جريمة الإجهاض

تقتضي دراسة أركان جريمة الإجهاض التوقف عند ركنها المادي الذي يتمثل في النشاط الذي يقوم به الجاني ويكون له اثر خارجي،ثم لركنها المعنوي الذي يتمثل في إرادة الفاعل في مباشرة السلوك اإلجرامي ،فضلا عن العنصر المفترض والذي يتمثل في الجنين والذي يشكل محل جريمة الإجهاض 
. - الركن المادي في جريمة الإجهاض :
 الركن المادي في جريمة الإجهاض هو سلوك إجرامي يستهدف القضاء على الجنين ونتيجة تتمثل في وضع حد لحياة الجنين و علاقة سببية تربط هذا النشاط بالنتيجة.
* السلوك الإجرامي هو كل فعل أو سلوك يأتيه الجاني على الحامل يكون من شأنه أن يفضي إلى موت الجنين أو خروجه قبل موعده الطبيعي.
وقد اشار المشرع المغربي إلى بعض الوسائل لاحداث الاجهاض على سبيل المثال لا الحصر،حيث نص في الفصل 449 ق.ج على أن السلوك الاجرامي يتحقق"...سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو أية وسيلة أخرى".
 *النتيجة الإجرامية تتحقق النتيجة الإجرامية في جريمة الإجهاض بإنهاء حالة الحمل قبل تمام الأشهر الرحمية،ولا أهمية بعد ذلك سواء خرج الجنين ميتا من الرحم أو بقي فيه مدة من الزمن حتى يتم إخراجه بعد ذلك،أو نزل حيا نتيجة الاعتداءعلى الأم قبل أوان ولادته. والواقع أن النتيجة الإجرامية في فعل الإجهاض تتمثل في مجموعة من الصور إذا توافرت إحداها كانت جريمة الإجهاض متحققة وفقا للتشريع المغربي:
- موت الجنين داخل الرحم،وعدم خروجه منه بسبب موت الحامل .
 - موت الجنين وطرده خارج الرحم قبل الموعد الطبيعي لوالدته نتيجة لأفعال الاعتداء الواقعة من الجاني بقصد الاجهاض
. -ان لا يلحق الجنين أي ضرر أو أذى رغم وقوع الاعتداء عليه بقصد إزهاقه وطرده خارج الرحم. 
وبناء على ذلك يمكن القول أن المشرع اخذ بصور المحاولات الثلاث والتي تتمثل في: الجريمة الموقوفة:وهي التي لا يستطيع فيها الجاني أن يتم نشاطه لأسباب خارجة عن إرادته. 
الجريمة الخائبة:وهي التي يقوم فيها الجاني بمباشرة نشاطه الاجرامي كاملا ولكن النتيجة التي أرادها لا تتحقق.
 الجريمة المستحيلة:يقصد بها تلك الجريمة التي يستحيل تحقيق نتيجتها الاجرامية إما بسبب استحالة محل الجريمة،او لعدم كفاية الوسائل المستعملة إلحداث النتيجة المقصودة.
* العلاقة السببية: لا يكفي لقيام جريمة ونسبتها لشخص معين ارتكاب السلوك الاجرامي وتحقق النتيجة الاجرامية ،بل لابد من توافر رابطة السببية بين فعل الجاني و النتيجة التي تحققت حتى يمكن نسبة الجريمة إلى الجاني،فهل اشترط التشريع المغربي توافر العلاقة السببية في جرائم اإلجهاض؟ 
إن العلاقة السببية حسب التشريع المغربي تعتبر عنصرا في الركن المادي في جرائم النتيجة،أما الجرائم الشكلية فلا وجود فيها لهذه العلاقة لأن النتيجة نفسها غير ضرورية بالنسبة إليها. وبهذا يكون المشرع المغربي قد صنف جرائم الاجهاض ضمن الجرائم الشكلية من خلال معاقبته للشروع في الاجهاض.
ولا يجعل المشرع المغربي أهمية للاستحالة المادية التي يجهلها الفاعل،فيقوم الشروع أو المحاولة حتى ولو كان الجاني يجهلها،وهو ما ورد النص عليه في الفصل117 ق.ج "يعاقب على المحاولة حتى في الاحوال التي يكون الغرض  فيها من الجريمة غير ممكن بسبب ظروف واقعية يجهلها الفاعل"
الركن المعنوي :
عنصري العلم و الإرادة: 
يقتضي عنصر العلم أن ينصرف علم الجاني إلى كافة العناصر المكونة للجريمة وقت ممارسته للنشاط الإجرامي،وبناء عليه يجب أن يكون الجاني عالما بأن نشاطه الإجرامي الذي يمارسه ينصب على امرأة حامل،كما يجب أن يعلم الجاني أن من شأن نشاطه الإجرامي إنهاءه الحمل قبل الأوان
. و الملاحظ أن المشرع المغربي لم يتطلب العلم اليقيني بوجود الحمل وإنما اكتفى "أن من أجهض أو حاول بالعلم الظني،إذ ورد في مقتضيات الفصل 449ق.ج إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك...يعاقب بالحبس...“ 
أما بخصوص عنصر الإرادة فهي تعني اتجاه إرادة الجاني إلى إتيان النشاط الاجرامي وتحقيق النتيجة المحظورة، أي الفتك بالجنين والقضاء عليه.فإن كان ذلك النشاط نتيجة إكراه مادي أو أدبي واقع على الجاني فإنه لا يسأل عنه.
 كما يجب أن تتجه إرادته أيضا إلى إحداث هذه النتيجة،سواء بإعدام الجنين داخل الرحم عمدا أو بإخراجه منه.
* القصد الاحتمالي في الاجهاض 
 القصد غير المباشر أو الاحتمالي معناه اتجاه إرادة الجاني إلى الفعل مع توقع النتيجة كأثر لفعله يحتمل في تقديره أن تحدث أو لا تحدث،ولقد اختلفت التشريعات في الأخذ بنظرية القصد الاحتمالي. 
غير أن التشريع المغربي اخذ بصورة من هذا القصد الاحتمالي إذا أدى فعل الجاني إلى إماتة المرأة الحامل حيث يسأل عن إحداث الوفاة.وكذلك تتحقق صورة القصد الاحتمالي في جريمة الاجهاض -حسب جانب من الفقه- إذا تسبب شخص في إجهاض امرأة عن طريق الضرب في الوقت الذي يجهل أنها حامل،لأن إرادة الجاني انصرفت الى تحقيق نتيجة جنائية غير مرقوبة ولكنها مقبولة.
 اما بالنسبة للباعث فلا تأثير له على الجريمة لأنه ليس عنصرا من عناصرها
محل جريمة الإجهاض:
 إن جريمة الإجهاض  تتطلب وفق التشريع الجنائي المغربي وقوعها على امرأة حبلى أو الاعتقاد بوجود حمل استنادا إلى الفصل 449 ق.ج الذي جاء فيه"من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك". فالمشرع هنا جعل اعتقاد الحمل مساويا لوجوده لتحقق ركن من أركان جريمة الاجهاض،على خلاف بعض التشريعات المقارنة. 
وأمام وجود فراغ تشريعي ينظم موعد بداية الحمل،نجد الفقه المغربي الحديث تبنى نظرية التلقيح –أو الإخصاب - ومقتضاها أن بداية الحمل تكون في اللحظة التي يتم فيها تلقيح البويضة بالحيوان المنوي واستقرارها في الرحم.
 أما فيما يتعلق بنهاية الحمل، نجده- الفقه- يعتبر نهاية مرحلة الجنين من وقت بدء المخاض ،أي باستعداد الجنين للخروج من رحم أمه.
عقوبة جريمة الإجهاض:
 يتضح من الفصول المتعلقة بجريمة اإلجهاض 449-458 من ق.ج أن المشرع المغربي اعتبرها جنحة كقاعدة عامة،إلا  انه خرج عن هذه القاعدة استثناءا في أحوال معينة،وذلك بتشديد العقوبة إما بمضاعفتها أو رفعها إلى مصاف الجنايات. 
جنح الإجهاض وعقوبتها:
 - العقوبة الجنحية:
 إجهاض الغير للحامل في صورته البسيطة:
 نص على هذه الحالة الفصل 449 ق.ج الذي جاء فيه أن" من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم
إجهاض المرأة الحامل نفسها:
 نص المشرع على هذه الصورة من صور اإلجهاض في الفصل 454 ق.ج بقوله:"تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم،كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما رشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض". 
ولقد أراد المشرع بهذا النص أن يؤكد أن المقصود بالحماية أصلا هو حق الجنين ذاته في استمرار حياته،ومن ثم يقع على المرأة واجب المحافظة على جنينها. 
العقوبات التكميلية في جريمة الإجهاض: 
لقد تعرض المشرع الجنائي للتدابير الوقائية كعقوبة تكميلية في حالة ممارسة الاجهاض وحددها فيما يلي:
- المنع من الإقامة:
ويقصد به منع المحكوم عليه من أن يحل بأماكن معينة ولمدة محددة الفصل 2/450 ق.ج -التجريد من الحقوق الوطنية:أجاز المشرع تطبيق هذا التدبير في الفصل 2/450 ق.ج  
المنع من مزاولة مهنة: يشترط لتطبيق هذا التدبير حسب الفصل 87 ق.ج وجود علاقة مباشرة بين مباشرة المهنة والجريمة المرتكبة،إضافة إلى وجود قرائن ا  يخشى معها أن يصبح المحكوم عليه خطرا إن هو تمادى في عمله. 
والمنع من مزاولة مهنة كتدبير وقائي لا يمكن أن يتجاوز عشر سنوات مالم ينص القانون على خلاف ذلك.
ظروف التشديد في جريمة الإجهاض :
تعرض القانون الجنائي المغربي لظرفين تشدد بهما العقوبة في جريمة جناية الإجهاض وعقوبتها:
 الاجهاض وهما موت المرأة التي اجري عليها الاجهاض و الاعتياد على ممارسة الاجهاض.
 1-موت المرأة في جريمة الاجهاض : ينص الفصل 449 ق.ج في فقرته الثانية على انه،إذا نتج عن الاجهاض موت المرأة فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة، و الملاحظ أن المشرع من خلال مقتضيات هذه الفقرة يكون قد غير وصف هذه الجريمة من جنحة ورفعها إلى مصاف الجناية،سواء ترتب على وفاة الأم موت الجنين أو بقاؤه على قيد الحياة
2-اعتياد الجاني على الإجهاض :و يلاحظ أن المشرع المغربي اعتد بالعود الخاص في جريمة الإجهاض لتشديد العقوبة حيث نص على هذه الحالة في الفصل 450ق.ج الذي جاء فيه:"إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة،ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى ،وتكون عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية ". 
- التحريض على استعمال وسائل الإجهاض: اعتبر المشرع المغربي صفة الجاني في جريمة الإجهاض ظرفا لتشديد العقوبة في حالة المساعدة والتحريض على الإجهاض ،وعدد في الفصل 451ق.ج الأشخاص الذين تتوافر فيهم صفات معينة أثناء ارتكابهم جريمة الإجهاض. 
ولقد تشدد المشرع المغربي في العقاب على المساعدة على الاجهاض لمجرد تقديم الرشد والنصيحة إذا تم ذلك من قبل الأطباء ومن في حكمهم،بالعقوبة المقررة في الفصل 449 ق.ج وذلك باعتبارهم مساهمين فيها

 



المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق