التأطير الدستوري لمبدأ التدبير الحر
التأطير الدستوري لمبدأ التدبير الحر
بداية، لابد من الإشارة إلى أن التأطير الدستوري لمبدأ التدبير الحر تتجاذبه نظريتان أساسيتان . تختلفان من حيث كيفية تصور مضمونه وسبل ممارستها وكذا من حيث أشكال ضمانه وتحصينه عبر اللجوء إلى القضاء ولا شك أن السبب الأساسي للخلاف بين هاتين النظريتين يكمن بالأساس في اختلاف نظرة كل منهما إلى إمكانية تمتع الأشخاص المعنوية عامة بشكل عام، والجماعات الترابية بشكل خاص بالحقوق والحريات الأساسية على شاكلة ما هو متعارف عليه بالنسبة للأشخاص الطبيعية. التي يعتبر تمتعها بتلك الحقوق أمرا بديهيا ومفروغا منه.
وهكذا فإن تمتع الشخص المعنوي بالحقوق و الحريات الأساسية يبقى حسب إحدى النظريتين أمرا تمليه اعتبارات اللامركزية 1 وتمثيل الجماعة البشرية2 إلى الحد الذي صار الاعتراف للجماعات الترابية بحقها في تدبير شؤونها بشكل مستقل أمرا مفروغا منه3 ويمثل مند مدة طويلة 4 رديفا للحرية الجماعية5 أو للحرية المحلية6 . ويترتب عن تبني وجهة النظر هاته الإقرار بحق تلك الجماعات في اللجوء مباشرة إلى القاضي الدستوري ودلك قصد استفتائه حول مدى شرعية التدخلات التي ترى أن من شأنها المساس بحقها الاساسي7 في تدبير شؤونها بشكل حر والإخلاء بمضامينه الأساسية.
هدا وقد تبنت هاته النظرية جملة من الأنظمة القانونية، كالمانيا8 وايطاليا و اسبانيا والنمسا والبرتغال9 حيث اتفقت جميعها على دسترة مبدأ التدبير الحر والارتقاء به إلى درجة الحق الأساسي الذي تتمتع به الجماعات الترابية وتحوز حق الدفاع عنه أمام القاضي الدستوري.
أما حسب النظرية الأخرى فإن تمتع الأشخاص المعنوية بالحقوق الأساسية يبقى مثار خلاف وجدل عنى اعتبار أن تلك الأشخاص لا يمكن تخويلها التمتع بكافة الحقوق المعترف بها للأشخاص الطبيعي فان لاعتراف المنظومة القانونية الفرنسية 10 للأشخاص المعنوية العامة بجملة من الحقوق الاساسية لا يمكن ان يستخلص منه اللجوء إلى القاضي الدستوري قصد الدفاع عنها. كما لا يجوز معه الحديث عن حق دستوري متكامل على الطريقة التي تتبنها النظرية الاولى .
فاجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي قد اقر مثلا بدستورية الحق في المساواة بالنسبة لعدد من الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانونين الخاص والعام على حد سواء. ويتعلق الآمر على الخصوص بالجمعيات والنقابات والشركات والمؤسسات التعليمية الخاصة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، علما أن الدستور الفرنسي لا يعطي لهاته الأشخاص المعنوية الحق في اللجوء مباشرة إلى القاضي الدستوري.
إن التدبير الحر بهذا المعنى الأخير، وان سلمنا بكون تم تضمينه في صلب الوثيقة الدستورية مما يجعله في مرتبة قانونية سامية لكن ليس حقا أساسيا بقدر ما هو مبدأ من المبادئ المنظمة للدولة التي يتفرغ عنه جملة من الحريات والحقوق لأخرى، فلا مجال والحالة هاته إلى القول بتوفر الجماعات الترابية على أي أمكانية للمطالبة القضائية المباشرة بحماية حقها في التدبير الحر، كما لا سبيل لديها لهذا الغرض سوى العمل على تجنيد إحدى القنوات التقليدية للدفاع عن استقلاليتها على المستوى التدبيري أمام القاضي الدستوري .
فالتدبير الحر حسب هدا الرأي مفهوم ملتبس 1و متطور 2وغير دقيق 3.ولا يعدو أن يمثل مجرد ضمانه من الضمانات الدستورية التي تكرس فصلا للسلط على العمودي بين الدولة من جهة أخرى والجماعات الترابية من جهة أخرى على شاكلة ضمانة فصل السلط على المستوى الأفقي التي تؤمن فصلا للسلط بين مختلف أجهزة الدولة تشريعية وتنفيذية وقضائية 4
فالتدبير الحر حسب هدا الرأي مفهوم ملتبس1 ومتطور 2 وغير دقيق3 ولا يعدو أن يمثل مجرد ضمانة من الضمانات الدستورية التي تكرس فصلا للسلط على المستوى العمودي بين الدولة. من جهة والجماعات الترابية من جهة أخرى على شاكلة ضمانة فصل السلط على المستوى الأفقي التي تؤمن فصلا للسلط بين مختلف أجهزة الدولة تشريعية وتنفيذية وقضائية4 . ومن ثم فان دسترة مبدأ التدبير الحر في عرف هاته المدرسة لا تغني عن اجتهاد قضائي دستوري لتنزيل مضامينه على ارض الواقع، ولتفريغ مختلف أبعاده وقيمه الأساسية
ومن هدا المنطلق. فان تقييم مبدأ التدبير الحر على مستوى المنظومة القانونية المغربية. يمر بالضرورة عبر التصدي لتنظيم الوثيقة الدستورية له. ونظرا لحداثة عهد الوثيقة الاساسية بمبدأ من هدا القبيل. لم تتم دسترته إلا مع تبني القانون الأساسي الجديد للمملكة خلال سنة 2011. واعتبارا لكون تنزيله بواسطة القوانين التنظيمية لم يتبلور حتى حدود سنة 2015. فان عدم توفر أي اجتهاد للمحكمة الدستورية إلى حدود الوقت الراهن. يتصدى لتأويله وتفسير مضامينه وأبعاده. يجعلنا أمام حتمية الاكتفاء بما ورد بشأنه في صلب الوثيقة الدستورية
ومن جهة أخرى. فان مسائلة مواد الدستور قصد تكوين فكرة واضحة على معنى مبدأ التدبير الحر وحدود تأطيره لكيفية أداء واشتغال الجماعات الترابية قد بات يستدعي في مرحلة لاحقة الانكباب على فحوى القوانين التنظيمية بهذا الخصوص والوقوف على آليات تعاطيها مع تنزيله على ارض الواقع