أهمية تعليل القرار الاداري بالنسبة للقضاء و فعاليته

سنحاول التطرق   الى دور تعليل القرار الإداري  في الرقابة على السبب ثم نتطرق بعد ذلك الى دور تعليل القرار الإداري في الرقابة على الانحراف في استعمال السلطة.
الفقرة الأولى: دور تعليل القرار الإداري في الرقابة على السبب
يقصد بهذه الرقابة تلك التي لا تتعدى الوجود المادي للوقائع وتكييفها القانوني والتي تعارف الفقه على أنها تمثل الرقابة العادية على عيب السبب.
          أولا : دور التعليل في الرقابة على الوقائع المادية للسبب. 
يكون القرار الإداري غير مشروع إذا انبنى على واقعة مادية غير صحيحة هنا نجد القاضي يمارس رقابته على مادية الوقائع، فكل قرار إداري يتصل بالضرورة بحالة مادية في عالم الوقائع، وعندما يصدر رجل الإدارة قرارا معينا فإنه يأخذ في اعتباره واقعة مادية تكون تجسيدا لقاعدة قانونيا عامة ومجردة، فإذا لم توجد هذه الواقعة المادية فإن ذلك يعني أن المحتوى القانوني لهذه القاعدة لا يمكن أن يكون ساريا وموضوع تنفيذ في مواجهة حالة مزعومة ليس لها قوام في الواقع لهذا – وكما سلفت الإشارة – يمارس القاضي رقابته عن طريق بحث ومعرفة ما إذا كانت الوقائع التي استندت إليها الإدارة  صحيحة وثابتة لأنه بانعدامها يكون القرار الإداري غير مشروع، وحتى يتمكن القاضي من ذلك يجب على الإدارة أن تبرر قرارها
وقد مارست الغرفة الإدارية بمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) من خلال التعليل  الرقابة على مادية الوقائع منذ نشأتها. ففي قضية أحمد بن يوسف بتاريخ 9 يوليوز 1959 حرصت على التأكد من صحة الوقائع المادية للقرار عندما استندت في إحدى حيثياتها على ما يلي "وحيث إنه من جهة أخرى يستنتج من فحص الأوراق المدلى بها في الملف بأن المآخذ التي بررت بها الإدارة فصل الطاعن هي عدم الكفاءة الوظيفية والمهنية والتعارض باستمرار مع رؤسائه وعرقلة سير المرفق العام تستند إلى وقائع صحيحة"
كما قررت في قضية مماثلة بأن القرار القاضي بالتشطيب على الطاعن من أطر وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة "لم يكن يحتوي على أية واقعة جدية ويتعرض بالتالي للإلغاء لأن الوزير لم يدلي سوى بعلة غير واضحة لم يتأكد وجودها المادي.[1] 
هذا وقد سارت المحاكم الإدارية منذ نشأتها على نهج الغرفة الإدارية بمحكمة النقض. . 
ومن خلال مختلف الأحكام المشار إليها سلفا يتضح أن التعليل يلعب دورا بارزا بالنسبة للرقابة القضائية،  وذلك من خلال تمكين القاضي الإداري من بسط رقابته على الوجود المادي للوقائع والتأكد من مدى صحتها ووجودها فعلا. هذا فضلا عن أهميته – أي التعليل في الرقابة على التكيف القانوني للوقائع، كما أن التعليل لا يسمح للإدارة بتقديم مبررات جديدة بعد الطعن في القرار وبالتالي رفضها من طرف القاضي.
  
ثانيا : أهمية التعليل في الرقابة على التكيف القانوني للسبب. 
عندما يطلق المشرع وصفا لحالة معينة أو وقائع مادية محددة، فإن تطبيق هذا الوصف علي الوقائع التي تواجه الإدارة وتستلزم تدخلها بقراراتها الإدارية يطلق عليه اصطلاح "التكييف القانوني للوقائع"، فالمقصود من عملية التكييف هو إدراج  عملية واقعية معينة داخل إطار فكرة قانونية،  وبمعنى آخر يعني التحقق من صحة الوصف القانوني أو التكييف القانوني الذي استند على الوقائع المادية. فمثلا إذا كان البحث في وجود الأفعال المنسوبة إلى الموظف يشكل رقابة على مادية الوقائع، فإن البحث فيما إذا كانت تلك الأفعال تشكل خطأً هو رقابة على التكييف القانوني للوقائع، بفضل إبراز الاعتبارات الواقعية والقانونية التي كانت وراء إصدار القرار الإداري إذ يبسط القضاء رقابته على التكييف القانوني في إطار مطابقة الواقع للقانون
وبدوره القضاء الإداري المغربي وعلى رأسه محكمة النقض( الغرفة الإدارية) أقر لنفسه  - من خلال التعليل - الرقابة على التكييف القانوني للوقائع ،ففي قضية كورتيي بتاريخ 4/12/1998 اعترف القاضي لنفسه بصلاحية مراقبة التكييف القانوني للوقائع التي استند إليها قرار العزل.
وعلى نفس النهج سارت مختلف المحاكم الإدارية منذ نشأتها.
هذا ومن خلال ما سلف يتضح أن التعليل يلعب دورا  هاما في تمكين القضاء من بسط رقابته على الوقائع المبني عليها القرار وتكييفها القانوني، وحتى ما إذا تبين له أن وقائع القرار غير صحيحة وغير ثابتة أو غير محددة أو كان التكييف الذي منحته إياه الإدارة غير صحيح ولا يوصل إلى النتيجة القانونية للقرار الإداري، قضى بإلغائه لعيب السبب[2]

تالثا: أهمية التعليل في الرقابة على ملائمة القرار الإداري:
إن تعليل القرار الإداري يصبح ضروريا للقاضي حينما يمارس رقابة الحد الأقصى  والتي تسمح له أن يراقب ملائمة القرار، ذلك أن القاضي هنا لا يبحث فقط عما إذا كان من شأن الوقائع تبرير القرار ولكن يبحث أيضا عما إذا كانت هذه الوقائع  تبرر مضمون القرا، إنه يقوم بتقدير أهمية الوقائع وصولا لتقدير مشروعية القرار. وتبدو أهمية التعليل في هذا المجال واضحة للأفراد ذوي الشأن وكذا لقاضي الموضوع خصوصا في مجال الضبط الإداري
هذا وأمام توسع نطاق السلطة التقديرية المعترف بها للإدارة، حاول القضاء الإداري تحقيق فعالية أكثر في رقابته على أنشطة الإدارة، وضمان التوازن بين متطلبات الحقوق والحريات العامة للأفراد واعتبارات نجاعة العمل الإداري في ظل الظروف المتغيرة دوما
وبالتالي عمل القضاء  – وبفضل تعليل القرار الإداري – على الحد من حرية الإدارة في تقدير ملائمة قراراتها الإدارية، بحيث أخضع هذا التقدير لرقابته حتى لا يتحول إلى سلطة تعسفية، ومن هنا جاءت نظرية " الخطأ الظاهر في التقدير " لسد الثغرات الموجودة في الرقابة على القرارات التي تصدر استنادا إلى السلطة التقديرية
 ويرجع الفضل في ابتداع هذه النظرية إلى مجلس الدولة الفرنسي من خلال حكمه الشهير المعروف بحكم   "La grange" في 15 فبراير 1961 حيث جاء فيهإذا مارست السلطة الإدارية المختصة حرية تقدير أعمالها في حالة تمتعها بالسلطة التقديرية ،فإن القرارات التي تتخذها يجب أن لا يشوبها  ... الخطأ الظاهر في التقدير" 
إذا كان التعليل يؤدي دورا مهما في الرقابة على سبب القرار الإداري وذلك من خلال الرقابة على الوجود المادي للوقائع، والرقابة على التكييف القانوني للوقائع، وكذا الرقابة على أهمية الوقائع وخطورتها  وعلاقتها بالقرار، فإنه  يؤدي كذلك دورا فعالا في الكشف عن عيب الانحراف في استعمال السلطة.[3]
الفقرة الثانية: دور تعليل القرار الإداري في الرقابة على الانحراف في استعمال السلطة.
يكون القرار الإداري معيبا بسبب الانحراف في استعمال السلطة، إذا استهدفت الإدارة في إصدار قرارها غاية بعيدة عن تحقيق المصلحة العامة، أو إذا استهدفت غاية أخرى غير الغاية التي حددها القانون لقرارها، و هكذا يكون القضاء أمام انحراف في استعمال السلطة كلما استعمل الموظف سلطته لتحقيق أغراض شخصية حيادا على المصلحة العامة، و قد عرضته المحكمة الإدارية بوجدة بما يلي: " إن عيب الانحراف ملزم للسلطة التقديرية للإدارة، و يكون هنالك انحراف في استعمال السلطة إذا كانت الإدارة قد اتخذت قرارا بغاية تحقيق أغراض شخصية" كما جاء في حكم أخر لإدارية وجدة " حيث أن اتخاذ رئيس المجلس الجماعي لقراره القاضي بإحالة الطاعن على مصلحة النظافة و الحال أنه كان معين ككهربائي عقب تقديم هذا الأخير لشكاية، يوضح بجلاء أن نية مصدر القرار كانت هي الانتقام من الطاعن و ليس المصلحة العامة". و ارتباط عيب الانحراف في استعمال السلطة لغاية القرار يجعله عيبا متصلا بنفسية و نوايا مصدر القرار فهو يتصل بعناصر ذاتية و شخصية في عواطف مصدر القرار لذلك فرقابة هذا العيب من الصعوبة.
إن إثبات الانحراف يقع على مدعيه و أنه عيب خفي مستتر و مستقر في بواعث الإدارة الخفية و دوافعها الباطنية، و لكن  ومع ذلك تسهل رقابة عيب الانحراف في استعمال السلطة بإبرازه و الكشف عنه في صلب القرار الإداري من خلال قاعدة إلزامية التعليل، و في هذا الشأن يقول الطماوي في كتابه نظرية التعسف في استعمال السلطة " فإذا اضفنا أن القانون الفرنسي و معه القضاء في بعض الحالات يستلزم تعليل القرارات الإدارية لإدراكنا أن وسائل إثبات عيب الانحراف هي في الوقت الحاضر من السهولة بما كان.[4]
و إذا كان القانون 03.01 قد رتب جزاء عدم المشروعية على انعدام التعليل الوجوبي، فهو يثير إشكالات قانونية جد مهمة حيث أن القضاء لا يعتبره من النظام العام.



[1]  أحمد الزروالي، تعليل القرارات الإدارية بين الحماية القضائية المتناقصة و الاهمية المتزايدة، الموقع الإلكتروني  https://www.marocdroit.com/ تاريخ الزيارة يوم الأربعاء 27 نونبر 2019 على الساعة العاشرة ليلا.
[2]  احمد الزروالي، نفس المرجع
[3]  أحمد الزروالي، مرجع سابق
[4]  محمد قصري، مرجع سابق.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق