إصلاح الإدارة العمومية

جاء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لسنة 2016،وكذلك خطاب العرش سنة 2017  ليشخص الوضعية الراهنة للإدارة العمومية المغربية، و يضع الأصبع على مكامن الخلل في علاقة الادارة بالمرتفقين، فخدمة المرتفق هي معيار نجاع العمل الاداري و تجدر الاشارة إلى أن موضوع الاصلاح الاداري بالمغرب ليس وليد اللحظة بل هو سيرورة تاريخية، و قبل الحديث عن الاصلاح الاداري لا بد من التطرق إلى واقع الادارة المغربية مع ذكر الحلول لمعالجة اختلالاتها، لذلك سأتطرق في موضوعي هذا إلى المحاور التالية :
·        مراحل إصلاح الادارة العمومية بالمغرب
·        تشخيص الوضعية الراهنة
·        المنطلقات الاساسية للإصلاح الاداري الشمولي ببلادنا

     I.            مراحل إصلاح الادارة العمومية بالمغرب
 لقد مرت الادارة العمومية المغربية من عدة محطات للإصلاح نذكر منها :
سنة 1981 : تشكيل لجنة وطنية لإصلاح الادارة العمومية، إذ تعالج المشاكل التي تواجه الادارة و أصدرت مجموعة من التوصيات تمحورت حول المشاكل القانونية
سنة 1995 : أصدر البنك الدولي تقريرا حول الادارة المغربية رصد فيه مجموعة من الاختلالات البنيوية التي عرفتها الادارة منها (عدم فعالية المساطر و الاجراءات الادارية، التسيير، الروتين، تمركز الخدمات و سلطة القرار بالعاصمة، ضعف الانتاجية إضافة إلى اشكاليات أخرى مرتبطة بنظام عدم التمركز الاداري و تحديث نظام الوظيفة العمومية  و عقلنة الموارد البشرية).
سنة 1999 : جاءت الحكومة بفكرة "ميثاق حسن التدبير"  أهم أهدافه تخليق المرفق العمومي و عقلنة التدبير.
سنة 2003 : المناظرة الوطنية الأولى حول الاصلاح الاداري بالمغرب، التيار ضد مجموعة من مظاهر القصور في أداء الادارة المغربية.
سنة 2010 : ظهرت محاولات أخرى لإصلاح الادارة حيث أصبح خطاب إصلاح الادارة و تحديثها أكثر جدية.
      رغم كل هذه الاصلاحات إلا أنها لم تؤدي إلى النتائج المرجوة مما يدفعنا للحديث عن الوضعية الراهنة للإدارة المغربية.

  II.            تشخيص الوضعية الراهنة للإدارة المغربية:
ü     اهتمام الادارة في غالب الاحيان بالتدبير اليومي و تجاهل البعد العلائقي للادارة.
ü     تعدد المساطر و كثرة الوثائق المطلوبة من المرتفقين.
ü     عدم احترام أوقات العمل من طرف بعض الموظفين.
ü     تغييب المرتفق في إعداد بعض السياسات و البرامج المعدة أولا لتلبية رغباته و الاستجابة لحاجياته.
ü     عدم التقييد الفوري للإدارة بتنفيذ بعض الاحكام القضائية النهائية في مواجهتها مما يولد لدى المرتفق عدم الثقة في الادارة.
ü     عدم تعليل بعض الإدارات لقراراتها في حق المرتفقين، مما يولد لديهم الشك و الريبة في مصداقية الادارة.
ü     غياب رؤية شمولية للاستقبال و الارشاد، حيث يتم تخصيص مقر دون توفير الوسائل و الأطر الكفؤة.
ü     عدم توفر معظم الادارات على ملحقات تسهل الاهتداء إلى المرفق و المكاتب داخل بنية الادارة.
ü     غياب الوعي بأهمية الشكايات و التطلعات كرافد من روافد إصلاح الادارة و تحسين أساليب تنظيمها و تدبيرها.
هذه الوضعية فرضت القيام بعدة إجراءات من أجل معالجة هذه الاختلالات، و تتمثل في منطلقات أساسية لعملية الإصلاح، و هذا ما سأتطرق إليه في الحور الثالث.
III.            المنطلقات الاساسية للإصلاح الاداري الشمولي ببلادنا
1)    دعم اللاتركيز الاداري و إعادة تجديد مهام الادارة :
ذلك أن اللاتركيز الإداري يعد الدعامة الضرورية لبرنامج إصلاح الادارة في إطار سياسة لإعداد التراب قائمة في التركيز على اللامركزية و الجهوية و يعتبر الركيزة الأساسية في عملية ترشيد العمل الاداري و تحسين جودة الخدمات من هنا تظهر ضرورة:
-         سن سياسة إدارية قوامها العمل على تقليص عدد الهياكل و البنيات الادارية.
-         ضرورة تشجيع الادارات العمومية على الانفتاح على تنظيمات المجتمع المدني و القطاع الخاص في إطار الشراكة و التعاقد.
-         تعزيز سلطات المراقبة و التقييم لحسن معالجة و تدبير الاكراهات المترتبة عن اللاتمركز.
2)    دعم الاخلاقيات بالمرفق العام :
كمقاربة شمولية تتوفى تعزيز مبدأ سيادة الأخلاق كعنصر أساسي لإنجاز مختلف المبادرات و البرامج الاصلاحية مما ينعكس إيجابا على إنعاش الاستثمار و دعم التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، حيث أن انعدام الاخلاقيات يكون سببا لفقدان المستثمر و المواطن الثقة في الادارة و صعوبة جلب الاستثمار من هنت تظهر:
-         ضرورة الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني الناشطة في مجال تخليق الحياة العامة.
-         ترسيخ مبدأ إقرار المساءلة.
-         قانون التصريح بالممتلكات.
-         دور المفتشيات العامة للوزارات في المراقبة الميدانية الفعالة.
-         أكتوبر 2011 القانون المتعلق بحماية الشهود و المبلغين، فيما يخص جرائم الرشوة، الاختلاس، و استغلال النفوذ.
-         و طبقا لمقتضيات المادة 272 من ق.ت.113.14 يجب على الجماعة تحت إشراف رئيس مجلسها، اعتماد التقييم لأدائها و المراقبة الداخلية، كما تقوم بدراسة تقارير الافتحاص و نشرها بجميع الوسائل الممكنة ليطلع عليها العموم.
3)    علاقة الادارة بالمتعاملين معها:
 وجب الانتقال من إدارة إدارية إلى إدارة مواطنة و ذلك بجعل التواصل مع جميع المرتفقين من الانشغالات الاساسية للإدارات العمومية. و من الاجراءات المساعدة على تحسين العلاقة بين الادارة و المرتفقين:
-         تحسين الاستقبال و معالجة الشكايات و التظلمات.
-         تعليق آجال الرد على طلبات المرتفقين و البث في ملفاتهم.
-         مأسسة استطلاع الرأي لدى المرتفقين لمعرفة حاجياتهم و مدى رضاهم عن الخدمات المقدمة لهم.
-         إلزام الادارة بتعليل القرارات.
-         اعتماد الشباك الوحيد في تقديم أكثر ما يمكن من الخدمات للمرتفقين.
4)    تكوين و تأهيل الموارد البشرية:
إن رهان الاصلاح الاداري لا يتحقق إلا من خلال حسن استثمار الرأسمال البشري و تحفيزه في ضرورة اعتماد التكوين اللامركزي للموارد البشرية:
-         تحسين النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية على مستوى التوظيف و التنقيط و التكوين المستمر و الترقي.
-         ترشيد التوظيف.
-         القانون المتعلق بالتعين في المناصب العليا.
-         مرسوم تحديد شروط و كيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العليا.
5)    إصلاح منظومات الأجور في الوظيفة العمومية:
واقع منظومات الأجور في الوظيفة العمومية يستدعي إعادة النظر في هذه المنظومة بإقرار مبدأ العدالة و الانصاف و الحد من الفوارق الشاسعة بين الأجور العليا و الدنيا.


6)    تبسيط المساطر و الاجراءات الادارية:
التخفيف من الهياكل الادارية و تجميع الوحدات الادارية التي تتدخل في نفس المسطرة و التقليل من الوثائق الادارية ذات الصلة المباشرة بالمواطنين و المستثمرين.

7)    تنمية استعمال تكنلوجيا المعلوميات و الاتصال:
و ذلك من أجل الارتقاء بالإدارة المغربية إلى الفعالية و الانتاجية العالية و تحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين و لتحقيق ذلك:
-         تحسيس المواطن و حثه على الانترنت كوسيلة سهلة و سريعة للمعاملات الادارية.
-         تشجيع و تعميم تكنلوجيا المعلوميات بما فيها الانترنت و الحواسب على الادارات العمومية و الجماعات الترابية.
-         تكوين و تأهيل موظفي الادارات العمومية في تكنلوجيا المعلوميات.
-         الانتقال بالإدارة من الورق إلى المساطر على الخط.
-         إطلاق بوابات الكترونية و خدمات إدارية على الخط :( - البطاقة الوطنية الالكترونية – سجل الحالة المدنية – البطاقة الرمادية – رخصة السياقة – التصريح الضريبي...)
خاتمة

       من أجل إنجاح عملية الاصلاح الاداري لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية وتظافر جهود جميع المتدخلين، و تأهيل الموارد البشرية... وكما جاء في خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية "إن اصلاح الادارة يتطلب تغيير السلوكيات و العقليات، و جودة التشريعات، من أجل مرفق إداري عمومي فعال في خدمة المواطن".
إعداد: عمر بن وحمان

 
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق