تعليل القرار الإداري كآلية لتخليق عمل الإدارة

  تعليل القرار الإداري كآلية لتخليق عمل الإدارة
 معاذ درقاوي، طالب باحث بسلك الدكتوراه
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، جامعة ابن زهر

مقدمة:

    يعد القرار الإداري من أهم الوسائل القانونية التي تستخدمها الإدارة للممارسة نشاطها وتحقيق أهدافها، لذا فهو يحتل مكانا بارزا في المؤلفات العامة باعتباره أحد موضوعات القانون الإداري الهامة ومجالا خصبا للعديد من الأبحاث والدراسات الخاصة المتعلقة بالقانون العام، فالقرار الإداري أهم مظهر من مظاهر السلطة التي تتمتع بها الإدارة، وتستمدها من القانون العام ويرجع ذلك لكون الإدارة تمثل الصالح العام، وتهدف بالأساس الى تحقيق المصلحة العامة، فهو يتميز بكونه وسيلة تستعملها انطلاقا من ارادتها المنفردة، حيث تقوم بسن أعمال بحمض ارادتها. وتترتب عليها حقوق وواجبات، ولا يتطلب دخولها حيزالتنفيذ توفر رضا الأفراد أو الجماعات المعنية بها نظرا لكونها تقوم على أساس ما يخوله التشريع للإدارة ومن امتيازات السلطة العامة.

ولما كانت هذه القرارات الإدارية وسيلة قانونية بيد الإدارة فان هذه الأخيرة قد تمس حقوق وحرية الأفراد. لهذا يجب على الإدارة عند اتخاذها أي قرار أن تراعي في إطار اعداده مجموعة من القواعد والإجراءات الشكلية أو المسيطرة، ويعتبر التعليل في القرار الإدارية من أهم هذه الإجراءات التي يجب على الإدارة احترامها. ويراد بالتعليل بشكل عام، الإفصاح كتابة في صلب القرار عن الأسباب القانونية والواقعية التي قادت الإدارة الى اصدار قرار معين ما عدا الحالات التي يعيفها القانون صراحة من ذلك ([1]).
ويحتل موضوع التعليل درجة كبيرة من الأهمية وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
-  اخضاع عمل الإدارة الى الشرعية الذي يحقق مبدأ أساسيا في دولة الحق والقانون وهو المساواة أمام القانون الذي هو وفق الجميع أفرادا وجماعات وسلطات ([2]).
- تعليل القرارات الإدارية تحت طائلة عدم الشرعية يعني انهاء المفهوم الأبدي الذي كان يجعل الشرعية مفترضة في كل القرارات الإدارية، مما كان يحول دون مناقشاتها أو الاعتراض عليها.
- تخليق العمل الإداري بالتقليص من الفساد المسطري الذي كان يعيب القرارات الإدارية ويضفي على الإدارة سمة الطاغوت المتحكم الغير المهتم بشؤون المواطنين.

وتجدر الإشارة على أن التعليل في ظل النظام الفرنسي القديم كان مرتبطا بوجود نص صريح، حيث سادت قاعدة عامة مفادها الإصلاح الإداري الذي جاء به المشرع الفرنسي 1979 قد خطى خطوة كبيرة تتعلق بالتعليل الوجوبي للقرارات الإدارية، وهو ما تكرس لاحقا بقانون 12 أبريل 2000 الذي أكد فيه المشرع الفرنسي على إلزام الإدارة بتعليل قراراتها. وبرجوعنا للمشروع المغربي نجده أخف قد أخد بنفس المبدأ العام مع إضفاء بعض الاستثناءات في مجالات معينة وذلك قبل صدور القانون 03.01 الذي عمل فيه

ومن خلال عرضنا هذا سنحاول معالجة قاعدة الزامية التعليل كشرط من الشروط الشكلية لصحة القرار الإداري تحت طائلة انعدام المشروعية. وذلك بالإجابة على الإشكالية الاتية: الى أي حد ساهم القانون
  03.01 في تكريس مبادئ تخليق العمل الإداري?هذه الإشكاليات والعناصر، نحاول التطرق اليها في موضوع هذا العرض من خلال مبحثين، المبحث الأول سنتطرق فيه لتحديد مفهوم التعليل وتمييزه عن المفاهيم الأخرى، وفي المبحث الثاني سنعرض للتعليل على ضوء القانون 03.01.

المبحث الأول: مفهوم التعليل وتمييزه عن المفاهيم الأخرى

ان التعليل كشكل من الشكليات الجوهرية للقرار الاداري، يحد من الطابع السلطوي للقرار، ويمكن من الاعتراض وبفعالية على القرارات غير الشرعية. وللإحاطة بمفهوم التعليل سنحاول التعرض الى تعريفه ومدى فعاليته في (المطلب الأول)، ثم في (المطلب الثاني) سنتطرق الى أوجه الاختلاف بين التعليل والسبب في القرار الإداري الذي يعد ركنا من أركانه قائم بذاته سواء ألزم القانون بتعليله أم لا. وتمييزه كذلك عن طلب الإفصاح عن الأسباب خلال مسطرة الطعن القضائية التي يكون فيها التعليل تعقيبي من قبل الإدارة.

المطلب الأول: التعليل وفاعليته

مادام للتعليل أهمية بالغة سواء بالنسبة للأفراد والإدارة فلابد من الوقوف عند تعريفه (الفقرة الأولى)، ثم بعد ذلك التطرق الى فاعليته (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف التعليل

ان التعليل لغة من مصدر >>علل<< حيث يقال، علل الشيء أي بين علته أو أتبته بالدليل، وتعلل أبدى الحجة وتمسك بها، وبتعبير اخر ما يتوقف عليه وجوب الشيء، ويكون خارجا ومؤثرا فيه، وعلة الشيء سببه[3]. والأصل اللغوي في الفكر اللاتيني لكلمة علل (Motiver) هي مشتقة من كلمتين الأولى
(Mouvoir) يدفع أو يحرك, والثانية (Motifs) والتي تعني الأسباب التي تدفه الشخص الى اتخاذاجراء ما. وانطلاقا من الكلمتين تكونت كلمة (Motiver)[4]. وكان ظهور لفظ علل لأول مرة في فرنسا كاصطلاح لغوي والذي يقصد به تضمين الحكم بالأسباب الضرورية التي أدت الى وجوده، وقد اكتسبت هذا اللفظ مند ميلاده مدلولا قانونيا، واصطلاحا نجد الامام الشاطبي يذهب الى القول "بأن المراد بالعلة هوالحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر، والاباحة والمقاصد التي تعلقت بها النواهي".[5]
  والتعليل اذن هو تبين علة الشيء، ويطلق عليه عند البعض على ما يستدل فيه بالعلة على المعلول. أما مصطلح التعليل في الفكر اللاتيني فيأخذ مدلولا اخر حيث يقصد به الأسباب القانونية والأسباب الواقعية التي يرتكز عليها الحكم أو القرار، أما العوامل النفسية أو الاقتصادية والاجتماعية فهي مجرد دوافع.

الى جانب التعريف اللغوي والاصطلاحي للتعليل، نجد مجموعة من الأساتذة قد عرفوا التعليل كل حسب تصوره، ومن بينهم أبوزيد فهمي الذي عرف التعليل بأنه "إيضاح وجهة نظر الإدارة في الطلب الذي ترفضه حتى يكون صاحب الأمر على بنية من أمره"، ويتخذ موقفه على أساس هذا الايضاح عله يستكمل أوجه النقص. والتعليل في التشريع الإداري يعرف بأنه "التزام قانوني تعلن الإدارة بمقتضاه عن الأسباب القانونية والواقعية التي حملتها على اصدار القرار، وشكلت الأساس القانوني الذي بني عليه، ويعرف أيضا بأنه اعلان الأسباب التي تشكل الأساس القانوني للقرار الإداري".[6]

أما الاجتهاد القضائي الإداري المغربي، عرف التعليل بأنه "عملية افراغ الأسباب في صلب القرار الإداري بغية تمكين من يطلع عليه من معرفتها. وهذا التعريف لا يبتعد كثيرا عما ورد في المادة الأولى من قانون تعليل القرارات الإدارية حيث جاء التعليل معرفا على النحو التالي، (...الافصاح كتابة في صلب القرار عن الأسباب القانونية والواقعية لاتخاذ القرار).[7]

الفقرة الثانية: فاعلية التعليل

ان التعليل كشرط شكلي من شكليات القرار الإداري له أهمية بالغة، سواء بالنسبة للأفراد أو الإدارة. فبالنسبة للأفراد يشكل التعليل ضمانة لحماية حقوقهم وحرياتهم، لأن التعليل يعد وسيلة هامة وضمانة أساسية للأفراد، حيث يمكن هؤلاء من الاطلاع مباشرة على أسباب القرار الإداري، كما أن علم الأفراد بالأسباب يسهل لهم مباشرة مهمة الاثبات عند الطعن في القرار بغية الغائه أو طلب التعويض عنه وذلك بالتدليل على حقيقة هذه الأسباب. أما عدم التعليل فيترك الفرد في شك عريض وفي متاهة مظلمة، لايستطيع أن يحدد لنفسه فيها نقط الدفاع عن نفسه، فيتخبط مكرها في اتجاهات مختلفة ومتباينة تقطعأنفاسه، ويستنفذه قواه من جهة، وتفقده الثقة في شرعية النشاط الإداري من جهة أخرى[8].

ومن هذا المنطق فالتعليل يسهل عملية الإثبات عند الطعن القضائي، إضافة إلى أنه يمكن الفرد من التأكد من صحة الوقائع وتكييفها القانوني، فمتى أدرك أن تلك الوقائع لا مبرر لها أو أنها لا ترتكز على أساس قانوني صحيح، بادر بالطعن في القرار حولها، ثم إنه من شأن الإفصاح عن تلك الوقائع وأساسها القانوني تسهيل إقامة التدليل أمام القضاء الإداري[9]. كما أن التعليل يساعد المعني بالأمر في تبيان ما إذا كانت الأسباب التي استند إليها القرار الإداري أسباب شرعية، وبالتالي فإن قبوله بالقرار المتخذ يكون مبنيا علىالاقتناع به، أي تسهل عليه تقييم موقفه إما الاقتناع بشرعية القرار أو الطعن فيه أمام القضاء إذا لم يقتنع
بشرعيته، فالتعليل بذلك يمنح القرار القوة الإقناعية[10].
 وإذا كان التعليل وسيلة للإقناع بمشروعية القرار فهو يسعى بذلك إلى ضمان الأمان القانوني والاطمئنان للأفراد اتجاه السلطة الإدارية، حيث أنه من جهة يمنح الأفراد قناعة تتمثل في عدم الخوف من أي سلطةإدارية طالما أن ممارستهم لحقوقهم تبقى في حدود الشرعية، ومن جهة أخرى يجعل الأفراد يؤمنون بـأنه في حالة اشتباههم لتجاوز الإدارة حدودها القانونية، سيكونون محميين من كل قرار تعسفي يمكن أن يعرضهم لجزاء غير شرعي[11].وقد حددت المادة التاسعة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
الشروط الدنيا التي يستلزمها الأمن القانوني للإفراد اتجاه السلطة، وهذه الشروط حسب المادة السالفةالذكر هي كالتالي[12]"أولا: لكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه. ثانيا: يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه".

أما بالنسبة للإدارة فالتعليل يشكل وسيلة لعقلنة العمل الإداري وتحسينه، فهو يسعى إلى التوصل للوضوح والدقة في العمل الإداري، ويلزم الإدارة بأن تفكر وتتروى قبل أن تصدر القرار، وفي هذا الإطار وارتباطا بموضوع التعليل، اعتبر العديد من الباحثين أن التعليل بالنسبة للجهة الإدارية مصدرة القرار،يقوم بذات الوظيفة التي يقوم بها تعليل الحكم بالنسبة للقاضي، فهو مدعاة إلى التأني والروية وضمانالسلامة في لحظات الغضب، ورجل الإدارة في ذلك شأنه شأن الفرد على وجه العموم، حيث كلما استأنس في تصرفه واستعرض مبرراته فيما بينه وبين نفسه قبل الإقدام عليه، كلما كان ذلك مدعاة إلى التأني و
التأكد من صحة هذا التصرف ومطابقته لمقتضى الحال. والتعليل كذلك يعد وسيلة لتناسق سلوك العمل الإداري في المواقف المتشابهة، وفي هذا الإطار اعتبر Sauvel "أن للتعليل أهمية كبيرة بالنسبة لمتخذ القرار، إذ يجعله رقيبا على نفسه عندما يلتزم بتجانس الأسباب في قراره، كما يجنبه أي خطأ قد يقع فيه"[13].

المطلب الثاني: تمييزه التعليل عن السبب وطلب الإفصاح

نجد أن للتعليل مفاهيم مشابهة، وجب تميزها عنه حتى نستكمل تعرفنا عن المعنى الحقيقي لتعليل القرارالإداري، حيث سنحاول التمييز بين السبب والتعليل (الفقرة الأولى) وكذا طلب الإفصاح عن الأسباب خلال المسطرة القضائية والتعليل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الفرق بين التعليل والسبب

إذا كان القرار الإداري لا يصدر إلا عن السلطات المختصة، بناء على شكليات وإجراءات قانونية، فإنه يتعين على هذه السلطات أن تتخذ قراراتها على نحو قانوني صحيح، مع ضرورة وجود سبب أساسي يبرر صدوره، وإلا سيعتبر باطلا، وبالتالي يحق الطعن فيه بسبب الشطط في استعمال السلطة.[14] ويعد ركن السبب من أركان المشروعية الداخلية للقرار الإداري، فقد عرفه الأستاذ ازغاري كالآتي: "السببهو العنصر الأساسي والموضوعي الذي يتجلى في حالة مادية أو قانونية تسمح للإدارة بالقيام بعمل ما أو
تفرض عليها هذا القيام".[15] أما حسب الأستاذ سليمان الطماوي فإن السبب يعتبر "الحالة الواقعية أوالقانونية البعيدة عن رجل الإدارة والمستقلة عن إرادته تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قرار ما"[16]. وهذا ما جعل بعض الفقه يعتبره العنصر الأول للقرار أي السابقة التي تتقدمه وتثيره،ويجب أن تكون الواقعة التي يقوم عليها القرار الإداري موجودة فعلا وصحيحة إمثال: اقتراف الموظفخطأ حقيقي). هذا ويستوجب في القرار الإدارية أن يكون حقيقيا لا صوريا وهميا، وقانونيا تتوفر فيه الشروط التي يتطلبها القانون، وبالتالي إذ فقد القرار سببه الصحيح كان معيبا وباطلا.
ففي ظل هذه المعطيات، فإن اشتراط السبب لكل عمل إداري قاعدة منطقية، وقيدا مهما على الإدارة،وضمانة أساسية لحماية الأفراد من تعسفها ذلك أنه إذا عملت الإدارة على إصدار قرار إداري غيرمؤسس على سبب قانوني أو مادي، كان تصرفها غير مشروع يمكن الطعن فيه بدعوى الإلغاء[17]. وهذا ما
أكدته المحكمة الإدارية بفاس والتي أشارت من خلاله على أن السبب الذي تعتمد الإدارة عليه في تعليلها لقرارها يجب أن يكون سببا صحيحا ومعقولا.
وتتخلص وقائع هذا الحكم في كون التلميذة جليلة المرابط قد تقدمت بدعوى تلتمس فيها إلغاء القرارالإداري القاضي بمنع إعادة تسجيلها بثانوية محمد المقري، حيث ارتكز موقف الإدارة المعنية على أناتخاذ للقرار المطعون فيه كانت وراءه أسباب أملتها اعتبارات الأخلاق العامة السائدة داخل المؤسسات التي يتواجد فيها خاصة الأطفال المراهقون، علاوة على اعتراض زوج التلميذة للحيلولة دون هذا التسجيل. وقد كان موقف المحكمة مغايرا، حيث صرحت بأن زوج التلميذة ليس من شأنه أن يسقط حقها في الانتفاع من خدمات مرفق التعليم الثانوي، كما أن تواجدها بهذا المرفق لا ينطوي على أي تأثير سلبي
في الأخلاق العامة التي تضرعت بها الإدارة، مما يجعل رفض إعادة تسجيل الطاعنة فيه مساس بمبدأ المساواة في التعليم وغير مرتكز على سبب حقيقي صحيح ويتسم بالشطط في استعمال السلطة.[18] بهذا يعد السبب ركن من الأركان الداخلية للقرار يسبق صدوره ويدفع بالسلطة المختصة لاتخاذه[19].أما التعليل
يراد به الإفصاح كتابة في صلب القرار عن الأسباب القانونية أو الواقعية لاتخاذ القرار ماعدا في الحالات التي يعفيها القانون صراحة من ذلك[20] ويمكن حصر أوجه الخلاف بين السبب والتعليل فيما يلي:
إذا كان السبب من الأركان الخارجية التي يستند عليها القرار الإداري، فإن التعليل لا يرقى إلى درجة ركن القرار الإداري فهو شرط شكلي في القرار الإداري يتعلق بالمشروعية الداخلية للقرار الإداري. أما الصفة القانونية التي يكتسبها القرار فتستوجب وجود السبب، فالقرار الذي ليس له سبب هو قرار لا يحميه القانون، في حين لا يستوجب بالضرورة وجود التعليل، فالإدارة غير ملزمة بالتعليل إلا إذا أوجب القانون ذلك عليها. أما من حيث الرقابة القضائية فتمارس على أسباب القرار الإداري، كعيب موضوعي وكركن
من أركان القرار الإداري مستقلا وقائم لذاته، أما التعليل فيبعد إجراء شكلي يتطلبه القانون وتترتب عدمالمشروعية عن انعدامه.

الفقرة الثانية: تمييز التعليل عن طلب الإفصاح عن الأسباب خلال المسطرة القضائية

 إذا كانت الإدارة كأصل غير ملزمة بتعليل قراراتها إلا في الحالة التي أوجبها القانون، فإن القرار غيرمعلل إذا كان موضوع طعن بالإلغاء فإن الإدارة تكون ملزمة في هذه الحالة بتوضيح أسباب قراراتهاموضوع الطعن في مذكراتها الجوابية وعند الاقتضاء الإدلاء بجميع الوثائق لتبرير موقفها[21]. ويعتبر طلب الإفصاح عن الأسباب أحد إجراءات المسطرة القضائية، ويقصد به أن تقوم الإدارة بذكر العلل التي دفعتها إلى اتخاذ القرار المطعون فيه في مذكراتها الجوابية عندما يطلب منها القضاء ذلك.[22] وتجدرالإشارة إلى أن مسطرة الخصومة الإدارية لها سمة تحقيقية أي أن توجيهها موكول للقاضي المقرر، الذي بإمكانه القيام بمساعدة رافع الدعوى الذي يوجد دائما في وضعية غير متكافئة في مواجهة الإدارة، فهذا هو المجال الذي يمكن فيه للقاضي أن يبين فيه عن بعض الجرأة، إذ يمكنه مثلا أن يأمر الإدارة بتقديم الوثائق أو المستندات التي تعتمد عليها لاتخاذ قرارها، مما يتيح للقاضي إنجاز مهمته كما يمكنه حمل الإدارة على تقديم الدليل القاطع على ما تتدرع به.
ويمكن الرجوع في هذا الصدد لقرار المجلس الأعلى في قضية عبد الملك عمي، المؤرخة في
27/7/1984: "لا يكفي أن يكون المعني بالإنذار لم يسحب الرسالة المضمونة الموجهة من طرف الإدارة لإنذاره، للبرهنة على أنه ثم احترام الإجراء الذي يقتضيه القانون" فالمجلس الأعلى يوجب على الإدارة تقديم الدليل على أنه سلمت هذا الإنذار إلى المرسل إليه شخصيا. وبالتالي فهذا الشرط يبدو مبالغا فيه وغير واقعي. وفي ذات السياق فإن الطلب القاضي من الإدارة تعليل قرارها، من شأنه أن يودي إلى قلب عبئ الإثبات إذ لم يعد المدعي لوحده ملزما بالإثبات بل الإدارة أيضا، وعلى هذا النحو يتم إعادة التكافؤ بين الأطراف[23].

وبهذا تكون الإدارة مطالبة بذكر أسباب قرارها تحت طائلة اعتبارها مسلمة بما جاء في عريضة دعوى المدعي الرامية إلى الإلغاء، عملا بمقتضيات الفصل 366 من قانون المسطرة المدنية[24]. مما يفضي ذلك إلى إلغاء القرار الإداري المطعون فيه لانعدام سببه، أي لعيب في الموضوع. وطلب القاضي الإدارة الإفصاح عن الأسباب تقتضيه الضرورة عندما لا يكون القاضي بمقدوره أن يستخلص أسباب القرار الإداري من صياغته. إيستحيل على القاضي في هذه الحالة أن يحسم في القضية المعروضة عليه ما لم تكشف الإدارة عن الأسباب التي استندت عليها لإصدار القرار المطعون فيه. ونشير إلى أن الإدارة لا
يمكنها الاحتجاج ضد القاضي بأنها غير ملزمة بتعليل القرار فهذه الحجة إذا كانت تقوم في مواجهة الأفراد، فإنها لا تقوم في مواجهة القاضي، كما لا يمكن للإدارة الدفع بسرية الأسباب، فلا سرية في علاقة القاضي بالإدارة، إذ أنه مثلها تماما أمين على هذه السرية.
 والحق أن القاضي يعتذر عليه الفصل في الدعوى بالقبول أو الرفض ما لم يحط علما بأسباب القرارالمطعون فيه بالإلغاء، فالقرار الغير المعلل يكون في نظر القاضي سليما من حيث الشكل، ولكن حتى يتمكن من البت في الدعوى يطلب من الإدارة، الإفصاح عن الأسباب التي دعت إلى إصدار القرار.[25]
وانطلاقا من هذا فإذا كان التعليل في صلب القرار إجراء شكلي يتزامن مع إصدار القرار الإداري ويترتب عن تخلفه عدم مشروعية القرار الإداري لعيب في الشكل، فإن طلب الإفصاح عن الأسباب خلال المسطرة القضائية أو ما يسمى التعليل اللاحق يعني أن يطلب القاضي من الإدارة اطلاعه على الأسباب التي استندت عليها لإصدار القرار وبالتالي له خاصية لاحقة عن صدور القرار ولا وجود لها إلا في إطار علاقة الإدارة بالقاضي، أي أنه يقتضي وجود دعوى قضائية. أما عند عدم قيام الإدارة بالإفصاح عن الأسباب عند طلب القاضي لذلك يترتب عنه إلغاء القرار الإداري.
المبحث الثاني: التعليل على ضوء القانون 03.01

المبدأ العام في القرارات الإدارية هو عدم إلزامية الإدارة بالتعليل إلا بنص وقد كرس هذا المبدأ القضاء الإداري المغربي من خلال اجتهادات كل من الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى والعمل القضائي بالمحاكم الإدارية بعد إحداثها إلا أنه بعد صدور القانون 01.03 بات الطريق سالكا أمام كل المتعاملين مع الإدارة لفهم الأسباب القانونية والواقعية التي يتم الاستناد إليها في رفض طلباتهم، حيث حمل هذا القانون في طياته عدة فصول تؤسس لمبادئ الشفافية والوضوح مشكلا بذلك لبنة أساسية وأرضية قانونية لحمايتهم من تعسفات الإدارة وسلطتها إزاء القرارات التي تصدرها والتي قد تمس في الصميم حقوق المواطنين.
وللحديث عن التعليل على ضوء القانون 03.01 المتعلق بإلزامية الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية يقتضي منا التطرق على مضمون القانون 03.01 في (المطلب الأول) ثم تحديد شروط صحة التعليل وجزاء الإخلال بها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مضمون القانون

من أجل تدارك الفراغ القانوني المتمثل في عدم وجود نص صريح يجبر الإدارة على تعليل قراراتها السلبية، أصدر المشروع المغربي القانون 03.01 والذي كرس لمبدأ إلزامية التعليل (الفقرة الأولى)، غيرأنه إذا كان لكل قاعدة استثناءاتها فإن هذا القانون قد تضمن عدة استثناءات في هذا الجانب وذلك حسب الظروف وحسب أنواع القرارات الإدارية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إلزامية التعليل في القرارات الإدارية

لقد نص القانون 03.01 على إلزام جميع إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها تسيير المرافق العامة بتعليل جميع قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير المعني بالأمر، حيث أتى في منطوق مادته الأولى أنه لكي يكون القرار الإداري صحيحا يستوجب تضمنه تعليلا مكتوبا في صلبه وإلا اعتبر فاقدا لأهم شروطه، ومن تم يصبح قرارا تحت طائلة علم الشرعية[26] حيث أتت هذه المادة بمجموعة من الخاصيات تجلت أهمها: أولا في تحديد مختلف الأجهزة الخاضعة لهذا القانون وهي كل جهاز إداري متعامل مع العموم من وزارات، إدارات مركزية وجماعات محلية ومؤسسات عمومية على اختلاف أنواعها، إضافة إلى ما أطلق عليه في نص المادة
بالمصالح التي عهد إليها تسيير المرافق العامة والمتمثلة في الأجهزة الخاصة التي تستفيد من امتيازات السلطة العامة في تسييرها للأنشطة التي تهدف إلى تقديم خدمة عمومية (الهاتف، الماء، الكهرباء،النظافة...).[27] أما الخاصية الثانية فإن إلزامية التعليل مرتبطة فقط بالقرارات الفردية دون سواها وبالتالي فقد تم استثناء القرارات التنظيمية نظرا لأنها نصوص قانونية ذات قواعد عامة مجردة وملزمة.
بالإضافة إلى ذلك تم اشتراط السلبية في القرارات الفردية في علاقاتها بالمعني بالأمر، بمعنى صدورها لغير مصلحته. والخاصية الثالثة هي وجوب تضمين القرار الإداري للتعليل بغض النظر عن جدية مضمونه، ومهما كانت مشروعية الأسباب الحقيقية المبررة لصدوره.

وحددت المادة الثانية مجال وجوب التعليل القرارات الإدارية بالإضافة إلى الحالات التي أوجبت النصوص التشريعية والتنظيمية تعليلها في مجالات معينة كالمادة 33 من الميثاق الجماعي والفصول
16و17و19 من القانون 47.96 المتعلق بالجهة، وقانون الصحافة من خلال المادة 77 ....
هذا وقد أوجبت المادة الثانية تعليل كلا من القرارات الإدارية التالية:
- القرارات الإدارية المرتبطة بمجال ممارسة الحريات العامة {مثال: قرار عدم منح رخصة لعقد تجمع عمومي أو تأسيس حزب سياسي}
- القرارات التي تكتسي طابع إجراء ضبطي والتي الهدف منها الحفاظ على النظام العام في عناصره الثلاث: الأمن-السكينة-الصحة العامة.
- القرارات القاضية بإنزال عقوبة إدارية أو تأديبية {مثال: قرار إصدار عقوبة ضد موظف بالتوبيخ أوالحذف من لائحة الترقي أو القهقرة من الرتبة}[28].
- القرارات الإدارية التي تقيد تسليم رخصة أو شهادة أو وثيقة إدارية أخرى بشروط أو تفرض أعباء غيرمنصوص عليها في القانون {مثال: ربط تسليم رخصة بناء بضرورة تعبيد طريق عمومي مجاور}.
- القرارات القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ للحقوق {مثال: قرار سحب رخصة النقل العمومي}[29].
- القرارات الإدارية التي تستند على تقادم أو فوات أجل أو سقوط حق {مثال: قرار رفض تمديد رخصة استغلال مقلع على أساس أحد هذه الأسباب: التقادم أو فوات أجل أو سقوط حق}.
- القرارات التي ترفض منح امتياز يعتبر حقا للأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية {مثال: قرار قاض برفض منح جواز السفر}[30].
وتجدر الإشارة إلى أن القرارات الواردة في المادتين الأولى والثانية وردت على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال، إضافة إلى تضمنها بعض الاستثناءات نصت عليها كل من المواد الثالثة والرابعة والخامسة.
الفقرة الثانية: الاستثناءات الواردة على إلزامية التعليل

إذا كان المشروع ألزم بتعليل القرارات الواردة حصرا أعلاه، فقد أورد على ذلك استثناءات:[31]

- القرارات الإدارية التي تقتضي الأمن الداخلي والخارجي: أشارت إلى استثناء هذه القرارات المادة الثالثة من قانون 03.01، إلا أن مفهوم الأمن الداخلي والخارجي يطرح التباس لعدم وجود معايير دقيقة وواضحة للفصل فيما يدخل في إطاره، الأمر الذي قد يترتب عليه إمكانية توسيع نطاق عدم تعليل القرارالإداري تحت دريعة الأمن ليشمل حقوق الأفراد كالحق في الإضراب وغيره... بيد أنه يجوز للمعني بالأمر الطعن في هذه القرارات، وتبقى الصلاحية هنا للقضاء الإداري لمراقبة مدى صحة ارتباط عدم التعليل بالأمن الداخلي والخارجي للدولة شكلا ومضمونا [32]، والمثال على ذلك قرار عدم التقاط صور لبعض المواقع تحت دريعة أنها تكتسي صبغة أمنية وعسكرية[33].

- القرارات الإدارية الفردية التي تتخذها الإدارة في حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية: وفي هذين
الحالتين تكون الإدارة غير ملزة بتعليل قراراتها الإدارية وقت صدورها، فلا تكون بذلك مشوبة بعيب الشرعية، غير أن هذا الإعفاء من التعليل يظل مؤقتا فقط، إذ يحق للمعني بالأمر تقديم طلب يستفسر فيه عن الأسباب التي دعت إلى اتخاذ القرار السلبي الصادر في حقه داخل أجل 30 يوما من تاريخ الإبلاغ لترد - القرار الإداري الضمني : ويقصد به ذلك القرار الذي تلتزم فيه الإدارة بالصمت، حيث إذا كان بطبيعته هاته غير قابل للتعليل فإن المادة الخامسة ألزمت الإدارة تعليله شأنه في ذلك شان القرار المكتوب، إذ خولت للمعني بالأمر حق تقديم طلب لاطلاعه على أسباب اتخاد القرار داخل أجل 30 يوما الموالية لانصرام الأجل القانوني للطعن (60 يوما) وتكون الإدارة آنذاك ملزمة بالرد على الطلب داخل أجل 15 يوما من تاريخ التوصل به، ويبقى للمعني بالأمر أجل 60 يوما للطعن القضائي يبتدئ من تاريخ توصله بجواب الإدارة أو من تاريخ انصرام أجل 15 يوما في حالة عدم الجواب.
وحتى لا يتضرر المعني بالأمر خاصة في الجانب المتعلق بالطعون المقدمة سواء في إطار المواد الرابعة و الخامسة، نصت المادة السادسة على تمديد أجل الطعن المنصوص عليها في المادة 360 الفقرة 5 من قانون المسطرة المدنية ( ) وفي القانون المنظم للمحاكم الإدارية ( ) وهذه الآجال لا تنتقص من أجل الطعن المقررة سابقا، بهدف إعطاء ضمانات أساسية لكافة المتعاملين مع الإدارة من أجل الدفاع عن حقوقهم .
المطلب الثاني: شروط صحة التعليل و جزاء الإخلال بها
لما كان التعليل يعتبر وسيلة مهمة للإحاطة بأسباب القرار الإداري من أجل أن يعمل المعني بالأمر على ترتيب أوضاعه على ضوء معرفة الأسباب الواقعية و القانونية التي أدت إلى صدور القرار، فإنه يجب أن يكون هذا الأخير صحيحا لا عيب فيه و أن يتضمن شروط معينة واضحة لا غموض فيها.
ومن الملاحظ على أن القانون 03.01 من خلال مادته الأولى لئن ألزم الإدارة بإفراغ الأسباب كتابة في صلب القرار الإداري و قت إصداره، فإنه لم يتضمن أحكاما تفصيلية حول التعليل، ولم ينظم شروط صحته، مما يقتضي معه الرجوع إلى بعض الإجتهادات القضائية الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) و أحكام المحاكم الإدارية بخصوص تبيان شروط صحة التعليل {الفقرة الأولى} و جزاء الإخلال بها {الفقرة الثانية} .
الفقرة الأولى : شروط التعليل
فكما سبق الذكر فإن المبدأ العام في القرارات الإدارية هو عدم إلزامية الإدارة بالتعليل إلا بنص وحتى إذا ما ألزم المشرع الإدارة بتعليل قراراتها، فيتعين عليها آنداك احترام قاعدة الإلزام هاته واحترام شروط صحة هذا التعليل، تحت طائلة اعتبار قرارها مشوبا بعيب عدم التعليل، وبالتالي قابليته للإلغاء. وتكمن هذه الشروط إجمالا في :
شرط ورود التعليل مكتوبا في صلب القرار: تتجلى أهمية الكتابة كضمانة على مستوى القرارات الإدارية الفردية التي ينص القانون على وجوب تعليلها، وهو ما يعني عدم جواز التعليل الشفوي في القرارات الإدارية، وكذا عدم جواز الإحالة في المجالات التي تخضع لأحكام القانون ( ) { مثال : تعليل القرار الإداري بالإحالة على قرار أخر}، وفي هذا المعنى جاء في حكم صادر عن إدارية مكناس "إن القانون عندما يستوجب تعليل القرار الإداري كإجراء شكلي فهذا يقضي إفراغ الأسباب في صلب القرار، ولا تقوم الإحالة على أوراق أجنبية عن القرار مقام التعليل المطلوب...لذلك، وبما أن قرار الإنذار المطعون فيه جاء خاليا من التعليل مكتفيا بالإحالة على محضر الإستقصاء، يكون معيبا في شكله، و بالتالي يتعين إلغاؤه" ( )

شرط صياغة الأسباب القانونية والوقائع المادية المفضية إلى إصدار القرار الإداري: ومفاده وجوب اعتماد التعليل على وقائع مادية و أسباب قانونية محددة و ثابتة وصحيحة حتى يتمكن القاضي الإداري من بسط رقابته على الوجود المادي للوقائع التي اعتبرت أساسا للقرار الإداري للتحقق من صحتها و تكييفها القانوني،

وهو في هذا الإطار يملك صلاحية إلزام الإدارة بالإدلاء بالمبررات و الحجج التي استندت عليها الإدارة في اتخاد قراراتها ولو باتخاذ إجراءات تحقيقية في الدعوى ( ) و في هذا الصدد جاء في حكم إدارية فاس ( ) "حيث أن قرار العامل بفرض غرامة مالية على المخالفة لقوانين الأسعار، بني على وقائع صحيحة محددة في الزمان و مستوفية لجميع القواعد التي تحكم شرعية الضبط الإقتصادي". وجاء في حكم آخر صادر عن إدارية الرباط ( ) "إذا كان لهيئة المجلس التأديبي الصلاحية في تقديم الحجج المعروضة عليها في تكوين قناعتها فإنه ينبغي عليها أن تعتمد في ذلك على وقائع محددة و معينة، و ثابتة لا على تصاريح تتضمن مجرد عموميات الأمر الذي يترتب على ذلك إلغاء القرار الإداري المطعون فيه".
شرط كفاية التعليل : إن هذا الشرط مرتبط أساسا بالوقائع المادية و الأسباب القانونية التي تم التطرق إليها سابقا، بحيث أن هذا الشرط يعني بالضرورة وجوب أن يكون التعليل كافيا على مستوى وقائعه وأسبابه ذلك أن التعليل الناقص رغم توفره على شرط صياغة الأسباب القانونية و الوقائع المادية المفضية إلى إصدار القرار قد ينزل منزلة عدم التعليل لإفتقاده للجدية و الإقناع التي أتت به تلك الأسباب والوقائع، لذلك يعتبر القرار الواجب التعليل معيبا بعيب عدم التعليل إذا لم يعلل أصلا أو إذا علل ولكن على وجه غير كاف ( ) وفي هذا الإطار صدر حكم عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ( ) جاء فيه "أن قرار العامل الرافض لتسخير القوة العمومية لتنفيذ قرار استئنافي بعلة عدم توفر الظروف الملائمة دون توضيح ماهية تلك الظروف، يعتبر متسما بالتجاوز باستعمال السلطة بسبب انعدام التعليل".

لذلك يعتبر التعليل بترديد وقائع مادية و أسباب قانونية بصبغة عامة مرفوضا سواء أمام القضاء الفرنسي أو أمام القضاء الإداري المغربي، حيث جاء في حكم صادر عن مجلس الدولة الفرنسي في قضية بلعسري ( ) "فلا يكفي القول بأن السيد بلعسري ارتكب أعمالا تضر بأمن الأفراد، مما يصبح وجوده في الأراضي الفرنسية مقلقا للنظام العام ". فهذا التعليل غير كافي وعلى الإدارة أن توضح بشكل كامل الوقائع التي استندت إليها.
الفقرة الثانية : جزاء الإخلال بشروط التعليل
السبيل الأول للمعني بالقرار هو التظلم الإداري من قرار معيب شكلا يمس مركزه القانوني ( ) ويرفع هذا التظلم أمام مصدر القرار ذاته أو أمام السلطات الرئاسية. وقد يكون هذا التظلم وجوبيا قبل رفع الدعوى في بعض الحالات ( )، فإذا لم تستجب الإدارة إلى هذا التظلم، ولم تسعى إلى إنصاف المعني بالقرار بقي له طريق الدعوى أمام القاضي الإداري يقيمها طالبا إلغاء القرار الإداري، بل قد يفكر المعني بالقرار في إقامتها أمام قاضي التعويض طالبا التعويض عن الضرر المادي و الأدبي من جراء القرار ( )
دعوى إلغاء القرار الإداري : لما كان القضاء الإداري يعترف بالتعليل عندما يكون واجبا بطابع جوهري، فإنه و الحالة هذه يكون من حق المعنين بالأمر التمسك به و الطعن في القرار لعيب في الشكل.

وبمعنى آخر إذا أوجب المشرع التنصيص على العلة في صلب القرار، فإن القاضي يلاحظ أولا وجود العلة أو عدم وجودها، فإذا كان القرار خاليا من السبب أصبح تلقائيا غير شرعي، ولا يبحث القاضي في جوهره، لأن عدم وجود العلة وحده يكفي لإبطال القرار، لأن الإدارة لا تملك في هذه الحالة أن تحتفظ بتقديم العلة أمام القاضي ولكن المشرع نظرا لأهمية القرار أوجب تعليله ضمانا لحق المواطنين وتمهيدا لمهمة القاضي، أما إذا عللت الإدارة فإن القاضي لا يأخذ بعين الإعتبار عند دراسة الجوهر ما تم التنصيص عليه في القرار. فإذا كانت العلة عامة وغامضة فإنها لا تقبل ويصبح القرار باطلا ( ) وهو ما يصطلح عليه بالتعليل الناقص .
غير أنه لا يترتب على الإلغاء بالضرورة منع الإدارة من اتخاد قرار مماثل للقرار الذي وقع إلغائه حيث يجوز لها اتخاد قرار مماثل في مضمونه مع احترام الشكل المطلوب ( ) بمعنى مصوغا في شكل صحيح أي معللا .
دعوى التعويض عن القرار غير المعلل: مبدئيا لا يمكننا الحديث عن دعوى التعويض إلا في الحالة التي يتم فيها إلغاء القرار الإداري. و مع ذلك فإن الإجتهاد القضائي الإداري قد استقر على قاعدة مؤداها أن عيوب الإجراءات و الشكل لا تبرر طلب التعويض لأنها لا تم



[1] - تعريف استشف من مضمون المادة 1 من القانون 03.01 المتعلق بإلزام إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئتها والمؤسسات
العمومية بتعليل قراراتها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 01-02-202، الجريدة الرسمية رقم 502 الصادرة بتاريخ 12غشت
 2002.
[2] - حيزوني خديجة، أهمية الزامية تعليل القرار الإداري في بلورة المفهوم الجديد للسلطة ومدى فعالية تلك الإلزامية في استيعاب ثقافة
هذا المفهوم، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج، 52.51ص :44.
[3]- المنجد في اللغة والاعلام، دار المشرق العربي، بيروت، طبعة 28، ص,524
[4] - محمد الأعرج، تعليل القرارات الإدارية على ضوء قانون 01.03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية، منشورات
المجلة المغربية للإدارة المحلية، عدد43.ص :57
[5] -محمد الأعرج، قابلية قواعد الاجراء والشكل في القرارات الإدارية أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، تخصص القانون
العام، جامعة محمد الخامس، كلية العموم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2001 -2002 ص :201.
[6] -محمد الأعرج، تعليل القرارات...، مرجع سابق، ص: 59
[7] -مستشف من المادة الأولى من قانون المتعلق بالزامية الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها
الإدارية، ج.ر. عدد5029، بتاريخ 3جمادى الثانية 1423(12غشت2002)
[8] -حسن عبد الفتاح، تسبيب كشرط شكلي في القرار الإداري، مجلة العلوم الإداري سنة 2000، أورده محمد الأعرج في أطروحته لنيل
الدكتوراه في الحقوق، فاعلية قواعد الإجراء والشكل في القرار الإداري، ص.238.
[9] -محمد سالم بن سويدان المقبالي، الحماية القانونية والقضائية لحق التقاضي بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي "تعليل القرار
الإداري نموذجا" رسالة لنيل الدبلوم الجامعي العالي المتخصص-تدبير الشأن العام-جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية، السويسي، الرباط، السنة الجامعية. 2008- 2009، ص.80
[10] - محمد الأعرج، فاعلية قواعد الإجراء والشكل في القرارات الإدارية...، مرجع سابق، ص.239
[11] -المادة 9 من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية المؤرخ في 16دجنبر 1966.
[12] -حسن عبد الفتاح، تسبيب كشرط شكلي في القرار الإداري، مرجع سابق ص: 176.
[13] -محمد الأعرج، مرجع سابق، ص: 124و126
[14] -إسماعيل الصفاحي، محاضرات في المفاهيم الأساسية للقانون العام، طبع دار القلم، الرباط، الطبعة الثانية، السنة 2010، ص:
186
[15] -محمد الأعرج، مرجع سابق، ص: 203
[16]-سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دراسة مقارنة، دار الفقه القاهرة، مصر، الطبعة السادسة، السنة
 1991، ص: 194
[17] -كريم الحرش، القانون الإداري المغربي، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، عدد مزدوج 14/15، الطبع طوب بريس_الرباط،
الطبعة الثانية 2012، ص: 476
[18] -حكم عدد 265-96 بتاريخ 1996.07.17، المحكمة الإدارية بفاس، المرابط جليلة ضد وزير التربية والتعليم.
[19] -مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السابعة2010، ص: 428
[20] -عبد القادر مساعد: تعليل القرارات الإدارية، من الاختيار إلى الوجوب، المجلة المغربية لإدارة المحلية والتنمية عدد37، السنة
2001
[21] - تورية العيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة، دراسة مقارنة، دار النشر الجسور 40، شارع رمضان الكافى-وجدة
2005، ص: 16
[22] - محمد الأعرج، مرجع سابق، ص: 205
[23]- Michel Rousset، Contentieux administratif، Editions la porte، Rabat Maroc, 1992، p: 53        
[24] -حيزوني خديجة، مرجع سابق، ص: 40
[25] - محمد الأعرج، مرجع سابق، ص: 64
[26] -ميمون يشو، تحليل لمقتضيات القانون 03.01 المتعلق بإلزام إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئتها والمؤسسات العمومية
والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية والسلبية. المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد
43/2003. ص 48
[27] -ميمون يشو، نفس المرجع، ص: 45
[28] - النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الباب الخامس المتعلق بالعقوبات التأديبية، الفصل 66
[29] - سعيد نكاوي، تعليل القرارات الإدارية، دار النشر المعرفة، سنة 2003، ص 145
[30] - نفس المرجع. ص 146
[31] - محمد القصري، إلزام الإدارة بتعليل قراراته الإدارية ضمانة للحقوق والحريات ورقابة قضائية فعالة، م.م.أ.م.ت. عدد 2003
/43. ص 159
[32] - محمد اليعكوبي، تحليل القانون المغربي المتعلق بتعليل القرارات الإدارية. م.م.أ.م.ت، عدد 43/2003 ص 179.
[33] - مثال أورده سعيد النكاوي. نفس المرجع. ص 146


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق