الدولة
الدولة
تعتبر الدولة المادة الأساسية لدراسة القانون الدستوري، على اعتبار أنها الشكل التنظيمي
الأكثر ملائمة وتطورا لمأسسة الحكم وممارسة السلطة السياسية.
وفي البداية لابد أن نتعرف
ونتوقف على ماهية الدولة.
المبحث الأول تعريف الدولة:
يعتبر مصطلح الدولة من أكثر المصطلحات شيوعا وانتشارا في اللغة السياسية المعاصرة، -
غير أنه يبقى السؤال عن ماهية ومعنى الدولة يطرح علينا نفسه بإلحاح، وأمام كثرة التعاريف والنظريات، فإنه ليس من السهل إعطاء جواب مقنع ومدقق ونهائي. بحيث لم يجمع فقهاء القانون و علماء السياسة على تعريف موحد للدولة ، ففي الأساس اللاتيني نجد كلمة دولة Status تعني الاستقرار ، و يقصد بها في المعنى العام مجموع المجتمع السياسي المنظم ، فبعض التعاريف ركزت على السلطة و بعضها ركز على الاختلاف السياسي بين الحاكم و المحكوم غير أنه يمكن من خلال استجماع ما تفرق في تعاريف الفقهاء ، يمكن إعطاء تعريف للدولة بأنها مزيج من العناصر التاريخية و السياسية الاقتصادية و القانونية بل و الاجتماعية البسيكولوجية علاوة على أنها مجموعة من المقومات المادية والقانونية ، و بناء عليه يمكننا القول أن الدولة لا تنحصر في المؤسسات التي تمثلها فهي تفوقها و تتعالى عنها
. لكن رغم ذلك تبقى الدولة هي المؤسسة الأم التي تحتضن كل المؤسسات السياسية وغير السياسية وهي بذلك حسب المنظور الغربي هي مؤسسة المؤسسات كإطار للقانون الدستوري والدراسات القانونية، بل والسياسية أيضا. إنها أرقى
أشكال التنظيم الاجتماعي الذي توصلت إليه البشرية، كما أنها تعتبر وسيلة للإكراه والضغط فهي إذن هي كل هذا في آن واحد بل وأكثر من ذلك.
وبخصوص نشأة الدولة فقد اختلفت كذلك بشأنها اجتهادات الفقهاء، فالبعض يرى أن ظهور -الدولة مرتبط بتطور المجتمع وظهور الجماعة السياسية التي تعبر عن مدنيته ورقيه وتنظيمه.
و مع هذا التطور التدريجي فإنه يستحيل تحديد تاريخ معين لظهور الدولة كمؤسسة، و تجدر الإشارة إلى أن أول من استعمل اسم و كلمة دولة هو المفكر الإيطالي ميكيافيلي في كتابه الأمير في بداية ق 16 م حين قال " كل هيئة لها سلطة على الشعوب هي دول " ، و كلمة Etat المنقولة عن العبارة اللاتينية Status تعني الحالة المستقرة ، أما أصل كلمة دولة في اللغة العربية مشتق من فعل د ال أي تغير الزمان و انقلب .
و مما تجدر الإشارة إليه أنه على الرغم من أن "المجتمع السياسي" أي المجتمع - الإنساني الخاضع لسلطة عامة كان دائما موجودا غير أنه لم يكتسب دائما صفة و شكل الدولة و ذلك عكس ما يقول به بعض المفكرين ، فالدولة هي شكل محدد و متكامل للمجتمع الإنساني
.
وخلاصة القول فإنه رغم حضور الدولة في مختلف مراحل تطور المجتمعات وفي جميع الحقول المعرفية، وكما اختلف في وضع تعريف محدد لها فقد اختلف المفكرون والفلاسفة والمنظرون حول أصلها ومصدر أساس السلطة الحاكمة فيها.
المبحث الثاني: النظريات المتضاربة حول الدولة:
النظرية الثيوقراطية) الدينية
(
.1 المذهب الإلهي فوق الطبيعي
.
.2 مذهب الحق الالهي السماوي
.3 نظرية تأليه الحاكم
4- النظرية التعاقدية )نظرية العقد الاجتماعي (
.1 الحالة الطبيعية
.2 العقد الاجتماعي
5- النظرية الليبرالية
6- النظرية الماركسية
النظريات المتضاربة حول الدولة:
ما يثير الانتباه عند محاولة تفسير أصل الدولة هو تعدد المرجعيات والمنطلقات التي انتجت لنا عدة نظريات تبحث في أصل الدولة ونشأتها نذكر منها على سبيل المثال:
النظرية الثيوقراطية ) الدينية ( : يقول أصحاب هذه النظرية أن أصل السلطة هو الله و ليس الانسان أو المجتمع و يعتبرون أن مصدر الحكم هو العناية الإلهية و أن الدولة هي نظام لاهوتي و ليست مؤسسة سياسية بشرية ، و هم بذلك يعتبرون أن الحاكم شخص مقدس و لا تجب محاسبته ولا مساءلته و تتفرع هذه النظرية الى عدة مذاهب
:
- المذهب الإلهي فوق الطبيعي : و يسمى أيضا مذهب ملكية الحق الإلهي و يقول بأن
الله هو الذي يعين الشخص الذي يمارس الحكم السياسي .
- مذهب الحق الإلهي السماوي ) مرسل من العناية الإلهية (: مفاده أن الإله هو الذي
يعين الشخص الذي تعود إليه ممارسة الحكم الذي تحيطه العناية الإلهية و تهيء له الظروف لينتصر و يصبح حاكما
. ) الكاتب الفرنسي بوسيي ، هتلر (
- نظرية تأليه الحاكم : مفادها أن الله و ذات الحاكم ذات واحدة غير مجزأة ، فيصبح الحاكم هو الله نفسه له سلطة مطلقة يتصرف كما يشاء و متى شاء لا يراقبه و لا يحاسبه أحد لأنه لا يخطيء و لأنه ليس من طينة البشر ويجب على الجميع عبادته و طاعته
.
