مفهوم نزع الملكية لأجل المصلحة العامة
إن حق الملكية أصبح حقا مقيدا وتتراوح هذه القيود بين ضمان فعاليته و كبح جناحه، وقد تناوله الدستور المغربي لسنة 2011 وأشار بأنه"يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون،"[1] مما يعني أن نزع الملكية يشكل قيدا على الملكية المطلقة، كذلك على إرادة الإدارة؛ بحيث أن الإقرار بهذه الآلية يوازيه أن تتم في إطار القانون.
سنتناول في هذا المطلب: السياق التاريخي لنزع الملكية لأجل المصلحة العامة بالمغرب ( الفقرة الأولى )، ومعنى نزع الملكية لأجل المصلحة العامة ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: السياق التاريخي لنزع الملكية لأجل المصلحة العامة بالمغرب.
تطور نظام نزع الملكية لأجل المصلحة العامة في إطار القانون الفرنسي و انتقل لعدة تشريعات منها القانون المغربي مند إبرامه لعقد الجزيرة الخضراء في 7 أبريل 1906،[2] الذي خصص الفصول من 113 إلى 119 منه لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة و اشترط لتطبيقها إثبات علاقة المنفعة العامة وأداء التعويض العادل، وميز بين كون ذوي الحقوق مواطنين مغاربة؛ وشدد في فصله 119، على أن يتخذ السلطان الإجراءات اللازمة لتفادي أي تعرض من طرفهم أو غيرهم، ونص على مسطرة خاصة لتحديد التعويض وأدائه لهم في الفصول 116و117.
بعده جاء القانون الدبلوماسي لسنة 1908، ونظرا لمعارضته من طرف مجلس العلماء بدعوى اتساع مفهوم المنفعة العامة، لم يطبق هذا النظام، وأصدر بعده الصدر الأعظم منشورا بتاريخ 1/11/1912 يفرض من خلاله على كل من اكتسب حق ملكية عقار ما، أن يطلب من الإدارة المغربية الموافقة على التصرف الذي نتج عن ذلك الكسب، مقابل التزامه كتابة بتفويت العقار المكتسب إلى المخزن كلما دعت الضرورة إلى ذلك كشرط مسبق لصحة التصرف المذكور مقابل تعويض يتفق عليه، وإلا تم اللجوء إلى مسطرة التحكيم. وبهـذه المقتضيات يكون المنشـور قد فرض بطريقـة غير مباشـرة نزع الملكية.
وفي 16/4/1914 صدر الظهير الخاص بتنظيم المدن، ونظرا للنجاح الكبير الذي لاقاه مضمون هذا الظهير فقد أسندت إلى من كان وراء صياغة مشروعه الأولي الأستاذ ج تارد G.TARDE مهمة وضع مشروع أولي لنظام نزع الملكية بالمغرب، وقد انبثق عن عمله ظهير 31/8/1914 الذي يمكن القول أنه أول قانون فعلي لنزع الملكية تم صدوره بالمغرب أقر النظام النهائي لنزع الملكية مستمدا مبادئه الأساسية من تجارب بعض الدول التي سبقت للميدان.
وقد استمر العمل بهذا القانون ما يقارب 37 سنة ليتدخل المشرع المغربي بتاريخ 3/4/1951 ويلغي مقتضيات ظهير 31/8/1914 في محاولة منه لإيجاد توازن بين مصالح نازع الملكية والمنزوعة ملكيته حيث أضاف بعض المقتضيات القانونية كضرورة استصدار الأمر بالحيازة مقابل تعويض مؤقت وتحديد صلاحية مقرر التخلي في سنتين.
وبعد مرور ما يناهز ثلاثين سنة على سريان ظهير 3/4/1951، نظم المشرع المغربي نظام نزع الملكية لأجل المصلحة العامة وبالاحتلال المؤقت في قانون خاص ومستقل صدر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.81.254 بتاريخ 6 ماي 1982 بتنفيذ القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المصلحة العامة و بالاحتلال المؤقت والذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 22/12/1980 وأعقبه بتاريخ 16/04/1983 مرسوم رقم 2.82.382 بشأن تطبيق القانون رقم 7.81[3] كما تم تعديله بالقانون58.11[4] المتعلق بمحكمة النقض، والقانون 41.90[5] المحدث بموجبه محاكم إدارية والساري المفعول مند ذلك التاريخ.[6]
الفقرة الثانية: معنى نزع الملكية لأجل المصلحة العامة.
لم يعرف المشرع المغربي نزع الملكية، لكنه أبرز في المقابل الملامح الجوهرية لهذه المسطرة في الفصل الأول من القانون رقم 7.81، حيث أشار"إن نزع ملكية العقارات كلا أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية لا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة و لا يمكن إجراؤه إلا طبق الكيفيات المقررة في هذا القانون، مع مراعاة الاستثناءات المدخلة عليه كلا أو بعضا بموجب تشريعات خاصة."[7]
أما الفقه فقد أعطى تعريفات لذلك فقد أشار محمد الكشبور بأنها،"نوع من الشراء الجبري المنصب على أموال عقارية مملوكة لواحد أو لمجموعة من الأفراد، وهذا الشراء تمارسه السلطة العامة أو من يقوم مقامها، على الرغم من إرادة صاحب الملك أو إرادة أصحابه، قصد استغلاله فيما بعد لأغراض متنوعة تتصل أساسا بالمنفعة العامة.[8]
أما سليمان محمد الطماوي فقال"ويقصد بنزع الملكية من أجل المصلحة العامة حرمان مالك عقار من ملكه جبرا لتحقيق المنفعة العامة نظير تعويض عما يناله من ضرر."[9]
وعرفه محمد فؤاد مهنا على أنه " إجراء إداري يقصد به حرمان المالك من ملكه جبرا عنه بسبب المنفعة العامة بشرط تعويضه عنه." [10]
وهذا التعريف لا يختلف عن تعريفات الفقه الفرنسي الذي يعتبر على أن "نزع الملكية لأجل المصلحة العامة هي عملية إدارية تجبر الإدارة بموجبها شخصا على التنازل لها عن ملكية عقارية لغرض المنفعة العامة وبتعويض عادل ومسبق."[11]
وبعد هذا التعريف الفقهي لمصطلح نزع الملكية لأجل المصلحة العامة لا بد من تمييزه عما يشابهه من الأساليب القانونية.
[1] المادة 35 من دستور 2011، مرجع سابق.
[2] الفصل 113 من عقد الجزيرة الخضراء
[3] القانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المصلحة العامة وبالاحتلال المؤقت، الجريدة الرسمية عدد 3685 بتاريخ 3 رمضان 1403 ( 15 يونيو 1983 ) ص 980.
[4] القانون 58.11 المتعلق بمحكمة النقض المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2 ربيع الأول 1377 ( 27 شتنبر 1957 ) بشأن المجلس الأعلى الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 ذي القعدة 1432 ( 25 أكتوبر 2011 ) الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 28 ذو القعدة 1432 ( 26 أكتوبر 2011 )، ص 5228.
[5] القانون 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، الصادر بموجبه الظهير الشريف رقم 1.91.225 الصادر في 22 ربيع الأول 1414 ( 10 شتنبر 1993 ) الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 ( 3 نونبر 1993 ) ، ص 2168.
[6] مسطرة نزع الملكية في التشريع المغربي، مجلة المختبر القانوني، الموقع الإلكتروني: http://www.labodroit.com، تاريخ الزيارة: 15.03.2020، على الساعة التاسعة مساء.
[7] الفصل الأول من القانون 7.81، مرجع سابق.
[8] محمد الكشبور، نزع الملكية لأجل المصلحة العامة: الأسس القانونية والجوانب الإدارية والقضائية، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، سنة 1989، ص 32.
سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القانون الإداري، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1975، ص 649. [9]
[10] محمد فؤاد مهنا، مبادئ وأحكام القانون الإداري، منشأة المعارف الإسكندرية، سنة 1975، ص 837.
[11] - André Delaubadere, Traite élémentaire de droit Administratif, 4eme Edition, Imprimerie Vaucon, Paris, 1967, P. 209