النظام الرئاسي : النموذج الامريكي

 

النظام الرئاسي : النموذج الامريكي

تأثر واضعو الدستور الأمريكي 1787 بكتابات لوك ومونتسكيو، وكان تفسيرهم لمبدأ الفصل بين السلطات على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات وعلى ذلك أرسى الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي . ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن

السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل. فرئيس الولايات المتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان. والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان .أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها. فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلى غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخرى.

1 مقومات النظام الرئاسي الامريكي -

يتأسس النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية على مقومين أساسيين : احتكار رئيس الدولة للسلطة التنفيذية واستقلال السلطات العامة بعضها عن بعض. على صعيد المقوم الأول، يحتكر رئيس الدولة السلطة التنفيذية، هذا الابتكار الذي يمكن رصده من خلال مظهرين : "أحادية" السلطة التنفيذية و "فعلية" سلطة رئيس الدولة، فرئيس الدولة يجسد السلطة التنفيذية، فهو لا يتوفر على "حكومة" بالمفهوم الدستوري، وبالتالي لا يوجد "وزير أول رئيس للحكومة، ولا يوجد ما يسمى بمجلس الوزراء، ولا توجد مسؤولية وزارية تفضي إلى تضامن وزاري . و بهذا الصدد، يتوفر رئيس الدولة فقط على جهاز من المساعدين الذين وإن كان تعيينهم يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ، فهذه الموافقة لا تمس في شيء سلطة الرئيس عليهم، فهم تابعون له سواء في تعيينهم أو إقالتهم، إن رئيس الدولة هو في الوقت نفسه رئيس للجهاز التنفيذي، ومساعدوه مجرد منفذين لتعليماته وسياسته، ويجب التمييز داخل جهاز المساعدين بين جهاز كتاب الدولة وجهاز مكتب الرئيس، ففي الاصطلاح الدستوري الأميركي لا تستخدم كلمة "وزراء" وإنما كلمة "كتاب الدولة"، وكاتب الدولة يقوم بمهام شبيهة بتلك التي يقوم بها عضو الحكومة في الأنظمة البرلمانية أو شبه الرئاسية، غير انه يظل مرتبطا برئيس الدولة ويعمل بشكل منفرد، فلا وجود لمجلس للوزراء، هذا بالنسبة لجهاز كتاب الدولة

. أما جهاز مكتب الرئيس فيتألف من مجموعة من المكاتب الفرعية وهي على التوالي : مكتب البيت الأبيض ومكتب الميزانية، ومكتب المستشارين الاقتصاديين وتتحدد مهمته في أداء التقرير الاقتصادي نصف السنوي الذي يعرضه الرئيس على الكونغريس وإعداد القسم الاقتصادي من رسالة الرئيس السنوية عن حالة الاتحاد ومكتب الأمن القومي وأخيرا المكتب الشخصي .يمارس رئيس الدولة سلطة فعلية، وفعلية هذه السلطة لها مبررها ولها تجلياتها، فهناك مبرر أساسي يكمن في كون الرئيس منتخبا من قبل الشعب، فهو يتمتع بتفويض شعبي، فكيف يختار الرئيس في النظام السياسي الأميركي؟

في البداية، يقوم كل حزب من الحزبين الأساسيين : الحزب الجمهوري، والحزب الديموقراطي بانتخاب "مندوبين" على صعيد كل ولاية، ويجمع هؤلاء المندوبون "على الصعيد الفيدرالي في شكل مؤتمر لتعيين مرشح الحزب للرئاسة ونائبه . ويشترط في المرشح للرئاسة أن يكون أميركيا بالولادة ومقيما بها لمدة لا تقل عن 14 سنة، كما ينبغي ان يكون بالغا من العمر 35 سنةوانتخاب الرئيس يكون بشكل غير مباشر أي على درجتين، في البداية كانت المجالس التشريعية للولايات تقوم بتعيين "ناخبين رئاسيين" هم الذين ينتخبون الرئيس، غير أن هذا الاسلوب تم التخلي عنه

في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أصبح الشعب هو الذي ينتخب "الناخبين الرئاسيين" بشكل مباشر ليقوموا بدورهم بعد ذلك بانتخاب رئيس الدولة، ويتبع في انتخاب "الناخبين الرئاسيين" منذ الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورة واحدة، ويتحدد عددهم في 538 ناخبا رئاسيا بحيث تنتخب كل ولاية نفس عدد ممثليها داخل مجلس النواب وبالتالي يكون المجموع على الصعيد الفيدرالي هو 435 ناخبا رئاسيا ونفس عدد ممثليها في مجلس الشيوخ، وبالتالي يكون المجموع على الصعيد الفيدرالي هو 100 ناخب رئاسي، إضافة إلى ثلاثة ناخبين رئاسيين يمثلون مقاطعة "كولومبيا".

