أنواع الإضراب
أنواع الإضراب
أصبح الإضراب في المجتمعات العصرية يطلق
على ايقاف جماعي مدبر لنشاط من طرف جماعة أيا كان نوعها حتى ولو تم ذلك خارج نطاق
الشغل، اما المفهوم الكلاسيكي للإضراب فيتمثل في التوقف الجماعي المدبر عن الشغل
من طرف عمال مؤسسة أو قطاع معينين جميعهم او بعضهم قصد ممارسة ضغط على رب او ارباب
العمل لتحقيق مطالب مرفوضة من طرفه أو من طرفهم او لإجباره أو لإجبارهم على التراجع عن قرار يمس بصورة
مباشرة او غير مباشرة جماعة العمال، وقد تطور مفهوم الإضراب خصوصا فيما يتعلق بظروف
ممارسته وأهدافه واهم أنواعه هي:
1 الإضراب الكلاسيكي او التقليدي
وهو النوع الأكثر شيوعا ويتجلى في توقف
عمال مؤسسة او عدة مؤسسات جميعهم او بعضهم عن العمل مفضلين الحرمان المؤقت من أجورهم
وأملين في نفس الوقت أن يؤدي توقف الشغل بالمؤسسة إلى إصابة رب العمل بخسارة من
شانها أن تدفع إلى قبول مطالبهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ويقتضي التوقف الصريح
والفعلي عن العمل بالنسبة لجميع المشاركين في الإضراب.
وقد أصبح تنظيم الإضراب يتطلب تنظيما محكما
نظرا لتعقد علاقات الشغل ويشترط لنجاعة الإضراب وجود تنظيم نقابي محكم من شانه أن
يوحد شتات العمال ويجمع كلمتهم وان ينظمه الإضراب بإحكام سواء من حيث زمانه أو مدته.
وبما أن هذا النوع من الإضراب هو السائد لا
في القطاع الزراعي بل حتى في كافة القطاعات الأخرى فانه لا يتم اللجوء إلى احد أنواع
الإضراب الأخرى والتي سنتعرض لها فيما بعد إلا بصفة استثنائية وفي حدود ضيقة والإضرابات
التي شهدها القطاع الزراعي ببلادنا كلها تقريبا من هذا النوع
فالعمال المضربون يتوقفون عن العمل بصورة
صريحة وكاملة لمدة لا تقل عن يوم.
2 الاضراب الدائر
هذا النوع منتشر في المجتمعات المصنعة
خصوصا في أوروبا، وقد يمتد زمنا طويلا نسبيا يصل الى عدة شهور، ويهدف إلى إضعاف
القوة الإنتاجية للمؤسسة ويقارنه فقهاء القانون الاجتماعي بحرب استنزاف، وهو عبارة
عن التوقف الجماعي عن الشغل في عدة مصالح تابعة لنفس المؤسسة. وبصورة متتابعة حيث
يبدأ عمال المصلحة في الإضراب كلما توقف عنه عمال مصلحة أخرى وهكذا دواليك ونظرا
لطبيعته الخاصة فهو يتطلب تنظيما دقيقا من حيث ظروف الانضباط والتوقيف ورغم أن
القطاع العمومي بفرنسا يعتبر مهدا له فقد
تدخل المشرع الفرنسي لمنعه في هذا القطاع بسبب النتائج الوخيمة المترتبة عنه.
ومن الصعب تصور هذا النوع من الإضرابات خارج
المجتمعات العصرية والمصنعة بصفة خاصة لما يتطلب من دقة في التنظيم ووعي وانضباط
عاليين في المشاركين.
ولا
يتصور قيام مثل هذا الإضراب في القطاع الزراعي حيث ان الشغل داخل المؤسسة الزراعية
يتسم بالبساطة وتوزيع المهام بصفة مستقلة
حيث ان توقف عمال الري لا يمكن أن يؤثرا على عمل الإجراء المكلفين بالتسديد أو
بحرث الأرض أو بقطف مختلفة المحاصيل
3 الإضرابات قصيرة المدة والمتكررة
يتجلى هذا النوع في التوقيف عن العمل بصورة
متكررة ولمدة لا تتعدى بضع ساعات في كل مرة أما بعيد وقت الدخول أو قبيل الخروج
منه أو أثناء فترة العمل ويلاحظ انه يؤثر حتى في الطاقة الإنتاجية للعمال غير
المضربين حيث إنهم لا ينعزلون عن زملائهم المضربين كما هو الشان بالنسبة للإضراب
الكلاسيكي بالخصوص، وتمكن مقارنته من هده الناحية بالإضراب الدائر الذي سبقت الإشارة،
إليه كما انه لا يضر بالعمال المضربين لكونهم يحتفظون بأجورهم أثناء مدة الإضراب
أو على ألأقل بجزء منهم منها، وقد أثبتت التجارب في فرنسا أن أضراره أكثر فداحة من
الإضرار التي تسببها أنواع الإضرابات ألأخرى بالنسبة لأرباب العمل خصوصا أنهم لا
يعرفون بصورة مسبة وقت اللجوء إليه، ألا انه يتطلب دقة في التنظيم ودرجة عالية من
الإنضباط الأمر الذي يجعله يتنافى مع انتشار الأمية وقلة الوعي الذي نتميز بهما
مجتمعات الدول المختلفة خصوصا منها القروية وبالتالي فهو يتنافى مع طبيعة الوسط
الزراعي ببلادنا حيث يقل التأطير والتنظيم النقابيين وترتفع نسبة البطالة ويتم تشغيل
العمال بأعداد قليلة ومتفرقة .
4- الإضراب عن الإنتاج
لا
يقتضي هذا النوع من الإضراب التوقف عن الشغل كما هو الشأن بالنسبة لأنواع الإضراب
الأخرى، بل مواصلة العمل مع نقص مقصود
ومتفق في الإنتاج، ويتطلب تأطيرا وتنظيما محكمين، ألا انه يمكن ان يكون تلقائيا
وعفويا دون سابق تنظيم، حيث يتم اللجوء إليه في صورة احتجاج كما هو الشأن عندما
يتأخر أداء الأجور عن وقته المحدد بمدة غبر معقولة، ويلاحظ أن عمال الأراضي
المسترجعة التي كانت تسيرها مصلحة الاستغلالات الفلاحية التابعة للمجلس الإقليمي
لمراكش كانوا يلجأون إلى التباطؤ في العمل وبالتالي النقص من الطاقة الإنتاجية
للعمل كلما تأخر أداء الأجور عن وقته المحدد بمدة غبر معقولة كما يلجأ إليه العمال
الزراعيون الرسميون كلما ارتفعت أجور العمال الموسميين عن أجورهم كما هو الشأن في
مواسم الحصاد أو جني الشمندر أو قصب السكر أو قطف الحوامض ويتم تلقائية كما سبقت
الإشارة إلى ذلك أي دون أن تنظمه أو تدعو إليه هيأة نقابية.
5- الإضراب مع احتلال أماكن العمل
من
الصعب تصور إضراب دون احتلال العمال الأماكن العمل، خصوصا أن الإضرابات الاجتماعية
قليلة جدا نتيجة التعدد النقابي من جهة وللخلافات الحادة التي تعرفها الهيئات
النقابية ،وذلك بالإضافة إلى ارتفاع مستوي البطالة وبالتالي سهولة الاستغناء عن
العمال المضربين في الكثير من الحالات.
ويمكن تأويل احتلال العمال لأماكن الشغل تأويلين
مختلفين تماما الاختلاف فقد يتم اللجوء إليه للمحافظة على فعالية الإضراب وذلك بمنع
رب العمل من تشغيل العمال غير المضربين أو الاستعانة بعمال خارج المؤسسة للتخفيف
من نتائج الإضراب، خصوصا إذا كانت نسبة الأيدي العاملة المتوفرة في سوق العمل
مرتفعة، أو قد يتم لحماية مختلف التجهيزات التي قد تتعرض لعمليات النهب أو التخريب
أثناء مدة الإضراب.
وقد عرفت نزاعات الشغل بالمغرب حالات الإضراب مع
احتلال أماكن الشغل خصوصا في القطاع المنجي حيث يعتصم العمال بالمناجم طيلة مدة
الإضراب، كما ان كل الإضرابات تقريبا التي عرفها القطاع الزراعي خصوصا في بداية
الستينيات كما يتم القيام بها مع احتلال أماكن العمل الزراعي حيث يعتصم العمال المضربون بالضيعات التي يعملون
بها لمنع أرباب العمل من تشغيل غيرهم خصوصا مع كثرة العاطلين في الأوساط القروية
زيادة على أن القيام بالعمل الزراعي لا يتطلب خبرة كبيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أنواع أخرى من
الإضرابات أهمها :
1- الإضراب عن العمل
أثناء الساعات الإضافية :
وهو غير معروف في القطاع الزراعي ببلادنا
لكون العمال لا يتلقون أي تعويض عن الوقت الزائد على مدة الشغل القانونية في الوقت
الراهن، في أغلب الحالات فأرباب العمل يعتبرون أن الأجور التي يؤذونها لأجرائهم
يؤذونها لهم مقابلة العمل اليومي ولو زاد على التوقيت القانوني مع العلم أن هذه
الأجور في معظمها لا تصل حتى مبلغ الحد الأدنى القانوني، كما أن ارتفاع عدد العمال
العاطلين وتوفر الأيدي العاملة اللأزمة في سوق العمل يجعل أرباب العمل لا يلجئون
إلى تشغيل عمالهم أثناء الساعات الإضافية بالنسبة للمؤسسات التي تحترم التوقيت
القانوني للشغل وذلك باستثناء بعض العمال المتخصصين وعلى رأسهم الميكانيكيين.
2- الإضرابات مع التمسك
بالشكليات الإدارية:
ويتمثل تطبيق لإجراء المضربين أثناء فترة
الإضراب مختلف القوانين والتنظيمات التي تنظم سير أعمالهم تطبيقا حرفيا من شأنه أن
يؤدي إلى هبوط مستوى الإنتاج، وهذا النوع بدوره يتنافى مع طبيعة العمل الزراعي المتسم بالبساطة
والعزلة في العمل فهو يفترض وجود عمل يتم فيه اتصال بالجمهور وتتوفر فيه الشكليات
الإدارية
3
الإضراب الإنذاري:
وهو في أغلب الأحيان قصير المدة وتحدد مدته
مسبقا، ويهدف إلى إظهار أهمية مطلب نقابي، وقد تم اللجوء إلى هذا النوع من ألإضراب
سنة 1975 ببني ملال في الضيعات التابعة للشركات صوديا "شركة التنمية الفلاحية" وسوجيطا "شركة تسيير الأراضي الفلاحية"
وكوماكري "الشركة المغربية الفلاحية" وبعض المؤسسات الخاصة تأييدا للمطالب
التي تقدمت بها النقابات التابعة للإتحاد المغربي للشغل في هذا الإقليم.
4-الإضرابات المفاجئ:
وهو إضراب قصير المدة الغرض منه إظهار استياء الأجراء من موقف رب العمل أو
أرباب العمل وهو لا يتنافى مع طبيعة العمل الزراعي، ويمكن أن يكون في شكل تباطؤ في
تنفيذ العمل نتيجة الاستياء من موقف رب العمل أو أن يكتسي صفة الإضراب الصريح. رغم أن الإضراب أصبح ظاهرة اجتماعية
معترف بها في أغلب الدول، فإن الجدال لازال قائما حول مشروعيته خصوصا فيما يتعلق
ببعض القطاعات وبعض أنواعه، كما حاولت بعض التشريعات وضع شروط لممارسة حق الإضراب
عبد القادر حسني