انعدام الشروط الشرعية الخارجية للقرار الإداري
انعدام الشروط الشرعية الخارجية للقرار الإداري
ترتبط حالات الإلغاء بمختلف أسباب عدم الشرعية التي يمكنها أن تؤدي إلى الحكم بإلغاء قرارات السلطات الإدارية و هي عيوب يمكن أن تلحق بأي عنصر من عناصر المكونة لقرار الإدارة. و بالتالي لم يحدد المشرع المغربي قبل إحداث المحاكم الإدارية هذه الحالات سواء في ظهير 27 شنبر 1957 أو إصلاح سنة 1974، بحيث ترك هذه المهمة للغرفة الإدارية التي تولت تحديد حالات عدم الشرعية متبعة في ذلك الاجتهاد القضائي الفرنسي.
أما بعد صدور قانون 90_41 فقد نصت المادة 20 منه على أن عيوب عدم الشرعية هي عيب عدم الاختصاص، عيب الشكل، عيب الانحراف في السلطة، عيب مخالفة القانون و عيب السبب و بالتالي تتعلق شروط الشرعية الخارجية للقرار الإداري بالمظهر الخارجي للقرار الصادر عن السلطة الإدارية، وتتمثل في شرطي الاختصاص و الشكل، لذلك سنتناول هذا الفرع في مطلبين نخصص الأول لتوضيح عيب عدم الاختصاص، والثاني لدراسة عيب الشكل.
المطلب الأول: عدم الاختصاص
يرتبط عيب عدم الاختصاص بالجهة التي أصدرت القرار، فتوزيع السلطات داخل الإدارة يقتضي مبدئيا أن أي عمل إداري لا يتخذه إلا الشخص المؤهل و ليس أي شخص، و بدلك فعدم الاختصاص يحيل إلى قيام شخص إداري بعمل لا يدخل في اختصاصه، أو قيام شخص خاص بعمل إداري لم يكلف بالقيام بت، وفي هده الأخيرة بعبر عن هذا الوضع بالتسلط أو الاستيلاء على السلطة.
و المتسلط كشخص ليست له صفة السلطة الإدارية، ومع ذلك يقوم بعمل إداري، وبالرغم من ذلك تظل أعمال المتسلط أحيانا و في ظروف استثنائية لها صبغة المصلحة العامة فتدخل في عداد أعمال السلطات الإدارية، وبذلك فإن عدم الاختصاص يتخذ أشكالا مختلفة، اغتصاب السلطة، عدم الاختصاص المادي، عدم الاختصاص الزمني وعدم الاختصاص المكاني.
الفقرة الأولى: اغتصاب السلطة
إن الظروف الاستثنائية تضفي الشرعية على أعمال لا تقبل في الظروف العادية كأعمال إدارية، وبالتالي لا يلتزم بتا أحد، ولكن اعتبارا للطابع الاستثنائي فإن الاجتهاد القضائي يسلم بوجود أعمال ذات طابع إداري يقوم بتا متسلط في ظروف غير عادية كحالة الحرب أو كوارث طبيعية اعتبارا للمصلحة العامة، وأحيانا يقوم شخص بعمل إداري بدل السلطة الشرعية صاحبة الاختصاص ويكون بنية سيئة، ومع ذلك يكتسي عمله الصبغة الإدارية حماية المواطنين الذين تعاملوا معه بحسن النية، وتسمى هده الحالة بنظرية الموظف الفعلي، وفد عرفت هده الحالة التطبيق العملي لها من خلال الاجتهاد القضائي الفرنسي، لاسيما من خلال حكم (Montrouge) مونت روج، الصادر عن محكمة النقض الفرنسية في 7 غشت 1883، حيث اعتبرت المحكمة في هده النازلة أن عقد زواج أبرمه شخص خاص لا ينتمي إلى سلطة البلدية التي تقوم بهده المهمة في الزواج المدني، يعتبر عمله عملا إداريا مقبول حماية المعنيين بهذا العقد، وقضى مجلس الدولة الفرنسي في نازلة (دوكاطيل)، بتاريخ 21 يوليو 1976، بأن شخص متسلطا حل محل الإدارة يعتبر عمله عملا إداريا رغم نيته السيئة، وذلك لأن نية المنتفع من المرفق العمومي نية حسنة، ويدخل في نطاق الموظف الفعلي ما يتعلق بإلغاء قرار التعيين بعد أن يتبين أن تعيين الموظف غير شرعي فيلغي قرار تعيينه، أي أنه يسحب بأثر رجعي. والسحب بأثر رجعي قد يؤثر سلبا على الموظفين الذين اتخذ في حقهم قرار على يد الموظف الفعلي. و لهذا فإن القرارات التي يتخذها هذا الأخير تعتبر إدارية وقائمة فعلا إلى أن يصدر قرار إلغاء التعيين. وقد طبق القانون المتعلق بالمحاسبة العمومية هذه النظرية بالنسبة للمحاسبين بحكم الواقع حيث ينصص الفصل 16 من ظهير 21 أبريل 1967، المتعلق بالمحاسبة العمومية على "أنه يعتبر محاسبا عموميا بحكم الواقع كل شخص يقوم دون موجب قانوني بعمليات المداخل والنفقات أو يتناول قيما تهم منظمة عمومية بصرف النظر عن المقتضيات الجنائية المعمول بتا، وتجري على نفس الشخص المعتبر محاسبا عموميا بحكم الواقع نفس الالتزامات والمراقبات الجارية على المحاسب العمومي ويتحمل نفس المسؤوليات ". و اتحد المجلس الأعلى مجموعة من القرارات ألغي بواسطتها عدة قرارات إدارية لكونها صدرت من جهة غير مختصة، وهكذا ألغت الغرفة الإدارية قرار باشا مدينة أسفي لأن هناك نزاعا بين المدينة المذكورة و الطاعنة، وأن هذا النزاع يدخل في اختصاص القضاء وحده. وفي نفس السياق ألغت الغرفة الإدارية قرار وزير الفلاحة الرامي إلى حل جمعية راكبي الخيول و الالتباري المغربية، باعتباره مشوبا بعيب عدم الاختصاص، لأن ذلك يدخل ضمن مجال السلطة القضائية.
وقد سار الاجتهاد القضائي على نفس النهج بعد أحداث المحاكم الإدارية حيث صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط حكم جاء فيه "و حيث إن مقتضيات ظهير 30_07_1952 المتعلق بضوابط البناء لم تكن تخول السلطة المحلية، العامل والوالي الاختصاص لاتخاذ قرار عدم البناء المخالف لضوابط التعمير و إنما أناطت ذلك بالمحاكم، فقرار الهدم لم يكن يتخذ إلا بناء على حكم قضائي، وفي نفس الاتجاه صدر عن نفس المحكمة حكم بتاريخ 4 مايو 1995، اعتبر إن قرار هدم البناء المخالف لضوابط البناء هو من اختصاص العامل بناء على مقتضيات القانون رقم 20_12 المتعلق بالتعمير، وليس من اختصاص رئيس الجماعة المحلية، مما يكون معه القرار المطعون فيه مشوبا بعيب عدم الاختصاص وبالتالي يشكل تجاوزا للسلطة.