التحديد الإداري كآلية لتحصين الأملاك الخاصة للدولة

 

التحديد الإداري كآلية لتحصين الأملاك  الخاصة للدولة

إن صيانة الرصيد العقاري للدولة وحمايته من الترامي ومن الاستيلاء عليه من طرف الغير والتطاول عليه يتطلب الاسراع في تصفيته القانونية والتعرف عليه لجعله وسيلة ناجعة للتنمية، يسمح للدولة والجماعات الترابية بوضع مخططاتها التعميرية وتصوراتها المستقبلية بناء على معطيات حقيقية ثابتة ومؤكدة ، وتتحقق التصفية القانونية في هذا الإطار إما من خلال التحديد الاداري وإما من خلال التحفيظ العقاري أو منهما معا.

فيهدف التحديد الاداري سواء تعلق الأمر بأملاك الدولة الخاصة إلى التعرف على هذه العقارات وحدودها ومشتملاتها بغية تثبيت وضعها المادي والقانوني وبشكل لا يقبل الجدل والخصام، أي تطهيرها من جميع الادعاءات والمنازعات التي لم تظهر للوجود خلال الآجال القانونية إبان مراحل التحديد الاداري سواء لأملاك الدولة العامة أو الخاصة.

ورغم الحصانة التي تتمتع بها هذه العقارات بعد انتهاء مراحل التحديد الاداري ،أي بعد صدور المرسوم النهائي والمصادقة عليه، فإن المشرع خصص لها نظاما للتحفيظ العقاري لتأسيس رسوم عقارية خاصة بها ، لإشهار جميع العمليات التي يمكن أن ترد عليها بعد ذلك، غير إن إخضاع هذه العقارات لنظام التحفيظ العقاري، يجب أن يتم وفق قواعد خاصة، اعتبارا للإشهار الذي تم طيلة عمليات التحديد الاداري من طرف الأجهزة الادارية المختصة وهو ما من شأنه أن يفترض فيه توفير كافة الضمانات للحفاظ على حقوق الأغيار.

ولعل ما يبرر الخروج عن القواعد العادية المسطرة في ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 14.07 ، وإتباع هذه المساطر الخاصة لتحقيق الاشهار والتحديد اللذين تخضع لهما العقارات المعنية بهذه المساطر الخاصة.

المطلب الأول : مفهوم التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة و مساطره

إن صيانة الرصيد العقاري للدولة وحمايته من الترامي ومن الاستيلاء عليه من طرف الغير والتطاول عليه يتطلب الاسراع في تصفيته القانونية والتعرف عليه لجعله وسيلة ناجعة للتنمية، يسمح للدولة والجماعات الترابية بوضع مخططاتها التعميرية وتصوراتها المستقبلية بناء على معطيات حقيقية ثابتة ومؤكدة ، وتتحقق التصفية القانونية في هذا الإطار إما من خلال التحديد الاداري وإما من خلال التحفيظ العقاري أو منهما معا.

فيهدف التحديد الاداري سواء تعلق الأمر بأملاك الدولة العامة أو الخاصة إلى التعرف على هذه العقارات وحدودها ومشتملاتها بغية تثبيت وضعها المادي والقانوني وبشكل لا يقبل الجدل والخصام، أي تطهيرها من جميع الادعاءات والمنازعات التي لم تظهر للوجود خلال الآجال القانونية إبان مراحل التحديد الاداري سواء لأملاك الدولة العامة أو الخاصة.

ورغم الحصانة التي تتمتع بها هذه العقارات بعد انتهاء مراحل التحديد الاداري ،أي بعد صدور المرسوم النهائي والمصادقة عليه، فإن المشرع خصص لها نظاما للتحفيظ العقاري لتأسيس رسوم عقارية خاصة بها ، لإشهار جميع العمليات التي يمكن أن ترد عليها بعد ذلك، غير إن إخضاع هذه العقارات لنظام التحفيظ العقاري، يجب أن يتم وفق قواعد خاصة، اعتبارا للإشهار الذي تم طيلة عمليات التحديد الاداري من طرف الأجهزة الادارية المختصة وهو ما من شأنه أن يفترض فيه توفير كافة الضمانات للحفاظ على حقوق الأغيار.

ولعل ما يبرر الخروج عن القواعد العادية المسطرة في ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 14.07 ، وإتباع هذه المساطر الخاصة لتحقيق الاشهار والتحديد اللذين تخضع لهما العقارات المعنية بهذه المساطر الخاصة.

لم يعرف المشرع المغربي التحديد الإداري في حين عرفه الفقه بأنه مسطرة إدارية انفرادية منظمة بمقتضى القانون تهدف إلى تثبيت حقيقة الملك الخاص للدولة [1]

وتعد مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص من بين الآليات التي تهدف إلى ضبط وتثبيت الوضعية القانونية المادية للعقارات المملوكة للدولة بشكل لا يقبل النزاع و حمايتها من أي اعتداء ، وكذا تطهيرها من جميع المنازعات التي لم تظهر للوجود خلال الآجال القانونية أثناء مرحلة عملية  التحديد الإداري التي ينظمها ظهير 3 يناير 1916 [2]

و يعد التحديد الإداري مسطرة تسلكها الإدارة المختصة في شخص مدير أملاك الدولة

الخاصة أو المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، وتسعى من خلالها إلى

التثبيت النهائي لوعاء الملك الخاص للدولة أو الملك الغابوي. فالتحديد الإداري شرع لترسيم

حدود الملك الخاص للدولة سواء كان مخزنيا أو غابويا وذلك درءا لكل نزا ع محتمل [3] .

وتخضع عملية التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة والملك الغابوي لأحكام ظهير 3

يناير 1916 المتعلق بسن نظام خاص لتحديد أملاك الدولة، باستثناء العقارات المصادرة

التي تخضع عملية تحديدها لأحكام الظهير الشريف رقم.1.59.231 الصادر بتاريخ 27

ماي  1960  بشأن تحديد وتحفيظ العقارات المصادرة عملا بالمقررات النهائية الصادرة عن لجنة البحث المؤسسة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.58.103 الصادر في 27 مارس.

وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة الشمالية كانت تخضع لمقتضيات الظهير الخليفي

المؤرخ في 2 يوليوز 1935  غير أنه تم تمديد مقتضيات ظهير 3 يناير 1916 إلى

المنطقة الشمالية سابقا ب واسطة القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 20 اكتوبر 1959 ، الذي لم يلغ الصفة النهائية لجميع التحديدات التي تمت في إطار ظهير 2 يوليوز 1935

مما لا شك فيه أن عملية التحديد الإداري لا تباشر إلا بعد استنفاد العديد من الشكليات في إطار المرحلة السابقة للمسطرة محل الدراسة وذلك يرمي بالدرجة الأولى إلى الوقوف على الوضعية القانونية والمادية للعقار من خلال بحث ميداني بعين المكان من أجل معرفة موقع العقار ، طبيعته مساحته و مشتملاته و يشكل استكشافا مسبقا لعقار قبل مرور اللجنة المكلفة بالتحديد  الإداري [4] ، وكذلك أصحاب الأملاك المجاورة ، وحقوق الاستعمال المنشأة عليه .

أولا : التحديد المؤقت لأملاك الدولة الخاصة

نظم المشرع إجراءات التحديد الإداري للملك الخاص للدولة بمقتضى ظهير 3 يناير 1916 [5] حيث نص في فصله الأول " كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجرى فيه أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل إستبانة حقيقته وتعيين حالته الشرعية وذلك بطلب من إدارة الغابات والمياه أو إدارة الأملاك " .

تجدر الإشارة إلى أنه لا تستأنف مسطرة التحديد الإداري الأملاك الدولة الخاصة إلا بعد استنفاد مجموعة من الشكليات في إطار المرحلة السابقة في المسطرة محل الدراسة ، ويبقى أهم إجراء سابق لهذه المسطرة هو البحث الميداني ، ويتم هذا البحث بعد نشره في الجريدة الرسمية بمبادرة من مديرية أملاك الدولة وبتنسيق من السلطة المحلية ، وتتم هذه العملية بوضع الأنصاب من طرف ممثل الإدارة المعنية بالتحديد وبحضور المجاورين قبل مرور اللجنة الرسمية والتي تتحقق بصفة نهائية من الحدود المقترحة من طرف الإدارة ، وإن كان المشرع في إطار ظهير 3 يناير 1916 لم ينص صراحة على هذا الإجراء ، فإنه يمكن استنتاجه من مقتضيات الفصل الثالث منه والذي جاء فيه ما يلي :" يصدر قرار وزيري في تحديد كل عقار يبين فيه تاريخ الشروع في العمل وذلك بمطلب تقدمه الحكومة تذكر فيه العقار المقصود تحديده مع الأسماء التي يعرف بها و محل وجوده مع حدوده والأملاك المجاورة له والقطع الداخلة في حدوده وما عسى أن يتبعه من الحقوق و المرافق "

وهو ما لا يمكن توفره دون القيام ببحث تمهيدي مسبق يعرف بالعقار وما يحيط به ، ومن بين فوائد هذه العملية تنبيه المجاورين للعقار موضوع عملية التحديد الإداري وبالتالي دفعهم إلى إثارة تعرضاتهم المحتملة أثناء عملية التحديد الرسمية أو إبداء مواقفهم على هذه العملية ، لذا يتم التنبيه بأهمية حضورهم وأن الأشغال ليست نهائية إلا بعد خروج اللجنة مما يتطلب حضورهم بعين المكان للتغلب على بعض الخلافات التي قد تنشأ أثناء هاته العملية . [6]

ويتعين على المكلف بعملية التحديد أن يغرس الأنصاب على مسافة تتعدى بين النصب والأخر 200 متر تقريبا ، ويجب على المكلف بالعملية أن يضع تصميما تمهيديا على اساس أن يلحق بطلب التحديد مع مذكرة يبين فيها أسماء المجاورين والعلامات التي عينت بها حدود العقار الخاص بالدولة .

ويمكن القول بأن التحديد الإداري المؤقت يوفر حماية قانونية مؤقتة ومرجعية أساسية لعملية التحديد الإداري الرسمية ونظرا لإجراءات الميدانية التي تقوم بها مديرية الأملاك الدولة بتنسيق مع السلطات المحلية ، خلال فترة البحث الميداني ماهي إلا إجراءات من أجل التأكيد  على أملاك الدولة على  التي يشملها التحديد الإداري والتعرف العقارات المجاورة ليتم بعده تقديم الطلب لاستصدار مرسوم الموافقة على إجراء عملية التحديد الإداري بعد التأكد من أن الرصيد العقاري الذي تم معاينته يدخل في أملاك الدولة الخاص التي ستخضع لاحقا لمسطرة التحديد الإداري المنصوص على مقتضياته في ظهير 3 يناير 1916 .

ثانيا : إعداد طلب و الشروع في التحديد الإداري للملك الدولة الخاص

كما أسلفنا الذكر فعملية التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة لا يتم الشروع فيها إلا بعد القيام بتحديد

مؤقت يكون الهدف منه تجميع المعلومات عن العقار المراد إخضاعه لعملية التحديد الإداري.

وينشر هذا البحث بمبادرة  من مديرية أملاك الدولة بالجريدة الرسمية [7] وبعد التأكد من حقوق الدولة على العقار المراد تحديده يقدم طلب إجراء عملية التحديد مرفقا بالوثائق المطلوبة الى الأمانة العامة للحكومة ومن تم يصدر مرسوم لرئيس الحكومة  يعطي الضوء الأخضر ويأمر بإجراء عمليات التحديد الإداري ، ويجب أن يبين المرسوم تاريخ الشروع في عملية التحديد وكذا المعلومات المرتبطة بالعقار اسمه ومحل وجوده .

والأملاك المجاورة له والقطع  الداخلة في حدوده ، وكذا الحقوق والارتفاقات التي يتحملها ، وبعد صدور المرسوم الآذن بالتحديد تقوم مديرية أملاك الدولة بنشر خلاصة طلب التحديد والمرسوم وكذا تعليقه لدى العديد من الجهات التي نص عليها الفصل الرابع من ظهير التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة . ويترتب عن صدور هذا المرسوم الموافق على التحديد الإداري أثرين هامين:

1.     ) لا يمكن إنجاز أية معاملة عقارية داخل المنطقة الخاضعة للتحديد الإداري خلال المدة الفاصلة بين تاريخ افتتاح عمليات التحديد وتاريخ التصديق عليها إلا بشرط الحصول على شهادة بعدم تعرض مسلمة من طرف الإدارة التي لها الحق في ذلك وإلا فلا يصح التعاقد .

2.     ) لا يمكن خلال هذه المدة تقديم أي طلب للتحفيظ باستثناء الطلبات المتضمنة للتعرضات على التحفيظ [8].

بعد ذلك تجتمع اللجنة المكلفة بالتحديد كما نص عليها الفصل 2 من ظهير 1.3.1916 وتتكون هذه اللجنة من:

·       السلطة المحلية

·       ممثل عن أملاك الدولة .

·       مهندس طبوغرافي .

·       عدلين إذا اقتضى الأمر ذلك .

    في اليوم والمكان والساعة المعلن عنها وتشرع في الطواف بالملك والتعرف عليه، ووضع العلامات لحدوده، وذلك بمحضر الجوار وكل المعنيين بالأمر قدر المستطاع [9].

ثم تتم بعد ذلك مباشرة عملية شهر انتهاء أشغال التحديد وفق كيفية نشر المرسوم المعلن عنه       انطلاق العمليات حسب الفصل الخامس من ظهير 3 يناير 1916 ، وبعد انصرام أجل ثلاثة أشهر من تاريخ النشر وفق الكيفية المحددة بالفصل الرابع ، لا يقبل أي تعرض على عملية التحديد الإداري [10] و لا تتم المصادقة على المرسوم المذكور إلا بعد الحصول من المحافظ على الأملاك العقارية والرهون على شهادة تثبت عدم وقوع أية عملية تحفيظ سابقة لأية قطعة أرضية واقعة داخلة منطقة التحديد مع عدم وروود أي تعرض في شكل مطلب التحفيظ على عملية التحديد الإداري حسب الفصل الثاني من ظهير 24 ماي 1922 المتعلقة بتحفيظ العقارات المخزنية المحددة إداريا .

المطلب الثاني: مسطرة التعرض و رقابة القضاء

لا شك أن مباشرة التحديد الإداري لاتخلو من احتجاجات و منازعات سواء إداريا أو قضائيا

الفقرة الأولى : مسطرة التعرض

تستلزم مسطرة التعرض  أن يعبر عنها أصحابها عبر تقديم تعرض ضمن شكليات معينة )أولا( مع وجوب تأكيدها بواسطة مطالب تحفيظ )ثانيا(.

أولا: شكليات تقديم التعرض.

يجوز لكل من يدعي حقا بشأن العقار موضوع عملية التحديد الإداري أن يتقدم بتعرضه على أعمال التحديد الإداري بمجرد انطلاق أشغال التحديد من طرف اللجنة الإدارية للتحديد إلى حين انتهاء هذه الأشغال.

و يقع تقديم التعرض إما أمام لجنة التحديد أثناء القيام بأشغال التحديد في عين المكان أو

بتقديم طلب كتابي أو شفوي أمام السلطة المحلية المكلفة بأشغال التحديد الإداري، بعد إيداع

المحضر والتصميم لديها.

ويجب على المتعرض داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من نشر الإعلان عن إيداع التقرير بالجريدة الرسمية أن يتقدم أمام السلطة المحلية بكتاب يبين فيه سبب تعرضه والحجج التي يستند إليها، وإذا صرح بذلك شفهيا توجب إثبات ذلك في تقرير يلحقه بمحضر التحديد وبالقائمة التي تبين جميع التعرضات لدى اللجنة.

وبعد انصرام أجل ثلاث أشهر لا يقبل أي طلب جديد بالتعرض وتصبح عمليات التحديد نهائية طبقا للفصل الخامس من ظهير 3 يناير1916 .

كما قضت كثير من الأحكام القضائية بأنه بمجرد انتهاء أجل التعرض على التحديد الإداري يصبح هذا العقار محصنا لفائدة الإدارة ولا حاجة لانتظار صدور مرسوم المصادقة على التحديد .

وجاء في قرار للمجلس الأعلى )محكمة النقض حاليا ( ما يلي:" حقا فقد تبين صحة ما تعيبه الطاعنة على القرار ذلك أن المحكمة المصدرة له اعتمدت في قضائها بتأييد الحكم الابتدائي بعدم صحة تعرض الطاعنة من جهة  لكون  التحديد الإداري لا يثبت تملكها للمتعرض عليه دون أن تناقش ما احتجت به من مقتضيات قانونية خاصة بتحفيظ العقارات المفترضة ملكيتها للدولة والتي تثبت في هذا المجال أن الوضعية القانونية للعقار تعتبر محددة بصفة نهائية بمقتضى مسطرة التحديد الإداري إذا لم يقدم بشأنه أي تعرض في الشكل وداخل الأجل المنصوص عليه في ظهير 3 / 1 / 1916 ، علما بأن الطاعنة أدلت بما يثبت اتخاذ جميع الإجراءات القانونية التي سبقت إنجاز محضر التحديد المذكور، كما أن المحكمة اعتمدت في قضائها من جهة أخرى على كون المحضر المشار إليه لا يتعلق بموضوع النزاع مع أن الطاعنة تمسكت بكون التحديد انصب على القطعتين اللتين شملهما الملك المطلوب تحفيظه وهما "عين حمام" و"مرجة الشريوار" كما أنه من جهة أخرى فإن الناتج عن التحديد بتاريخ 1 / 4 / 1974 الذي أنجزته المحافظة أن الملك المدعو "عين حمام" يوجد بأكمله ضمن الملك المسمى "عزيب علوش" وأنه كان على المحكمة في هذه الحالة أن تأمر بإجراء الوقوف على عين المكان قصد التأكد من حقيقة الأمر الواقع، وأن المحكمة بالتالي عندما بتت في النازلة على النحو المذكور فإنها لم تركز قرارها  على أساس قانوني ولم تعلله تعليلا كافيا مما يعرضه للنقض" [11]

ويؤدي هذا التوجه القضائي إلى تحصين الملك الخاص للدولة بمجرد انتهاء أجل التعرضات دون انتظار صدور مرسوم المصادقة؛ ولهذا التوجه أهمية كبيرة في الحفاظ على الملك الخاص للدولة، إذ بانتهاء المسطرة الإدارية للتحديد وفوات أجل التعرضات تنتهي كل

منازعة أو مطالبة بهذا الملك.

ثانيا: مطالب التحفيظ التأكيدية للتعرضات المقدمة

تكمن خصوصية التعرض ضد مسطرة التحديد الإداري في أن هذا التعرض يبقى عديم

الأثر إذا لم يقع تأكيده بمقتضى مطلب تحفيظ، وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر التالية لانتهاء

أجل التعرضات تحت طائلة عدم قبول تعرضه. وفي حالة عدم احترام المتعرض لهذه

الشكلية الهامة، فإن حقه في التعرض يسقط، اللهم إذا اعترفت له الإدارة بما يدعيه خلال

نفس الآجال بواسطة تعديل لمحضر التحديد مع تعديل لحدود العقار وفقا لذلك. حسب مقتضيات الفصل 6 من ظهير 3 يناير 1916

ويتم إدراج مطلب التحفيظ بعد إدلاء المتعرض بشهادة تعرض موقعة من طرف القائد.

ويستخلص المحافظ الواجبات والرسوم الكاملة عن إدراج  المطلب ، ويتعين على المحافظ أن يبرز خصوصية هذا المطلب بنشر خلاصته بالجريدة الرسمية ينص فيها على: " أن هذا المطلب أودع كتعرض ضد التحديد الإداري للملك الخاص للدولة المسمى كذا."  حسب نفس الظهير.

ومباشرة بعد انصرام الأجل المفتوح لتلقي مطالب التحفيظ، يرفع محضر التحديد الإداري رفقة قائمة تتضمن مطالب التحفيظ التأكيدية إلى نظر مدير أملاك الدولة الخاصة أو المندوب السامي للمياه والغابات و محاربة التصحر  لإعداد مشروع المصادقة على عملية التحديد الإداري.

الفقرة الثانية : رقابة القضاء على عملية التحديد  الإداري

تعتبر مسطرة التحديد الإداري مسطرة إدارية  في حالة لم تقدم تعرضات على العقار المشمول بالتحديد الإداري أو في حالة قدمت لكنها لم تحترم الآجال والشكليات المنصوص عليها في ظهير 3 يناير 1916 إذ  تنتهي بإصدار مرسوم المصادقة على أعمال التحديد، ويبقى الاستثناء هو الانتقال إلى المسطرة القضائية في حالة قدمت تعرض ت وفق الشكليات والشروط التي سطرها المشرع، وينعقد الاختصاص في البت في التعرضات المقدمة بشأن عملية التحديد الإداري إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد موقع العقار المتنازع فيه بنفوذها الترابي ، والخاضع لعملية التحديد الإداري، غير أن البت في عملية التحديد  الإداري بشكل عام لا يرجع إلى المحكمة الابتدائية التابع لها موقع العقار فقط ، بل أن النزاع  قد يعرض على أنظار القضاء الإداري للبت في مدى شرعية مسطرة التحديد الإداري  للأملاك الخاصة للدولة ( أولا) و ينتج أثار (ثانيا)

أولا: رقابة القضاء الإداري على عملية التحديد الإداري

و إذا كانت المحكمة ذات الولاية العامة مختصة في النظر في قضايا التحديد الإداري للعقار الموجود داخل مجال ترابها  عندما يعرض عليها ملف النزاع للنظر في التعرضات المنصبة على عملي ت التحديد الإداري سواء المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة أو بالملك الغابوي، فإنها تقوم بعملية الترجيح بين حجج المتعرض وحجج طالبة التحديد، وبناء على عملية الترجيح

تحكم المحكمة لصالح الط ف الذي قدم حجج ووثائق قوية، سواء كان هو المتعرض أو جهة طالبة التحديد .

لكنه يمكن اللجوء الى المحكمة الإدارية عندما  تتخذ أثناء عملية التحديد الإداري قرارات من شأنها أن تلحق أضرارا بأصحاب الحقوق على العقار محل التحديد الإداري خاصة وأن المشرع لم يرتب أي جزاءات لعدم  احترام  شكلية الإشهار  ، ولا شك أن تأمين حقوق الأفراد  في مواجهة السلطات الإدارية المشرفة على مساطر تطهير م ك الدولة الخاص لا يمكن أن تتم إلا عبر الرقابة القضائية الموكولة لقضاء إداري متخصص

و ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري في مراقبة مشروعية القرارات  الإدارية المتخذة من طرف الإدارة طالبة التحديد الإداري، والذي يقضي بإلغائها في حالة عدم احتر ام الشكليات المتطلبة في مسطرة التحديد الإداري.

وفي هذا الإطار جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء[12] ما

مضمونه: "إذا كان القانون يفرض أحيانا على الإدارة التزام شكل معين أو إجراءات معينة،

وذلك ليقدم للأفراد نوعا من الضمانات لكفالة حسن إصدار الإدارة لقراراتها ، بعد فحص

ودراسة  و مراعاة  الظروف والملابسات وحيث أنه لما كان من الثابت من أو ا رق الملف أن عملية التحديد المتعرض عليها مرت في سرية تامة...

وهو ما يعني أن الإدارة لم تسلك المسطرة القانونية المعمول بها في هذا الشأنوحيث أن

ترتيبا على ما سبق يكون قرار المصادقة على التحديد الإداري معيبا شكلا لوقوعه باطلا

يستدعي التصريح بإلغائهيتبين من حيثيات الحكم أن عملية التحديد فرض فيها المشرع ضرورة احترام  شكليات معينة، وبالتالي فإن التحديد الإداري في حالة ما إذا لم يحترم هذه الشكليات لاسيما عملية  الإشهار طبقا للفصل الرابع من الظهير 3 يناير 1916 فإن مصيره الإلغاء  إذا تقدم بالطعن فيه ذوي المصلحة.

وجاء في حكم آخر:" وحيث أن وعاء التحفيظ يقع داخل التحديد الإداري للملك الغابوي

الذي أصبح نهائيا له صفة نهائية ولا يقبل الطعن إلا بالطرق الإدارية قانونا. الأمر الذي

يجعل تعرض المياه والغابات مؤسس في الحدود التي تدخل في التحديد" [13]

ويستفاد من هذا الحكم أن قرار التحديد الإداري قابل للطعن بالطرق الإدارية وغم اكتسابه

الصفة النهائية إذا وجد مبرر للطعن.

ثانيا : أثار التحديد الإداري

آثار مرسوم التحديد الإداري

بعد المصادقة على عملية التحديد الإداري بواسطة مرسوم ، تصفي الوضعية القانونية للعقار المحدد بشكل لا رجعة فيه طبقا لما يقرره صراحة ظهير 3 يناير 1916 ، و هنا يطرح تساؤل هام يتعلق بمدى تمتع قرار المصادقة على التحديد الإداري بالقوة التطهيرية التي يكتسبها العقار بعد صدور قرار المحافظ بالتحفيظ . وجوابا على السؤال أعلاه ، اختلف الفقهاء في هذا الإطار ، فذهب بعض الفقه إلى اعتبار عملية التحديد الإداري تكتسي مناعة مطلقة بعد المصادقة عليها بواسطة المرسوم الصادر عن رئيس الحكومة مستندا على رأي قضائي غير معلن عنه جاء فيه : " سبق للقضاء المغربي أن قضي بأن ظهير 3 يناير 1916 المتعلق بالتحديد الإداري ، خصص فيما يتعلق بالعقارات المخزنية مسطرة خاصة للتحديد والتطهير دون أن يكون لها نفس آثار التحفيظ "[14]، في حين يرى الدكتور ناصر خليل بأن القضاء في وقت سابق وتحديدا بموجب قرار 17 ماي 1922 الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط ، وأقر بنهائية قرار المصادقة على مسطرة التحديد الإداري ، إلا أن الأمر على خلافه بعد هذا التاريخ ذلك أن القرار المذكور لا يلغي حقوق الحيازة المادية على العقار المحدد إداريا كما أن ظهير 24 ماي 1922 المتعلق بتحفيظ العقارات المخزنية المحددة إداريا خير دليل على عدم نهائية المصادقة على عملية التحديد . [15]

 و تجدر الإشارة أن عمليات التحديد الإداري باشرتها الدولة (الملك الخاص ) همت 146 ملكا بمساحة إجمالية بلغت 107.105 هكتارات تتوزع مابين 38.629 هكتار في طور التحديد و 58.400 هكتار مصادق على تحديدها و 44.840 هكتار تم إصدار رسومها العقارية .[16]



[1]  -  خليل الرحماني ، آليات تكوين الرصيد العقاري للملك الدولة الخاص ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة محمد الأول ، وجدة ، لسنة 2008 : ص : 53  .

[2]  - الحسين بارك الله، تدبير الملك الخاص للدولة ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، جامعة القاضي عياض ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش ، السنة الجامعية ، 2017-2016 ، ص: 116

[3]  هشام  بصري، التحديد الإداري للملك الغابوي وإشكالاته العملية، الطبعة الأولى السنة 2014 ، ص 54.

[4]  - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص : 117 .

[5]  - ظهير شريف صادر في 3 يناير 2016 في تأسيس خصوصيات لتحديد الأملاك المخزنية منشور في الجريدة الرسمية عدد 141 بتاريخ 10 يناير 1916 .

[6]  - جابر بابا، دور التحديد الإداري في حماية أملاك الدولة الخاصة،منشورات مجلة المنار للدراسات القانونية و الادارية،العدد 4، مطبعة دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع،الرباط، سنة 2014، ص  13-14.

[7]  - خالد الرحماني ، آليات تكوين الرصيد العقاري للملك الدولة الخاص ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة محمد الأول ، وجدة ، لسنة 2008 :، ص : 54 .

[8]  - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص 118 .

[9]  - حسن الخشين ، ملك الدولة الخاص ، تميزه –نظامه-وظائفه ، منشورات مجلة الحقوق ، سلسلة المعارف القانونية ، العدد 28 سنة 2015 ، ص : 200 .

[10]  - حسن الخشين ، نفس المرجع ، ص : 201 .

[11]  قرار المجلس الأعلى عدد 5185 الصادر بتاريخ 17 اكتوبر 1995 في الملف المدني عدد 1290 / 90 .

[12]  حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عدد 247 ملف عدد 209 / 2001 صادر بتاريخ 22 / 5 / 2002

[13]  حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بتطوان، في الملف عدد 65 / 13 / 10 بتاريخ 29 / 04 / 2015

[14]  - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص: 119 . 

[15]  - يونس الزهري ، التحديد الإداري للملك الغابوي للدولة ، مجلة القضاء المدني ، سنة 2009 ، ص89 .

[16]  - تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011 ، منشور بالجريدة الرسمية ، عدد 6116 مكرر بتاريخ 10 يناير 2013، ص: 173 .



المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق