رقابة المجلس الأعلى للحسابات على اختلالات التدبيرالإداري والمالي للملك الخاص للدولة.
يمارس المجلس الأعلى للحسابات رقابته على كيفية تدبير
مديرية الأملاك الدولة لشؤونها، ومن الجوانب الهامة المندرجة ضمن اختصاصاتها تدبير
للأملاك الخاصة للدولة وبالتالي تخضع لدورها للرقابة، ومن هنا سنحاول رصد بعض
الاختلالات التي وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات في رقابة على التدبير هذه
الأملاك
رقابة المجلس الأعلى للحسابات على التدبيرالإداري للملك الخاص للدولة.
1)
عدم إيلاء الأهمية الكافية للعقار خلال
مباشرة الإصلاحات المتعاقبة لمدونة الاستثمار
إن الإطار
القانوني المكرس لتشجيع الاستثمار مر عبر أربع مراحل
المرحلة الأولى
استمرت إلى غاية 1996 إدخال مدونات قوانين الاستثمار القطاعية وهذه المدونات لم
تنص على تدابير تحفيزية من شأنها إبراز العقار كعنصر محدد وقاطع في اتخاذ قرار
الاستثمار وتنفيذه .
المرحلة الثانية
ابتداء من سنة 1996 تم سن مدونة الاستثمار لتعويض مدونات قوانين الاستثمار
القطاعية باستثناء القطاع الفلاحي . وقد أطلقت هذه المدونة المعالم الأولى
لتحفيزات العقارية .
وفي المرحلة
الثالثة تميزت بمنح امتيازات ضريبية لفائدة المنعشين العقاريين ومساهمة مالية
مباشرة يمنحها صندوق الحسن الثاني للتنمية
الاقتصادية والاجتماعية بمثابة مساهمة سواء تفي تكلفة اقتناء الأرض أو إنشاء
المباني
والمرحلة الرابعة
ابتداء من 2002 . قامت السلطات العمومية بإرساء التدبير اللاممركز للاستثمار .
وأصبح منذ ذلك ترخيص بيع العقار من اختصاص ولاة الجهات لإنجاز مشاريع الاستثمار لا
يتعدى مبلغها 200 مليون درهم .
ورغم كل هذه
الإصلاحات المتتالية من أجل تحسين الإطار القانوني المكرس لتشجيع الاستثمار فهذه
المدونات لا تعي ولا تهتم بشكل ايجابي والكافي لأهمية العقار باعتباره أداة أساسية
لتشجيع الاستثمار.[1]
المشرع المغربي لم
يعط تعريفا دقيقا للملك الخاص لدولة وللنظام القانوني الذي يخضع لتطبيقه ،
فالتعريف الأكثر شيوعا في هذه المسألة أن الملك الخاص للدولة يتكون من عقارات التي
لا تدخل في نطاق الملك العمومي المنظمة بظهير 1914 هذا من جهة ومن جهة أخرى
العقارات التي تخضع للأنظمة الخاصة كالملك الغابوي وأراضي الجموع...
وأمام غياب تعريف
دقيق لهذا الملك يؤدي إلى صعوبات تتعلق بضبط الوعاء العقاري للملك الخاص للدولة
وطبيعته ووظائفه ومساطر تدبيره وتثمينه.
كما يظل غياب
التعرف الدقيق على العقارات التابعة للأملاك الدولة وعدم ضبط محفظة عقاراتها وكذا
العقار القابل للتعبئة حاجزا كبيرا يحول دون القيام بتثمين أمثل لعقار الدولة وكذا
عدم قيام بإحصاء الشامل للعقارات بحيث توجد فوارق بين محفظة أملاك الدولة والعقارات
المخصصة أو تلك الموضوعة رهن إشارة الأجهزة العمومية أو تلك المتأتية من مساطر
خاصة للاسترجاع
3)
بنية عقارية غير متجانسة وعدم استكمال تطهير
الوضعية القانونية للأملاك الدولة .
إن البنية
العقارية غير المتجانسة، بالنظر إلى أصولها التاريخية للتملك، تزيد من تعقيد تعبئة
العقار، حيث أن الرأسمال العقاري يتكون من عدة أصناف من العقارات تتسم بالتنوع
والاختلاف من حيث طبيعتها ومساطر تطهيرها. ويظم هذا الرأسمال العقاري أساسا عقارات
تتميز بأقدمية تبعيتها للملك الخاص للدولة والأراضي المسترجعة من الاستعمار
والتحديدات الإدارية المصادق عليها والتي هي في طور المصادقة [3]
أما مسألة عملية
عدم استكمال تطهير الوضعية القانونية لهذه الأملاك . يتبين من خلال تحليل ماتم
انجازه في مجال لتحفيظ بأن تم التحفيظ 53% فقط المقدرة
ب (890.916 هكتار)، وتشكل العقارات التي هي في طور التحفيظ حوالي 41% (694.276
هكتار) وأنها تعاني من عدة عراقيل، استمرت لعدة سنوات، على مستوى مختلف مراحل
مسطرة التحفيظ العقاري (مرحلة إيداع مطلب التحفيظ والتحديد والمسح وتأسيس الرسوم
العقارية) وتبقى نسبة 6%
لمك يتم تحفيظها بعد ومساحتها (105.903 هكتار).
4)
غياب سياسة عقارية
أمام غياب سياسة
عقارية فعمل الدولة ينحصر في عمليات التفويت والاقتناء والتخصيص والكراء . استجابة لحاجيات الآنية التي يعبر عنها
المستثمرين دون عملها عل التخطيط الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية،
والاستعمال العقلاني للثروة العقارية والعمل على خلق التناسق وإيجاد نقاط الالتقاء
بين السياسة العمومية القطاعية .
بالإضافة إلى ما
سبق، وبسبب تقلص الوعاء العقاري وارتفاع أسعار العقار وتعقد مساطر انجاز وثائق
التعمير وتقلها مع ازدياد الطلب على العقار، فإن الملك الخاص لا يمكن لوحده تلبية
هذا الطلب حيث أن المصالح المكلفة بتدبير هذا القطاع تضطر في الغالب إلى تعبئة
أراضي تابعة لأنظمة عقارية أخرى كالملك الغابوي والملك العام أو أراضي الجموع
والكيش...،
ومع ذلك يتعثر
ويصطدم مجهود التعبئة هذا بالإكراهات
القانونية المرتبطة بهذه الأراضي التي تتميز بعدم قابليتها بالتفويت
والتقادم وعدم خضوعها للنزع الملكية...
5)
قصور في مجال التقييم والبرمجة المتعددة
السنوات لحاجيات من العقار.
لوحظ في ما يخص
التقييم والبرمجة متعددو السنوات للحاجيات الفعلية للعقار ضمن وثائق التعمير نقص
على مستوى التنسيق ووضوح في الرؤية بين مديرية أملاك الدولة والقطاعات الوزارية المعنية
لتحديد احتياجاتها المتوقعة من العقار على المدى المتوسط والطويل والتي يتم
اعتمادها عبر برمجة متعددة السنوات. كما تعاني تعبئة العقار أيضا، من نواقص في
مجال التخطيط مرتبطة بإكراهات تفرضها وثائق التعمير. ويبقى بعيد كل البعد عن إمكانية
الشروع في اعتماد سياسة عقارية استشرافية حول توسع المدن والتجمعات الحضرية وتلبية
حاجيات المستثمرين من العقار من طرف السلطات العمومية.[4]
لأن تعبئة العقار
المحددة داخل وثائق التعمير تعطي مزيدا من الوضوح في الرؤية فيما يخص التهيئة
المجال الترابي وفق منهجية توافقية وتخطيط تشاوري للمستثمرين العموميين والخواص.
6)
تعقيد مساطر التفويت
إن مسطرة التفويت
تتطلب غالبا مرحلة طويلة الأمد، حيث تستغرق 250 يوم كأجل أدنى لمعالجة ملفات
الاستثمار، دون احتساب الآجال الإضافية الناجمة
عن تدخل شركاء آخرين في هذه المسطرة خصوصا اللجان الخاصة ، هذا ويتطلب إرسال
الطلبات المودعة من لدن المستثمرين أجلا أقصاه 20 يوما ابتداء من تاريخ تسلمه و30
يوم لكل من الدراسة حول مشاريع الاستثمار التي تنجز من لدن المركز الجهوي
للاستثمار والدراسة التي تنجزها اللجنة الفنية المكلفة بالقيام بالتحضيرات
والتتبع، وتستغرق مرحلة تفويت العقار التابع للملك الخاص للدولة. 80 يوما وتتطلب معاينة
الإجراءات الأولية الملزمة للمستثمر 90 يوما.
7)
نقائص متعلقة بمنظومة تتبع ومراقبة
التثمينات التعاقدية من أجل رفع القيمة.
تعرف حكامة العقار
قصورا على مستوى تتبع التثمينات من خلال نظام يوفر التقارير المتعلقة بسير أعمال وتقدم
الأشغال ولوحة القيادة، ويتجلى هذا القصور من جهة على مستوى القيام بالإجراءات
الأولية وتسجيل العقار المعبأ وإعداد الملف التقني والحصول على التراخيص الضرورية ومن
جهة أخرى على مستوى المراقبة البعدية لتسليم العقار موضوع التفويت من أجل معاينة
الإنجازات الفعلية لمشاريع الاستثمار والتأكد م احترام المستثمر الالتزامات
المنصوص عليها بدفتر التحملات الملحق بعقد البيع[5]
8)
عدم الإسراع بتبني أدوات مبتكرة لتثمين
العقار
يعتبر تفويت
العقار الخام المتوفر طريقة مهمة للتثمين لأنه يوفر مداخيل فورية لخزينة الدولة،
إلا أنه لا يؤمن قطعا دوامها على الدين المتوسط والطويل. زيادة على ذلك، ومع تقلص
الوعاء العقاري فإن مديرية أملاك الدولة سوف لن تستطيع الاستجابة للطلبات
المتزايدة على العقار مما يحتم بذلك أهمية إرساء آليات تدبيرية جديدة لتفويت
العقار من لدن الأشخاص العمومية كالشراكة بين القطاعين العام والخاص والإيجارات
الطويلة الأمد
رقابة المجلس الأعلى
للحسابات على التدبير المالي للملك الخاص للدولة .
1)
غياب أجهزة مكلفة بالرصد الأسواق العقارية .
إن الأجهزة
المكلفة بالرصد والتتبع تطور العقار فهي مجزأة ( بنك المغرب، والوكالة الوطنية
للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية وقطاع السكن والتعمير والمديرية
العامة للضرائب والموثقين والعدول والوسطاء العقاريين...
زيادة على هذا،
فإن الولوج للمعلومات المتعلقة بالمعاملات العقارية ومؤثرات الأثمان الأملاك
العقارية واستغلالها يظل رهينا بإرساء نظام معلوماتي للتدبير لدى الفاعلين
المتدخلين في مجال العقار.[6]
وتظهر هذه الوضعية
عدم تضافر جهود هؤلاء الفاعلين وغياب مرصد عقاري من أجل تجميع وتوطيد المجهودات
المبذولة من لدن هذه الهياكل حيث أن المرصد العقاري يهدف إلى إنتاج معلومات
إحصائية وخرائطية من تقريبية للمجال الترابي. ولا يقتصر هدف هذا المرصد على تبادل
المعلومات فحسب، بل يتوخى أيضا تقييم القرارات السابقة من أجل استشراف وتهيئة
القرارات المستقبلية.
2)
عدم تقييم أثر التحفيزات العقارية الممنوحة
على أثمنة البيع.
إن الأسباب التي
أدت إلى الحد من تثمين العقار عدم تقييم التحفيزات العقارية باعتبارها مجهود
مشاركة ومساهمة ممنوحة من لدن الدولة على غرار النفقات الجبائية، وقد تم تقييم هذه
النفقات برسم 2015 بما يقارب 32 مليار درهم حيث يحتكر القطاع العقاري لوحده نسبة
22.1%
(7.093 مليار درهم) مقابل 21.58%
(7.427 مليار درهم) من مجموع النفقات الضريبية التي تم تقييمها سنة 2014، والتي
تبلغ 34.407 مليار درهم.[7]
هذا وبعد الانتقال
من المحاسبة الميزانية إلى المحاسبة على أساس الاستحقاق وإعداد المخطط المحاسباتي
لدولة. لم يعد مبررا على وجه الإطلاق تحديد أثمنة بيع العقارات تكون أدنى من أثمنة
السوق تحث ذريعة اعتبارات ذاتية لتحفيز وتشجيع الاستثمار. لأن من شأن استمرار هذه
أن يؤدي بالتدريج إلى تصفية الملك الخاص للدولة بأثمان رخيصة. كما ينبغي احتساب
الإعفاءات والتخفيضات الممنوحة على أثمنة البيع كنفقات عقارية وذلك لضمان الشفافية
المالية للميزانية العامة للدولة وترشيد تدبير وتخصيص الثروات
3)
غياب أدوات إعادة تكوين الرصيد العقاري.
تعاني تعبئة
العقار من غياب أدوات إعادة تكوين الرصيد العقاري، حيث تظل مقيدة ببطء وثقل مساطر
الاقتناء من أجل الاستثمار، سواء تعلق الأمر بالمسطرة الحبية أو مسطرة نزع
الملكية، وكذا المحدودية التي أبانت عنها ممارسة حق الشفعة، باعتباره الوسيلة
الوحيدة المتاحة في التشريع العقاري.
وتوظف الدولة حق
الشفعة فقط لاعتبارات ضريبية وتلعب دورالردع لتصويب أثمنة البيع إذا ارتأت أن
المبلغ المصرح به بعقد البيع أقل من القيمة المنصفة للملك موضوع البيع ، هذا،
ويمكن أن يؤدي ممارسة هذا الحق إلى خلق حالة من انعدام الامن القانوني على اعتبار
أن الدولة تتدخل في تاريخ لاحق لتاريخ التوقيع على عقد البيع مما يؤدي إلى تضرر الطرف
المشتري الذي لم يعد بإمكانه أن يسترجع إلا المبلغ المصرح به في عقد البيع.[8]
4)
تعدد المتدخلين في مجال بيع العقارات وعدم
استجابة مساطر البيع الحالية لمتطلبات المستثمرين.
تعاني مساطر
التفويت من إكراه مرتبط بتعدد المتدخلين
الذين ليس لهم نفس الوعي بأهمية العقار في مجال الاستثمار بالنسبة للاقتصاد
الوطني، حيث أن أجهزة التنظيمية وأجهزة المصاحبة مكلفة بالسهر على المراقبة
والتتبع. تتدخل في الفعل الاستثماري . وقد أدى تعدد هؤلاء المتدخلين إلى إفراغ
مبدأ الشباك من محتواه وتم الابتعاد كل البعد عن نجاعته وبالتالي عن الهدف الأساسي
الذي أحدث من أجله.
بالإضافة إلى ما
سبق، مازالت المساطر المتبعة لتعبئة العقار تعتمد على أدوات متجاوزة غير قادرة على
الاستجابة الفورية للمتطلبات الآنية
للمستثمرين، وتتم مساطر التفويت بتعقدها وبطئها سواء على مستوى الفاعلين الذين
يتدخلون في دائرة البيع والأداء في معالجة ملفات الاستثمار أو على مستوى تتبع
ومراقبة التثمينات التعاقدية للعقارات التي تم تفويتها من أجل الرفع من قيمتها .[9]
5)
اختلالات تتعلق بتحديد أثمنة البيع.
إن من بين النواقص
التي تعرفها مساطر التفويت تتعلق أساسا بتحديد أثمنة البيع بحيث الإطار القانوني
المنظم اللجنة الإدارية المكلفة بالخبرة لم يعط تعريفا دقيقا لهذه الخبرة.
ولنطاقها القانوني وأن هذه اللجنة لا تتوفر على النظام يوضح طريقة اشتغالها وكذا
عدم تحديد الإجراءات التي يتعين اتخاذها في حالة عدم الاتفاق حول ثمن البيع
المقترح بين أعضاء اللجنة.[10]
كما يجب أن يرتكز
التقييم الصحيح لقيمة الملك العقاري على أساس معايير موضوعية تأخذ بعين الاعتبار
العناصر المادية (المساحات والمحتويات والموقع الجغرافي ونوعية التربة والتضاريس
والتجهيزات ...)والوسائل القانونية (عقارات محفظة أو في طور التحفيظ والتهيئات
المتوفرة والوضعية بالنسبة لوثائق التعمير...)
لأن اللجنة تعتمد
في الغالب على أثمنة المستنبطة في الأقصى من ثلاث معاملات عقارية ببعض الأملاك
العقارية المجاورة أو المحادية للعقار موضوع التفويت. وقد بين التحليل الأثمنة
التي أبرمت بها عقود البيع مؤخرا أنها لا تعكس عموما واقع السوق العقارية حيث أنه
قيمة الأراضي موضوع التفويت تكون في بعض الأحيان أقل من أثمنة المعاملات العقارية
المقارنة. ومن جهة أخرى، يجب ألا يتعدى ثمن البيع 10% من التكلفة
التقديرية الإجمالية للمشروع الاستثماري.
[1] المجلس الأعلى
للحسابات :التقرير السنوي برسم سنة 2015، تعبئة الملك الخاص للدولة من أجل
الاستثمار،ص :88.
[2] نفس المرجع، ص: 89.
[3] المجلس الأعلى
للحسابات: التقرير السنوي برسم سنة 2015 ،مرجع سابق،ص 90.
[4] المجلس الأعلى
للحسابات: التقرير السنوي برسم سنة 2015 ،مرجع سابق،،ص 90.
[5] المجلس الأعلى
للحسابات: التقرير السنوي برسم سنة 2015، مرجع سابق، ص 92.
[6] المجلس الأعلى
للحسابات: التقرير السنوي برسم سنة 2015 ،مرجع سابق، ص 90.
[7] نفس المرجع، ص 91.
[8] المجلس الأعلى
للحسابات: التقرير السنوي برسم سنة 2015 ،مرجع سابق، ص 91.
[9] نفس المرجع، ص 91.