القضاء الدستوري الدستوري بأمريكا
القضاء الدستوري الدستوري بأمريكا
ان النماذج التي تتم الإحالة عليها
في المؤلفات الدستورية أو المتعلقة بالقضاء الدستوري تعد عموما هي النموذج الأمريكي مقابل النموذج
الأوربي وفي هذا الأخير يشار الى النماذج الأولى ومن ضمنها النموذج النمساوي أو
الألماني والى النماذج الحديثة وعلى رأسها النموذج الاسباني ثم النموذج الفرنسي
ان النموذج الأمريكي يخول للقاضي
اختصاصا طبيعيا لمراقبة دستورية قانون فإذا ما دفع أمامه بعدم دستورية قانون عادي
أي تناقضه أو عدم تلاؤمه مع الدستور فإنه إذا تأكد من ذلك، يستبعد تطبيقه في
القضية المعروضة عليه. ويمكن للمحكمة العليا إذا عرض عليها النزاع أن تكرس ذلك
التفسير فيصبح القانون حكم الملغى.
1. أصل النموذج الأمريكي للقضاء الدستوري
يعود النموذج الى آراء ألسكندر
هاميلتون أحد آباء الدستور الأمريكي. ففي "أوراق الفدرالي" The federalist Papers وهي مجموعة مقالات ظهرت في بداية سنة 1787للدفاع عن مصادقة الدستور الفدرالي من طرف بقية الولايات،
دافع هاميلتون عن مراقبة دستورية القوانين من طرف القضاة، فبالنسبة إليه فإن
البرلمان يمكن أن يضر كما فعل البرلمان الاستعماري الانجليزي بالنسبة للأمريكين في
المستعمرات ويمكن للأغلبية البرلمانية أن تصبح قمعية وقاهرة ولهذا فإن الدستور يجب
أن يضع قيودا على السلطة التشريعية وانطلاقا من ذلك فإن أي قانون تصدره ويتميز
بأنه لايحترم الدستور ولايحترم القيود يكون باطلا ،وبما ان الدستور بصفته القانون
الأسمى يخضع لتأويل وعلى القاضي في حالة تعارض قانون مع الدستور على القانون، لأن
الدستور أسمى قيمة ويعبر عن الآراء لأصلية للأمة.
2- التكريس القضائي للمذهب
لقد أخذ بهذا التعليل رئيس المحكمة
العليا جون مارشال (رئيس المحكمة بين 1801و 1835)، وذلك في القرار الشهير ماربوري
ضد ماديسون سنة 1803 ويعود أصل هذه القضية إلى اعتراض الرئيس توماس جيفرسون وكاتب
الدولة جيمس على تعيين وليام ماربوري قاضيا من طرف جون أدامس، ذلك أن هذا الأخير
انهزم في انتخابات 1803 أمام جيفرسون غير
انه قبيل تسليم السلطة اليه قام بتعيين عدد من القضاة المخلصين لتوجهه الفدرالي
ومن بينهم ماربوري.
وقد
رفع ماربوري دعوى ضد ماديسون أمام المحكمة
العليا بناء على قانون يرجع الى 1789 ويتضمن مقتضيات تسمح بتدخل المحكمة العليا في
اختصاص السلطة التنفيذية فيما يخص تعيين القضاة.
وبدهاء
كبير كرس مارشال مذهب اختصاص القضاء في مراقبة دستورية القوانين في الوقت الذي أكد
فيه على ضرورة إبقاء ماربوري في منصبه،
فقد اعتبر في رأيه الذي تبنته المحكمة أن ماربوري يجب يعين قاضيا مادام تعيينه قد تم، ولكن المحكمة العليا ليست هي التي
يجب ان تأمر السلطة التنفيذية بتعيينه بناء على مقتضيات من قانون 1789، لأن هذه
المقتضيات تعد غير دستورية عندما رخصت للمحكمة العليا بدل من السلطة التنفيذية بذلك الاختصاص، فبما أن
الدستور يعد أسمى القوانين فان أي قانون يخالفه يجب أن يصرح بعدم دستوريته من طرف
القضاء. وألا سيفقد الدستور المكتوب معناه، فالمحاكم مثل بقية السلطات تعد ملزمة
بأحكام الدستور.
3- مميزات
النموذج الأمريكي للقضاء الدستوري
يتميز هذا النموذج بأربع مميزات:
1- انه يكرس رقابة منتشرة
contrôle
diffus في مجموع النسيج
القضائي الأمريكي ذلك أن أي محكمة ، إذا
ما عرضت عليها قضية في أي ميدان سواء كان مدنية او تجارية او جنائية او إدارية....
وأثار أحد أفراد الدعوى عدم دستورية قانون سيطبق في قضية، عليها ان تبث في هذا
الاعتراض الاولي، أي هذا الدفع بعدم الدستورية فاذا اتضح ان القانون مخالف للدستور
فان المحكمة تمتنع عن تطبيقه ولا تحكم به في القضية ومن ثمة تسمى هذه الرقابة
رقابة الدفع او الامتناع غير ان القانون يبقى ساريا ويمكن لقاضي آخر ان يعمل به
نازلة أخرى إذا لم يدفع بعدم دستوريته طرف اخر في دعوى أخرى
غير
انه يمكن للمحكمة العليا أن تؤكد او تعدل قرارات المحاكم الأدنى فهي تفحص دستورية قوانين
الولايات لتضمن وحدة القانون في كل الفدرالية وإذا ما أكدت عدم دستورية قانون معين
فان بقية المحاكم تلتزم بقرارها ويصبح القانون في حكم الملغى
2- وتتميز هذه الرقابة
المنتشرة بكونها رقابة بعدية تمارس في نزاعات محددة جارية ويكون فيها للأطراف
مصلحة في القضية ويدفع أحدهم بعدم دستورية القانون الذي سيتضرر من تطبيقه في
النازلة فالرقابة ليست مجردة تستهدف القانون غير الدستوري في حد ذاته مثل رقابة
الالغاء بل هي رقابة ترتبط بقضية ملموسة وليس موضوعها الأصلي هو غلغاء القانون
المطعون في دستوريته.
3- كما تتميز هذه الرقابة
أنها رقابة بعدية لأنه تتم ضد قانون موجود يطالب من يدفع بعدم دستوريته بعدم
تطبيقه عليه في قضية محددة فهي ليست رقابة قبلية تطال القانون قبل أن يخرج إلى حيز
التنفيذ طبقا للمساطر الدستورية المقررة.
4- وكما سبقت الإشارة فإن
القانون يدفع بعدم دستورية يبقى ساري المفعول حتى لو حكمت المحكمة باستبعاده في
نزاع معين ويمكن تطبيقه في نوازل أخرى لايدفع فيها الأطراف بعدم دستوريته، غير
أنها قد تفعل ذلك أمام المحكمة العليا كمحكمة نقض ، وفي هذه الحالة فإذا قبلت
الدعوى يمكن للمحكمة العليا تأكيد عدم دستورية القانون أو تفسيره بشكل معين، ويصبح
هذا الرأي ملزما لبقية المحاكم.
4-المحكمة العليا
تتشكل المحكمة العليا من تسعة قضاة
يعينون لمدى الحياة من طرف الرئيس، هذا التعيين يتم تأكيده أو رفضه من طرف مجلس
الشيوخ بعد فحص دقيق لصلاحية القاضي المقترح للتعيين.
ولا يعزل القضاة الا باقتراف
جريمة خطيرة وهو مالم يحصل حتى اليوم (أكتوبر 2001) وبهذا لايغادر القاضي المحكمة
عمليا إلا بالوفاة أو الاستقالة الارادية وعندئد يعين الرئيس خلفا له ضمن نفس
الشروط المشار إليها أعلاه.
وتقوم المحكمة العليا
بمراقبة دستورية القوانين بعدة طرق:
-اما عن طريق تأويل
القانون، أي تفسيره بشكل يطابق الدستور ولكن دون أن تلغيه، ويفرض هذا التفسير نفسه
على بقية المحاكم
- و إما بالإعلان عن عدم
الدستورية إذا اعتبرت أن القانون لايسمح بتأويل مطابق للدستور
وتتدخل المحكمة العليا إما
كمحكمة استئناف لقرار محكمة أدنى، وإما بطلب من شخص (طبيعي أو معنوي) يلتمس من
المحكمة العليا إصدار أمر قضئي Injonction للسلطات بعدم تطبيق قانون يدفع بعدم دستوريته
ويخشى تطبيقه عليه من طرف الإدارة أو يلتمس إصدار أمر قضائي للإدارة لتقوم بعمل
محدد (متلا رد مبلغ ضريبة دفعها من غير وجه حق)
وتستند
المحكمة في قراراته بعدم دستورية القوانين أو القرارات الإدارية إلى أربعة مبررات:
-
خرق شروط المحاكمة
العادلة – ولاسيما لإلغاء قوانين أو قرارات تهم الحريات الفردية.
-
عدم تناسب الواجبات
المفروضة على الفرد مع المزايا التي يحصل عليها.
-
المس بقدسية أو بحرية
العقود
-
المس بمبدأ عدم التمييز
وصارت المحكمة العليا تلعب دورا هاما في المجتمع
الأمريكي خاصة عندما تتدخل في قضايا مجتمعية كبرى (التمييز العنصري، التعليم،
الاجهاض، العدالة الجنائية، تدخل الدولة، العلاقة بين السلطات الفيدرالية
والولايات...) وهي تبقى محكومة في اجتهادها بمحيطها السياسي وبتشكيلتها التي تتأثر
بتوجهات الرؤساء الذين عينوا أعضائها فتبدو أحيانا محافظة تمارس مايعرف ب judicial restrain وذلك عندما
تفضل التمسك بالقضايا المسطرية على حساب الحوهر وتفضل تأويل القوانين بالطريقة
التي لا تحرج السلطات أو لا تتناقض مع السياسة التي تتبعها الأغلبية أو تفضل عدم
الجرأة في تغيير القديم والمحافظ,
وأحيانا تبدو المحكمة العليا تقدمية تمارس judicial activism عندما تميل
الى نصرة حقوق الأقليات (السود، الشواد، أنصار البيئة...) وتتوسع في تفسير
الدستورلمسايرة التحول الاجتماعي وبدلا من التمسك بالنوايا الأصلية لواضعي الدستور
تتمسك بالدستور الحي الذي ينبغي تأويله حسب حاجيات عصرها.
ويرى الفقيه الدستوري الأمريكي David O’Brein أن المحكمة تطورت ومرت بثلاث مراحل في ملرحلة
أولى بعد تأسيس الولايات المتحدة ونشأة المحكمة 1789 حتى الحرب الأهلية 1865
استعملت المحكمة نفوذها للحفاظ على الاتحاد، وما بين الحرب الأهلية وسنة 1937 أي
خلال الثورة الصناعية دافعت المحكمة عن مصالح الرأسمالية الأمريكية والمقاولة
الخاصة، ومنذ 1937 بدأت المحكمة في لعب دورها كحام للحقوق والحريات المدنية.
وبالنظر لدورها في المجتمع الأمريكي الحديث يعتبر نفس الفقيه أن المحكمة
العليا تعد في مركز الإعصار