حقوق المتعاقد مع الإدارة
حقوق المتعاقد مع الإدارة.
إذا كان النظام القانوني للعقود الإدارية يخول للإدارة الصلاحية في أن تفرض على المتقاعد معها بعض الشروط التي تمكنها من ممارسة مجموعة من الإختصاصات غير المألوفة في القانون العادي، فإن هذه الشروط تمثل الواجبات التي تخضع لها و التي يترتب عليها مقابل ذلك تمتيعه ببعض الحقوق التي تشكل بدورها مجموع الواجبات التي تخضع لها الإدارة تجاهه.
أي أنه إذا كانت الإدارة المتعاقدة تتمتع بمجموعة من السلطات إزاء المتعاقد معها، فإن هذا الأخير أيضا يتمتع بمجموعة من الحقوق وتقع عليه مجموعة من الواجبات و بما أن هدف المتعاقد مع الإدارة من تعاقده هذا هو تحقيق الربح، خاصة إذا كان شخصا من أشخاص القانون الخاص، و بالتالي يمكن حصر حقوقه في حقه في الحصول على المقابل المالي أو المالي أو النقدي (المطلب الأول) و حقه في اقتضاء التعويض (المطلب الثاني) وحقه في إعادة التوازن المالي للعقد (المطلب الثالث) وحقه في طلب إلغاء العقد (المطلب الرابع) .
ومن حقوقه كذلك الحق في رهن الصفقة وحقه في التسبيق وحقه في التعويضات الجزافية وحقه في مراجعة الأثمانوحقه في التعاقد من الباطن
المطلب الأول: الحق في الحصول على مقابل مالي أو نقدي:
يعتبر حق الحصول على المقابل المادي أو النقدي من أهم الحقوق الأساسية للمتعاقد مع الإدارة وكذلك من أهم عناصر العقد حيث يسمى المتعاقد من خلال تعاقده مع الإدارة إلى تحقيق ربح مادي، فالثمن قد يكون مضمنا في العقد أو ملحقا بهفي جداول فئات الأسعار أو قوائم الأثمان بالنسبة لعقود الأشغال العمومية وعقود التوريد. ولا يجب دفع الثمن دفعة واحدة من طرف الإدارة إلا بعد التأكد من إتمام العمل محل العقد أو أداء الخدمة.
إلا أنه يمكن للإدارة أن تصرف دفعات مسبقة قبل إنتهاء الأشغال أو التوريدات أو الخدمات المنجزة والمسجلة في جداول يمسكها عموما المكلف بتتبع الصفقة.
ويشمل ثمن الصفقة الأرباح وجميع الأعباء من ضرائب ورسوم ومصاريف عامة وجميع النفقات الناتجة عن الشغل، ولا يستطيع المتعاقد التراجع عن الثمن الذي حدده برضاه مهما كان السبب، إلا أنه توجد حالات يمكن للإدارة أن تراجع فيها الثمن خاصة المتعلقة بتقلبات السوق وتطور الظروف الاقتصادية مع ضرورة التنصيص على المراجعة في عقد الصفقة.
المطلب الثاني: حق اقتضاء التعويض.
من حق المتعاقد مع الإدارة الحصول على تعويضات في حالات متعددة ومن أهمها:
- قيامه بأداء خدمات و أعمال غير متفق عليها في العقد و لكنها ضرورية في تنفيذ العقد. ويحدث ذلك في عقود الأشغال العامة.
- مواجهته لصعوبات مادية استثنائية وغير متوقعة أثناء إبرامه للعقد، ودلك كأن يظهر للمتعاقد أن الأرض التي ينفذ عليها التزاماته ذات طبيعة استثنائية لم تكن متوقعة عند إبرام العقد. و لا يغير من ذلك وجود نص في العقد يقضي تحديد المقابل المالي.
- وقوع خطأ من الإدارة الحق بالمتعاقد ضررا أثناء تنفيذ العقد.
المطلب الثالث: حق الحفاظ على التوازن المالي للعقد.
يجد هذا الحق أساسه في الطابع الإتفاقي الذي مايميز العقود الإدارية، حيث بالرغم من كون الإدارة هي من تحدد سقف الثمن الذي يكون على المتعاقد معها أن يقبله كعوض، إلا أن ذلك لا يقف حاجزا أمام المتعاقد في مطالبة الإدارة المتعاقدة معه باحترام ما تم الاتفاق عليه من ثمن عندما تظهر طوارئ مفاجئة تؤثر عليه، أي المطالبة بحقه في الحفاظ على التوازن المالي للعقد. حيث انه قد تحصل ظروف معينة من شأنها أن تخل بالتوازن المالي للعقد، فتضطر الإدارة لإعادة هذا التوازن، لأنه ليس من العدل أو المصلحة العامة أن يتحمل المتعاقد تلك الأعباء و إلا أحجم الأفراد عن التعاقد مع الإدارة، وتجد هذه الظروف أساسها في نظرية فعل الأمير ( الفقرة الأولى) أو في نظرية الظروف الطارئة (الفقرة الثانية)، ثم القوة القاهرة(الفقرة الثالثة) ونظرية الصعوبات المادية الغير المتوقعة (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى: نظرية الأمير
من المعلوم أن الإدارة صاحبة المشروع بإمكانها وفي إطار استعمال اختصاصاتها أن تقوم بأي تغيير انفردي تقتضيه الظروف، غير أن هذا التغيير لا يمكن أن يشمل الشروط المالية التي تم الاتفاق عليها مع المتعاقد معها وذلك حفاظا على التوازن المالي للعقد، ففي حالة إخلال الإدارة بهذا التوازن فإنها تكون ملزمة بإصلاح وذلك بمنحه تعويضا كاملا عن التكاليف المترتبة عن هذا التغيير،وهذا ما يصطلح عليه بفعل الأمير، ويقصد به كل إجراء صادر عن السلطات العامة في الدولة من شأنه أن يرتب زيادة أعباء المتعاقد في تنفيذ سواء كان صادرا عن الإدارة المتعاقدة أو أية سلطة عامة أخرى في الدولة، وقد يكون ذلك الإجراء إجراءا فرديا يؤثر في العقد مباشرة، مثل تعديل بعض شروطه أو أن يكون إجراء عاما كتعديل قوانين المالية أو قانون الشغل بما يزيد في أعباء المتعاقد بصفة غير مباشرة.
ويترتب على نظرية فعل الأمير أن يعوض القضاء المتعاقد مع الإدارة تعويضا كليا يشمل الخسائر التي تحملها والمكاسب التي فاتته.
ولا يطبق هذه النظرية على عقود القانون الخاص ولو كانت الإدارة طرفا فيها،كما يتطلب تطبيقها مجموعة من الشروط من بيتها أن يكون الإجراء صادرا عن سلطة عمومية، وأن ينتج هذا الفعل ضرر للمتعاقد، وأن لا تكون الإدارة المتعاقدة قد أخطأت بعملها الضار، وأن يكون هذا الإجراء الذي أصدرته الإدارة غير متوقع ومشروعا.
الفقرة الثانية: نظرية الظروف الطارئة
تتحقق نظرية الظروف الطارئة بوقوع أمور خارجة عن إرادة الإدارة وكذا المتعاقد معها ولم يكن متوقعا حدوثها عند التعاقد،فتؤدي تلك الأمور إلى قلب اقتصاديات العقد رأسا على عقب. مما يصبح معه تنفيذ العقد مرهقا بالنسبة للمتعاقد مع الإدارة كخفض قيمة العملة أو الزيادة في أسعار المواد الأولية... الخ.
الفقرة الثالثة: القوة القاهرة:
تجد قاعدة القوة القاهرة أصولها في النصوص التشريعية، خاصة الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي يحددها في:"كل أمر لا يستطيع الإنسان( المتعاقد) أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية( الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة ويكون من شأنه أن يجد تنفيذ الالتزام مستحيلا..."
وشروط القوة القاهرة معروفة قانونا، وهي ثلاثة:
_ أن يكون الحادث خارجا عن إرادة الطرفين
_ أن يكون عارضا وغير متوقع أثناء إنشاء العقد
_ أن يجعل تنفيذ العقد مستحيلا
ولا تعطي القوة القاهرة الحق للمتعاقد إلا في حالات خاصة وبعد مصادقة السلطة الإدارية على ذلك، ويجب على المتعاقد إبلاغ الإدارة بذلك الحادث داخل السبعة أيام الموالية لوقوعه وإلا فقد الحق في التعويض، وفي حالة عدم موافقة الإدارة على التعويض وجب على المتعاقد اللجوء إلى القضاء[1]
الفقرة الرابعة، الصعوبات المادية الغير المتوقعة:
تهم هذه النظرية الخاصة العقود التي تتخذ موضوعا لها الأشغال العمومية وهي تختلف عن نظيرة الظروف الطارئة لكونها تفترض ظهور صعوبات مادية لم يكن في وسع طرفي العقد أن يتوقعاها، حيث تكون مناسبة لظهور تكاليف مادية خطيرة وغير عادية بالنسبة للمتعاقد مع الإدارة أن يطالبها بمنحه تعويضا عما يتطلبه ذلك من زيادة في التكاليف التي يقتضيها سير الأشغال[2]
ومن الشروط اللازمة لتطبيق نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة:
_ أن تكون تلك الصعوبات مادية وليست معنوية
_ أن تكون غير متوقعة من طرف المتعاقد عند التعاقد
_ أن تكون من طبيعة استثنائية وغير مألوفة[3]
ويرتكز التعويض في هذه الحالة أساس على مبدأ العدالة وهو من إبداع الاجتهاد القضائي والغاية منه هو إنصاف المقاولين وتفادي نفورهم من التعاقد مع الإدارة [4]
المطلب الرابع: حق المتعاقد في طلب إلغاء العقد:
لقد منح المشرع المتعاقد الذي تربطه مع الإدارة عقد الصفقة العمومية حق طلب إنهاء العقد أو ما يمكن أن نسميه بطلب إلغاء الصفقة وذلك في الحالات التالية:
أولا: إذا تضمنت الصفقة صيغة أو عدة صيغ لمراجعة الثمن وحصل بين تاريخ وضع الثمن الابتدائي وتاريخ الأشغال تغيير في أسعار المواد الأولية أو أجور العمال أو الاثنين مع، وأصبحت العملية الحسابية PI_PO/PO( أي تكلفة الأشغال الباقية محسوبة على أساس الأسعار الجديدة)-( تكلفة الأشغال الباقية محسوبة على أساس الأسعار القديمة) / ( تكلفة الأشغال الباقية محسوبة على أساس الأسعار القديمة) تعطي نتائج تزيد عن 20% فإنه يجوز للمقاول طلب فسخ العقد وتمنحه الإدارة بالإضافة إلى ذلك تعويضا عما ستبقيه من المواد والعتاد.
ثانيا: إذا أدى فعل الأمير الى استحالة التنفيذ نوعا ما فإن المقاول يتحلل من التزاماته التعاقدية وله الحق في طلب فسخ عقد الصفقة إذا وجد أن إمكانيته لا تتحمل الأعباء الجديدة.
ثالثا: إذا ثبت أن الظروف الطارئة أصبحت دائمة وان المتعاقد لا يمكنه الاستمرار في تنفيذ التزاماته العقدية إلا بمعاونة دائمة فكل من طرفي العقد له الحق في طلب إنهاء الصفقة وفسخها.
رابعا: إذا تمادت الإدارة في أخطائها ولم تتحمل مسؤوليتها في احترام بنود الصفقة يمكن للمتعاقد المطالبة بفسخ العقد.
خامسا: عندما تأمر الإدارة المقاول بتوقيف أو تأجيل الأشغال لمدة تزيد عن السنة إذا اقتضت المصلحة العامة هذا التأجيل، يمكن للمقاول أن يتقدم بطلب كتابي يطلب بمقتضاه فسخ العقد، وكذا منحه تعويض ا ما لحقه ضرر، وذلك داخل أجل 40 يوما من تاريخ تلقيه قرار التأجيل.
سادسا: إذا تدخلت الإدارة بشكل انفرادي من اجل تعديل بنود الصفقة بهدف تقليص حجمها، وزاد هذا التقليص عن %25 يمكن للمقاول أن يطلب فسخ العقد إذا كانت الأشغال والتوريدات مازالت في بدايتها، ويحق له المطالبة بالتعويض إذا كان قد أنجز الجزء الأكبر منه.
[1] عبد العالي ماكوري القانون الإداري، الطبعة الأولى،سنة 2012 ، ص 198
[2] محمد كرامي، القانون الإداري، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة، سنة 2015 ص376
[3] أحمد اجعون ماكوري، مرجع سابق،ص 199
[4] عبد العالي ماكوري، مرجع سابق ص 199