تعتبر الأموال من أهم الوسائل التي يستعملها الأشخاص في حياتهم تحقيقا لأهدافهم و مأربهم، و من بين هؤلاء الأشخاص الدولة باعتبارها شخصية معنوية عامة مؤهلة لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، ومن هنا تشترك الدولة كباقي الأشخاص الخاصة والعامة في أن لها ذمة مالية ولها حق الملكية باعتباره استحواذ شخص على شيء بحيث تكون له سلطة واسعة عليه تمكنه من استعماله واستغلاله له أو التصرف فيه بشكل لا يمنعه إلا القانون أو الاتفاق، وهكذا فإن الدولة لها حق التملك حيث يمكنها أن تمتلك كغيرها من الأشخاص منقولات وعقارات لكن ذمة الدولة ليست كباقي الذمم فبعض مكوناتها تدخل ضمن دائرة التعامل التجاري العادي و بعضها الأخر يخرج عن هذا النطاق و هذا يقتضي التمييز بين الى أملاك الدولة العامة و أخرى الخاصة.
هذا من جهة و من جهة أخرى فإن الدولة أحدثت هيأت أخرى بموجب القانون منحت لها الشخصية المعنوية العامة و تتمثل هذه الهيأت التابعة للدولة بالخصوص في الجماعات الترابية التي لها باعتبارها شخصا عاما ذمة مالية مستقلة عن الدولة و لها حق التملك أيضا حيث تنقسم أموالها أيضا الى ملك جماعي عام و أخر خاص.
و هكذا فإن لكل من الدولة و الجماعات الترابية ملك عام و ملك خاص، حيث كانت بداية الاهتمام بهذا الموضوع و التأطير القانوني له منذ الحماية الفرنسية و ذلك بهدف بسط يدها على الملك العام ومراقبة عمليات تدبيره. لأجل ذلك عملت على الفصل ما بين الملك العام والملك الخاص للدولة وأدخلت المفاهيم القانونية الجديدة في القانون الوضعي المغربي، في هذا الإطار صدرت دورية للصدر الأعظم مؤرخة في فاتح نونبر1912، تميز ما بين أملاك المخزن لا يمكن تفويتها إلا بترخيص من المخزن، وأملاك غير قابلة للتفويت وهي الطرق والمسالك وشواطئ البحر والموانئ والأنهار والبنايات العمومية وأسوار المدن.ثم بعد ذلك صدر ظهير شريف بتاريخ فاتح يوليوز1914حول الملك العام، الذي وضع الأسس والقواعد القانونية للملك العام للدولة والجماعات المحلية.
حيث حدد خصائص الملك العام في عدم قابلية تفويته أو تملكه بالتقادم وكيفية استخراجه من حيز الملكية العامة ومسطرة جديدة لتحديده.
وقد جاء الظهير الشريف بتاريخ 30نونبر1918في شأن الاحتلال المؤقت للملك العمومي لتحديد مسطرة استغلاله ومراقبته وحمايته.
وقد تم تمديد تطبيق التشريع المطبق على منطقة الحماية الفرنسية إلى منطقة الحماية الإسبانية وإلى منطقة طنجة الدولية بمقتضى الظهير الشريف الصادر في31ماي1958وعلى المرسوم الصادر في 2يونيو1958في هذا الشأن.
و قد وضع الفقه القانوني عدة معايير لتمييز الملك العام للدولة أخذ منها المشرع المغربي الذي لم يضع تعريفا دقيقا للملك العام وقد جاء في الظهير الشريف المؤرخ في فاتح يوليوز1914 "بأن الأملاك العمومية لايسوغ لأحد أن ينفرد بتملكها لأنها على الشياع بين الجميع وتتكفل الدولة بتدبير أمرها".
وقد عدد المشرع في الفصل الأول من نفس الظهير الأملاك التي يمكن إدراجها ضمن الملك العام:
*شاطئ البحر الذي يمتد إلى الحد الأقصى من مد البحر عند ارتفاعه مع منطقة عرضها6أمتار تقاس من الحد المذكور.
* الأخلجة والمراسي والموانئ وملحقاتها.
* المنارات والفنارات وعلامات الإرشاد البحري .
* مجاري المياه مع منابعها والمستنقعات والبحيرات.
* الطرق والمسالك والأزقة والسكك الحديدية والقناطر والسدود.
*خطوط الهاتف والتلغراف.
* تجهيزات الدفاع الوطني والتحصينات العسكرية.
وهذه الأملاك لم تأت على سبيل الحصر، إذ يمكن أن تضاف إليها أملاك أخرى، حيث جاء في نهاية الفصل الأول بصفة عامة كل الأراضي والمرافق التي لا يمكن للأفراد أن يتملكوها لأنها مشاعة.
فالمعيار الذي أخذ به المشرع المغربي في بداية القرن 20، هو عدم قابلية الملك العام للتملك من طرف الخواص أي أنه ملك عام ، وهو ملك مخصص لاستعمال الجميع، أي أنه مخصص للمنفعة العامة وتتولى الدولة تدبيره.[1]
وقد تبين من خلال مشتملات الأملاك العامة السالفة الذكر، وجود أملاك عمومية طبيعية كالشواطئ والأودية والتجهيزات المخصصة للاستعمال المباشر من طرف العموم. وأملاك عمومية اصطناعية كالموانئ والسدود والطرق والقناطر وعلامات الإرشاد البحري وهي أملاك مخصصة لتسيير المرفق العام والاستعمال غير المباشر من طرف العموم، عن طريق هذه المرافق ، وتتولى الدولة أمر تدبيرها.
و هكذا يتضح أن المشرع المغربي حدد نطاق سريان قواعد الملك العام للدولة عبر تحديده لتمظهرات هذا الملك مما هو مشاع بين الأفراد بحيث لايحق لأحد أن يتملك واحدة من مكونات الملك العمومي المذكورة في الفصل الأول من ظهير فاتح يوليو لسنة 1914 فاستبعاد التملك الخاص و الانفراد الخاص بالاستفادة من هذا الملك دليل على عمومية ذلك الملك.
و إذا كان هذا وضع الملك العمومي للدولة فكيف نظم المشرع المغربي الملك العمومي للجماعات الترابية عبر ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالأملاك المختصة بالبلديات حيث حددت الأملاك العمومية للبلديات في الفصول 2 و3 و 4 و هي جميع الأملاك التي خصصت بها صريحا ويمكن ان تشمل الأملاك العمومية البلدية الأزقة والطرق و الأرصفة و الأجنة العمومية وذلك ما يعتبر تابعا لما ذكر من الأزقة والطرق. كبعض الأشغال والآثار البنائية )مثل التماثيل وما شاكلها) وأيضا عيون الماء والتجهيزات المعدة للإنارة و كذلك المياه المعدة للمدينة وكذلك القواديس والقنوات ومجاري المياه والأحواض المجتمعة فيها المياه لتوزيعها وغير ذلك من التجهيزات التي تدخل في الأملاك العمومية في المغرب" طبقا للشروط الواردة في ظهير فاتح يونيو 1914و ثالثها المقابر ماعدا المقابر الإسلامية والإسرائيلية"
و هكذا فالمقصود بالأملاك الجماعية العامة تلك الأملاك التي تمتلكها الجماعات الترابية ملكية قانونية تامة والمخصصة إما لاستعمال العموم مباشرة أو لتسيير المرافق العمومية المحلية والتي يكون بإمكانها تحقيق منفعة عامة، وبالتالي ومن حيث هذه الصفة لا يمكن أن تكون هاته الأملاك موضوع ملكية خاصة ولا يمكن أن تكون محل إيجار أو كراء ويدخل ضمن الأملاك الجماعية العامة جميع أملاك الجماعات بشقيها الحضري والقروي، والتي تم التنصيص عليها بشكل صريح في الفصول 2 و3 و4 من ظهير 1921 المتعلق بالأملاك البلدية والفصلين 2 و3 من ظهير 28 يونيو 1954 المتعلق بأملاك الجماعات القروية
كما نص نفس الظهير على أن الأملاك البلدية العمومية البلدية لا تفوت ولا تبطل حق ملكيتها بمرور الزمان، و هكذا يتبين أن الملك العمومي للدولة أو الملك العمومي للجماعات يتميز بكونه لقواعد القانون العام ولا يمكن للغير ادعاء أي حق عليه بحيث لا يجوز امتلاكه بالتقادم أو نزع ملكيته أو الحجز عليه، عكس الملك الخاص للدولة الذي تسهر على تدبيره مديرية أملاك الدولة التابعة لوزارة الاقتصاد و المالية و الذي يهم جميع الأملاك التي تملكها الدولة دون أن تكون مخصصة للعموم ، أي بعبارة أخرى جميع الأملاك التي لا تدخل في الأملاك العمومية. و بالتالي فان للدولة على أملاكها الخاصة جميع الحقوق المتصلة بحق الملكية (سلطة الاستغلال، سلطة الاستعمال و سلطة التصرف) أي نفس الحقوق المترتبة للأفراد على ممتلكاتهم الخاصة. و على خلاف الملك العمومي فان الملك الخاص للدولة لا يتمتع بأي نظام امتيازي حيث تسري عليه عادة قوانين القانون الخاص، أي أنه قابل للتفويت و الحجز. كما يمكن أن يكون موضوع ارتفاعات و تحملات عقارية و حقوق عينية تثقل حق الملكية. و تتكون الأملاك العقارية للدولة أساسا من أراضي عارية ، حضرية أو قروية، بنايات، أراضي فلاحية أوقابلة للفلاحة ، و حقوق عينية عقارية...
و اذا كان ملك الدولة الخاص يندرج فيه كذلك الملك الغابوي التي تسهر على تدبيره المندوبية السامية للمياه و الغابات فقد أضفى عليه المشرع بعض الخصوصيات جعلته يتمتع بنظام قانوني خاص به يجعله غير قابل للتفويت ذلك ما يجعله أقرب من الملك العام للدولة على الملك الخاص للدولة.
و يتبين أن المشرع المغربي لم يقوم بتعريف دقيق للملك الخاص للدولة وللنظام القانوني الذي يخضع لتطبيقه. إلا أنه، وحسب التعريف الأكثر شيوعا، يتكون هذا الملك، من جهة من العقارات التي لا تدخل في نطاق الملك العمومي المنظم بظهير افاتح يوليوز 1914 ومن جهة أخرى من العقارات التي لا تخضع للأنظمة الخاصة من التشريع العقاري المغربي مما يطرح صعوبات تتعلق بضبط الوعاء العقاري للملك الخاص للدولة وطبيعته ووظائفه ومساطر تدبيره وتثمينه وضمان حقوق والتزامات الدولة باعتبارها صاحب الملك وكذا النظام القانوني المطبق عليه.
و هكذا فإن الأملاك الخاصة للدولة ظلت تختلط لذى عامة الناس مع الملك العام للدولة، لأن المشرع المغربي لم يتطرق إلى تعريق الملك الخاص للدولة ولدلك يلجأ أغلب الفقه إلى إعطائه تعريفا سلبيا عن طريق مقابلته مع الملك العام للدولة، بحيث يعرفه بأنه هو كل ما ليس بملك عام للدولة
و يتكون ملك الدولة الخاص بصفة عامة من:
1)- الأراضي الفلاحية المسترجعة طبقا لظهير 16 شتنبر 1963 المتعلق بتحديد الشروط التي تسترجع للدولة بموجبها أراضي الإستعمار ، الذي نص في فصله الأول على أنه تنقل إلى الدولة إبتداء من تاريخ نشر ظهيرنا الشريف هذا ملكية أراضي الإستعمار الفلاحية أو المعدة للفلاحة الواقعة خارج الدوائر الحضرية حسبما هي محددة في ظهيرنا الشريف هذا و ظهير 02/03/1973 والذي تنتقل بموجبه إلى الدولة ملكية العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة التي يملكها أشخاص ذاتيون أجانب أو اشخاص معنيون .
2)- أراضي الجيش: و هي أراضي صنعتها ظروف الحرب لأن المخزن هو الذي سلمها إلى الأفراد قصد إستغلالها مقابل خدماتهم داخل الجيش السلطاني ، يتمتع فيها الأفراد بحق الإنتفاع وتشرف على تنظيمها و تحديدها مديرية للأملاك المخزنية، وهي غير قابلة للتفويت او التملك بالتقادم .
وتجدر الإشارة إلى أنه لاي وجد نص قانوني خاص و قائم بداته ينظم علاقة القبائل بهاته الأراضي ليظل اسنغلالها تنظمه الأعراف المحلية التي تختلف من قبيلة إلى أخرى
3)-التركات الشاغرة : ففي حالة عدم وجود ورثة بالفرض أو التعصيب، فإن ما يتركه الهالك يؤول إلى الدولة ، أما إذا وجد ورثة بالفرض لا يستغرقون كل التركة فإنه في هذه الحالة يأخذ الورثة الفرضيون نصيبهم بالفرض ثم ما بقي عن طريق الرد بعدما تنازلت لهم الدولة (الملك الخاص) عند ذلك.
4)-الأراضي المستخرجة من الملكين العام و الغابوي إلى الملك الخاص للدولة
5)-الملك الغابوي.
6)-الأملاك المتاتية من المصادرة.
7)-الأملاك المملوكة للدولة من القدم.
8)-الأملاك الموهوبة للدولة دون تحديد الجهة المستفيدة بالإسم و غيرها.
أما الملك الخاص للجماعات الترابية [2]
أما الملك الخاص للجماعات الترابية فيراد بالأملاك الخاصة التي تمتلكها الجماعات المحلية ملكية خاصة و غير مخصصة بأملاكها العامة حسب مقتضيات الفصل الخامس من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 17 صفر 1340 الموافق ل 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالملك البلدي بالنسبة للجماعات الحضرية و لا تستعمل من طرف العموم بالنسبة للجماعات القروية طبقا لمقتضيات الفصل التاسع من الظهير الشريف المتعلق بالأملاك التي تملكها الفئات المزودة بجماعات إدارية بتاريخ 29 يونيو 1954، و على هذا الأساس تتصرف فيها الجماعات تصرف الأشخاص في ممتلكاتهم الخاصة إذ تسحب منها الصفة الإدارية و المصلحة العمومية.
و يمكن أن يشتمل الملك الخاص للبلدية على العقارات أو الأبنية التي اشترتها البلديات أو بنتها على نفقتها أو قطع الأراضي اللازمة للتجزئة بداخل منطقة المدينة و التي تكون قد تخلت عنها الدولة من ملكها الخاص بعوض.
أهمية الموضوع:
تتجلى أهمية الموضوع في كون الملك العام للدولة و ملكها الخاص و كذا كل من الملك العام و الخاص للجماعات الترابية ضروري لهم للقيام بمهامهم و وظائفهم و تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية
الإشكالية:
و بعد أن تطرقت لمفهوم كل من العام للدولة و للجماعات الترابية و كذا الملك العام الخاص للدولة و الجماعات المحلية فإن السؤال الإشكالي الذي يفرض نفسه
ما هي أليات تحصين كل من الملك العام و الخاص للدولة و كذا الملك العام و الخاص للجماعات الترابية
ذلك ما سنحاول الإجابة عليه باعتماد خطة البحث التالية:
المبحث الأول: مسطرتي التحديد الإداري و التحفيظ العقاري كأليتين لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و للجماعات الترابية
المبحث الثاني: أليات أخرى لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و للجماعات الترابية
المبحث الأول: مسطرتي التحديد الإداري و التحفيظ العقاري كأليتين لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و للجماعات الترابية
تعد مسطرتي التحديد الإداري و التحفيظ العقاري أهم أليتين وضعهما المشرع لتحصين الملك العمومي
المطلب الأول : مسطرة التحديد الإداري كألية لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و الجماعات الترابية
الفقرة الأولى : مسطرة التحديد الإداري العادية
لم يتطرق ظهير 03 يناير 1916 المنظم لعملية تحديد أملاك الدولة الخاصة لتعريف التحديد الإداري لأملاك الدولة ، لذلك عمل الفقه على تعريفه بأنه العملية التي تهدف إلى ضبط حدود عقار ذي مساحة كبيرة بصفة قطعية غالبا ما يكون تابعا لجماعات أصلية أو سلالية أو للدولة سواءا كان ملكا عاما أو خاصا بهدف الوصول إلى التصفية القانونية لمساحات شاسعة[3]
و يعتبر التحديد الإداري للأملاك العامة التابعة للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، مسألة غاية في الأهمية بالنسبة للجهة المالكة للعقار العمومي، فبواسطته يتم تبيان الحدود التقنية والقانونية للملك العام ومن ثم توضيح حقوق الشخص المعنوي المالك له، وكذا حقوق الغير، والمقصود بالتحديد الإداري أي التحديد الذي تقوم الإدارة به بالنسبة لأملاكها العامة غير المحفظة، وبشكل انفرادي أي دون التشاور مع الملاكين المجاورين للملكية العمومية[4].
وكما هو معلوم فإن التحديد الإداري للملك العام لا يشمل الأملاك العامة وحدها، بل يمتد أيضا إلى أملاك أخرى من قبيل أراضي الجموع والملك الغابوي والملك الخاص للدولة
وفي إطار نظرية الأملاك العامة نجد الفقه والقضاء يميز بين الأملاك العامة الطبيعية والأملاك العامة الاصطناعية. فيما يخص الأولى يقتصر الأمر على كشف وإعلان الحدود التي صنعتها الطبيعة بفضل عوامل جيولوجية وطبيعية لا دخل للإنسان فيها، فقرار التحديد لا ينشئ الحدود، بل يعمل على إبرازها دون توسيعها، وفي حالة ما إذا تجاوز التحديد الحدود الطبيعية يكون مشوبا بخطأ. أما بالنسبة لتحديد الملك العام الاصطناعي، مثل تحديد الساحات العمومية والحدائق العامة، وأماكن المحطات وموقف السيارات والأسواق العامة والمجازر ودور الثقافة والرياضة والشبيبة وغيرها من الأماكن، شريطة أن تكون مصنفة ضمن الأملاك العامة، فإن قراره لا يقتصر على معاينة الحدود وإنما يمتد إلى إمكانية تغيير هذه الأخيرة بتوسيعها أو تصنيفها حسب ما تستلزمه اعتبارات المصلحة العامة وما قد تنص عليه وثائق التعمير
و هكذا يتبين أن مسطرة التحديد الإداري تتكون من مجموعة من العمليات القانونية والتقنية التي تخضع لمسطرة طويلة، حيث تمر عبر مراحل متعددة يمكن أن نوجزها كما يلي:
أ- التحديد المؤقت
إن عملية التحديد الإداري للملك العمومي تنبني على أساس مبدأ القرينة القانونية المنصوص ،ومن أجل تسهيل تطبيق هذا المبدأ و اعتمادا عليه، تتم عملية المعاينة الميدانية للمجال المراد تحديده والتي تمكن من إنجاز عملية تحديده المؤقت والتي تتم عبر وضع حدود طبيعية ووضع أنصاب مؤقتة. وخلال هذه العملية الاولية يتم استثناء بشكل تلقائي كل الاراضي التي لا تستوفي شروط القرينة.[5]
واعتمادا على المعطيات التي تم قياسها خلال هذه المعاينة الميدانية يتم اعداد ملف يتكون أساسا يوضح الوضعية الادارية للملك ويبين حدوده ومساحته بشكل تقريبي،
حيث يكون اللجنة ميدانيا إذ يتم وضع الأنصاب لتنبيه الجمهور والمجاورين إلى وجوب إثارة تعرضاتهم المحتملة. لذلك فالتحديد المؤقت هو عملية تقنية تتطلب القيام باشهار واسع من طرف السلطة المحلية والتنبيه على أن هذه الأشغال ليست نهائية الا بخروج اللجنة الرسمية مما يتطلب من المعنيين الوقوف بعين المكان لمحاولة تسوية اي نزاع قد يتار اتناء هده العملية.
يتعين على المكلف بهذه العملية وضع علامة فقط متى لوحظ له تجمهر حول نصاب معين حتى يتم وضع النصاب النهائي من طرف اللجنة، وعليه أن يغرس الأنصاب على مسافة تبعد بينهما ب 200 متر تقريبا واذا كان الأمر يتعلق بغابة وجب أن لايتعدى عدد الأنصبة بين 10 و 150 نصب وعلى مساحة 100هكتار ولابد ان تكون هناك علامات تميزها كالصخور او قطع حجرية ثابتة. ويجب أن لا تتعدى هذه العملية 6 أشهر قبل موعدها المعلن عنه بمرسوم تحديد تاريخ افتتاح عملية التحديد الإداري
ب-التحديد النهائي
تتم احالة ملف التحديد مرفقا بمشروع مرسوم يأمر بإجراء عمليات التحديد النهائي على الامانة العامة للحكومة التي بعد أن تخضعه لصك المطابقة، تعرضه على السيد رئيس الحكومة من أجل التوقيع عليه.
وبعد استصدار مرسوم التحديد الذي يحدد تاريخ وساعة ومكان انطلاق عملية التحديد، يتم العمل على نشره بالجريدة الرسمية لمدة شهر. كما يتم خلال نفس المدة إشهاره عن طريق اللصق في الاماكن المخصصة بمكاتب بعض الادارات العمومية والمناداة في القرى والأسواق وذلك من أجل إثارة انتباه ملاكي الأراضي المجاورة للملك.
تباشر عملية التحديد النهائي للملك العمومي من طرف لجنة قانونية مختصة مكونة من السلطة المحلية التي يوجد بترابها الأملاك المعنية كرئيس للجنة و ممثل عن الإدارة المشرفة على الملك و مهندس طوبغرافي ويمكن أن يرافق هذه اللجنة عند الاقتضاء عدلان وأعوان السلطة المحلية.
وتجرى هذه العملية بعلم وبحضور السكان المحليين الذين يمكنهم إثارة الملاحظات التي يرونها ضرورية وإبداء تعرضاتهم أمام اللجنة المختصة بالتحديد، تلك اللجنة التي لها الصلاحية لدراسة جميع المستندات والحجج التي يدلي بها السكان لإثبات حقوقهم.
ويخول القانون لهذه اللجنة كامل الصلاحية للبت في النزاعات المطروحة خلال جريان التحديد ومن ثم فهي تقوم بإدخال تغييرات على حدود الملك الغابوي أو إحداث محصورات جديدة في إطار تسوية بعض النزاعات عن طريق التراضي.
وتجدر الاشارة في هذا الصدد أن المشرع أتاح إمكانية فض النزاعات المتعلقة بمطالب التحفيظ المودعة كتأكيد للتعرضات المقدمة ضد عملية التحديد، وذلك تحت إشراف المحافظ على الاملاك العقارية.
وتحال الملفات المتعلقة بمطالب التحفيظ التي لم يتم تسويتها عن طريق التراضي على القضاء من أجل البت فيها. وبعد إتمام عملية التحديد تقوم اللجنة بتحرير محضر مع التوقيع من طرف أعضائها و يتضمن هذا المحضر:
* أسماء وصفة أعضاء اللجنة.
* تاريخ عملية التحديد.
* الحقوق المترتبة على العقار كحق الرعي،جمع الحطب الميت أو المتساقط.
* التعرضات التي تم قبولها بعين المكان.
يرفق هذا المحضر ب:
*لائحة التحديد وتضم بيانات جد دقيقة عن العقار كوصفه، موقع الأنصاب، تعيين الحدود، وذلك لتسهيل التعرف على موقعه. هذه اللائحة يجب ان تكون مطابقة لعمل اللجنة و مصادق عليها مع التوقيع.
*تصميم مطابق لعملية التحديد يبين فيه المهندس حدود العقار وأسماء المجاورين للعقار على طول حدوده.
بعد ذلك تقوم اللجنة بإيداع نسخة من محضر التحديد و تصميم للعقار لدى السلطة المحلية، و يتم نشر اعلان هذا الايداع بالجريدة الرسمية مع التنصيص على أنه لا يقبل اي تعرض أو طلب بع انصرام أجل 3 أشهر من تاريخ نشر هذا الاعلان، وداخل هذا الأجل يمكن لمن يدعي أن يتقدم بطلب تعرضه لدى السلطة المحلية لموقع العقار و التي تعمل على تدوينه بمحضر ملحق و خلال 3 أشهر تبتدئ من تاريخ انتهاء آجال قبول التعرضات يكون المتعرض مطالبا بإيداع مطلب التحفيظ بالمحافظة العقارية كتعرض تأكيدي معززا بحجج ملكيته إضافة الى اذن السلطة المحلية تفيد بأنه سبق و تعرض داخل الأجل المحدد واذا لم يقم بهذا الايداع يسقط حقه.
إيداع هذا المطلب يتم وفق المسطرة العادية للتحفيظ ويخضع لأداء الرسوم الواجبة إلا أنه ثمة اختلاف بين المحافظات بخصوص هذه الرسوم لم يتم حسمه.
هذه المسطرة توقف صدور مرسوم المصادقة على أعمال التحديد الى حين توصل الادارة المعنية بشهادة من المحافظ تفيد عدم ايداع أي تعرض خلال مدة الاشهار أو تم ايداع التعرضات مع الحسم فيها سواء خلال المرحلة الادارية أو القضائية.
و بعد انصرام مدة إيداع محضر التحديد وطبقا للفصل الثاني من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 26 رمضان 1340 الموافق ل25 ماي 1922 المتعلق بتحفيظ الأملاك الخاصة للدولة التي جرى تحديدها طبقا للمسطرة المبينة بالظهير الشريف المؤرخ بسادس وعشرين صفر عام 1334 الموافق لثالث يناير سنة 1916 الصادر في النظام الخاص لتحديد أملاك الدولة الخاصة، يرسل السيد المحافظ إلى المصالح المركزية للإدارة المشرفة على الملك شهادة إدارية تبرز وجود أو عدم وجود:
رسوم عقارية ومطالب التحفيظ تم إيداعها قبل صدور مرسوم التحديد؛ مع أو بدون طلبات التحفيظ التي سجلت لتثبيت التعرضات على التحديد؛ وتتم مباشرة إجراءات المصادقة على التحديد بشكل جزئي، مستثنية القطع الأرضية موضوع الرسوم العقارية ومطالب التحفيظ السالفة الذكر في حالة وجودها، أو بشكل كلي وشامل في حالة عدم وجودها.
وتتم المصادقة على عملية التحديد بواسطة مرسوم ينشر بالجريدة الرسمية، تضبط بصفة ثابتة ولا رجعة فيها الحدود المادية والوضعية القانونية للعقار موضوع التحديد.
وقد
رتب ظهير 03 يناير 1916 على صدور قرار الموافقة على التحديد أثرين هما :
أولا : لا يسوغ التعاقد في شيء مما اشتملت عليه حدود العقار المشروع في
تحديده إلا بعد الحصول على شهادة بعدم تعرض الإدارة وذلك إلى غاية صدور قرار
المصادقة على التحديد.
ثانيا: عدم إمكانية قبول أي مطلب للتحفيظ في شأن هذا العقار إلا على وجه
التعرض لأعمال التحديد
وإذا كان المشرع قد توخى من خلال
الفصل الثالث من ظهير 03 يناير 1916 إبعاد كل محولة للتحفيظ من شأنها عرقلة عملية
التحديد الإداري، فإنه قد مس بحقوق الأفراد الدين قد يكونون محقين في مطلبهم ،
وأنه كان من الأجدر تخويل المحافظ صلاحية قبول مثل هذه الطلبات للتحفيظ مادام أن
أصحاب هذه الحقوق لهم ما يثبت تملكهم و يمكنهم من فتح مطالب لتحفيظها ، لأنه يكون
بمنعه هذا قد افترض في الدولة (الملك الخاص) مالكا والأفراد منازعين لها في ذلك.[6]
هذا يدفعنا الى الحديث عن التعرضات ، ويظهر جليا أن المشرع المغربي ومن خلال الآجال القانونية [7]– 3 أشهر بالنسبة لأراضي الدولة الخاصة المخصصة لتقديم التعرضات والتي لا يتحقق خلالها إشهار كاف وإعلام يصل إلى العموم أراد المشرع أن يترك الامتياز للإدارة طالبة التحديد الإداري ونقيضا لذلك، أن هذه الحال لا يتم احترامها ، لا من طرف الممثل المحلي للإدارة المعنية ولا من طرف المحافظة بحيث يتم استقبال تعرضات خارجها وذلك راجع لعدة اعتبارات ومنها:[8]
+أن تكون هناك سنوات عدة بين إنتهاء عمليات التحديد وبين فتح آجال
التعرضات
+تغيرات الواقع: كموت الأشخاص المعنية
او هجرتهم أو حدوث كوارث طبيعية من قبيل الحرائق وإنجراف التربة .
+أحيانا تأخر صدور الجريدة الرسمية مما
يقلص من الأجل القانوني وما يثير الجدل حقا، هو أن المطالبين بحقوقهم بخصوص العقار
موضوع التحديد، لا يتوفرون على وثائق رسمية تدعم وتعزز ادعاءاتهم وإنما يؤسسون
حقوقهم على عنصر الحيازة الطويلة والدائمة التي تتجاوز 10 سنوات بل وحتى أجيال
متوالية ( مما يزيح ويضعف كل ادعاء صادر من طرف الأغيار حسب القانون ويعزز ويقوي
مركز الحائز بالتقادم المكسب هذه الحيازة لا يتم احترامها خلال مرحلة التحديد الإداري أو بالأحرى لا يتم
الاعتداد بها من طرف الإدارة طالبة التحديد.
ومن الناحية القانونية فسكوت النصوص
القانونية أدى طرح عدة تساؤلات صادرة عن المحافظين العقاريين بالخصوص حول مادة
المطلب التأكيدي للتعرض + هل يتم اعتباره مجرد تعرض عادي أم أنه فعلا مطلب للتحفيض ؟
+ هل يتم اخضاعه للرسوم العادية حسب
مرسوم 1997 يونيو 30 ام للرسوم القضائية في مادة التعرض ؟
هل يمكن للمحافظ العقاري قبول تعرضات
موجهة لهذا المطلب التأكيد من طرف الأغيار ؟
هكذا وارتباطا بروح هذه القوانين
ظهيري 1916 و 1924 من الواضع أن كل تعرض يجب أن ينسب على التحديد الإداري لم يتم
خلال الأجل القانوني لا يمكن قبوله
لكن في حالة تعرض الغير أمام المحافظ على المتعرض على التحديد الإداري ” أي التعرض على المطلب التأكيدي للتعرض ” فإنه من الصعب تلقي ذلك وتعرض الغير هذا يتم رفضه
يلاحظ أن بعض
المحافظين العقاريين ، يعتبرون المطالب التأكيدية كمطالب للتحفيظ، ويقبلون بالتالي
تعرضات عليها داخل الأجل العادي، للمسطرة المنصوص عليها في ظهير 12 غشت 1913 وحتى
خارج هذا الأجل ويستنتج من هنا، أن إيداع مطلب التحفيظ بهذا الشكل المطلب التأكيدي
للتعرض، من طرف المتعرض يجعله في مركز المدعي، وعليه يقع عبء الإثبات وهذا استثناء
للقاعدة المعروفة التي تضع طالب التحفيظ في موقع المدعي عليه، وكأن المشرع المغربي
أراد اعتبار مسطرة التحديد الإداري بمثابة مسطرة التحفيظ العقاري والإدارة طالبة
التحديد بمثابة طالب التحفيظ.
هكذا فصدور مرسوم المصادقة على أعمال
التحديد يتوقف على توصل الإدارة المعنية بشهادة من المحافظ تقيد عدم إيداع أي تعرض
خلال مدة الإشهار أو أنه تم إيداع التعرضات مع الحسم فيها سواء خلال المرحلة
الإدارية أو القضائية .
1-إذا لم يقع أي تعرض، في هذه الحالة
يرسل محضر التحديد مشفوعا بشهادة من المحافظة العقارية تثبت عدم إيداع أي تعرض إلى
الوزارة الأولى قصد استصدار مرسوم بالمصادقة على عملية التحديد الإداري وينشر
بالجريدة الرسمية .
2-أما في حالة وقوع تعرضات فإن مطالب
التحفيضا التي أودعها المتعرضون ترسل من طرف المحافظ العقاري إلى المحكمة المختصة
للنظر فيها، وهنا يجب التمييز بين حالتين :
أ-إذا أدانت
المحكمة الإدارة في مطلبها يتم إنجاز محضر ملحق على أساس ما قررته المحكمة وبصدور
الأحكام النهائية في الموضوع هذه الإدارة يقوم المحافظ بتطبيق الأحكام واستئناف
المسطرة واستخراج العقارات العائدة للمتعرضين قبل تزويد الإدارة المعنية بالتصميم
النهائي للتحديد الإداري
ب-إذا قضت المحكمة لفائدة الدولة يطلب
من السلطة العليا ( الوزارة الأولى) المصادقة على عملية التحديد وذلك بناء على
شهادة عقارية تثبت بأن كل التعرضات المبداة على عملية التحديد قد تم رفعها من طرف
المحكمة.
وصفوة القول، فإن عملية المصادقة وبكيفية لارجعة فيها، تثبت المحتوى المادي
للعقار المحدد وحالته القانونية وذلك بالنسبة للغير وكذا للملك الخاص للإدارة على
حد السواء، وهي نفس الآثار التي يرتبها التحفيظ العقاري[9]
الفقرة الثانية: مسطرة التحديد الإداري الخاصة
أ-المسطرة الخاصة على ضوء القانون رقم 12.90
ينص القانون 12.90. المتعلق بالتعمير على مسطرة خاصة للتحديد الإداري، تتم إما في إطار تصميم التهيئة المعتمد في الجماعة المعنية (أولا)، و قرار تخطيط حدود الطرق العامة وقرار تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها(ثانيا)،
أولا: قرار تعيين الطرق، المسالك، الممرات والأزقة
بناء على المادة 19 من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير و التي تنص على أن تصميم التهيئة يهدف إلى تحديد جميع أو بعض حدود الطرق الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها أو إحداثها، وأولى للمجالس المنتخبة القيام بتعيين الطرق والمسالك والممرات والأزقة المستعملة لتأكيد طابع الملكية العامة التي تكتسيها و بيان حدودها[10].
تبدأ هذه المسطرة من خلال محاولة الجماعة المعنية في نهج سبيل مسطرة التراضي مع الجوار للاراضي المراد نزع ملكيتها لأجل تعيين الطرق مقرر بعد مداولة المجلس لتعيين الطرق و المسالك و الممرات والأزقة تليه مجموعة من الإجراءات تتوج باستصدار مشروع قرار متعلق بالعقارات موضوع التعيين ، لتتم إحالة الملف على عامل عمالة الإقليم للتأشير عليه ، والقيام بإجراءات إشهار القرار الموشر عليه من طرف عامل العمالة أو الإقليم.
ثانيا: قرار التصفيف والتخطيط
حسب المادة 35 من قانون التعمير فان قرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستجوبه العملية تخضع للأحكام المقررة في القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، هكذا واستنادا إلى أحكام المادة 32 من قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، فان رئيس المجلس الجماعي يتخذ قرار تخطيط حدود الطرق العامة أو قرار تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها العقارات المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية عندما يتعلق الأمر بإحداث طرق جماعية وساحات عامة ومواقف عامة للسيارات بالجماعات أو إلى تغيير تخطيطها أوالى عرضها أو حذفها كلا أو بعضا، واستنادا للمادة 81 من القانون السالف الذكر, فان الجماعات المحلية تعتبر شريكا لوزارة التجهيز والنقل في تعيين الطرق و المسالك و الممرات و الأزقة لتأكيد طابع الملكية العامة التي تكتسبها و بيان حدودها، ويتم هذا التأكيد بقرار لرئيس مجلس الجماعة بعد مداولة المجلس، وما دام أن ممارسة تلك الصلاحيات رهين بتوفر وعاء عقاري لدى تلك الجماعات، فان نفس المادة اشترطت في قرارات إحداث الطرق والساحات تعيينها للعقارات المراد نزع ملكيتها مع بيان مشمولاتها ومساحتها وأسماء من يحتمل أن يكونوا مالكين لها، من جهة أخرى، فإن المشرع مكن الجماعة من ثلاثة طرق لمباشرة مسطرة تحديد الطرق العامة وهي:
اتخاذ قرار يقضي بتخطيط حدود الطرق العامة ويعلن بموجبه عن المنفعة العامة ثم اتخاذ قرارين متتابعين سابق ولاحق، ثم إعفاء الجماعة الحضرية أو القروية من إصدار قرار تخطيط حدود الطرق العامة.
و يجدر بالذكر الملك العام للدولة أكثر تحصينا بطبيعة الحال من ملك الخاص لكونه غير قابل للتفويت و لا للتملك بسبب الحيازة الى غير ذلك لكن مسطرة التحديد الإداري تزيده تحصينا و مناعة، هذه المسطرة لا تختلف كثيرا عن مسطرة تحديد الملك الخاص للدولة التي تطرقنا لها سابقا فقط الأمر يختلف في أن وزارة التجهيز هي التي تباشر العملية.
المطلب الثاني :مسطرة التحفيظ العقاري كألية لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و كذا الملك العام و الخاص للجماعات الترابية
الفقرة الأولى: مسطرة التحفيظ العادية
يقصد
بالتحفيظ العقاري مجموعة القواعد التي يتم بها تنظيم وضعية العقار قانونيا و ماديا
، بعد مروره من مسطرة تسمى مسطرة التحفيظ و تأسيس رسم عقاري للعقار المطلوب
تحفيظه. وتتخلل هذه المسطرة عملية إشهار واسعة يكون الغرض منها إعلام العموم
بجريان مسطرة تحفيظ العقار حتى يتسنى لكل من يعنيه الأمر أن يتعرض على عملية
التحفيظ إدا كان من شأنها أن تمس بحق له .
وأملاك الدولة لا تحيد عن هدا الإتجاه حيث يجب
على الإدارة المشرفة عل ملك الدولة سواء مديرية
أملاك الدولة أو المندوبية السامية للمياه و الغابات أو الجماعات الترابية أن تعمل على طلب تحفيظ كل عقار يعود للدولة لدى
المحافظة على الاملاك العقارية الواقع بدائرة نفودها العقار المعني.
ويتم تقديم هذا المطلب وفقا للكيفيات المنصوص
عليها في الفصل 13 من ظهير12 غشت1912 ويكون تحفيظ هذه الأملاك اختياريا كمبدأ عام
و إجباريا في بعض الحالات كما هو الشأن بالنسبة لتحفيظ الأملاك الخاصة.
وبمجرد تقديم مطلب للتحفيظ يمكن لكل من يدعي حقا
على العقار موضوع مطلب التحفيظ أن يتقدم بتعرض ضده إما لدى مصالح المحافظة
العقارية أو القائد أو لدى المحكمة الإبتدائية على أن يقدم المحافظ بعد نشر خلاصة
المطلب بالجريدة الرسمية و إعلان العموم بتاريخ التحديد بتبليغ طالب التحفيظ في
شخص مدير الأملاك المخزنية، وفي حالة عدم تسوية الوضعية لدى المحافظ بالصلح يتم
رفع الملف لدى القضاء الدي له أن يحكم إما بصحة التعرض أو رفضه.
وفي حالة الحكم بصحة التعرض جزئيا يمكن تطبيق
الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري وللمحافظ بعد ذلك إما تأسيس رسم عقاري أو رفض
ذلك، ويمكن لإدارة الأملاك المخزنية أن تتابع المحافظ في الحالة الأخيرة طبقا
للفصل 97 من الظهير المذكور .
وتجدر الإشارة إلى أن الدولة (الملك الخاص)
لاتسلك فقط المسطرة العادية للتحفيظ، بل أيضا المسطرة الخاصة لتحفيظ الأملاك التي
تبقى بعد استخراج الطرق و الممرات وإنشاء قنوات الري في إطار عملية ضم الأراضي
وذلك بهدف إنشاء رسوم عقارية لهذه القطع الأرضية كما أن العقارات المحددة تحديدا إداريا مصادقا عليه
يمكن تحفيظها إما وفق مسطرة خاصة بدون إشهار أو وحق مسطرة خاصة بإشهار
أ- مسطرة التحفيظ بدون إشهار
تتم هذه المسطرة الخاصة بدون إشهار
عبر تقديم الطلب من طرف مديرية أملاك الدولة أو من طرف إدارة المياه والغابات
بالإشارة إلى أن المطلب قد تم إيداعه في إطار المسطرة الخاصة المنصوص عليها في
ظهير 24 ماي 1922 ويتعين تأييد المطلب المذكور بنسخة من محضر التحديد الإداري
والتصميم المؤقت ونسخة من مرسوم المصادقة كما أنه يتعين التحقق من ذكر الحقوق
العينية والتحملات العقارية المعترف بها لفائدة الغير خلال مرحلة التحديد الإداري
ومباشرة بعد تخصيص رقم للمطلب المذكور يتعين إيفاد مهندس مساح لعين المكان للتحقق
من حدود العقار والتأكد من تواجد العلامات ( الإنجاز) من مكانها وعند الاقتضاء غرس
علامات جديدة إذا كان ذلك ضروريا وذلك بحضور ممثل عن الإدارة المعنية بالأمر ولا
يستدعي إلى حضور هذه العملية أي شخص آخر حيث لا يمكن قبول أي ادعاء كيفما كان نوعه
غير أنه يمكن استدعاء إدارة الأشغال العمومية عند الاقتضاء بعد موافقة الاملاك
المخزنية والمياه والغابات وذلك لضبط أقسام الملك العمومي المشمولة في التحديد
الإداري او التي تخترقه كالطرقات والمسالك
وبناء على محضر التحديد والتصميم العقاري الذي تنجزه مصلحة المسح، العقاري يعمل المحافظ على تأسيس الرسم العقاري مباشرة في اسم الدولة ( الملك الخاص ، أو الملك الغابوي ) وفقا للشكليات العادية المتبعة في تأسيس الرسوم العقارية
ب-مسطرة تحفيظ بإشهار
عندما يتعلق الأمر بطلب تحفيظ مقدم
وفق المادة 4 من ظهير 24 ماي 1922 يتعين نشر خلاصة خاصة للمطلب يذكر في بدايتها أن
هذا النشر قد تم تطبيقا لمقتضيات المادة 4 المذكورة
وتختم في آخرها بعبارة مكتوبة
بحروف كبيرة مفادها أن أجل تقديم التعرضات أو الطلبات التقييد سينصرم بعد أربعة
أشهر من نشر الخلاصة بالجريدة الرسمية
غير أن التعرضات التي يمكن تقديمها في هذا الباب يجب أن تنصب على الحقوق المستمدة من طالب التحفيظ شخصيا أما التعرضات التي تنصب على استحقاق الملك فلا يمكن قبولها باعتبار أن مثل هذه التعرضات كان يتعين تقديمها داخل الأجل القانونية خلال مسطرة التحديد الإدارية
وخلال أجل الأربعة أشهر المذكورة يتعين إجراء عملية التحقق من الحدود في بين المكان اللهم إلى إذا وردت تعرضات قانونية حيث يثم إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة المختصة للبث في النزاع وفقا للمسطرة المنصوص عليها في ظهير 12 غشت 1913
ويمكن القول أن مسطرة تحفيظ العقارات التي كانت موضوع عملية تحديد إداري سابقة تتلخص في قيام المحافظ التابع له العقار المحدد إداريا باتخاذ قرار التحفيظ بناء على المرسوم المصادق على عملية التحديد الإداري المنشور بالجريدة الرسمية علما أن اتخاذ قرار المصادقة بواسطة المرسوم المذكور قد كان مستندا على شهادة صادرة عن المحافظ مفادها عدم وجود قطع أرضية محفظة أو إيداع مطلب تحفيظ بخصوص قطعة داخلة في إطار المناطق المشمولة بعملية التحديد الإداري ،علما أن المحافظة على الاملاك العقارية سبق وأن احيطت علما بعملية التحديد الإداري من طرف لجنة التحديد من خلال إلزام الفصل الأول من ظهير 24 ماي 1922 لهذه الأخيرة بايداع بنسخة من تقرير التحديد ونسخة من الرسم البياني الملحق به لدى إدارة المحافظة على الأملاك العقارية ثم إن قيام المحافظ بالتحقق من وضع علامات الحدود ورسم الخريطة المتعلقة بالعقار حسب الفصل الثالث من الظهير محل الدراسة لا يتعلق بعملية التحديد كما هو منصوص عليها بموجب ظهير 12 غشت 1913 ولا سيما منه الفصول من 17 إلى 23 وإنما مجرد رقابة بعدية لعمل إدارة أملاك الدولة حتى تتأتى للإدارة المحافظة العقارية المقارنة بين الوضعية القانونية للعقار المحدد إداريا من خلال محضر التحديد الإداري ووضعيته المادية على أرض الواقع
وعندما تتضح للمحافظ سلامة إجراءات التحديد الإداري ومطابقتها لما هو كائن على أرض الواقع يتخذ قراره بتحفيظ هذا العقار باسم الدولة في شخص إدارة أملاك الدولة أو المياه و الغابات وهنا يمكن الحديث عن المناعة المطلقة والأثر التطهيري لتحفيظ العقار.
ولعل أهم ما يلاحظ في إطار تحفيظ املاك الدولة الخاصة المحددة تحديدا إداريا هو محدودية دور المحافظ على الملاك العقارية إذ يقتصر دوره فقط على المراقبة البعدية لأعمال لجنة التحديد الإداري معززا بمهندس مساح طبوغرافي تابع للوكالة الوطنية للمحافظة على الملاك العقارية
و هكذا فإن تحفيظ الملك العمومي يعتبر ذا أهمية قصوى في تطهير العقار وتصفية وعائه بصفة نهائية بالرغم من أن المصادقة على التحديد الإداري تؤدي إلى نفس النتائج بالنسبة لحقوق الملكية. حيث تمكن هذه العملية من صيانة حقوق الأغيار وتوحيد مساطر رسم حدود العقارات المجاورة للملك العمومي والحد من التعرضات على مطالب التحفيظ في حالة التداخل، وبذلك فهي تهدف الى تصفية النزاعات وتحسين العلاقات مع الساكنة المجاور و بالتالي تأمين الملك العمومي.
وتباشر عملية التحفيظ العقاري لأملاك للدولة المصادق على عمليات تحديدها في إطار مسطرة التحفيظ الخاصة المنصوص عليها في الظهير المتعلق بتحفيظ أملاك الدولة المحددة حسب مسطرة الظهير المتعلق بسن نظام خاص لتحديد أملاك الدولة، كما وقع تغييره وتتميمه المشار اليه سابقا وهي كذلك تخضع لمقتضيات قانون التحفيظ العقاري.
وبذلك فإن مسطرة تحفيظ الأملاك العمومية تباشر من خلال إيداع مطالب لتحفيظها لدى مصالح المحافظة العقارية وإنجاز تصاميمها الطبوغرافية من طرف مهندسين مساحين وإجراء عمليات مراجعة حدودها من طرف أطر مصالح المسح العقاري للتأكد من مطابقة حدودها مع ملفات التحديد الإداري المصادق عليه المتعلقة بها.
ومن المعلوم أن مسطرة التحفيظ العقاري تقيد في السجلات العقارية بشكل نهائي ولا رجعة فيه الحقوق العقارية المعترف بها داخل العقار موضوع التحفيظ. وبذلك فإن عملية التحفيظ العقاري للأملاك العمومية لا تتناقض مع ممارسة حقوق الانتفاع المخولة للساكنة المحلية ولا تعني إعادة النظر في التحديدات الإدارية المنجزة التي أصبحت نهائية ولا رجعة فيها بقوة القانون.
الفقرة الثانية: مسطرة التحفيظ الخاصة
توجد حالات تسلك فيها إدارة أملاك الدولة مساطر تحفيظ خاصة مختلفة عن مساطر التحفيظ العادية ، وذلك لكون هذه المساطر الخاصة مختصرة وخالية من الإشهار ولا تقبل بشأنها التعرضات ، و تتجلى هذه المساطر الخاصة بأملاك الدولة في مايلي :
أولا : تحفيظ الأملاك المتأتية عن طريق نزع الملكية
لا يخضع تحفيظ عقار متأتي من نزع الملكية لشكليات الشهر المعمول بها في إطار ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري ، و إنما يخضع للمادة 37 من القانون 7/81 ، و ينص هذا الفصل على إجراءات مختلفة حسب وضعية الملك بالنسبة لقانون التحفيظ وهو بالتالي يميز بين العقارات المحفظة والموجودة في طور التحفيظ والعقارات غير المحفظة .
Ø فيما يخص العقارات المحفظة ، يترتب عليه بحكم القانون نقل الملكية إلى اسم السلطة نازعة الملكية وبشطب تلقائيا على جميع التقيدات الموضوع لفائدة الغير ، كيفما كان نوعها وتحول حقوق المستفيدين الى حقوق من التعويضات .
Ø العقارات الموجودة في طور التحفيظ ، يترتب عليه وضع رسوم خالصة من كل تحمل لفائدة السلطة نازعة الملكية بمجرد تحقق من الحدود وإعداد التصميم العقاري ، مع العلم بأن الحقوق المحتملة للمتعرضين التي يتعين تحديدها في إطار مسطرة التحفيظ العادية تحول تلقائيا الى حقوق في التعويض .
Ø فيما يخص العقارات غير المحفظة والغير الموجودة في طور التحفيظ فإن الاتفاق أو الحكم القاضي بنزع الملكية يخلص العقار أو الحقوق العينية من جميع الحقوق و التحملات التي قد تكون مثقلة بها .
ويقوم المحافظ بناء على هذا الحكم بوضع رسوم نهائية في اسم السلطة النازعة للملكية بمجرد التحقق من الحدود وإعداد التصميم العقاري مع العلم بأنه لا يمكن قبول أي تعرض و لا يمكن ممارسة الحقوق لفائدة الغير كيفما كان نوعها إلا بخصوص التعويض .
ثانيا : تحفيظ الأملاك المستخرجة من الملك العمومي
عندما يتم استخراج عقار من الأملاك العامة ووضعه ضمن ملك الدولة الخاص فإنه يخضع لمسطرة تحفيظ خاصة نص عليها ظهير 26 يونيو 1927 ويتم ذلك بإيداع نظير من تقارير البحث العمومي لدى المحافظة ، نظير من خريطة التحديد الإداري الذي أنجزته إدارة الأشغال العمومية ، نظير من القرار الوزاري المتعلق بالتحديد الملك العمومي ، نظير من القرار الوزاري الصادر بشأن إخراج العقارات من حيز الأملاك العمومية لضمها إلى الملك الخاص للدولة .
ثالثا : التحفيظ الإجمالي في إطار قانون الاستثمارات
تشبه هذه العملية إلى حد كبير تلك المتعلقة بالتحفيظ الإجباري في نطاق ضم الأراضي، إلا أن الأمر يخص هنا المناطق السقوية وفي إطار قانون الاستثمارات الفلاحية، وقد وضع المشرع مسطرة خاصة للتحفيظ هذه الأملاك بموجب ظهير 1.69.174 الصادر بالتاريخ 25 يوليوز 1969 الذي يعتبر متما للظهير 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية [11].
تبتدئ إجراءات التحفيظ الإجمالي بصدور قرار لوزير الفلاحة يفتح ويحدد خارج مدارات الجماعات الحضرية مناطق تسمى "مناطق التحفيظ الإجمالي " وهو قرار يجب نشره على المستوى المحلي وذلك لدى مقر السلطة المحلية والجماعية القروية والمحاكم الابتدائية ، وكذا في مكاتب المسح وفي المحافظات العقارية طبقا لما ينص عليه الفصل 2 من ظهير المشار إليه .
وتبعا للفصل 3 يحدد لملاك الأراضي الواقعة داخل منطقة التحفيظ الإجمالي أجل سنة للتقديم مطالب لتحفيظ أراضيهم، وذلك ابتداء من تاريخ نشر القرار المذكور.
بعد انقضاء الأجل المحدد لإيداع مطالب التحفيظ فإن المحافظ يعد ملف يتضمن الحالة والتصميم التجزيئين للأراضي الخاضعة لمسطرة التحفيظ الإجمالي ، بما فيها الأراضي التي تقدم بشأنها مطالب للتحفيظ ويودع هذا الملف لدى مقر السلطة ، والمحكمة الابتدائية وكذا لدى المحافظة العقارية [12].
إن المسعى هو إنهـاء عمليـات تحديـد وتحفيـظ الأملاك العمومية للدولة وذلك ما أوصى به أيضا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للتصدي لعمليـات التعمير العشـوائية.[13]
و على العموم فإن ما يسري في مسطرة التحفيظ على الملك العام أو الملك الخاص لكل من الدولة و الجماعات الترابية لا يختلف الا نسبيا من خلال الإدارة التي تباشر هذه العملية حيث تباشرها الإدارة المشرفة على تدبير هذا الملك.
المبحث الثاني: أليات أخرى لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و للجماعات الترابية.
إذا كان يعد التحديد الإداري و التحفيظ العقاري من أهم الاليات التي سنها المشرع لتحصين الملك العام و الخاص للدولة و الجماعات الترابية فإن هناك أليات أخرى تمكن من حماية هذه الأملاك .
المطلب الأول : اليات لتحصين الملك العام للدولة و الجماعات الترابية.
أ- الحماية المدنية و الجنائية:
1- الحماية المدنية للملك العام للدولة و الجماعات الترابية
إن ما يميز الحماية المدنية و الجنائية للملك العام هو إخراجه من دائرة التصرف العادي الى دائرة التعامل بالقانون العام ، خيث لايجوز التصرف فيهو لا الحجز عليه و لا اكتساب ملكيته بالتقادم نظرا لتحصيصه بالمنفعة العامة
إن قاعدة عدم جواز التصرف في الملك العام من أهم النتائج المترتبة عن التمتع بصفة العمومية التي تثبـت للملـك العـام من جهة، وأهم الالتزامات الواقعة على الإدارة المخصص لها أو المالكة له من جهة أخرى، ويقصد بقاعدة عدم جواز التصرف في الملك العام: حظر كل التصرفات الواقعـة عليـه والتـي مـن شـأنها أن تؤدي إلى إنهاء تخصيصه للمنفعة العامة، كالبيع أو الهبة، أو الوصية أو الرهن... . ومبدأ عـدم جـواز التصـرف فـي المـال العـام يكـون لازمـا للقـول بتخصيصـه للمنفعـة العامـة، إذ بدونه لا يتحقق الانتفاع بأموال الدولة العامة، بل إنه لايجوز حتى نزع ملكيته كما ورد في قانون نزع الملكية 7.81
و بالإضافة الى عدم جواز التصرف فيه هناك قاعدة أخرى ملازمة لهاته القاعدة تتمثل في عدم جواز تملك الملك العام بالتقادم حيث يقصـد بتملـك المال بالتقادم أو ما يعرف بالتقادم المكسب، ذلك السبب من أسباب كسب الملكية القائم على حيازة ممتدة لفترة من الزمن يحددها القانون، أو تلك الوسيلة التي يتمكن بمقتضاها الحـائز الـذي اسـتمرت حيازته لحق معين مدة معينة أن يتمسك بكسب هذا الحق بإسقـــــــاط هــــذا التعريــــف علــــى الملك العام للدولة و الجماعات، يتبـين أنـه يجـوز للأفـراد اكتسـاب ملكيـة هـذه الأمـلاك بالتقـادم أي بحيازتهـا ووضـع اليـد عليها لمدة معينـة حيـازة هادئـة، وهـذا أمـر لا يقبلـه منطـق الأمـور لأن ذلـك يتعـارض مـع تخصـيص الملك العمومي للمنفعة العامة ، فإذا ما تم فعلا وضع اليد عليه لمدة طويلة فإن ذلك لا يـؤدي بـأي حال إلى اكتساب ملكية هذا الملك مادام وضع اليد عليه قد تم بعد تخصيصه للمنفعة العامة ، كما أن حيـازة الملـك العمـومي لا تصـلح سـببا لقبـول دعـوى وضـع اليـد لأنهـا حمايـة عارضـة ولا تحميهـا دعاوى وضع اليد .
إن أهمية قاعدة عدم جواز اكتساب الأملاك العموميـة بالتقـادم عمليـا تفـوق أهميـة قاعـدة عـدم جواز التصرف فيها وقاعدة عدم جواز الحجز عليها، ذلك أن الإدارة نادرا مـا تتصـرف فـي الملك العام بـالبيع مـثلا، وكـذلك ينـذر أن يقـوم دائـن الدولة بحجـز ملكها لأن هنـاك حلـولا قانونيـة تضـمن عـدم إهـدار حقـوق دائنـي الشـخص المعنـوي العـام ، أمـا الأفـراد فيقومون بالاعتداء على الملك العام للدولة بوضـع اليـد عليـه لمـدة طويلة ثم الإدعاء بملكيته إعمالا لأحكام التقادم المكسب للملكية، لكن هاته القاعدة أكثر حماية و تحصينا للملك العام.
و بالإضافة الى القاعدتين السابقيتين هناك قاعدة ثالثة تساهم في تحصين الملك العام للدولة و للجماعات تتمثل في عدم جواز الحجز على الملك العام مما يحمي هذا الملك مـن أي تنفيذ عليه، ويقصد به عدم جواز توقيــــع أي حجز على الأملاك الوطنية العمومية وفـاء لديـــن 4 مسـتحق للغيـر علـى الدولـة أو إحـدى إداراتهـا ، وتعتبـر هـذه القاعـدة نتيجـة منطقيـــة لقاعـدة تسـبقها وهــي قاعــدة عــدم جــواز التصـــــــرف فــــي الأمــلاك العموميــة، ذلــك أن الحجــز عليهــا ينتهــي بــالبيع الجبري، وهو نو ع من أنواع التصرفات
2- الحماية الجنائية للملك العام للدولة و الجماعات الترابية:
لقد أفرد القانون الجنائي حماية خاصة للملك العام للدولة و للجماعات الترابية لا تقل عن الحماية المدنية و ذلك بنصوص من القانون الجنائي نفسه أو بنصوص من قانونية خاصة.
و تتجلى الحماية الجنائية للملك العام للدولة من خلال القانون الجنائي عن طريق تجريم كل الاعتداءات الماسة بالأملاك العامة سواء كان ذلك عمدا أو نتيجة الإهمال و عدم الحيطة و الحذر نذكر منها:
- حماية الأماكن المعدة للعبادة (الفصل 223 من القانون الجنائي)
- حماية المقابر و حرمة الأموات ( الفصول من 268الى 272 من القانون الجنائي)
- حماية تنفيذ الأشغال العمومية ( الفصل 308 من القانون الجنائي)
- الحماية المتعلقة بالطرق و المحافظة على الصحة العامة ( الفصل 609 من القانون الجنائي)
· أما الحماية الناتجة عن النصوص الخاصة حماية الملك العام المائي تنظم استعمال هذا الملك قواعد قانونية ذات مصادر مختلفة، منها ظهير فاتح يوليوز حول الأملاك العامة الذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية، ومن تم لا يمكن لموارد مائية أن تكون موضوع تملك خاص ولقد تم مراجعة هذه النصوص بالقانون [14]10.95 الذي استهدف حماية كمية ونوعية الأملاك العامة في مجموعة والحفاظ عليها وترشيد استعمالها.
· حماية الأملاك العمومية المرتبطة بالموانئ: تمت حمايتها جنائيا بواسطة ظهير 18 أبريل 1961 المتعلق بمراقبة البحرية التجارية[15] حيث جاء الفصل 28 منه أنه "كل من حكم أو هدم أو أتلف عن عمد ضوء طافيا أو علامة إرشاف يعاقب بالسجن تتراوح مدته من 6 أشهر و3 سنوات وبذريعة قدرها بين 500 و2000 درهم ب صرف النظر عن تعويض الضرر الواقع"
· حماية الملك السككي: أولي المشرع المغربي حماية خاصة بالملك العام السككي وأصدر ظهير بشأن المحافظة على السكك الحديدية وأمنها ومراقبة إستغلالها. وذلك بمقتضى ظهير شريف صادر في 28 أبريل 1961حيث فرض شروطا خاصة لإستعمالها وفرض مجموعة من القيود و بصددها مثل عدم البناء وعدم الحفر بجوانب السكك الحديدية وقد نص الفصل السادس من الظهير المذكور على أنه: "يعاقب بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة تتراوح بين 5 و10سنوات كل من قام عمدا بتدمير خطوط السكك الحديدية أو بإحداث خلل فيها بوضعه في الطريق شيئا يحول دون السير أو باستعمال وسيلة تعرقل سير القطارات أو تزيفها أو المس بأمن سيرها أو الكسر أو فساد أو نزع أجهزة الأمن وخصوا الأجهزة الكهربائية أو الهاتفية".
· حماية الملك العام الطرقي: قررت الحماية الخاصة بالملك الطرقي بمقتضى نصوص أخرى وفي مجالات أخرى مثل الظهير المتعلق بالمحافظة على الطرق العامة العمومية ومراقبة السير الجولان( ظهير صادر 4 دجنبر 1934)، الذي تضمن عقوبات جنائية ترمي إلى جزر المخالفات التي يتم إتركابها ضد الأملاك العمومية المتعلقة بالطرق.
· حماية الممتلكات الثقافية: ظهير 3 فبراير 1914 المتعلق بالمحافظة على المآثر التاريخية والحفريات وموضوعات الفن والآثار للملكة الشريفة وحماية الأماكن المحاطة بها من مواقع والمآثر الطبيعية.
[1] حسن الخشين، ملك الدولة الخاص تمييزة- نظامه- وظائفه، دار نشر المعرفة، الرباط، 2015 الصفحة 80
[2] مدونة المكتبة القانونية https://www.bibliotdroit.com/ تاريخ الزيارة 18 أكتوبر على الساعة العاشرة صباحا
[3] عبد الوهاب رافع ، أراضي الجموع بين التنظيم و الوصاية ، المطبعة و الوراقة الوطنية الطبعة الأولى 1999.
[4] محمد بوجيدة: مسطرة تحديد الأملاك العامة الجماعية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 38-39 مايو- غشت 2001، ص: 165.
[5] إشكاليات تطور القطاع الغابوي، مرجع سابق
[6] موقع المكتبة القانونية، مرجع سابق
[7] الفصل 5 من ظهيري 3 يناير 1916 و 18 فبراير 1924
[8] مرسوم رقم 358 – 97 – 2 صادر في 24 من صفر 1418 ( 30 يونيو 1997) بتحديد تعريفه رسوم المحافظة على الأملاك العقاري
[9] موقع محاماة www.mohamah.net تاريخ الزيارة 19 أكتوبر 2020 على الساعة الرابعة بعد الزوال
[10] المادة 51 من ظهير 1.92.31 الصادر في 17 يونيو الجريدة الرسمية 4159 الصادرة في 15 يوليو 1992
[11] - الحسين بارك الله ، مرجع سابق ، ص : 124 .
[12] - حسن الخشين ، مرجع سابق ، ص : 125 .
[13] موقع المجلس الاقتصادي و الاحتماعي و البيئي www.cse.ma تاريخ الزيارة يوم 11 أبريل 2020 على الساعة الثاسعة مساء
[14] ظهير عدد 1.95.154 الصادر بربيع الأول (16 غشت 1995) المصادق على قانين 10.95 الخاص بلمياه، جريدة رسمية عدد 4325 ربيع الثاني 1416 ( 20 سثنبر 1995).