المحاضرة الأولى في مادة مناهج العلوم القانونية
المحاضرة الأولى مناهج )الفصل الأول (
ذ.الهلالي عبد اللطيف
تقديم :
يقتضي هدف الوصول إلى المعرفة العلمية نقلة إبستمولوجية لدى القائمين على
البحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية. هذه الرغبة لا يمكن بلوغها إلا إذا تمكن
الباحث من امتلاك وسائل البحث التي تساعده من التموقع جيدا ، ماضيا وحاضرا وحتى
مستقبلا، من البحث القانوني و الاجتماعي’ الشيء الذي يستدعي فهما واسعا لطبيعة
المعارف التي يتفاعل معها الإنسان والذي ينتجها في شتى حقول المعرفة الإنسانية
بشكل عام. ولن يتأتى له ذلك إلا من خلال الاعتماد على منطلقات تيسر له سبل الإمساك
بالبحث الاجتماعي بطريقة علمية رصينة.
وحينما نتحدث عن العلم من هذا المنطلق، فإننا نعني به التفكير بشكل معمق في
مناحي الحياة بما في ذلك الجانب الاجتماعي وهذا ما أخذته الثورة الصناعية والعلمية
التي شهد تها أوربا منذ القرن الثامن عشر. وما تلاها من بعد من توراث اجتماعية
وسياسية.
لهذا كان من تطبيق مناهج[1]
البحث العلمي ليس مجرد ضرورة أكاديمية، بل هو أصبح ضرورة حياتية للمجتمعات، لما يوفره
البحث الاجتماعي من معطيات ومعلومات حول العديد من المشاكل التي ينتجها المجتمع.
في هذا الإطار سوف نتناول هذه الوحدة من خلال دراسة نظرية تشمل الظاهرة الاجتماعية
والمعرفة الإنسانية، كمنطلق لفهم أسس المنهج الاجتماعي بمختلف تصنيفاته وخطواته ثم
الأدوات أو الآليات المستعملة من خلاله بغية الوصول إلى الحقيقة العلمية على مستوى
بناء البحث العلمي.
بداية و قبل التطرق إلى هذه النقاط تقتضي المنهجية في هذه المحاضرة الوقوف
عند بعض المفاهيم الأساسية الناظمة لموضوع الوحدة و منها على الخصوص :
-البحث العلمي :
لغة :يعني الطلب و التقصي ،و بذل الجهد في موضوع ما و جمع كل ما يتعلق به .
أصطلاحا :إختلف الفقهاء حول تعريف البحث العلمي ،نظرا لإختلاف ميادينه ،فهو
تلك الدراسة المبنية على تتبع موضوع معين و فق منهج خاص لتحقيق هدف معين .
فقها :هو الدراسة التي يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة عن طريق
جمع الشواهد والأدلة التي تمكن من التحقق من الإشكالية عبر مناهج علمية . كما أن
البحث العلمي هو ذلك النشاط العلمي و التفكير المنظم .
البحث العلمي له أهداف ،من أهمها :
-وصف الظاهرة الاجتماعية من خلال قاعدة الملاحظة بقصد تصنيفها و ترتيبها
-تفسير الظاهرة الاجتماعية بناءا على قواعد مكملة لمعرفة الأسباب المؤدية
لظهور تلك الظاهرة .
التنبؤ بالظواهر المستقبلية على ضوء تفسير متغيرات الظاهرة أو الكامنة في
الظاهرة الاجتماعية .
-الضبط و التحكم :في العوامل التي يمكن أن تؤدي الى ظواهر (مثلا ظاهرة
المخدرات في أوساط الشباب .
-إكتشاف معلومات جديدة .
-تحديد المعوقات التي تحول دون تحقيق نتائج مرضية على مستوى البحث .
-الفهم :إن الفهم هو اكتشاف طبيعة ظاهرة انسانية مع أخذ بعين الاعتبار
المعاني المقدمة من طرف الأشخاص المبحوث معهم .
-خصائص البحث العلمي :
يمكن ان نستنتج خصائص البحث العلمي من خلال التعاريف أعلاه و هي كالتالي :
-البحث العلمي بحث موضوعي
-البحث العلمي بحث تفسيري لانه يهتم بتفسير الظواهر بواسطة مجموعة متسلسلة
من المفاهيم تدعى بالنظريات .
-البحث العلمي يتميز بالعمومية في دراسة و تحليل الظواهر معتمدا في ذلك على
العينات (و العينة هي مجموعة صغيرة يشكلها الباحث من مجتمع البحث حتى تسهل عملية
الدراسة و سوف نفسر ذلك في القادم من المحاضرات )
-البحث العلمي بحث منظم و مضبوط لانه يقوم على المنهجية العلمية ،الأمر
الذي يجعل البحث العلمي أمر موثوق به في خطواته و نتائجه .
أنواع البحث العلمي : يمكن تصنيف البحوث العلمية إما على أساس :
-الطبيعة :بحوث نظرية و هذا النوع يهدف إلى التوصل الى الحقيقة و تطور المفاهيم
النظرية و محاولة تعميم نتائجها بغض النظر عن فوائد البحث و نتائجه ، ويجب على
الباحث في هذا المجال أن يكون ملما بالمفاهيم و الافتراضات من قبل الآخرين للوصول
الى المعرفة حول مشكلة معينة .
-بحوث تطبيقية : ويعرف البحث التطبيقي على أنه الدراسة التي يقوم بها الباحث بهدف تطبيق نتائجها محل المشكلات
الحالية ،و تغطي العديد من التخصصات الانسانية كالادارة والاقتصاد و التربي ....و
يهدف البحث التطبيقي الى معالجة مشكلات قائمة لدى المؤسسات الاقتصادية و
الاجتماعية .من طبيعة الحال بعد تحديد المشكلة و مسبباتها و محاولة دراستها وصولا
الى النتائج .
في واقع الامر ان هذا التصنيف بالرغم من صعوبة الفصل بين البحث النظري و التطبيقي و ذلك
راجع الى العلاقة التكاملية بينهما فالبحث بشكل عام يحمل في طياته أنواع فرعية
كالبحث العلمي الاكتشافي و يبنى بالأساس على التجربة العلمية مثلا البحوث
التاريخية
البحث التفسيري النقدي : المبني على أساس نقد الأفكار العلمية المتوصل اليها كمناقشة فكر مفكر معين
حول قضية ما
البحث الكامل :و يمس جل جوانب الموضوع بشكل كامل
البحث الاستطلاعي :يهدف الى قياس الرأي العام في مجتمع معين بالاعتماد على و سيلة سبر الآراء
و هناك كذلك البحث الوصفي و البحث التجريبي
-تعريف المنهج : هو مجموعة من العمليات الفكرية التي من خلالها يحاول الباحث في تخصص معين البحث الحقيقة ،و المنهج هو كذلك مجموعة من القواعد المستقلة عن الحمولة الشخصية للباحث (بمعنى عدم اقحام الباحث ذاته في موضوع البحث بل عليه ان يلتزم بالحياد الابستمولوجي )
و المنهج هو الطريق الذي يسلكه الباحث للوصول الى حقيقة الشيء و قد عرفه عبد الرحمان بدوي بانه :الطريق المؤدي الى الكشف عن الحقيقة بواسطة طائفة من القواعد التي تهيمن على سير العقل و تحدد عملياته حتى يصل الى نتيجة معلومة .
و يعرفه كذلك جابر عصفور بكونه :يهدف الى الكشف عن الحقيقة من حيث انه يساعدنا على
التحديد الدقيق و الصحيح لمختلف المشكلات التي يمكن معالجتها بطريقة علمية .
من خلال ذلك يمكن القول أن المنهج هو تلك الطريقة العلمية التي يتبعها الباحث في دراسته و تحليله لظاهرة
معينة او لمعالجته لمشكلة معينة وفق خطوات بحث محددة بقصد الوصول الى المعرفة
اليقينية بشأن موضوع الدراسة .
أما المنهجية :فهي مجموعة من المباديء و الطرق التي تساعد الباحث على التأكد من حقيقة
المعرفة عبر منهج معين ،فهي الجسر الذي يقطع عليه الباحث من المعلوم الى المجهول و
من مقومات المنهجية (التحليل و تقييم المعارف المتداولة أو المكتسبة ،و المنهجية
هي كذلك الدراسة العلمية لقواعد المنهج بحيث أن لكل منهج قواعده الخاصة به بقصد
التحليل .
أما المقاربة :فهي عمل فكري ذو هدف محدد يتميز بنوع من الحذر و هي طريقة للملاحظة العلمية
بشكل عقلاني
إن كلمة منهجية بالفرنسية Méthodologie مكونة من كلمتين :Méthode و
تعني المنهج وlogie و تعني علم و بذلك
فالمنهجية هي العلم الذي يهتم بدراسة المناهج و هي بذلك اشمل من المنهج ، ففي
البحوث العلمية يستخدم مفهوم المنهجية في حال الاعتماد على مجموعة من المناهج في
اطار التكامل المنهجي ، ويستعمل مفهوم المنهج في حالة الاعتماد على منهج علمي واحد
.
بخصوص محاور الوحدة
سنتناول بالدراسة كل ما يتعلق ب :
-الظاهرة
الاجتماعية من خلال مفهوم المعرفة الانسانية .
-تصنيفات المناهج
في العلوم الاجتماعية (المناهج النظرية و المناهج التطبيقية ) .
-الأدوات المنهجية و خطوات البحث في العلوم الاجتماعية والقانونية
.
بعض من المراجع التي يمكن الاسترشاد بها :
المراجع بالعربية:
-اميل دوركايم :قواعد المنهج في علم الاجتماع ’ترجمة محمود قاسم ’دار
المعرفة الجامعية ’1988
-محمد وقيدي :ماهي الابستمولوجيا ؟مكتبة المعارف للنشر و التوزيع ’1997
-عبد المالك الوزاني :مناهج علم الاجتماع ’مجموعة محاضرات ألقيت على طلبة
دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام
’كلية الحقوق مراكش’2001-2002 ’غير منشورة .
-محمد وقيدي :فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار ’مكتبة المعارف للنشر و
التوزيع ’1984
-حسن حنفي و آخرون :الهرمنوطيقا و التأويل ’دار قرطبة للطباعة و النشر
’1993
-محمد الغالي :المختصر في اسس و مناهج البحث في العلوم الاجتماعية ’المطبعة
و الوراقة الوطنية ,2012
-إبراهيم أبراش:البحث الاجتماعي قضاياه مناهجه إجراءاته ’منشورات كلية
الحقوق مراكش ’عدد 10 ’1994
-محمد الغالي :الوجيز في مناهج البحث و الهندسة العلمية للمعرفة ’سلسلة
الدراسات السياسية والقانونية و الاجتماعية ’الوراقة الوطنية ’2015
-مسعد عبد الرحمان زيدان :مناهج البحث العلمي و القانوني ’دار الكتب
القانونية ’القاهرة ’2007
-الطاهر و عزيز :بنيوية كلود ليفي ستروس ’مطبعة فضالة ’1990
-حسن فهيم :قصة الانتروبولوجيا في تاريخ علم الإنسان ’عالم المعرفة ’1986
-جبران آمنة و أحمد البخاري :القانون الإداري ’المنشورات الجامعية
المغاربية ’1993
Ouvrages en français :
-Madeleine Gravitz :Méthodes des sciences
sociales ;ed ; dalloz ;1976
-Nasri Mohamed :cours dépistimologie et Méthodes
en economies ;FSJES ;univercité caddi Ayyad ;1999