و من خلال استقرائنا للتاريخ فإننا نجد أفكار هذه النظرية متواجدة في مختلف الديانات و الحضارات القديمة. فنجد مثلا المصريون القدامى يعتبرون الفرعون إلاها و كذلك في الدولة البابلية يقدسون الملك حمورابي و في الهند نجد قوانين مانو المستمدة من الإله براهما و عند
المسيحيين نجد الملك لويس 14 يحكم بتفويض إلاهي و قد ظهرت بعض هذه الأفكار كذلك في تاريخ الحضارة الإسلامية رغم أن الإسلام يقر مفهوم البيعة الذي يجعل السلطة بيد الأمة التي تختار من يحكمها. ولم تقتصر أفكار النظرية التيوقراطية على الحضارات القديمة بل استمرت حتى أواخر القرن 20 ، فنجد مثلا هتلر يقول أن العناية الإلهية هي التي اختارته ليحكم ألمانيا
و كذلك فرانكو ملك اسبانيا يقول أن سلطته تأتي من الله، و قد عرفت نظرية التفويض الإلهي رواجا كبيرا في الصين و روسيا و اليابان.
وجدير بالذكر أن هذه النظرية تعرضت لانتقادات شديدة لبعدها عن التقبل العقلي للإنسان حيث أنها نظريات صنعت ووظفت فقط لخدمة مصالح فئة معينة، وهو ما أفسح المجال لظهور النظريات الديموقراطية التي منها ما يرجع السيادة إلى الأمة ومنها ما يرجعها الى الشعب.
-1 النظرية التعاقدية )نظرية العقد الاجتماعي(: و تندرج ضمن النظريات المنادية بضرورة انبثاق السلطة من الشعب وإرادة أفراده وتقول بضرورة وجود اتفاق أو عقد بين الحاكم والأفراد أو بين الأفراد بعضهم البعض للخضوع لنوع معين من نظم الحكم، وقد ظهرت كفكرة منذ القدم بحيث نجد الفيلسوف الصيني فكونفيشيوس ذهب الى أن الحاكم مفوض من الله على الأرض ليحكم وفق عقد وتجب طاعته طالما احترم هذا العقد وإلا فالأفراد لهم الحق في الثورة ضده إذا حاد ولم يطبق نصوص العقد.
و رغم وجودها كفكرة فإنها لم ترق إلى مستوى النظرية الفاعلة في الحقل السياسي إلا خلال القرون 16 و 17 و 18 مع ظهور
منظري المذاهب الديموقراطية لنشأة السلطة الذين عملوا على إنزال السياسة من السماء إلى الأرض. ومن أبرز مفكري هذه النظرية نذكر طوماس هوبز وجون لوك وجون جاك روسو ويعتبرون أن الدولة قامت نتيجة اتفاق مقصود واختياري من جانب الناس البدائيين الذين كانوا يعيشون حالة الطبيعة و قرروا الانتقال بشكل واعٍ من حالة الطبيعة الى حالة المجتمع السياسي المنظم الذي يتجسد في الدولة.
- الحالة الطبيعية: رغم اتفاق رواد العقد الاجتماعي على وجود حالة فطرية طبيعية عاشها الأفراد قبل أن ينتقلوا إلى الحياة الجماعية فإنهم اختلفوا حول تصورهم لهذه الحالة.
-
فطوماس هوبز يعتقد أنه بما أن الفرد أناني بطبعه فإن ذلك ينعكس على حياته التي ستقوم على الاضطراب والوحشية والعنف والفوضى وسيطرة الأقوياء مما يجعله يعيش حالة حرب الجميع ضد الجميع حالة ينعدم فيها الإحساس والشعور بالأمان، ولعله كان يسعى من خلال اعتقاده هذا إلى تبرير الحكم المطلق في إنجلترا خلال القرن 17 ودعم وتأييد الملكين شارل الأولوشارل الثاني الذي كان مقربا منهم.
-
و بالنسبة لجون لوك الذي يعد من رواد المذهب الليبرالي، فإن ما يميز فطرة الانسان هو الصفاء و السلام و إرادة الخير و الحرية و بالتالي فإن حالة الطبيعة عنده لم تحكمها نزعة الأنانية المتوحشة و لا المصلحة الذاتية و لم تكن تتسم بالوحشية و الفوضى، و إنما كانت تتميز فقط بعدم الاستقرار و ينقصها فقط التنظيم، وهذا ناتج عن غياب سلطة عليا قادرة على تنظيم أمور الأفراد و حماية حقوقهم الطبيعية .
-
أما بالنسبة لجون جاك روسو الذي يعتبر من أشهر فلاسفة فرنسا خلال ق 17 فإنه يعتبر أن الانسان ولد حُرّ ا وأن العلاقات الاجتماعية والمجتمعية جعلته مقيدا وبذلك فهو يرى أن الحالة الفطرية هي أفضل بالنسبة للإنسان من المجتمع المدني.
-
إن الانتقال من حالة الفطرة الى الحالة الاجتماعية و السياسية المنظمة يعتبر أمرا نابعا من حالة الطبيعة ، إلا أن دوافعها تختلف من مفكر إلى آخر ، فحسب طوماس هوبز يعتبر بمثابة وضع حد نهائي للحروب المستديمة التي كانت تسود حالة الطبيعة ، أما بالنسبة لجون لوك فالدافع بالنسبة له هو شعورالناس بضرورة تنظيم حياة الفطرة أما الدافع لدى جون جاك روسو هو أنه بعد تعقد الحياة و العلاقات الاجتماعية التي شوشت على فطرة الانسان وقيدت
حريته فكان من الضروري على الانسان أن يقيم مجتمعا مدنيا على أساس عقد اجتماعي يضمن حقوقه و حريته.
العقد الاجتماعي: هو عبارة عن اتفاق مجموعة من الأفراد فيما بينهم لتكوين مجتمع، - بناء على قاعدة الفائدة المتبادلة وتجنب الأضرار، مقابل تسليم الفرد لإرادة الجماعة الممثلة في السلطة. وبذلك فالدولة هي نتاج لهذا العقد الاجتماعي، وهي ثمرة إيمان الإنسان بإرادته وقدرته على تنظيم أموره باجتهاده وإعمال عقله.
أما طبيعة هذا العقد الاجتماعي ونتائجه فهي تختلف من مفكر لآخر حسب نظرته
لحالة الطبيعة.
-
فهوبز يعتبر أن خوف الانسان ورغبته في العيش بأمان دفعه الى الاتفاق مع
غيره، لذلك تعاقد جميع الأفراد على العيش معا تحت إمرة شخص واحد
يتنازلون له وبشكل كُلي ومن جانب واحد عن حقوقهم الطبيعية ويقوم هو برعاية مصالحهم والسهر على رعاية شؤونهم حسب هواه دون أن يلتزم بشيء معهم ولا يحق لهم أن يحتجوا عليه أو يخالفوا رأيه. وبذلك فهم يخولون للحاكم سلطة مطلقة فالملك بالنسبة لهم هو الشعب ولا وجود لهم بدونه.
-
أما جون لوك وخلاف لطوماس هوبز فهو يعتبر أن العقد الاجتماعي يكون بين طرفين اثنين ويُلزم الطرفين معا وليس طرفا واحدا فقط ، وحين يتنازل الأفراد عن حقوقهم الطبيعية لأحد الأفراد مانحين إياه السلطة عليهم، فإنهيكون مُلزما هو كذلك باحترام شروطهم وحقوقهم وإلا فإن لهم الحق أن يثوروا ويتمردوا عليه في حال لم يلتزم بذلك. فهو يعتبر أنه حين يتنازل الفردعن حقوقه فإنه يتنازل للجماعة وليس لشخص بعينه وبالمقابل فإن الجماعة
التي تكسبه القوة وهي الضامن له ولحقوقه، وينتج عن ذلك عدم قابلية السيادة للتجزئة فالسلطة تنتقل من الشعب كأفراد الى الشعب كجماعة والتعاقد لا يتم لفائدة الفرد بمفرده بل لفائدة الجماعة والحاكم إنما هو وكيل ومفوض من طرف الجماعة الشعب الذي هو صاحب السيادة .
-
أما جون جاك روسو فقد أسهم بشكل كبير في تطوير المبادئ السياسية في العقد الاجتماعي، الذي يعتبره وسيلة يتم بمقتضاها الخضوع إلى الإرادة العامة التي تتلاشى فيها الإرادات الخاصة دون أن يعني ذلك أن الفرد فقد حريته و سيادته، فمقابل الإرادة الخاصة فإنه يشترك في وضع القوانين التي هي تعبير عن الإرادة العامة وهو ما أنتج لنا أربعة مبادئ أساسية وهي:
-1 أن الفرد بمقتضى عقد تنازله لصالح الجماعة لا يفقد شيئا
-2 أن الإرادة العامة تحقق الصالح الجمعي ولا تنجذب نحو أي مصلحة خاصة، فهي تعبر عن العدالة والحق.
-3 أن القانون تعبير عن الإرادة العامة وكذلك السيادة تكون للشعب.
-4 حرية الفرد تتمثل في سلوكه الذي يتسق وينسجم مع الإرادة العامة ومن تم فإن حرية الفرد تكون في إطار التشريع.
و قد كان لأفكار روسو أثرا كبيرا في إشعال الثورة الفرنسية و قد اعتبر كتابه العقد الاجتماعي انجيل الثورة ، فهو الذي أسس لمبدأ سيادة الشعب و فكرة الديموقراطية المباشرة و كان يقول بأن هدف الدولة يجب أن يكون هو حماية حقوق الانسان
.
وخلاصة القول ، فإنه لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبته النظريات العقدية في تطوير
الفكر السياسي الحديث ، و لكنها رغم ذلك فإنها لم تسلم من الانتقاد الشديد لبعض أفكارها ،
و نذكر منها :
- أنها تنفي طابع التطور التاريخي للمجتمعات و أن فكرة قيام المجتمع على اتفاق هي
فكرة غريبة و مثالية .
- أنها نظريات خيالية افتراضية غير واقعية ، لا سند لها من الواقع و لا من التاريخ .
و لكن رغم هذه الانتقادات و الملاحظات فإن نظريات العقد الاجتماعي يبقى لها فضل كبير
في التقليص من سلطة الكنيسة و نظرية الحق الإلاهي في الحكم كما كانت مصدر إلهام
لنشوء و ظهور نظريات أخرى حاولت هي الأخرى تفسير ظاهرة الدولة
.
-2 النظرية الليبرالية: تعتبر الدولة حسب رواد هذه النظرية نتاجا للعقل و الفكر و يعتبرها
ماكس فيبر أرقى ما وصلت اليه البشرية بالاعتماد على العقل و التكنولوجيا ، الدولة بالنسبة
لهم ليست بإقليم أو سكان أو مجموعة من القواعد الملزمة بل تتجاوز تلك المكونات المادية
فوجودها لا ينتمي الى عالم المحسوسات إن الدولة فكرة بكل معنى الكلمة ، و يرتكز التصور
الليبرالي للدولة على عدة محددات يمكن إجمالها في ما يلي :
أنها فكر سياسي تعاقدي قوامه الحرية الطبيعية للبشر و المساواة
قدسية حق الملكية و المبادرة الخاصة و حرية الاقتصاد
الدولة أداة للتوفيق بين مصلحة الفرد و مصلحة الجماعة
القانون ظاهرة عقلانية ) تيار ماكس فيبر (
الدولة الحديثة ليست وليدة الرأسمالية بل وليدة العقلانية
-3 النظرية الماركسية: الدولة حسب هذه النظرية هي ظاهرة قوة، هي تعبير عن الصراع،
ونتاج للصراع بين الطبقات الاجتماعية، وهي أداة قمع وإكراه وضعت تحت تصرف الطبقة
المسيطرة لحماية مصالحها. وبخلاف التحليل الليبرالي الذي يذهب إلى اعتبار الدولة مؤسسة
دائمة فإن الماركسية تعتبرها ظاهرة تاريخية لم توجد منذ الأزل بل ارتبط ظهورها بالملكية
الخاصة والصراع الطبقي وأنها ستزول بزوال شروط وجودها وذلك خلال المرحلة
الشيوعية التي ستتحقق فيها المساواة وسينعدم فيها الصراع الطبقي، وستزول فيها الدولة
تماما، لكن ما يلاحظ على ما تنبأت به هذه النظرية من زوال الدول هو أنها ظلت بعيدة عن
الواقع الذي أصبحت فيه الدولة مؤسسة المؤسسات حاضرة بقوة بغض النظر عن
إيديولوجيتها كما أن لم تختفي ولم تتقلص سلطاتها ولا حضورها لدى الدول التي تبنت
الماركسية اللينينية منذ الثورة البولشيفية بل تطورت لتصبح أكثر انفتاحا يغلب عليها الطابع
الليبرالي.
المبحث الثالث:العناصر المادية والقانونية المكونة للدولة:
تعتبر الدولة حجر الأساس في تركيبة المجتمع الدولي ، و إذا كانت النظرة الفلسفية للدولة تهتم بكيفية نشأتها و مستقبلها ، فإن النظرة القانونية تعنى بالكشف عن مختلف الجوانب
المكونة لها ، فالدولة كما ورد في تعاريفها هي كيان سياسي و اجتماعي منظم يتجسد في مجموعة من الأشخاص من الجنسين معا ، يقيمون فوق إقليم محدد ، و يخضعون لسلطة سياسية حاكمة لها السيادة على الإقليم و على ساكنته ، الدولة إذن تتكون من مجموعة من العناصر المادية و أخرى قانونية .
______________المطلب الأول : العناصر المادية :
من الناحية المادية و الواقعية لا يمكن أن نتحدث عن دولة إذا لم تتوفر لها مجموعة من العناصر و المكونات التي تخلق منها كيانا اجتماعيا و سياسيا واقعيا ، و لذلك لابد أن
تتوفر لها ثلاثة عناصر أساسية وهي : الإقليم ، الشعب و السلطة السياسية .
-1 الإقليم:
يقصد بالإقليم ذلك الإطار الجغرافي والمجالي الذي يقيم في أرجاءه الشعب، وتما ر س ضمن حدوده السلطة السياسية اختصاصا تها، وهو بذلك يعتبر الركن الأول الضروري لوجود الدولة، فبدونه لا يمكن الحديث عن دولة.
و يشمل الإقليم المجال البري و البحري و الجوي، و لكل إقليم حدود تضبطه قد تكون حدود طبيعية و قد تكون اصطناعية كما قد تكون حدودا وهمية أو غير مرسومة، و لا يتأثر وجود الدولة بمساحة هذا الإقليم سواء أكان كبيرا أو صغيرا كما لا يشترط فيه أن يكون متصل الأجزاء فقد تكون بعض أجزاءه منفصلة عن بعضها البعض ) باكستان قبل الاستقلال، اندونسيا ، اليابان ، اليونان ...(
وقد صيغت عدة نظريات بشأن الطبيعة القانونية للإقليم وهذه أبرزها:
- نظرية الإندماج: وترى بأن الإقليم قد ارتبط بالدولة لدرجة أنه لا يمكن التمييز بينهما ويكون لهما نفس المدلول فهو منها بمثابة الجزء من الكل.
العناصر المادية للدولة
الإقليم
الشعب
السلطة السياسية
- نظرية الملكية: وتفيد بأن للدولة على إقليمها حق الملكية
- نظرية الإقليم كحدّ لسلطة الحكام: مفادها أن سلطة الحكام محصورة داخل الإقليم.
- نظرية النطاق أو الاختصاص: و مفادها أن الإقليم يعتبر الإطار أو النطاق الذي تمارس فيه الدولة اختصاصاتها و سلطاتها ، فهو المكان الذي ينفذ فيه أمر الدولة.
-2 الشعب :
لمصطلح الشعب مدلول اجتماعي و يقصد به مجموع الأشخاص الذين يقيمون فوق إقليم الدولة و ينتسبون إليها عن طريق التمتع بجنسيتها و يطلق عليهم المواطنون أو رعايا الدولة ، و مدلول سياسي و يعني الأشخاص الذين يتمتعون بالحقوق السياسية أي الأشخاص الذين يحق لهم المشاركة السياسية في الانتخابات و الاستشارات العامة ، و يتضح من هذين التعريفين أن الشعب بالمعنى السياسي أضيق من الشعب بالمعنى الاجتماعي ، و لكي تقوم الدولة لا يشترط توافر عدد معين من الأفراد ، أي ليس هناك حد أدنى من الأفراد ضروري لقيام الدولة ، و تبقى جميع الدول متساوية في نظر القانون الدولي العام بغض النظر عن عدد أفراد شعبها ، و يختلف مفهوم الشعب عن مفهوم سكان الدولة ، حيث يقصد بالسكان كل من يقيم على إقليم الدولة سواء كان متمتعا بجنسيتها أو أجنبيا ، فمدلول السكان إذن أوسع من مدلول الشعب ،
و كذلك يجب التمييز بين مفهوم الشعب و مفهوم الأمة ، فمفهومها أوسع من الشعب فهي جسم متماسك تربط بين أفرادها وشائج الدم و الدين و اللغة و التاريخ ، وقد تتوزع الأمة بين عدة دول و تشمل عدة شعوب ) الأمة العربية ، الأمة الإسلامية ...( .
-3 السلطة السياسية :
و تمثل الركن الهام من أركان الدولة ، فإنه بدون وجود سلطة سياسية في الدولة يخضع لها جميع أفراد الشعب لا يمكن أن تقوم الدولة التي هي في أصلها ظاهرة سياسية . و يقصد بالسلطة السياسية مجموع الأجهزة السياسية و الإدارية القادرة على الاضطلاع بوظائف الدولة في الداخل و الخارج فهي تؤكد وحدة الشعب المعنوية و الاقتصادية ، و السلطة السياسية هي التي تميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية ) القبيلة ، العشيرة ، ...( و تتميز السلطة السياسية بعدة خصائص نذكر منها :
- أنها سلطة عامة ذات اختصاص عام يشمل جميع الحياة في الدولة
- أنها تسمو على جميع السلطات الأخرى
- عنها تنبق جميع السلطات الأخرى
- أنها سلطة دائمة و مستقرة
- أنها سلطة مستقلة لا تخضع لأي سلطة أخرى داخلية أو خارجية
- أنها تحتكر وسائل القوة و الإكراه ) جهاز إداري و قضائي ، شرطة ، جيش
...(
- أنها تحتكر سلطة الإجبار والتنفيذ والإخضاع التي إذا فقدتها تنهار الدولة
- أنها تحوز على الشرعية والمشروعية فلا قيام لسلطة في غياب شرعية - تسمح لها بالاستمرار
عموما فإن قرارات الدولة تبقى مقبولة لا تثير اعتراضا شديدا من طرف الشعب وتتميز سلطاتها بأربعة مميزات:
- أنها سلطة أصلية Pouvoir Original : غير مفروضة ولا مشتقة، الدولة هي من يحدد إطارها السياسي والإداري.
- أنها سلطة عليا Pouvoir Suprême : لا تعلوها سلطة خارجية و هي صاحبة السيادة الداخلية
.
- أنها سلطة منفردة Pouvoir Autonome : تحتكر امتياز إصدار القوانين و الأوامر و فرض الانصياع لها .
- أنها سلطة مؤ سسة Pouvoir constituent : منفصلة عن شخص ممارسيها ) شخصية اعتبارية
( ، فالشخص الذي يمارس السلطة يمارسها بوصفه ممثلا للدولة ، و مؤسسات الدولة تضل قائمة مهما و مستمرة مهما تغير الحاكمون ، فشخصيتها المعنوية دائمة الوجود ، يبقى هذا على المستوى الداخلي للدولة أما إذا كانت الدولة تريد ممارسة سيادتها و صلاحيتها على المستوى الدولي فلابد لها أن تتوفر على على عناصر أخرى و هي العناصر القانونية .
المطلب الثاني : المكونات القانونية للدولة :
-1 الشخصية القانونية أو الاعتبارية للدولة :
و تعني بشكل بسيط أهلية اكتساب الحقوق و الالتزام بالواجبات في ظل نظام قانوني معين ،
و
يقصد بها أهلية التصرف و التحرك بكل حرية في كل ما تقوم به الدولة من نشاط .
فالشخصية المعنوية للدولة تظهرها كوحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها ، و يترتب على تمتع الدولة بالشخصية المعنوية عدة نتائج نذكر منها الآتي
:
المكونات القانونية للدولة
الشخصية القانونية أو الاعتبارية
السيادة
الاعتراف
أ تعتبر الدولة وحدة قانونية مستقلة : موظفي الدولة و ممثليها يمثلون الدولة في - مهامهم و يخدمون مصالح الدولة لا مصالحهم الشخصية .
ب- المسؤولية المدنية : المعاهدات و الاتفاقيات التي تبرمها الدولة تبقى نافذة مهما - تغير شكل الدولة ، أو نظام الحكم فيها و علاقاتها الدولية تبقى علاقة دولة بدولة مهما تغير الأشخاص الحاكمون
.
ج- استمرار نفاذ قوانين و التزاماتها: مهما تغير نظام الحكم و الأشخاص الحاكمين. -
د- حقوق الدولة و التزاماتها تظل قائمة ما بقيت الدولة قائمة. -
ر- الديمومة و الاستمرارية : استمرار وجود الدولة مهما طرأ عليها من تغيرات -
و - تحولات إقليمية بالامتداد أو التقلص و مهما تغيرت الحكومات
.
-2 السيادة
: و هو أهم ما يميز الدولة ، و نعني به التعبير القانوني الذي يشخص و يحدد
سلطة الدولة ، فهي تسمو و تفرض نفسها على الجميع باعتبارها سلطة آمرة عليا.
فالسيادة هي وحدة واحدة لا تتجزأ و هي أصلية و لصيقة بالدولة و هي ما يميزها عن
غيرها من المؤسسات و الوحدات السياسية و الدستورية .
و للسيادة مظهران :
-
مظهر داخلي
: و يعني قدرة الدولة على تنظيم نفسها إداريا و دستوريا ،
و
السيطرة على مواردها و احتكارها لسلطة الإكراه و القوة المسلحة ، فالدولة إذن هي حرة في إقليمها .
-
و مظهر خارجي : و يعني استقلال الدولة في ممارسة شؤونها الداخلية ،
و
عدم السماح لأية دولة بالتدخل في أمورها ، و لها الحرية التامة في تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى
. و نميز هنا بين دول كاملة السيادة و دول ناقصة السيادة و دول معدومة السيادة .
-3 الاعتراف
:
و أغلب فقهاء القانون الدولي لا يعتبرونه عنصرا من عناصر الدولة ،
و الاعتراف إنما هو إقرار دولي بالأمر الواقع ، فهو لا يتمتع بصفة إنشائية للدولة و إنما بصفة إقرارية
. و لكن يبقى الاعتراف بالدولة كعنصر ضمن المجتمع الدولي يعتبر حدثا هاما في حياتها و يعتبر أساس سيادتها الخارجية ، و قد يكون اعترافا فردي أو جماعيا و قد يكون اعترافا صريحا أو ضمنيا ، و قد يكون قانونيا لا رجعة فيه أو اعتراف فعلي مؤقت قابل للنقض و لا يرتب سوى آثار محدودة .و يعتقد بعض الفقهاء أن عضوية الدولة في هيئة الأمم المتحدة يعتبر من المعايير المميزة للدولة .
المبحث الرابع : أشكال الدول :
لا يوجد نموذج واحد للدولة يمكن تعميمه ، بحيث يمكن أن ننظر لأشكال الدولة من عدة زوايا فقهية ، و اعتمادا على معايير مختلفة أوضحها المعيار السياسي و المعيار القانوني .
-
فحسب المعيار السياسي : تختلف الدول من حيث :شكل الحكم فيها و شكل المؤسسات السياسية ) ملكي ، جمهوري ، ...( - العلاقات بين السلط ) نيابي ، رئاسي ، ...( - الفلسفة السياسية و الاجتماعية ) ليبرالية ، اشتراكية ، ...( -
-
أما من الناحية القانونية : فهناك عدة اختلافات و عدة أشكال قانونية و ذلك بالنظر الى تركيب و تكوين السلطة فيها ، و غالبا ما يقسمها فقهاء القانون العام إلى دول بسيطة و أخرى مركبة
.
-1 الدولة البسيطة
أو الموحدة :
و تتميز ببساطة بنائها الدستوري و السياسي أو بوحدة الأنظمة السياسية التي تحكمها و تتجسد مظاهر الدولة البسيطة الموحدة فيما يلي :
-
من حيث السلطة : تتولى الوظائف العامة في الدولة سلطات واحدة ينظمها دستور واحد يسري على جميع أجزاء الدولة )حكومة واحدة ، قضاء واحد برلمان واحد
(
-
من حيث الإقليم : يعتبر إقليم الدولة البسيطة وحدة واحدة في جميع أجزاءه و يخضع لقوانين واحدة دون تمييز
.
-
من حيث الجماعة : يعتبر أفراد الدولة البسيطة وحدة واحدة يخضعون
في حياتهم و معاملاتهم لقوانين و أنظمة موحدة بغض النظر عما يوجد بينهم من فوارق و اختلافات من حيث اللغة أو الجنس أو الدين
.
و من أمثلة الدول البسيطة الموحدة مثال ) المغرب ، فرنسا ، تونس ، مصر ، ...(
و لابد من الإشارة إلى أنه رغم بساطة البناء الدستوري و السياسي للدولة البسيطة ، فإنه يمكن لهذه الدولة أن تكون إما مركزية أو تنهج نظاما لا مركزيا أو جهويا .
-
الدولة البسيطة المركزية : و فيها تتبنى الدولة نظام المركزية الإدارية وتنفرد باتخاذ
القرارات السياسية و الإدارية المتعلقة بالجماعة في مجموعها ، فلا وجود لسلطات محلية إدارية أو منتخبة . وتسعى من خلاله تحقيق الوحدة الوطنية وتقوية نفوذها و دعم سلطاتها و بسط نظامها على جميع أجزاء الدولة
.
و تتخذ المركزية الإدارية عند التطبيق إحدى صورتين
: تركيز إداري و عدم تركيز
إداري .
-
المركزية بتركيز إداري : يقصد به تركيز السلطة في عمومياتها و جزئياتها في العاصمة الإدارية للدولة ، و هي صورة لا تكاد توجد من الناحية العملية في أية دولة من الدول المعاصرة ، لأنها صعبة التطبيق
.
-
المركزية مع عدم التركيز الإداري:
و يقصد بها تخويل بعض موظفي الوزارة في العاصمة أو في الباقي المدن و الأقاليم بصفة فردية أو في شكل لجان حق البث نهائيا في بعض الأمور دون الحاجة للرجوع إلى الوزير المختص.
و هي تقنية تعمل على التقليص من مركزة السلطة مع تقسيم أفضل للمسؤوليات ، و تقريب الإدارة من المواطنين .
-
الدولة الموحدة اللامركزية : و تكون القرارات الإدارية فيها صادرة عن الممثلين الذين انتخبهم المواطنون و هذا يعني أن تكون الدولة مقسمة إلى جماعات و أقاليم تتمتع بالشخصية المعنوية القانونية تسير نفسها و ترعى مصالحها المحلية دون الرجوع في قراراتها إلى السلطات المركزية بالعاصمة . و تتخذ اللامركزية الإدارية صورتين : لامركزية مرفقية أو مصلحية و لا مركزية ترابية
.
-
اللامركزية مرفقية أو مصلحية: و تعني الاعتراف لمرافق و إدارات عمومية بنوع من الاستقلال الذاتي من أجل الرفع من المردودية و للمزيد من الفعالية .
-
اللامركزية الترابية
: و تقتضي الاعتراف بالاستقلال الذاتي في المجالين الإداري و المالي بحيث تصير جماعات ترابية تتخذ فيها القرارات من طرف سلطات و أجهزة منتخبة . و لتعميق اللامركزية الادارية أخذت بعض الدول بمبدأ الجهوية
.
-الدولة الموحدة و النظام الجهوي : و تعني الاعتراف لجهات و مناطق أكثر اتساعا بسلطات واسعة في تسيير الشؤون العامة ، و قد تصل الى حد منح الاستقلال السياسي لتلك المناطق ، أو حتى حكم ذاتي في إدارة شؤونها على أساس خصوصيات معينة ثقافية دينية جغرافية عرقية لغوية قومية
...، مع بقائها جزءا لا يتجزأ من الدولة
. فالجهوية تعتبر الآلية الأكثر تطورا و تقدما لتفعيل اللامركزية الإدارية ، و الجهة تعتبر الفضاء الأكثر ملائمة للتعامل مع الخصوصيات المحلية لتحقيق التنمية المحلية
.أمثلة(
: انجلترا ، ألمانيا ، فرنسا، إيطاليا و تعتبر التجربة الجهوية الألمانية من أنجح التجارب العالمية ( .
-2 الدولة المركبة:
و هي تلك الدولة التي تكون السلطة السياسية العامة فيها موزعة بين هيئتين أوأكثر مع خضوع الدول المتحدة لسلطة حكم مشتركة.
و الدولة المركبة تتخذ عدة أشكال و سنركز فيها على نوعين أساسيين الأكثر تطبيقا على المستوى الدولي : هما الدولة الكونفدرالية ، و الدولة الفيدرالية .
-
الدولة الكونفدرالية : هي عبارة عن رابطة مجموعة من الدول تبرم بينها معاهدة تلتزم بمقتضاها العمل على تحقيق أهداف معينة عن طريق هيئات مشتركة تنشئها المعاهدة ، و الدول الأعضاء تحتفظ بشخصيتها الدولية و بحقها في مباشرة مظاهر سيادتها الداخلية و الخارجية مع احترامها في ذلك طبعا ، السياسة العامة التي يرسمها الاتحاد . فالكونفدرالية ليست فوق الدولة فلكل دولة الحق في الانسحاب منها متى شاءت و لكل دولة حق الاعتراض على القرارات الناتجة عن مؤسسات الاتحاد فقراراته لا تتمتع إلا بقيمة أدبية غير ملزمة
. و لقد ثبت تاريخيا أن هذا النوع من الاتحاد لا يعمر طويلا مثال )اتحاد جمهوريات أمريكا الوسطى 1898 انتهى بانقصال الهندوراس و نيكاركوا و سان سلفادور( الكونفدرالية الجرمانية 1815 )
و قد تكون الكونفدرالية خطوة أولية تمهيدية للاتحاد في شكل أقوى و أعمق وهو شكل
الدولة الفدرالية .
-الدولة الفيدرالية : هي مجموعة من الدويلات التي تشترك مع بعضها في اتحاد توضع على رأسه دولة عليا تمارس سلطات الحكم الفيدرالي مع احتفاظ كل دولة باستقلالها الداخلي و تتنازل عن سيادتها الخارجية لصالح الاتحاد الفيدرالي التي هي جزء منه
.
- فعلى المستوى الخارجي : لا توجد سوى شخصية دولية واحدة ، جنسية واحدة و إقليم واحد رغم تعدد الدول المكونة لها
.
- أما في المجال الداخلي
: فتتجلى مظاهر الوحدة في وجود دستور فيدرالي واحد ملزم لجميع الولايات ، وجود سلطة تشريعية واحدة ، جهاز تنفيذي و إداري مركزي واحد ، وجود جهاز قضائي واحد .
و بخصوص نشأة الدولة الفيدرالية فإنه يبدوا أنها تنحصر في طريقتين أساسيتين :
- الأولى تتمثل في اندماج عدة دول مستقلة لتكوين دولة اتحادية و تسمى طريقة الانضمام .) حالة الاتحاد المركزي السويسري و الأمريكي و الألماني و الاسترالي و الكندي و جنوب إفريقيا (
- الطريقة الثانية : وتحدث عند تفكك دولة موحدة إلى عدة دويلات صغيرة قررت الحصول على استقلالها الذاتي مع تأكيد رغبتها في استمرار روابط بينها و بين الدويلات المنفصلة مما يؤدي إلى لتحويل الدولة الموحدة الى دولة فيدرالية و تسمى هذه الطريقة طرقة الانفصال (البرازيل ، روسيا البلشفية ، المكسيك ، الأرجنتين (
و بغض النظر عن طريقة تشكل الدولة الفيدرالية فإن الرغبة التي تجمع الدول تتمثل في
: تحقيق أمرين :
- الأول
: تكوين كتلة واحدة للسهر على مصالحها المشتركة
- الثاني
: تمسكها و حرصها على قدر من استقلالها الذاتي في تسيير شؤونها
.
أمثلة الدول الفيدرالية ) الولايات المتحدة الأمريكية ، استراليا ، الإمارات العربية المتحدة ..)
أما بالنسبة للمبادئ التي تقوم عليها الدولة الفيدرالية فتتلخص في التوفيق بين ضرورة
احتفاظ الدويلات باستقلالها الذاتي و تحقيق مشاركتها في تسيير شؤون الدولة الاتحادية
مبدأ الاستقلال الذاتي : يقصد به أن كل ولاية أو دويلة منضوية تحت لواء
الدولة الفيدرالية لها صلاحيات خاصة تمارسها بدون تدخل من قبل السلطات
الاتحادية الفيدرالية ، فلها حرية وضع دساتير و تشريعات خاصة بها و لكن
يجب أن تبقى دائما مؤطرة و لا تتناقض مع مبادئ الدستور الاتحادي .
و بمقتضى هذا فإن كل دويلة وولاية تتوفر على حكومة و برلمان و قضاء خاص بها.
-مبدأ المشاركة : و يعني مشاركة الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي في التوجيه السياسي للدولة الفيدرالية بواسطة تمثيلها في أجهزة الاتحاد المختصة بإعداد هذه السياسة خاصة في مجال التشريع و ذلك من خلال نظام المجلسين الذي يعتبر لازما للدولة الفيدرالية .
أما عن كيفية توزيع الاختصاصات بين دولة الاتحاد المركزي و الولايات فيتم توزيعها باتباع إحدى الطريقتين :
- الطريقة الأولى : تقضي بتحديد الدستور الاتحادي لاختصاصات الولايات على سبيل الحصر و ما عداها من الاختصاصات يوكل بها لدولة الاتحاد
) مثال كند (
- الطريقة الثانية : تنص على اختصاصات الحكومة الاتحادية المركزية على سبيل الحصر و ما عداها من الاختصاصات يوكل بها الى الولايات
. و هذه الطريقة الأكثر تطبيقا ) سويسرا ، الولايات المتحدة ، ألمانيا ، أستراليا ، الأرجنتين ...(
وظائف الدولة :
تدور الدولة مع وظائفها وجودا و عدما ، فما وجدت الدول إلا من أجل تلبية حاجات مجتمعية
، و تتجلى أدوارها بصفة عامة حسب الفيلسوف طوماس الأكويني في البحث عن تحقيق الخير العام
و هو ما يعرف حاليا بالمصلحة العامة ، و تتطور حسب الأزمان و تختلف حسب اختلاف الإيديولوجيات ، و نجدها تنقسم إلى وظائف تقليدية تابثة و أخرى حديثة متطورة و متنوعة و يبقى أهم هذه الوظائف الوظيفة الاقتصادية و الاجتماعية ، و الوظيفة القانونية ثم الوظيفة الإدارية .