ويتحدد تاريخ انتخاب الناخبين الرئاسيين في الاثنين الثاني من شهر نوفمبر، ويقوم هؤلاء الناخبون الرئاسيون بانتخاب رئيس الدولة ونائبه في السادس من شهر يناير، لقد نص الدستور الأميركي أنه في حالة عدم حصول المرشح للرئاسة على الأغلبية المطلقة، فيعود اختصاص انتخاب رئيس الدولة إلى مجلس النواب وانتخاب نائب الرئيس إلى مجلس الشيوخ . ينتخب رئيس الدولة لمدة أربع سنوات، ولم يحدد الدستور الأميركي عدد المرات التي يجوز فيها للرئيس تجديد ترشيحه، غير أن هناك عرفا دستوريا ترسخ منذ رفض الرئيس "واشنطن" تجديد انتخابه أكثر من مرة واحدة، ورغم أن هذا العرف الدستوري خرق من قبل "فرانكلين روزفلت" الذي استفاد من ثلاث

ولايات متتالية، فإن الأميركيين سارعوا إلى تحويل هذا العرف إلى قاعدة دستورية مكتوبة وذلك عبر التعديل الثاني والعشرين الصادر سنة 1947 والذي دخل حيز التنفيذ سنة 1951 . تتجلى "فعلية" سلطة رئيس الدولة من خلال ما يتمتع به من صلاحيات سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، داخليا يمارس الرئيس صلاحيات "إدارية" فهو الذي يرأس جميع موظفي الدولة الفيدرالية وعليه فاختصاص تعيين كبار الموظفين يعود إليه، ويمارس سلطة "تنظيمية" عبر تنفيذه للقوانين وصلاحيات "تشريعية" عبر اقتراحه لمشاريع قوانين متضمنة في رسائله الموجهة إلى الكونغرس، ويمارس أخيرا صلاحيات "قضائية" فإضافة إلى كونه هو المسؤول عن تعيين قضاة المحكمة العليا الاتحادية، فهو يمارس حق العفو، أما على المستوى الخارجي، فالرئيس يمارس صلاحيات "حربية" من خلال قيادته للقوات المسلحة .ويمارس صلاحيات "دبلوماسية" عبر تعيينه للقناصل والسفراء، وإبرام المعاهدات ولو أنه يحتاج في ذلك إلى موافقة مجلس الشيوخ__على صعيد المقوم الثاني، فالنظام الرئاسي الأميركي يتأسس على استقلالية السلطات العامة بعضها عن بعض و فصل الوظائف، ويرجع مصدر استقلالية السلطات العامة بعضها عن بعض إلى كون كل واحدة منها تتمتع بنوع من التفويض الشعبي عبر انبثاقها من الانتخاب الشعبي، سواء كان مباشرا أو غير مباشر.

1 على مستوى السلطة التنفيذية، يستمد رئيس الدولة استقلاليتة من كونه يحظى بتفويض شعبي من خلال انتخابه من قبل الشعب، لذلك فهو غير مسؤول سياسيا أمام مجلسي الكونغرس، كما أن مساعديهيعتبرون تابعين له، فهو الذي يعينهم وموافقة مجلس الشيوخ تظل مجرد "قرار" ولتأكيد هذه الاستقلالية، ولا يجوز أن يكون مساعدو الرئيس أعضاء في الكونغرس، كما لا يمكن مساعدو الرئيس أعضاء في الكونغرس، كما لا يمكنهم الدخول إلى أحد مجلسيه وكلامهم أمامه بصفتهم الرسمية، إضافة الى ذلك، لا يمكن لمجلسي الكونغرس استجواب أحد مساعدي الرئيس أو توجيه سؤال إليه، كما ان الكونغرس ليس من صلاحياته منح أو سحب الثقة من مساعدي رئيس الدولة .

2 على مستوى السلطة التشريعية، وباعتبار الولايات المتحدة الأميركية دولة فيدرالية، فإنها تعمل بنظام المجلسين، حيث يتألف الكونغرس من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فمجلس النواب يمثل الولايات حسب عدد سكانها، لذلك فتمثيلية الولايات فيه غير متساوية ويتكون من 453 نائبا وتتحدد مدة ولايته في سنتين، أما مجلس الشيوخ فيمثل الولايات بصرف النظر عن عدد سكانها بذلك، فالتمثيلية فيه متساوية اذ تمثل كل ولاية بشيخين، حيث يصل عدد أعضائه مائة شيخ، وتتحدد مدة ولايته في ست سنوات مع تجديد ثلث أعضائه مرة كل سنتين .

إن مجلسي النواب والشيوخ يكونان معا البرلمان الأميركي )الكونغرس( الذي يعقد دورة في السنة تبتدئ يوم 3 يناير وتنتهي يوم 31 يوليوز ويحق لكل مجلس أن يؤجل أعماله شريطة ألا تتجاوز مدة التأجيل ثلاثة أيام . تتأسس سلطات مجلسي الكونغرس على قاعدة تساوي الصلاحيات ومصدر هذا التساوي يكمن في كونهما معا منتخبين بشكل مباشر مع التذكير بأن مجلس الشيوخ كان ينتخب بشكل غير مباشر قبل سنة

1913 ، والاستثناء الوارد على قاعدة تساوي الصلاحيات ينصب على المادة "الضريبية" حيث تكون مبادرة الاقتراح لمجلس النواب بمفرده .

3 على مستوى السلطة القضائية ، توجد محاكم خاصة بكل ولاية إضافة إلى محاكم خاصة بدولة الاتحاد، وتوجد على رأس المحاكم الخاصة بالدولة الاتحاد المحكمة العليا الفيدرالية وهي محكمة تتمتع بصلاحيات واسعة . و القضاة ينتخبون في الولايات المتحدة الأميركية باستثناء قضاة المحكمة العليا الفيدرالية الذين يعينهم رئيس الدولة مدى الحياة بموافقة أغلبية مجلس الشيوخ، ويتحدد عددهم في تسعة قضاة لا يمكن نقلهم أو عزلهم ويحدث أن يستقيل بعضهم في سن السبعين، ويعتبر رئيس المحكمة العليا الفيدرالية ثاني شخصية

في الدولة بعد الرئيس وقبل نائب الرئيس الذي يرأس مجلس الشيوخ وقبل رئيس مجلس النواب، وقد ترسخت سلطاته منذ سنة 1922 ، إذ أصبح يراقب مجمل المنظومة القضائية الفيدرالية .

إن استقلالية السلطات العامة بعضها عن بعض لا يفيد أن هناك فصلا جامدا بينها، فالنظام السياسي الرئاسي القائم في الولايات المتحدة الأميركية يعرف بعض مظاهر تعاون السلطات في ما بينها وهو تعاون تقتضيه إكراهات الممارسة السياسية وضرورات التواصل المؤسساتي. و الاستقلال العضوي والتخصص الوظيفي لا يعني عدم التعاون في أداء الوظائف، فكل سلطة تتعاون مع الأخرى في أداء الوظيفة المعهود بها إليها وقد نما هذا التعاون مستقلاً عن النصوص القليلة الموجودة في دستور سنة

1787 ، والتي لم تشتمل إلا على عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي خصائص النظام الرئاسي :

1 أحادية السلطة التنفيذية :رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة ينتخبه الشعب بواسطة الاقتراع المباشر .البرلمان والسلطة التنفيذية يكونوا في كفة واحدة لأن كليهما منتخبين من طرف الشعب، كما أن الرئيس والذي يقوم باختيار الوزراء الذين يساعدونه ،كماله حق عزلهم ،كما أن الوزراء يخضعون لرئيس الجمهورية خضوعا تاما ويتبعون السياسة العامة التي يضعها الرئيس ،لهذا فهم ليسوا مسؤولين أمام البرلمان بل أمامه فقط، الشيء الذي يجعل الوزراء مجرد كتاب للدولة فهم يطبقون توصياتوبرنامج الرئيس . 2 الفصل التام بين السلطات: وهنا أيضا نلحظ التقابل والاختلاف الجوهري بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي .ففي النظام البرلماني  كما سبق أن رأينا  يوجد تعاون ورقابة متبادلة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، فالفصل بين السلطتين هو إذن فصل نسبي أومرن .ولكن في النظام الرئاسي تسود

فكرة الفصل التام بين السلطات.

3 السلطة التنفيذية :الرئيس فهو الذي يتولى تحديد سياسة الدولة داخليا وخارجيا ،ويشرف على تنفيذها عن طريق الأعوان الذين يختارهم ، وهو يتصرف في كافة هياكل وأجهزة الدولة ومرافقها ، ويتمتع بالسلطة التنظيمية ،وليس له الحق في المبادرة بالتشريع بطرق مباشرة ورسمية ،حتى وان كان يمارس ذلك بطريق غير مباشرة . 4 السلطة التشريعية : يتكون البرلمان من نواب المنتخبين من طرف الشعب، وقد يتشكل من مجلس واحد أو مجلسين والبرلمان مستقل تماما عن الرئيس . 5 السلطة القضائية : تتمثل في الأجهزة القضائية ،قمة الجهاز القضائي وهو المحكمة العليا الدستورية -

وهي مستقلة في ممارسة وظيفتها لأن القضاة معينين من طرف الرئيس ،ويبقون أحيانا مدى الحياة مما يؤدي بشعورهم بالاستقلالية والحرية ، وكذلك بأنهم يتمتعون بالحصانة.

3- مزايا وعيوب النظام الرئاسي . أ المزايا - . 1 - توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة . -2 تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة . -3 يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها يتركز في المسائل المالية . -4 إن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة . -5 إنه نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكاملة والتي يكون فيها مستوى النضج والوعي السياسيين عالي اً

ب العيوب - .

1 إن تطبيق هذا النظام الذي يقوم على الفصل بين السلطات غير ممكن لأنه يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لان الاتصال بين السلطات الثلاث اتصالا عضوي اً . -2 إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ . -3 يرى روسو أن فيه تجزئة للسيادة، وذهب آخرون إلى القول، إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة . -4 أنه يؤدي إلى الاستبداد أي استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسي اً ودستوري اً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة .

 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق