النظام البرلماني

 

يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للحكومة: رئيس الدولة يسود ولا يحكم أما رئيس الحكومة فيتولى مسئولية الحكم. ويتكون البرلمان عادة من مجلسين .وتتميز العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة مما يجعل النظام متسماً بالتوازن. ويبدو التعاون في إمكان مساهمة السلطة التنفيذية في عملية التشريع. أما الرقابة المتبادلة فتظهر في حق الحكومة في حل البرلمان، وإمكان مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها . ويوجد في العالم اليوم عديد من الدول التي تتبنى النظام البرلماني أهمها: في أوربا: بريطانيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورج وإيرلندا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وإيسكتلندا والدانمارك. وفي آسيا: اليابان والهند. وفي أستراليا: أستراليا ونيوزلندا وفي أمريكا الشمالية كندا. ويؤخذ بهذا النظام في الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه.

1 قيام النظام البرلماني في بريطانيا -

أخذت ملامح النظام البرلماني في بريطانيا تبرز منذ أواخر القرن السابع عشر وخاصة بعد ثورة

1688 ثم ما لبثت أسس هذا النظام وقواعده التقليدية أن اتضحت وترسخت خلال القرنين التاليينفالصراع الذي دار بين الملك والبرلمان، الممثل للأرستقراطية، خلال القرون الخمسة السابقة أدى تدريجيا إلى ضعف وزن الملك وتأثيره في الحياة السياسية في حين انتقلت مهام ممارسة الحكم إلى حكومة متضامنة منبثقة عن البرلمان وتعمل تحت مراقبته. وهكذا أصبح البرلمان، الممثل للإرادة "الشعبية" المصدر الأساسي للسلطة بينما تحولت الملكية إلى مؤسسة رمزية تتولى ولا تحكموأذى قيام الوزراء بممارسة مهام الحكم الفعلي بعيدا عن تأثير وتدخل الملك الذي كان مضطرا لاختيارهم من بين أعضاء البرلمان، لظهور القاعدة البرلمانية الجوهرية المتمثلة بمسؤولية الحكومة سياسيا أمام البرلمان، وكان وزراء الملك في السابق، المختارين من قبله بحرية ليعاونوه في شؤون الحكم، مسؤولين مباشرة أمامه فقط. وهكذا أضيفت إلى مسؤولية الوزراء السابقة أمام الملك، مسؤولية

جديدة أمام البرلمان. وقد استمرت قاعدة المسؤولية السياسية المزدوجة هذه طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكانت خلال ذلك تتحول شيئا فشيئا ومع ازدياد سلطة البرلمان ونفوذه لتصبح مسؤولية وحيدة اتجاه البرلمان فقط.

ولم يكن الوزراء في البدء مسؤولين أمام البرلمان إلا انفراديا، كما كان حالهم أمام الملك. وقد بدأت هذه المسؤولية بالظهور في الميدان الجنائي حيث كان باستطاعة مجلس العموم أن يوجه للوزراء الاتهام في حال ارتكابهم لجرم ما، ويؤدي هذا الاتهام لتقديمهم للمحاكمة أمام مجلس اللوردات، وشيئا فشيئا أخذ البرلمان يعتبر ارتكاب الوزراء لأخطاء سياسية فادحة بمثابة جرم يمكن أن يؤدي إلى توجيه اتهام يكون من نتيجته على الأقل إجبار وزير على استقالته. لما كان الوزراء قد اعتادوا أن يجتمعوا فيما بينهم ويتداولوا ويقرروا ما يشاءون من أمور متعلقة بقضايا الحكم، فقد ظهر لديهم شعور من التكافل والتضامن ما لبث أن تطور تدريجيا ليأخذ شكل المسؤولية التضامنية أمام البرلمان باعتبارهم يشكلون هيئة جماعية واحدة. ومقابل تخليه لوزرائه عن مهام الحكم الفعلي، احتفظ الملك لنفسه بحق اعتباره غير مسؤول عن أعماله اتجاه أي سلطة أخرى. وإذا كانت حرمة الملك وقدسية شخصه قاعدة مؤكدة منذ القدم ومستندة للاعتقاد القائل بأن الملك لا يمكن أن يخطأ فإن هذه القاعدة أصبحت مقبولة بصورة أفضل بعد__ ابتعاد الملك فعليا عن ممارسة مسؤوليات الحكم. وهكذا استقرت من خلال الظروف والممارسة العرفية

مجموعة القواعد الأساسية التي اتصف ويتصف بها النظام البرلماني.

فوجود مؤسسة ملكية القائمة عبر مبدأ الوراثة وكذلك مجلس اللوردات المكون من أعضاء يعينون لمدى الحياة أو يتولون مناصبهم بالوراثة قد يدعو للاعتقاد بأن الانتخابات لا تلعب إلا دورا هامشيا محدودا في الحياة السياسية إلا أن الحقيقة مغايرة لهذا تماما. فالمؤسسات السياسية الوراثية لم يعد لها تأثير كبير في البلاد. أما الدور الرئيسي، فتلعبه المؤسسة الانتخابية من خلال تفاعلها وتأثرها بطبيعة النظام الحزبي القائم في البلاد، والمتميز بوجود حزبين رئيسيين فيها. فلقد أدى انقسام الأغلبية الساحقة من الشعب البريطاني إلى تيارين سياسيين رئيسيين: يتجسد الأول بحزب المحافظين ويتمثل الثاني بحزب العمال،

إلى زيادة أهمية وفعالية وتأثير المؤسسة الانتخابية في حياة البلاد، بالنسبة للمؤسسات السياسية الأخرىفالشعب البريطاني عندما يتجه، مبدئيا مرة كل خمس سنوات، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس العموم ويحمل إلى هذا المجلس أغلبية من النواب منتمين إلى أحد الحزبين الكبيرين إنما يقوم بشكل مباشر باختيار السياسة العامة التي يفضل أن تسير عليها البلاد خلال السنوات الخمس التالية، كما يقوم، في نفس الوقت، باختيار الوزير الأول، الذي سيكون حكما رئيس الحزب الفائز بالانتخابات،وأعضاء الحكومة الذين سيكونون أيضا من بين الأعضاء القياديين لهذا الحزب.

يتألف البرلمان البريطاني عمليا، من مجلس اللوردات، و مجلس العموم. فمجلس اللوردات يمثل بقايا الطبقة الأرستقراطية وتقاليدها التاريخية، ويضم حاليا حولي 800 لورد. ويحتل أعضاؤه مقاعدهم فيه بشكل عام إما بالوراثة أو بالتعيين لمدى الحياة من قبل الملك وبناء على اقتراح الحكومة. أما مجلس العموم: وهو الهيئة الممثلة للشعب البريطاني لأنه ينتخب انتخابا مباشرا من قبله. وهو يضم حاليا

635 عضوا، ومدة ولايته خمس سنوات. وينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسا يدعى المتحدث

( Speaker ( ويتمتع هذا ببعض الحقوق والامتيازات ومن أهمها: حق تنظيم المناقشات في المجلس.

وحق البت فيما إذا كان مشروع القانون المعروض على المجلس طابعا ماليا، وبالتالي لا يجوز عرضه على مجلس اللوردات. لقد كان مجلسا البرلمان)اللوردات والعموم( يتمتعان في الماضي بنفس الصلاحيات فيما يتعلق بإقرار القوانين المالية والعادية. فاتفاقهما كان ضروريا لإقرارها. إلا أن صلاحيات مجلس اللوردات أخذت بالتناقص لحساب مجلس العموم.

يتمتع البرلمان بثلاث صلاحيات رئيسية هي: الصلاحية المالية الخاصة بإقرار الموازنة والضرائب وصلاحية تشريع القوانين العادية وصلاحية مراقبة أعمال الحكومة )التي يختص بها مجلس العموم فقط(.

2 خصائص النظام البرلماني - :

ويقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى وهي:

- 2 - 1 وجود ثنائية الجهاز التنفيذ: و يعني وجود منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وتكون المسؤولية السياسية ملغاة على عاتق الحكومة، وتكون الوزارة مسؤولة مسؤولية تضامنية أمام البرلمان

وهذا يفضي بطبيعة الحال إلى وجود رئيس دولة بغض النظر سواء أكان ملك اً أم رئيس اً للجمهورية، غير مسؤول سياسي اً أي يسود ولا يحكم ويختص بأمور شكلية وفخرية ولكن رئيس الدولة يسأل جنائي اً في الأنظمة الجمهورية "عكس الأنظمة الملكية التي تعد الملك منزه عن الخطأ وبالتالي عن المسؤولية ". 2 -2 وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات : فالنسبة لهذا الأساس فهو يعني أن توزيع الاختصاصات__.

ما بين السلطات مرن غير جامد، فمع قيام السلطة التشريعية بوظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والتصديق عليها وبالمقابل فإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على الاتفاقيات التي تقدمها السلطة التنفيذية، وتنظيم العلاقة هذه بين السلطتين يكون قائم اً على فكرة التوازن بينهما فهناك مساواة وتداخل بين السلطتين، فللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد وحتى حله، وكذلك للبرلمان الحق في استجواب الوزراء والتحقيق معهم وحجب الثقة عن الوزارة أي تقرير المسؤولية الوزارية.

2 - 3 وجود نوع من الصرامة الحزبية أو الانضباط الحزبي: وهو مطلب أساسي آخر، إذ يتطلب النظام البرلماني نوع من الانضباط الحزبي لأنه وكما قلنا فإن الحزب الفائز بالأغلبية البرلماني هو الذي يشكل الحكومة وبالتالي فإن الحكومة.. ومن الناحية النظرية سوف تتمتع بأغلبية برلمانية مساندة مما يسهل عمل الحكومة، وقد يثور التساؤل لماذا؟ فالجواب لأننا وكما نعرف إن السلطة المالية مثلا بيد البرلمان فإنه في حالة وجود انضباط حزبي قد تكون أية خلافات وعدم التزام نائب من حزب الأغلبية بالتصويت لمشروع الحكومة سيؤدي إلى نوع من الجمود في العمل الحكومي. ولذلك نرى انه بمرور الوقت فإن الأحزاب البريطانية ولكونها تتبع النظام البرلماني نرى أنها تتميز بالانضباط الحزبي العالي بل والمركزية المفرطة في بعض الأحيان . بيد إن هذا الكلام وإن أنطبق على الدول المتقدمة ديمقراطي اً لكنه لا ينطبق في حقيقة الأمر على الدول ذات التجربة السياسية الحديثة والتي تفتقد إلى الجذور الديمقراطية والى ترسيخ قواعد وأحوال ممارسة العمل الحكومي بأسلوب ديمقراطي

. 3 بعض مزايا وعيوب النظام البرلماني - : إذا كانت النظم البرلمانية تختلف في كثير من معالمها فإن المعيار أو الجامع بينها من الناحية القانونية هو مسئولية الوزراء السياسية أمام البرلمان فيما عدا هذا العنصر المشترك بين النظم البرلمانية هناك عدة نظم برلمانية تبعاً لعدد الأحزاب السائدة في الدولة .فإذا كان هناك حزبان سياسيان يسيطران على الحياة السياسية كما هو الحال في إنجلترا أو حزب واحد مسيطر كما هو الحال في الهند فإن الحكومة تقوم بممارسة مهمة الحكم والقيادة وهي تتمتع بقدر من الثبات ولا تكون عرضة للتهديد من جانب البرلمان الذي يتحول إلى مجلس لتسجيل الأحداث والمناقشات، أما إذا كانت هناك عدة أحزاب ليس من بينها حزب حائز على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان فإن الحكومة ستتكون من ائتلاف بين عناصر غيرمتناسقة وغير ثابتة، ويرجع عدم الثبات إلى كثرة مساءلة الحكومة من جانب البرلمان وسحب الثقة منها،وهنا يبدو على العكس من الصورة السابقة أن البرلمان هو الجهاز المسيطر على الحياة السياسية. والمثال على هذا نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا ) 1946 - 1958 .)

أ المزايا - :

-1 إنه يؤدي إلى التفاعل الحقيقي بين السلطات الثلاث التي تعد كلا منها مكملة للأخرى . -2 إنه يرسخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد . -3 إن هناك المسؤولية السياسية مما يعني استحالة التهرب من الخطأ السياسي وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ . -4 إنه يؤدي إلى وحدة السيادة للدولة .

ب العيوب

إنه قد يؤدي إلى ظاهرة عدم الاستقرار للحكومة،2 في ظل الاتجاهات الحزبية المعارضة والمتضاربة من الصعوبة بمكان الحصول على تأييد قوي لعمل الحكومة

-3 إن رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص مما قد لا يفضي عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز للأمة . -4

 إن الحكومة ستكون خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة وستكون الولاءات الضيقه حزبي اً طافيه على السطح

 . -5 إن نظام غير فعال في الدول ذات التجربة السياسية الحديثة فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية .

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق