " جهوية موسعة وملائمة "، " إصلاح هيكلي عميق
"، " استحضار دور المؤسسات الدستورية "، " تقسيم
ناجع "، " نظام فعال لإدارة لا ممركزة يشكل قطيعة مع
المركزية المتحجرة"، " إصلاح مؤسسي عميق "، " ورش هيكلي
كبير"، " نموذج مغربي لجهوية متقدمة"...
ويتحدث هذا الخطاب أيضا عن مبادئ
توجيهية أساسية: " مبادئ الوحدة والتوازن والتضامن" التي تسعى إلى تحقيق
ثلاثة أهداف: " ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل
التنمية الجهوية المندمجة".
+ خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية
للجهوية: خطاب 5 يناير 2010
جاء خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية
للجهوية ليدقق شيئا ما في التوجيهات، حيث اعتبر أن بلورة الجهوية يتعين أن تقوم
على مرتكزات أربع:
* 1-التشبث بمقدسات الأمة وتوابثها في
وحدة الدولة والوطن والتراب، فالجهوية الموسعة يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا
للتميز المغربي الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية المنصهرة في هوية وطنية موحدة-حسب
الخطاب الملكي-
* 2-الالتزام بالتضامن، إذ لا
ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات...
* 3-اعتماد التناسق والتوازن في
الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات
المحلية والسلطات والمؤسسات...
* 4-انتهاج اللاتمركز الواسع الذي لن
تستقيم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجحة قائمة على التناسق
والتفاعل.
- المهام التي أوكلت للجنة الاستشارية
للجهوية من قبل الملك في خطاب 5 يناير 2010:
يكمن دور اللجنة الاستشارية في تحديد
مكونات هذه المفاهيم والنظريات والعبارات المركبة التي تعمدت وضعها بين مزدوجتين،
والتي تبقى، على أية حال، عامة في مبادئها. فهذا الجهاز الاستشاري كان مدعو لتحديد
تصور عام للجهوية يسمح للمغرب بالانتقال من تنظيم إداري مبني على مركزية مفرطة أو
" مركزية متحجرة " حسب الخطاب الملكي " إلى نظام يتأسس
على " الحكامة الجيدة المحلية " و " المقاربة الترابية "، أي
نظام إداري جديد يشبه إلى حد كبير الأنظمة المطبقة في الدول الجهوية كإسبانيا
وإيطاليا...