شركات التنمية المحلية

 

يعتبر إحداث شركات التنمية المحلية محاولة من المشرع المغربي لاقتباس نموذج المقاولات العمومية المحلية المعمول بها في التجارب المقارنة، ويتعلق الأمر على الخصوص بشركات الاقتصاد المختلط المحلية، فالمغرب عرف هذا النموذج على المستوى التشريعي ابتداء من صدور الظهير الشريف بمثابة قانون والمتعلق بالتنظيم الجماعي لسنة 1976، والذي يعتبر البداية الأولى للتأطير التشريعي لهذه الشركات، حيث جاء في الفقرة السابعة من المادة 30 منه على أن الجماعة تقرر في شأن المساهمة المالية في مقاولات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة الجماعية أو المشتركة بين الجماعات، وهو ما تم تكريسه تشريعيا من خلال الميثاق الجماعي 78.00 الصادر سنة 2002، واعتماده كذلك على المستويين الجهوي في المادة 7 من القانون 47.96، المنظم للجهات[1] والإقليمي في المادة 36 من القانون 79.00، المنظم للعمالات والأقاليم[2]، وبعد ذلك عمد المشرع المغربي إلى إعادة تنظيمها القانوني بتسميات مختلفة في القوانين التنظيمية الثلاث للجماعات الترابية وبمقتضيات موحدة  يتعلق الأمر بشركات التنمية الجهوية المنظمة بمقتضى الباب الثالث من القسم الرابع في المواد 145، 146، 147، من القانون التنظيمي 111.14، المتعلق بالجهات[3]، وشركات التنمية المنضمة بمقتضى الباب الثاني من القسم الرابع في المواد 122، 123، 124، من القانون التنظيمي 112.14، المتعلق بالعمالات والأقاليم[4]، وشركات التنمية المحلية المنضمة  بمقتضى الباب الثاني من القسم الرابع في المواد 130، 131، 132، من القانون التنظيمي 113.14، المتعلق بالجماعات[5].

فدليل التعاون والشراكة للجماعات المحلية الصادر عن مديرية الجماعات المحلية لوزارة الداخلية نجده يعتبر أنها تقابل في القانون الفرنسي مفهوم المقاولة العمومية المحلية entreprise publique locale، وأشار على أن شركة التنمية المحلية هي" شركة مجهولة الاسم تملك الدولة أو الجماعة أو الإقليم أو الجهة الأغلبية في رأسمالها بطريقة مباشرة أو عبر مؤسسات عمومية، فيما يعود باقي الرأسمال للشركاء الاقتصاديين والماليين الخواص[1].  ونجد فدرالية المقاولات العمومية المحلية تعطي مفهوما مختلفا عن التعريف المقدم في دليل الشراكة والتعاون للجماعات المحلية إذ جاء فيه:                 " المقاولات العمومية المحلية EPL هي مقاولات في خدمة الجماعات الترابية تتدخل في حوالي 40 مجالا مرتبطا بالحياة اليومية للسكان كمجالات: التهيئة، السكن، النقل، السياحة، الطاقة....... تمتاز بطبيعتها كمقاولة تجارية أما رأسمالها العمومي إما يكون أغلبيا في حالة الشركات العمومية المحلية والشركات العمومية المحلية للتهيئة، كما يتم مراقبتها من لدن الجماعات الترابية وتجعل من المصلحة العامة كهدف وترتكز على الموارد المحلية. وتتضمن المقاولة العمومية المحلية ثلاثة أصناف وهي: شركات الاقتصاد المختلط SEML، والشركات العمومية المحلية SPL، والشركات العمومية للتهيئة SPLA"[2]

يتضح من خلال التعريف الذي قدمته فدرالية المقاولات العمومية المحلية أن المقاولة العمومية المحلية مفهوم عام وليست آلية قانونية محددة بحيث يتضمن مجموعة من الشركات التي يمكن أن تساهم الجماعات الترابية في رأسمالها وهي: شركات الاقتصاد المختلط المحلية والشركات العمومية المحلية والشركات العمومية المحلية للتهيئة، يستدعي منا الأمر القيام بتحديد مفاهيمي لكل صنف من هذه الشركات ومدى اقترابه من شركات التنمية المحلية كمستجد تشريعي وارتباطه تاريخيا بتجربة الاقتصاد المختلط المحلي.  ويعرف بعض الفقه شركة الاقتصاد المختلط المحلية بكونها: "مشاركة أشخاص القانون العام مع أشخاص القانون الخاص في رأسمال شركة بهدف إدارة مرفق عام" تمتلك الدولة أو أحد أشخاص القانون العام أغلبية أسهمها في حين يمتلك الباقي أشخاص القانون الخاص فالشراكة بين القطاعين العام والخاص عنصر أساسي في تعريف شركات الاقتصاد المختلط المحلي لأن حضور شخص خاص يعد أمرا إجباريا في هذه الشركات على خلاف الشركة العمومية المحلية والشركة العمومية المحلية للتهيئة اللتان تحدثهما الجماعات الترابية ويكون رأسمالها مملوكا حصريا لها بدون وجود شراكة مع القطاع الخاص. فمن جهة تقترب شركات التنمية المحلية من مفهوم الاقتصاد المختلط من حيث أن أغلبية رأسمالها يجب أن يكون مملوكا للقطاع العام، غير أنها تختلف عنها من حيث أن وجود الشخص الخاص في شركة التنمية المحلية هو وجود احتمالي غير وجوبي كما هو الشأن في الاقتصاد المختلط ولا يوجد أي مقتضى قانوني ينص على إلزامية وجود أحد الخواص بين المساهمين فيها. أما بالنسبة للشركة العمومية المحلية فتتشابه مع شركات التنمية المحلية من حيث إمكانية أن يكون كل رأسمالها في ملك القطاع العام غير أنها تختلف عنها في كون الشركة العمومية المحلية تغيب فيها إمكانية الشراكة ذلك أن الشركة لا يمكن أن تضم مساهمين غير الجماعات الترابية ولو كانوا من القطاع العام بخلاف شركات التنمية المحلية التي لا يمكن تأسيسها من طرف الجماعات الترابية أو مجموعاتها إلا بالاشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أو الخاص.[3]    وبعد هذه المقارنة والتوضيح، يمكن تعريف شركات التنمية المحلية: كشركة مساهمة تحدثها الجماعات الترابية أو مجموعاتها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أو الخاص، الأمر الذي يجعلها أداة للتعاون والتنسيق بين مختلف المتدخلين في تدبير التنمية المحلية من جماعات ترابية وأشخاص عموميين وقطاع خاص على أن يكون أغلبية رأسمالها في ملك أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام وينحصر مجال تدخلها في إطار الأنشطة الاقتصادية التي تختص بها الجماعات الترابية ومجموعاتها بالإضافة إلى تدبير المرافق العمومية.       



[1]   نفس المرجع، ص: 40.

[2]  الموقع الرسمي لفدرالية المقاولات العمومية المحلية، www.lesepl.fr، تاريخ الزيارة يوم الخميس 6 ماي 2021، على الساعة الرابعة مساء.

[3]  المادة 130 من القانون التنظيمي رقم 113.14، المتعلق بالجماعات. 



[1]  القانون 47.96، المنظم للجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.81، بتاريخ 27 مارس 1997، الجريدة الرسمية عدد 447، بتاريخ 3 أبريل 1997، ص: 556.

[2]  القانون 79.00، المنظم للعمالات والأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.269، بتاريخ 3 أكتوبر2002، الجريدة الرسمية عدد 5058 بتاريخ 21 نونبر 2002، ص: 3490. 

[3]     القانون التنظيمي 111.14المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83 بتاريخ 20 رمضان 1436 (7 يوليوز2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436(23 يوليوز 2015) ، ص: 6585.

[4]   القانون التنظيمي 112.14المتعلق بالعمالات والأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.84 بتاريخ 20 رمضان 1436 (7 يوليوز2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436(23 يوليوز 2015) ، ص: 6525.

[5]   القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85 بتاريخ 20 رمضان 1436 (7 يوليوز2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436(23 يوليوز 2015) ، ص: 6660.



المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق