الدستور
الدستور
يعتبر الدستور دليل على معاصرة الدولة و دمقرطتها مما يؤهلها لتصبح عضوا معترفا به
لدى المنتظم الدولي ، فهو يعتبر بمثابة القانون الأساسي للدولة يدعم مشروعيتها الداخلية
و ينظم و يقنن العلاقة بين الحاكمين و المحكومين .
المبحث الأول : تعريف الدستور
الدستور كلمة ليست عربية الأصل بل هي فارسية و دخلت الى اللغة العربية عن طريق الأتراك ، وتعني النظام الأساسي، أما في اللغة الفرنسية فمعناها التأسيس أو التكوين
Etablissement أو النظام Institution . و لا يخرج المعنى المقصود بكلمة دستور في اللغة العربية عن ذلك . و لا يوجد تعريف موحد للدستور ، و إنما هناك محاولات للتعريف تختلف باختلاف المنطلقات الإيديولوجية ، و رغم ذلك يبقى الدستور و أبو القوانين الذي يحدد قواعد اللعبة و هو الذي يحدد الصلاحيات و يرسم الحدود بين السلط من جهة و هو الذي يضفي الشرعية على هذه السلط و تلك الصلاحيات من جهة ثانية . و على العموم و من أجل التبسيط يمكن تعريف الدستور من خلال معيارين : شكلي و موضوعي .
- المعيار الشكلي : و يعني أن الدستور لا يمكن وضعه و لا تعديله إلا باتباع قواعد شكلية
خاصة و معقدة تختلف عن القواعد التي يتم بها وضع و تعديل القوانين العادية ، و تكمن
أهمية هذا التعريف في التمييز بين القوانين الدستورية و القوانين العادية ، فتكون القوانين
الدستورية في مرتبة أسمى من القوانين العادية فهي توضع من طرف هيئة أو سلطة تأسيسية حسب الشكليات و الإجراءات المنصوص عليها في الدستور . و ينظر أنصار هذا المعيار الشكلي إلى الجانب الشكلي من الوثيقة الدستورية و يعتبرون أن كل ما تتضمنه قواعد دستورية و كل قاعدة لا تتضمنها الوثيقة لا تعتبر في نظرهم دستورية . و بالرغم من أهمية هذا المعيار فإنه تعرض لانتقادات من لدن فقهاء القانون الدستوري أهمها :
لا يمكن اعتماد هذا المعيار في الدول ذات الدساتير العرفية لا يشمل جميع القواعد الدستورية لأنه لا يعترف بالقواعد الدستورية العرفية.
أن المواضيع التي تتضمنها الوثيقة الدستورية تختلف باختلاف الدساتير مكانا و زمانا مما ينتج عنه اختلاف في تعريف الدستور و القانون الدستوري.
- المعيار الموضوعي أو المادي : يركز أنصاره على مضمون القاعدة الدستورية و جوهرها، بغض النظر عن الشكل و الإجراءات المتبعة في إصدارها ، و تبعا لذلك فالقانون
الدستوري يتضمن جميع القواعد التي لها طبيعة دستورية أيا كان مصدرها سواء تضمنتها
الوثيقة الدستورية أو ن ظ مت بقوانين عادية ) قانون تنظيمي أو مرسوم ( أو كان مصدرها العرف الدستوري .
و رغم أهمية هذا المعيار فإن ما يعاب عليه أنه :
تعريف غير محدد و لا ينطوي على تعريف قاطع للمواضيع الدستورية .
أنه لا يتضمن معيارا فاصلا بين القواعد الدستورية و بين غيرها من القواعد القانونية الأخرى .
أن الأخذ بهذا التعريف من شأنه أن يجعلنا نخلط و ندمج ضمن القواعد الدستورية كلا من القانون الانتخابي و القانون البرلماني بل و حتى قانون الأحزاب السياسية .
و نجد من الفقهاء من يستنتج من العيارين تعريفا جامعا يقول بأن الدستور هو مجموعة من القواعد المتعلقة بتنظيم الدولة و مؤسساتها ، و التي قد تكون متعارفا عليها فقط من طرف المجتمع أو مدونة ، الأولى هي الدستور العرفي الذي يتغير و يعدل بالمسطرة القانونية العادية . و الثانية هي الدستور الشكلي الذي يدون في وثيقة تنص على القواعد الأساسية و تترك لقوانين أخرى إتمامها و تفصيلها .
المبحث الثاني : أنواع الدساتير :
يمكن تصنيف الدساتير إلى عدة أصناف ، فإذا استعملنا معيار المصدر أي الطريقة التي
وضعت و نشأت بها فإننا نكون أمام دساتير عرفية و دساتير مكتوبة ، أما إذا استعملنا معيار المسطرة التي بمقتضاها يتم تعديلها و مراجعتها فإننا نجد أنفسنا أمام دساتير مرنة وأخرى صلبة جامدة .
n
الدساتير العرفية و الدساتير المكتوبة :
- الدستور العرفي : و هو الدستور الذي يستمد أحكامه و قواعده عن طريق العرف الذي ينشأ تلقائيا دون تدخل المشرع الوضعي ، من أجل معالجة أمور و مسائلتتعلق بنظام الحكم في الدولة . و بذلك فإننا نجد أنفسنا أمام قواعد و مباديء قانونية و دستورية غير مكتوبة نشأت في الأصل عن طريق العرف ) عادات ، تقاليد ، أعراف ، ...( تحول تواترها و تكرار العمل بها و ترسخها و اقتناع الأفراد و الجماعات و الهيئات الحاكمة بإلزاميتها إلى أعراف دستورية ضرورية لتنظيم و ممارسة السلطة و تحديد شكل الدولة و فلسفة نظامها السياسي .
و لقد كان العمل بالدستور العرفي شائعا في الولايات المتحدة الأمريكية قبل استقلالها و فرنسا بل يمكن القول أن معظم القواعد المحددة للأنظمة الأوربية في نشأتها كانت دساتير عرفية قبل ظهور الحركة الدستورانية خلال ق 18 ، و يعتبر أوضح مثال على ذلك في عصرنا الحالي دستور المملكة المتحدة البريطانية فهي لا تملك وثيقة مكتوبة تسمى الدستور بل تتوفر على مباديء تعارف عليها الشعب الإنجليزي و ممثلوه و سار عليها نظام الحكم كما لو كان يسير على قانون و دستور مكتوب لا مجال لمخالفته .
-
الدستور المكتوب : هي تلك الدساتير التي يضع أحكامها المشرع الدستوري و تسجل أحكامها و قواعدها في وثيقة رسمية واحدة أو في عدة وثائق ، و تتولىإصدارها هيئة خاصة ووفق إجراءات قانونية و مساطر محددة . و يشترط أن تكون معظم أحكامه و قواعده مكتوبة و ليس جميعها ، و تعتبر ظاهرة الدساتير المكتوبة حديثة ظهرت في ق 18 حيث ارتبطت بالحركة الفكرية و بنضال البورجوازية التي كانت تسعى إلى إحداث آليات من أجل ضمان مشاركتها في الحكم وكذلك لتقليص سلطات حكام الملكيات المطلقة . و قد عرفت الدساتير المكتوبة انتشارا واسعا بعد العالمية الثانية و خصوصا بعد تصاعد حركات التحرر من الاستعمار و حصول العديد من الدول على استقلالها ) في قارات آسيا ، إفريقيا و أمريكا الجنوبية ( ، حتى أصبحت فكرة الدساتير المكتوبة تشكل جزءا لا
يتجزأ من كيان الدولة الحديثة.
الدساتير الصلبة و الدساتير المرنة :
الدستور الصلب أو الجامد : هو ذلك الدستور الذي لا يمكن تعديله باتباع نفس المنهجية و الإجراءات التي تتخذ لتعديل القوانين العادية ، و إنما يجب لإجراء التعديل اتباع مسطرة أكثر تعقيدا و أشد صعوبة تفوق تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية . و هنا لا بد أن نشير إلى أن درجة الجمود تتوقف على درجة ثبات النظام و استقراره السياسي و موازين القوى فيه ، فالجمود المطلق كليا لا وجود له لأنه يتنافى مع تغير المجتمعات و الدول و مواكبة التطور .
الدستور
المرن
: هو الدستور الذي يُ ع د ل بنفس الإجراءات التي تعدل بها القوانين
العادية بحيث يمكن تعديله بقانون عادي تصدره السلطة التشريعية دون الحاجة الى اتباع أي إجراء آخر يختلف عن الإجراء المتبع في وضع و تعديل القانون العادي و نتيجة لذلك لا يوجد أي تفاوت في القيمة القانونية بين القانون العادي و بين قواعد الدستور . و هو ما عبر عنه بعض الفقهاء الدستوريين بقولهم أن الدساتير المرنة تكرس سيادة البرلمان أكثر مما تكرس سيادة الأمة . و تكاد تكون جميع الدساتير العرفية مرنة فهي تتغير و تتعدل بواسطة قواعد عرفية جديدة تلغي القديمة دون اتباع إجراءات معينة أو اشتراط شروط خاصة و من أمثلة الدساتير المرنة الدستور البريطاني حيث يستطيع البرلمان بمجلسيه تعديل القواعد الدستورية فالبرلمان في إنجلترا كما يقال يستطيع فعل كل شيء .
و لابد من الإشارة إلى أنه لا يوجد تلازم بين الدساتير الصلبة و الدساتير المكتوبة و الدساتير العرفية و الدساتير المرنة فقد يكون الدستور مكتوبا و مرنا و قد يكون الدستور عرفيا و صلبا .
و يبقى الفرق الجوهري بينهما هو أن الدستور الصلب يتمتع بالسمو الموضوعي و الشكلي تتمتع قواعده بالسيادة المطلقة في مواجهة السلطات الرئيسية و خاصة السلطة التشريعية التي لا تستطيع تعديلها أو إلغاءها أو مخالفتها بينما تستطيع تعديل القوانين العادية التي هي أدنى مرتبة من الدستور.
الأعراف الدستورية و الممارسات الدستورية :
الأعراف الدستورية : هي عبارة عن عدة قواعد غير مدونة ، لها قوة الدستور ،
يطبقها المجتمع السياسي في غياب قواعد و مقتضيات دستورية مكتوبة . و تنشأ
العادة و القاعدة العرفية نتيجة ظروف و ملابسات مثل سكوت الدستور عن تنظيم
بعض الأمور المتعلقة بنظام الحكم .
و يجب ألا نخلط بين الدستور العرفي و العرف الدستوري ، فالدساتير العرفية كما
أسلفنا تعتبر وليدة تقاليد و معاملات لم يسبقها أي نص مكتوب أما العرف الدستوري
فينشأ داخل الدولة المنظمة بواسطة دستور مكتوب ، فهو يكمل الدستور المُ د و ن .
و حتى يكتسب العرف الدستوري الصفة القانونية الملزمة فلا بد من توافر ركنين
أساسيين : و هما الركن المادي و الركن المعنوي :
-1 الركن المادي : و يتمثل في الأعمال و التصرفات المتكررة الصادرة عن إحدى الهيئات الحاكمة في الدولة أو اطراد سلوك الأفراد على نهج معين في المجال الدستوري .و ليقوم هذا الركن لا بد من توافر شروط معينة منها : التكرار ، العمومية ، الوضوح و الثبات .
-2 الركن المعنوي : و يقصد به أن يتولد لدى جميع المجتمع ) حكام ومحكومين ( الشعور بأن الممارسات السابقة قد أصبحت قاعدة قانونية واجبة الاتباع باعتبارها قاعدة لها ما لسائر القواعد القانونية من إلزام .
و يمكن تصنيف الأعراف الدستورية الى ثلاثة أنواع : عرف مفسر ، عرف مكمل و عرف معدل و عرف منشئ :
العرف المفسر : يأتي لفك ال ل بس و توضيح الغموض الذي قد يشوب ن ص ا قانونيا من نصوص الدستور المكتوب .
العرف المكمل : و هو الذي يتولى إتمام النقص الذي قد يوجد القواعد الدستورية و يسد
النقص الناتج عن عدم معالجة بعض المواضيع في وثيقة الدستور ، و هو بذلك ينشئ حكما جديدا .
العرف المنشئ : قد يكون الدستور أغفل تنظيم أمرا من الأمور فيأتي هذا النمط من العرف
لينشئ قاعدة دستورية تنظم هذه المسألة . و العرف المنشىء لا يستند إلى نص دستوري و إنما يأتي لإيجاد حل لمسألة لم ينظمها الدستور أصلا
العرف المعدل : لا يقف عند حدود التفسير أو التكميل بل يتعداه إلى إمكانية تغيير القاعدة
الدستورية بواسطة العرف سواء عن طريق إضافة أحكام جديدة أو بحذف أحكام منها و بذلك فإنه ينقسم بدوره إلى قسمين :
الأول : العرف المُعدِّل بالإضافة و يسعى إلى إضافة أحكام لا يتحملها تغيير النص الموجود المنظم لمسألة معينة و يسمى أيضا العرف الإيجابي .
الثاني : العرف المُعدِّل بالحذف و يسعى إلى إزالة ن ص دستوري لم يعد معمولا به و يسمى أيضا العرف السلبي .
الممارسات الدستورية :
مثلها مثل الأعراف الدستورية قواعد مستحدثة و غير مكتوبة ، لكنها تختلف عن الأعراف الدستورية في كونها تتمتع بنصيب أقل من الاستقرار ، لأنها تعتبر بالدرجة الأولى وليدة ظروف معينة و ليست لها قيمة قانونية أو قوة إلزامية . و يمكنها أن تتمم بل قد تغير القواعد المكتوبة في الدستور أحيانا .
وغالبا ما تكون هذه الممارسات مرتبطة بقضية أو بشخصية سياسية معينة .
هي ممارسات تشكل أحيانا نواة لعرف دستوري كما ينتج عنها خرق لنصوص الدستور ( .
القوانين التنظيمية و القوانين الداخلية :
القوانين التنظيمية أو العضوية : هي تلك القوانين التي يضفي عليها الدستور هذه الصفة و يجري التصويت عليها و مناقشتها وفقا لما هو مقرر في الدستور ، مما يجعلها في مكانة أسمى من القانون العادي و أدنى مرتبة من الدستور و المعاهدات الدولية ويعتمد الفقه الدستوري في تعريفه للقوانين التنظيمية على معيارين أساسيين :
معيار شكلي : يعتبر أن القانون التنظيمي هو القانون الذي يصدر بناء على تكليف من الدستور وفق إجراءات تشريعية ووفق مسطرة خاصة أكثر صلابة تختلف عن تلك المقرر للقوانين العادية .
معيار موضوعي : الذي يعتبر أن القاعدة القانونية التفصيلية للنص الدستوري يجب أن تصدر مطابقة لروح الدستور و ألا تتعارض مع أحكامه .
القوانين الداخلية للبرلمانات : هي تلك القوانين التي تن ظ م طريقة تسيير البرلمان
و طريقة عمله و اختصاصاته و كذا تحديد العلاقة بين مجلسي البرلمان بالنسبة للدول
التي تأخذ بالثنائية البرلمانية و كذا العلاقة مع المؤسسات الأخرى داخل الدولة و خارجها. و يعتبرها الفقهاء الدستوريين الكلاسيكيين دستورا بشكل آخر أو نظاما ذاتيا لمؤسسة دستورية و امتداد للدستور و تفسير له .
المبحث الثالث : وضع الدستور ، تعديله ، و نهايته :
طرق وضع الدساتير : تختلف الطرق باختلاف الأمم و الدول و أحوالها الاجتماعية
و الاقتصادية و السياسية ، و تفاوتها في مضمار الحضارة و المدنية و مدى النضج السياسي و الفكري لدى الرأي العام فيها . و نتيجة لذلك فإنه لم يكن من الممكن الاتفاق على نمط واحد أو أسلوب محدد بذاته .
و تجدر الإشارة إلى أن السلطة التي تنشئ الدستور تسمى سلطة تأسيسية و هي تنقسم إلى
نوعين : سلطة تأسيسية أصلية و سلطة تأسيسية فرعية .
فالسلطة التأسيسية الأصلية : تتكلف بوضع الدستور لأول مرة في وقت لا يكون فيه أي
دستور أو نص قانوني سابق ، لذا تكون أصلية متحررة و غير مقيدة قانونا . فهي تعتبر
المؤسس الأصلي لميكانيزمات النظام السياسي للدولة ، و المنشئ في نفس الوقت لسلطات
الأخرى : التشريعية و التنفيذية و القضائية .
أما السلطة التأسيسية الفرعية : أو سلطة التعديل الدستوري هي التي تتكلف بمهمة تعديل
الدستور و مراجعته كلما دعت الضرورة لذلك ، حسب مسطرة و شروط محددة مسبقا بوثيقة الدستور .فهي تتقيد بالمسطرة المنصوص عليها في الدستور لممارسة مهامها .
الطرق الغير الديموقراطية لوضع الدستور : و يقصد بها الطرق التي تنعدم فيها كليا
أو جزئيا مشاركة الشعب في صياغة الوثيقة الدستورية . و يندرج ضمن هذا الأسلوب طريقتين : طريقة المنح و طريقة التعاقد .
-1 صدور الدستور في صورة منحة )الدستور الممنوح( : يقصد به مبادرة الحاكم وانفراده في وضع الدستور دون مشاركة أو مساهمة من جانب الشعب لذلك فهو يعتبر هبة و منحة من قبل الحاكم الذي تكرم و تفضل بالتنازل عن جزء من سيادته المطلقة لصالح المحكومين من أفراد رعيته.
و هي تعد من أولى الطرق و أقدمها في وضع الوثيقة الدستورية غير أن هذه الطريقة بهذا الشكل لم يعد معمولا بها في الوقت الراهن .
-2 صدور الدستور في صورة عقد )الميثاق التعاقدي( : يعتبر الفقه الدستوري أسلوب العقد في نشأة الدساتير أكثر تقييدا من أسلوب المنحة ، و خطوة إلى الأمام باتجاه تعبير الأمة عن إرادتها بدون قيود أو شروط و بمقتضاها ينشأ الدستور باتفاق بين الحاكم و ممثلي الشعب .
و يتم إشتراك الأمة و مع الحاكم في وضع الدستور و إنشائه بطرق متعددة :
قد تقوم الأمة بانتخاب جمعية تأسيسية لوضع مشروع الدستور ثم يُعرض على الحاكم ليوافق و يصادق عليه فيصبح نافذا .
قد تعهد الأمة إلى ممثليها في المجلس النيابي المنتخب بإعداد مشروع دستورُبعرض فيما بعد على الحاكم فيقره و يصبح نافذا .
قد يتولى البرلمان الموافقة على مشروع دستور دون العودة إلى الشعب و يرفع هذا المشروع إلى الحاكم ليوافق و يصادق عليه .
قد يعرض مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبي ليجري رفضه أو قبوله و لكن إقرار الشعب له لا يجعله نافذا إلا بعد موافقة الحاكم و تصديقه عليه .
الملاحظ أن هذ الطرق و إن كانت تسمح للشعب بالمشاركة في وضع الوثيقة الدستورية
و إبداء رأيه فيها إلى جانب الحاكم ، فإن نفاذ الوثيقة و اعتمادها كدستور يبقى رهين
برأي الحاكم و مصادقته عليه ، و بذلك فإن هذه الطريقة تبقى طريقة المنحة و غير
ديموقراطية لأن فيها إنكار للشعب كصاحب للسيادة .
الطرق الديموقراطية لوضع الدستور : و يقصد بها الطرق و الأساليب التي تستأثر
بها الأمة وحدها في وضع الدستور دون مشاركة الحاكم ملكا كان أو رئيسا للجمهورية ، و تتميز هذه الطرق بمشاركة الشعب .
-1 طريقة الجمعية النيابية التأسيسية : ينتخب الشعب جمعية تأسيسية مهمتها أن تنوب عنه في وضع الدستور ، و يكون الشعب في هذه الحالة هو يضع الدستور بطريقة غير مباشرة من خلال ممثليه الذين انتخبهم . و يرتكز هذا الأسلوب على أساس أن الشعب هو صاحب السيادة و هو مصدر السلطة لذلك فالدستور الذي ينبثق عن الجمعية و الهيئة التي انتخبها يصبح ساري المفعول وواجب النفاذ فهو بذلك لا يحتاج إلى إقرار أية سلطة أخرى و لا يحتاج إلى أي استفتاء مادام الشعب هو الذي فوض الجمعية التأسيسية المنتخبة .
-2 أسلوب الاستفتاء الدستوري : و هو عرض مشروع الدستور الذي أنتجته الجمعية التأسيسية المنتخبة على الاستفتاء الشعبي ليصادق عليه و ليصبح نافذا و بذلك يكون الشعب بنفسه يتولى السيادة الدستورية مباشرة ، و يعتبر هذا الأسلوب أكثر ديموقراطية من الجمعية التأسيسية .
و عمليا يتخذ أسلوب الاستفتاء الشعبي عدة صور نذكر منها:
أسلوب الديموقراطية المتكاملة : القاضي بأن تضطلع جمعية تأسيسية منتخبة بوضع مشروع الدستور ثم يطرح على الاستفتاء أن تقوم الحكومة بتكليف جمعية تأسيسية منتخبة بمهمة تحضير الدستور : ثم يتم عرضه على الاستفتاء الشعبي
أن يقوم الحاكم أو الحكومة بتعيين لجنة من السياسيين و الخبراء و الحقوقيين
بإعداد مشروع الدستور ثم يعرض على الاستفتاء الشعبي .
تعديل الدستور و مراجعته :
سلطة التعديل : إن مسألة تحديد الهيأة المختصة بصلاحية المراجعة ، لم تحظ
بالاتفاق و الإجماع بمجمل دساتير العالم ، بل عكست في غالب الأحيان طبيعة موازين القوى و أساسا التوازن الموجود بين الجهازين التشريعي و التنفيذي .و لذلك فقد ظهرت ثلاث اتجاهات بشأن تحديد هذه السلطة :
الاتجاه الأول : يجعل حق التعديل ملكا لجميع أفراد الشعب و لابد من الإجماع الشعبي على تعديله ) الشيء الذي يستحيل حصوله واقعيا (
الاتجاه الثاني : يعتبر أن سلطة التعديل من حق أغلبية الشعب أو ممثليه ، الأمة هي صاحبة السيادة التي تملك حق التعديل كما يجوز لها أن تنيب عنها من يمثلها في القيام بهذه المهمة .
الاتجاه الثالث : يقول بأن الدستور هو الذي يحدد السلطة المختصة بالتعديل ، و هو
الرأي الغالب في الفقه الدستوري و هو الذي أخذت به جل دساتير العالم .
مراحل عملية مراجعة الدستور : بالرجوع الى مختلف الوثائق الدستورية العالمية
المكتوبة ،يتبين أن عملية تعديل و مراجعة الدستور غالبا ما تمر من ثلاث مراحل
أساسية و هي مرحلة الاقتراح أو المبادرة ، مرحلة التصديق و الإقرار :
مرحلة الاقتراح أو المبادرة : الملاحظ أنه لا يوجد موقف موحد بشأن الجهة التي
تملك حق المبادرة من أجل اقتراح التعديل ) الجهاز التنفيذي ، الجهاز التشريعي ،
من اختصاص السلطتين التشريعية و التنفيذية ، التئام المجلسين التشريعيين ، جمعية
تأسيسية منتخبة ، حق للشعب مباشة أو عبر نوابه (
مرحلة المصادقة: و تعني الموافقة من حيث المبدأ على إجراء التعديل الدستوري دون الدخول في تفصيلاته أو صياغته ، و غالبا ما يعطى هذا الحق للبرلمان بصفته
ممثلا للأمة .
مرحلة الإقرار : إما بموافقة أغلبية ثلثي مجلسي البرلمان أو بعرضه على استفتاء
شعبي .
حدود تعديل الدستور :
الحضر الزمني : يقصد به حماية الدستور فترة من الزمن لا يجوز خلالها اقتراح
تعديل أحكامه و فصوله ، و ذلك بهدف ضمان تطبيق ضوابطه و أحكامه و قواعده فترة من الزمن تكفي لتثبيتها و ترسيخها ، قبل أن يسمح باقتراح تعديلها .
الحضر الموضوعي : و يقصد به حماية أحكام معينة في الدستور على نحو يحول دون تعديلها ، نظرا لكونها تشكل الحجر الأساس في النظام السياسي الذي يقيمه الدستور ) مثال الثوابث الوطنية : الدين ، شكل الدولة ، نظام الحكم ، ...(
عدم السماح بتعديل الدستور أثناء مرور الدولة بظرف معين : يتعلق الأمر بالظروف الاستثنائية أو اللحظات العصيبة التي تمر منها الدول أحيانا ) حرب ، احتلال أجنبي ، كوارث ...(
إلغاء زوال الدستور : قد يتعطل العمل بالدستور نتيجة لظروف غير عادية ) حالات الاستثناء ( أما الإلغاء فالمقصود به هو الإلغاء الشامل أو الكلي للدستور و هو ما يسمى في الفقه الدستوري بنهاية الدساتير و التي تتحقق بأحد أسلوبين :
الأسلوب العادي : و يقصد به الأسلوب القانوني الذي تنهجه الدولة في إلغاء الوثيقة
الدستورية بصفة كلية ، و تعويضها بدستور آخر جديد سواء أكان ذلك بمبادرة من السلطات الحاكمة أو تحت ضغوطات الهيئات السياسية ، بهدوء و بعيدا عن كل عنف
سياسي أو اجتماعي .
الأسلوب الثوري : نتيجة قيام ثورة أو انقلاب عسكري فينتهي العمل بالدستور القديم بانتهاء و سقوط النظام السياسي الذي أنتجه .
المبحث الرابع : مضمون الدستور :
الموضوعات المتعلقة بنظام الحكم :
إن الجانب الأكبر من قواعد الدستور تتناول تنظيم الحكم في الدولة هذه القواعد تشكل
النواة الصلبة للدستور و يتجلى ذلك في مجموعة من النصوص التي تبين طبيعة و أهداف
نشاط الحاكمين سواء كانوا أشخاصا أم هيئات ، كما يبين الدستور شكل الدولة هل هي
بسيطة أم مركبة و شكل الحكم فيها ) ملكي ، جمهوري ( و شكل النظام السياسي ) برلماني ، رئاسي( و طريقة الوصول الى الحكم ) الوراثة ، التعيين ام الانتخاب ...( كما يعين السلط في الدولة و الأعضاء المنوط بهم مزاولة هذه السلطات فهو الذي يحدد نطاق الوظائف الثلاث ) التشريعية ، التنفيذية و القضائية ( و تفيد نصوص الدستور أيضا بأن الحاكمين لا يمارسون صلاحياتهم اعتبارا لامتيازات شخصية ، و نظرا لكون الدستور وثيقة مختصرة فإنه يحيل فيما يخص التفاصيل على القوانين التنظيمية و على القانون الداخلي للبرلمان .
المقتضيات المتعلقة بالحقوق و الالتزامات :
بالإضافة الى موضوع الحكم الذي يعنى به الدستور هناك موضوع الحريات و الحقوق الأساسية الذي يعد هو الآخر من أهم الموضوعات التي تتناولها دراسات القانون الدستوري و المؤسسات الدستورية . فالمقتضيات المتعلقة بالحقوق و الالتزامات تفرد لها الدساتير أبواب ثابتة و مطولة . و يمكن القول أن مسألة حقوق الانسان أصبحت حاليا موضوع اتفاق دولي إذ لم يعد مجرد مسألة دستورية داخلية ، و لذلك فإن معظم الدساتير صارت تدمج ضمن أبوابها المواسيق الدولية لحقوق الانسان التي يتصدرها " الإعلان العالمي لحقوق الانسان " .
المقتضيات المتعلقة بالجانب الشكلي و الدستوري المحض :
ونجد أن الدساتير تتضمن أيضا قواعد لا علاقة لها بتنظيم الحكم ) تتعلق بالزراعة أو
الصناعة ...( ، وقصده من ذلك أن يسبغ عليها صفة الاستقرار الذي يقترن بالدستور
الجامد و إبعادها عن متناول المشرع العادي . كما تتضمن الدساتير بعض المقتضيات
المختلفة تتغير من دولة لأخرى ) اسم الدولة ، وصف علم الدولة ، شعارها ...(__