ما المقصود بالسياسات العامة كموضوع
بفعل تنامي الدور ألتدخلي للدولة الحديثة أدركت الحكومات المعاصرة على تباين أنظمتها السياسية و اتجاهاتها الإيديولوجية أنها بحاجة إلى إطار تقني و معرفي لحل مشاكلها و الاستجابة للمطالب المتنوعة من خلال مجموعة من الخطط و البرامج ويطلق عليها السياسات العامة . إنما يميز السياسات العامة هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من المجتمع إن لم يكن المجتمع كله، مما يحتم الاهتمام بصياغتها أو رسمها بشكل يؤدي إلى زيادة فرص نجاحها و تحقيق المنافع المتوقعة عند تنفيذها وتقليل احتمالات فشلها إلى أقل نسبة ممكنة .وبالرغم من الاتفاق الحاصل بين الباحثين و المهتمين بهذا الحقل المعرفي بالسياسات العامة LES POLITIQUES PUBLIQUES ، فإن هناك اختلافات و تباينات واضحة حول إعطاء تعريف محدد لهذا الحقل من علم السياسة المعاصرة . ومراد هذا الاختلاف إلى كون مسألة الاهتمام بدراسة السياسات العامة، تنبع بالنسبة للبعض من مجرد الرغبة العلمية , و الفضول المعرفي في فهم كيفية اشتغال الدولة الحديثة كالة سياسة , في حين يرتبط بالنسبة للبعض الأخر لضرورات بتحسين نشاط الأجهزة الإدارية و السياسية لهذه الدولة والرفع من مردودية هذه الدولة
نحن إذن أمام تصورين مختلفين , بدرجة أو بأخرى حول تحديد المقصود بالسياسات العامة , يتعلق الأمر بوجهات نظر الباحثين الأكاديميين من جهة , والفاعلين الحكوميين من جهة ثانية.
1-السياسات العامة كنشاط للفاعلين:
فبالنسبة لوجهة نظر الفاعلين الحكوميين، السياسات العامة لها معنى ضيق جدا , حيث يتعلق الأمر بالانشطة التي تقوم بها بشكل أو بأخر، الأجهزة الحكومية من خلال البحث عن الحلول المطروحة أو المتوقعة بالنسبة تنسق سياسي أو LES PROBLEMES للمشاكل,SOLUTION إداري معين خلال لحظة معينة، أي أن السياسات العامة تحيل بشكل عام يعلى نشاط الحكومي أو خاصة [1](les processus décisionnels).القرارية القرار العام أو بتعبير أدق المسلسلات على المستوى المركزي.
2-السياسات العامة كاهتمام للباحثين:
أما بالنسبة للباحثين القلائل الدين اهتموا بدراسة السياسات العامة، فان ملاحظة بهدا الصدد هو هدا التنوع الهام في فهم وتحديد ماهية السياسات العامة، وفي هدا الإطار تجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين المحاولات المتعثرة للباحثين الفرنسيين حيث مازالت هذه العبارة ،غير متداولة على نطاق واسع [2] ،بفعل هيمنة المقارنة القانونية /الوصفية للدولة ،وبين التحديد الذي أعطته المدرسة الأمريكية، باعتبارها تبقى سباقة في هذا المجال. حيت تربط السياسات العامة ب "كل ماتختاره الحكومات القيام به وعدم القيام به "أي كل الأنشطة المرتبطة بالعمل الحكومي) (le travail gouvernemental
هذا التصور كان له بدون شك أثرا واضحا على محاولات الباحثين الفرنسيين الرامية إلى تحديد المقصود بالسياسات العامة حيث نصادف التعريف التالي: "دراسة السياسات العامة، ليست شيئا أخر غير دراسة نشاط السلطات العامة داخل المجتمع "أو بتعبير أخر "كل ما تقرر السلطات السياسية والإدارية القيام به او ماتقوم به فعليا"
ومع ذلك فان ما يلاحظ
على كل محاولات تعريف السياسات العامة ،هنا هو اختزال هذه الأخيرة في نشاط عينة
ضيقة جدا من الفاعلين أنها فئة الفاعلين الحكوميين، مقابل تهميش العديد من
المتدخلين الآخرين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ،ظاهرة أو خفية في إعداد
وتطبيق وتوجيه القرار العام، باعتباره النواة المركزية لكل سياسة عامة، يتعلق الأمر
هنا ،على سبل المثال لا الحصر بالأحزاب السياسية والنقابات المهنية ،وجماعات
المصالح ،وكثل الضغط والرأي العام والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات النقدية
والمالية الدولية الخ.
أمام هدا القصور و التحفظ الذي ظل يعتري مفاهيم وتصورات الرعيل الأول من الباحثين
المهتمين بدراسة السياسات العامة، مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي، خاصة في
فرنسا، ظهرت محاولات لاحقة، تحاول تعريف السياسات العامة ، انطلاقا من موضوعها
وليس فقط انطلاقا من طبيعة و نوعية الفاعلين المتدخلين في سيروراتها . وفي هدا
السياق ظهرت محاولات تركز على ثنائية المشاكل [3]والحلول[4]
مستعينة في مجملها على التراكمات المعرفية والنظرية للتصور النسقي الهام، والذي
أسسه وطوره Destin
وآخرون.
أ-فبالنسبة للباحثين، الذين حاولوا تعريف السياسات العامة، انطلاقا من المشكل أو المشاكل المطروحة، أو التي قد تطرح مستقبلا، على نسق سياسي معين، خلال مرحلة معينة، من خلال محاولة الإجابة عن السؤال التالي ماهية الوضعيات التي تستدعي تدخلا حكوميا؟. حيث يمكن اعتبار السياسات العامة بمثابة أنشطة تستجيب لإكراهات أو مطالب تأتي غالبا من المحيط العام أو الخاص للنسق، أي تلك المتعلقة بضرورة التدبير صراعه و مصالح أو مرجعيات الفاعلين وكذا المستفيدين من هذه السياسات العامة.
فالمشكل أأو المشاكل التي يسعى الفاعلون الى إيجاد حلول لها، ضمن مناخ من الصراعات و الإكراهات، تشكل في الواقع مؤثرات قادمة من المحيط الخارجي أو الداخلي للنسق السياسي، و يكون لها بالتالي دورا أساسيا في إعداد و تطبيق و تقييم القرارات العامة، أي الحلول المقترحة، من هذا المنطلق فإن السياسات العامة تتجاوز نشاط الفاعلين أنفسهم، ليصبح النسق ككل موضوعا لسياسة عامة معينة، فمثلا قد تفرض المشاكل المرتبطة بضرورة تحسين أداء فعالية نسق سياسي معين إحداث أو حذف وزارة أو إدارة معينة أو نقل سلطات و اختصاصات معينة من المركز نحو الهيئات المحلية. إلخ
ب- أما بالنسبة للدارسين الذين اهتموا بتحديد و تحليل السياسات العامة انطلاقا من التركيز على الحلول المطلوبة للاستجابة للمشاكل التي قد تعتري النسق السياسي، فإن السؤال المركزي الذي تتمحور حوله هذه المحاولات هو: ما الغاية من وراء نشاط سياسي أو حكومي معين؟
و في هذا الصدد تصبح السياسات العامة "" لا تحيل فقط على مجموعة القرارات السياسية أو الحكومية المترابطة التي يتخذها فاعل أو مجموعة من الفاعلين السياسيين أو الإداريين، بل كذلك على كيفية اختيار و انتقاء الأهداف و الوسائل، و كذا الكيفيات الرامية الى تحقيق الحلول السياسية و التقنية للمشاكل المطروحة[5] و تقييم فعالية نتائجها
لذلك و إذا ما حاولنا أن نأخذ بعين الاعتبار هذين البعدين الأساسيين في التحليل النسقي للقرار العام فإن عبارة السياسات العامة، تتجاوز هنا إطاره التقني الصرف، لتصبح فضاءا بجمع الأفكار و القيم و الرموز و المعتقدات التي يتم من خلالها اتخاذ قرار معين : أي المرجعية [6] حيث نكون أمام سياسة عامة لكلما سعت سلطة سياسة وطنية أو محلية إلى تسيير البنية الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية لباقي الفاعليين من خلال برنامج منسق للفاعليين من خلال برنامج منسق للفعل و ذلك أما ضمن منطق قطاعي جزئي أو ما بين قطاعي كلي[7]
[1][1][1] J.Luca et M.Grawitz (Sous dir.) /Traite de science politique /vol.IV.ed puf, Paris(1985).in introdition.
[2][2] P.muller /les politiques publiques/.edpuf que-sais je .parais(1991) in introduction
ibid
[3]فانسون لوميو / دراسة السياسات العامة:الفاعلون وسلطتهم / (ترجمة خالد فريد)، مراجعة د عبد المالك احزرير، منشورات كلية الحقوق/،سلسلة الكتب،مراكش(2005)،ص47.ة
[4] نفس المرجع،ص49.
[5] P.Muller Les politiques publiques Op.cit
[6] P Muller Les politiques publiques op cit