-1 الوظيفة الاقتصادية و الاجتماعية :
و تتغير هذه الوظائف و تتطور حسب تطور مفهوم الدولة ، و لقد شهدت الدولة الرأسمالية منذ تأسيسها في ق 18 الى يومنا هذا المرور من أربعة مراحل : مرحلة الدولة الحارسة أو الدركية ، مرحلة الدولة العناية ، مرحلة الدولة المسيرة و الموجهة للاقتصاد و مرحلة الدولة التابعة
.
-الدولة الحارسة ) الدولة الدركي
( : و هي الدولة التي وجدت منذ عهد ميلاد الدولة الرأسمالية ، و كما يدل على ذلك اسمها فمهمتها هي الحفاظ على الأمن الداخلي و الخارجي و كانت الدولة مبتعدة عن التدخل في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية لأن الاقتصاد كان يسير وفق مبدأ
" دعه يعمل دعه يمر
" .
-الدولة العناية : على إثر الأوضاع المزرية المتأزمة التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 و الحربين العالميتين ظهر مفهوم الدولة العناية التي أصبحت تتدخل في مجال الاقتصاد بإنشاء قطاع عام متكون من مؤسسات عمومية اقتصادية و تجارية تدير النشاط الاقتصادي الى جانب القطاع الخاص ،و ذلك بغرض تثمين الموارد الطبيعية و الإشراف على تنظيم انتاج الخيرات و تداولها و توزيعها و استهلاكها بشكل عقلاني و عادل .
-الدولة الوظيفية : و مهمتها تتمثل أساسا في تأمين المجتمع ضد الأضرار المادية و المعنوية الناتجة عن النظام الرأسمالي ، و تنطبق هذه الوضعية أكثر على الدول الاشتراكية ) الاتحاد السوفياتي ، يوغوسلافيا ( التي تدعم تدخل الدولة و ملكيتها لوسائل الانتاج و لا تشجع المبادرات الخاصة الحرة ، غير أن سوء تخطيط الدولة و توجهها نحو تقوية الصناعة العسكرية التي تمليها ظروف الحرب الباردة أدى ذلك الى إهمال الحقوق الاجتماعية و السياسية الشيء الذي انعكس سلبا على اقتصاداتها و انتهت بالانهيار و الإفلاس و تفكك المنظومة الاشتراكية .
-الدولة التابعة : و تتجسد في دول العالم الثالث أو الدول السائرة في طريق النمو التي اختارت طريق التبعية إما للاقتصاد الرأسمالي أو للاقتصاد الإشتراكي . و فشلت في تحقيق التنمية بعد حصولها على الاستقلال و قد أصبحت جراء سياسات التقويم الهيكلي و ارتفاع مديونيتها دولا تابعة للدول الغربية و المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي .
-2 الوظائف القانونية للدولة :
و تتحدد هذه الوظائف في وظيفة التشريع و التنفيذ و القضاء
.
-
الوظيفة التشريعية : و يقصد بها كل الأعمال المتخذة من لدن الأجهزة المختصة لإصدار القوانين و سن التشريعات المنظمة للمجالات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ، و هي الوظيفة التي يقوم بها الجهاز الذي يعترف له القانون الدستوري للدولة بصفة جهاز تشريعي مهمته وضع القوانين . و تشريعاته و قوانينه تكون في غالب الأحيان قواعد إلزامية عامة ، قواعد تتميز بالتجريد و بطابعها العام . و عموما فإن السلطة التشريعية تعتبر فينظر الفلسفة الدستورية الغربية سلطة أساسية لأي مجتمع سياسي انطلاقا مننظرية العقد الاجتماعي ، و بالتالي فهي الضامن لصيانة مبدأ التطابق بين الشرعية La légitimité و المشروعية La légalité . و من هنا فإن منتوج السلطة التشريعية الذي هو القانون يصبح متصفا بصفة السيادة على اعتبار أن المجلس التشريعي في المفهوم الدستوري الكلاسيكي هو صاحب السيادة
يترجمها من خلال ما يصدره من قوانين .
-
الوظيفة التنفيذية : هي الوظيفة التي يقوم الجهاز التنفيذي أو السلطة التنفيذية و المتمثلة في السهر على تنفيذ القوانين الصادرة عن البرلمان عن طريق أجهزة إدارية و مؤسسات تحتكر سلطة الإكراه و الإجبار على الخضوع للقانون . و يوجد شكلان رئيسيان لتنظيم الجهاز التنفيذي :
الجهاز التنفيذي الأحادي : أو ما يسمى بفردانية السلطة التنفيذية و تكون جميع السلطات بيد رئيس الدولة كما هو الشأن في النظام الأمريكي ، سلطة الحكومة مستنبطة من سلطة رئيس الدولة الذي يعتبر مسؤولا عن عملها و يساعده في ذلك الوزراء.
الجهاز التنفيذي الثنائي : و يتكون من عضوين رئيس الدولة و رئيس الحكومة بحيث لكل اختصاصاته و مجال عمله
.
-
الوظيفة القضائية
: هي الأعمال المنجزة من طرف المحاكم بجميع أنواع ، و تناط هذه الوظيفة بجهاز قضائي مستقل عن الحكومة و عن البرلمان يتمتع بالاستقلال التام عن الجهازين التشريعي و التنفيذي
.و يؤدي هذا الجهاز وظيفته عن طريق إصدار الأحكام و النطق بالقانون و تطبيقه على النوازل المعروضة في على المحاكم . و حتى يؤدي القضاء مهمته على أكمل وجه يتوجب على النظام السياسي الحاكم احترام و تفعيل مبدأ فصل السلط .