نشأة القانون الاداري

تعتبر فرنسا مهد نشأة القانون الإداري حيث أجمعت مختلف الدراسات الفقهية أن القانون
الإداري ظهر في فرنسا وهو مرتبط بتاريخها ونظام الحكم فيها.
ونشأة القانون الإداري في فرنسا مرت بمراحل مختلفة على النحو التالي:
(1مرحلة نظام الإدارة القاضية أو الوزير القاضي:
لما قامت الثورة الفرنسية رأت السلطات الجديدة المنبثقة عنها أن المحاكم العادية قد تعرقل
الإصلاحات التي تعتزم الإدارة القيام بها وتحد من فعاليتها، فمن اجل تجنب ذلك قاموا بإسناد
اختصاص الفصل في المنازعات الإدارية إلى الإدارة نفسها، أي أن تتولى الهيئات الإدارية بنفسها
الفصل في المنازعات التي تكون طرفاً فيها، فكان الأفراد يلجأون إلى الملك أو الوزارة أو رؤساء
الإدارات في الأقاليم مما يصيبهم من ضرر جراء أعمال الإدارة، وغالباً ما يكون الوزير هو الذي يفصل في هذه الخصومات لذلك سمي هذا النظام بنظام الوزير القاضي، فلإدارة في هذا النظام كانت
تجمع بين صفة الإدارة العامة العاملة والإدارة القاضية وصارت خصماً وحكماً في نفس الوقت.
(2مرحلة نظام القضاء المحجوز أو المقيد:
بعد تزايد شكاوي المواطنين من عدم وجود جهة قضائية تفصل في منازعاتهم مع الإدارة بكل
عدالة أنشاء نابليون مجلس الدولة في العام الثامن من قيام الثورة الفرنسية بمقتضى المادة 52من
دستور 22فريمير كجهاز استشاري لدى السلطة المركزية ، كما أنشاء مجالس المحافظات أو
العمالات.
لقد كان دور مجلس الدولة أثناء هذه المرحلة دوراً استشارياً يمد الحكومة بالآراء والاستشارات
القانونية إذا ما طلب منه ذلك هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان المجلس ينظر في المنازعات
الإدارية دون أن تكون له السلطة الكاملة في إصدار الأحكام بشأنها، أي أن اختصاصه القضائي لم يكن
كاملاً وإنما كان ناقصاً، حيث كان يقوم بدراسة الشكاوي فقط ويقترح الحلول المناسبة لها ثم يرفعها
إلى رئيس الدولة لإقرارها أو رفضها، لهذا سميت هذه المرحلة بمرحلة القضاء المقيد.
أما مجالس المحافظات فقد كانت لها سلطة حقيقة لاتخاذ القرار إلا أن رئاستها كان يتولاها
المحافظ، وكانت القرارات الصادرة عنها قابلة للطعن فيها أمام مجلس الدولة فلم يكن قضائها نهائياً.
(3مرحلة القضاء المفوض:
بدأت هذه المرحلة بصدور قانون 24ماي 1872الذي منح مجلس الدولة سلطة البت النهائي
في المنازعات الإدارية التي يتم رفعها أمامه، إذ لم تعد أحكام مجلس الدولة في حاجة إلى إقرار أو
تصديق من السلطة الإدارية وإنما كانت هذه الأحكام نافذة بمجرد صدورها واضحي مجلس الدولة
يملك حقاً سلطة قضائية كاملة غير منقوصة.
ولقد كان حكم محكمة التنازع الفرنسية حاسماً في إرساء قواعد القانون الإداري قي قضية بلا
ونك عام 1873حين ذهبت المحكمة إلى انه في حالة عدم وجود نصوص خاصة فان مسؤولية الإدارة
العامة عن الأضرار التي يحدثها عمالها للإفراد لا يمكن أن تحكمها ذات القواعد الموجودة في القانون
المدني بل تحكمها قواعد خاصة ومغايرة، فأصبح يؤسس قراراته على روح القانون أحياناً وعلى
مقتضيات العدالة أحياناً أخرى وعلى حسن سير المرفق العام أحياناً.
وهذا اكتمل نظام القضاء الإداري في فرنسا واحتل مكانة بجانب القضاء العادي واكتمل معه
نظام الازدواجية القضائية بعد أن مر بمراحل مختلفة.

 
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق