معايير التمييز بين الملك العام و الملك الخاص
لم تظهر فكرة التمييز بين أملاك الدولة العامة والخاصة في فرنسا الى في القرن التاسع عشر، حيت يعتبر هدا التمييز ثمرة الإجتهاد الفقهي بامتياز، حيت ابتكر عدة معايير في هدا الشأن ويمكن تقسيمها إلى معايير تقليدية (فرع الاول) ،ومعيار اخر حديت(فرع تاني).
فرع الأول: معايير تمييز
تقليدية بين ملك عام وملك خاص
إن تصنيف الأملاك إلى أملاك عامة وأملاك
خاصة، هو ثمرة الاجتهاد الفقهي بامتياز حيت ظهر معياران في هذا الإطار، التوجه الأول
تمتله مدرسة التوجه الطبيعي الذي تربط الصفة العامة للمال بطبيعة المال ذاته ، ومدرسة التوجه
التخصيصي التي ترتكز على تخصيص للمنفعة العامة هو السمة المميزة للمال العام.
من أنصار هذا المعيار نجد الفقهاء بارتيملي وبرودن و دكروك في القرن 19 عشر، فالأساس بالنسبة
لهؤلاء هو طبيعة المال فإذا كان الملك لايقبل التملك الفردي فهو ملك عام ومثال
ذالك بحيرات وانهار ساحات والطرق العامة فهي لا تقبل التملك الخاص، وهي على
نقيض من ذاك فإن كل ملك يسمح تكوينه طبيعي
بالتملك الشخصي فهو يعتبر ملكا خاصا.
واذا كان رواد هذا الاتجاه قد اتفقوا على المنطق الذي انطلقو منه لتحديد
الملكية العامة فإنهم قد اختلفوا في تقديم تبريراتهم هكذا نجد فقيه برودون قد
استند على قانون مدني فرنسي من خلال المادة 538 الذي تنص على أجزاء الإقليم الذي
لا تقبل أن تكون محلا ملكية خاصة أموال عامة بالإضافة إلى مواد 1598 و 2225 وقد
تعرض بورودون في هذا الإطار إلى بعض الإنتقادات أهمها انه : حمل نصوص القانون
المدني ما لا تتجمله ونسب إليها مالم تكن تقصده ، وذالك أن إقامة التفرقة بين
الملك العام والملك الخاص لم تكن وقتئذن .
أما بارتملي فقد بني
سنده في إتباث الملكية العامة على المنطق والإستدلال العقلي ، اذ مما لم يمكن
تصوره العقل أن يسعى الإنسان ما إلى تملك جزء من شارع عمومي أو جزء من ميناء أو
بحر ... حيث في نظره لا يمكن ان تكون قابلة للتملك الشخصي .
وقد وجه لهذا المعيار انتقادات لعدة أسباب من بينها أن كل مال يقبل
بطبيعته التملك الخاص حيت قال الفقيه هوريو منتقدا " انه عمليا لن يقوم نزاع
حول تملك أرض أو نهر او طريق بأكمله ولكن حول جزء لا يزيد بضعة أمتار مربعة و هذه يمكن تصور تملكها ، كما أن المتاحف إذا كان
تعتبر ملكا عاما ، فإن بعض الأفراد يمتلكون تحفا فنية قد لا تتوفر عليها المتاحف
العامة" كما أهملوا الحديث عن الأملاك المخصصة للمرافق عمومية مما فتح مجالات لإجتهادات أصحاب
نظرية تخصيص عام .
فقرة تانية: معيار التخصيص
إن المعيار المميز للأملاك العامة حسب
هذا الاتجاه يكمن في فكرة تخصيص هذه الأملاك لهدف من الأهداف ، واذا كانو أصحاب هذا
الاتجاه انطلقو من فكرة تخصيص فإنهم انقسمو بدورهم إلى فريقين ، منهم من اقتصر
على تخصيص الملك العام للمرافق عمومية( اصحاب
نظرية المرفق العام) , ومنهم من اقتصر على تخصيص الملك العام لاستعمال الجمهور
مباشره ( اصحاب فكرة تخصيص عام شامل) .
فأملاك الدولة عند أصحاب نظرية المرفق العام لا تعتبر
أملاك عامة إلا إذا كانت مخصصة لخدمة مرفق عام وإدارته ويطبق عليها نظام قانوني خاص وإستتنائي بسبب تخصيصيها
لا بسبب طبيعتها ، وأبرز من نادى بذلك فقهاء دوكي وبونار .
وبذلك فإن المعيار المميز للملكية العامة
حسب هاذا الاتجاه لا يكمن في عدم قابليتها للتملك الخصوصي بحكم طبيعتها كما ذهب لذلك أنصار الاتجاه الطبيعي وانما المعيار المميز عندهم لهذه الأموال هو
تهيئة الإنسان لها. وتخصيصها لمرفق عام
وما يعاب على هذا الإتجاه أنه اعتبر
جميع الأملاك المخصصة لاستعمال المرفق العام املاكا عامة. على رغم من أن بعض الأملاك التي يتوفر عليها المرفق العام كأدوات
مكاتب وطاولات... لا ترقى لدرجة الأملاك العامة، كما ان ضيق من مجال الأملاك
العامة حين قصرها على الأملاك المخصصة للمرافق العمومية متجاهلا بذلك الأملاك
العامة الأخرى المخصصة لاستعمال الجمهور كشوارع
و الطرق وغيرها.
وأمام مختلف الانتقادات التي توجهت لإتجاه
المرفق العام ، ظهر تيار اخر استهدف التوفيق بين تعميم فكرة الملك العام لتشمل
أيضا الاملاك المخصصة لاستعمال الجمهور المباشر.
وعلى هذا الأساس فإن المعيار المميز للملك العام عند أصحاب هاذا التيار يكمن في كونه يخصص تخصيصا عاما سواءا كان ذالك
تخصيص لمرفق عام أو كان لإستعمال الجمهورالمباشر
.
إن فكرة التخصيص العامة التي جاء بها هذا المعيار تبدو جد مضخمة حيت
قد تشتمل أيضا على بعض الأملاك الغير المهمة للدولة الأمر الذي دفع الفقيه هوريو
– وبعدما تبين له أن هادا معيار واسع إلى تقييده و ذلك بتخصيص الأملاك للمنفعة
العامة بقرار صحيح يتخذ من لدن الإدارة غير أن هذا الأمر قد يؤدي الى اخضاع الملك
العام للدولة للسلطة التقديرية للإدارى " حيث لا يكون الملك العام إلا إذا
أرادته الإدارة، و بالمقابل لا يكون الملك خاصا الا بمشيئتها و رغبتها و هذا من شأنه أن يؤدي الى الخلط و
عدم التمييز بين الملك العام و الملك الخاص.
فرع تاني:المعيار الحديث
جراء الانتقادات التي تعرضت لها المعايير
السابقة الذكر التي تارة توسع نطاق الاملاك العمومية وتارة أخرى تضيق منها ،قد
توصل الفقه الحديث إلى معيار حديت في تمييز الملك العمومي عن الملك الخاص ، ويعتبر
هذا المعيار أخر محاولة توصل إليها الاجتهاد الفقهي الفرنسي في هذا الشأن وهي المحاولة التي قامت بها لجنة تعديل القانون المدني
في جلساتها بتاريخ 6 نوفمبر 1947 حينماعرفت الملك العام بما يلي" في حالة عدم
وجود مقتضيات مخالفة لهذا القانون لا تعتبر أملاك للجماعات العمومية والمؤسسات العامة
من الأماكن عامة، إلا إذا كانت موضوعه تحت
تصرف مباشر للجمهور أو إذا كانت مخصصة لمرفق عام وفي هذه الحالة أخيرة ينبغي أن
تكون. الأملاك تكون بحكم طبيعتها أو بفعل إعداده إعدادا خاصا، قد خصصت كلية أو بصفة أساسية للغرض الخاص بهذه المرافق لكن الملاحظ
أن هذا التنقيح أو التعديل التي أتت به هذه لجنة لم يكتب له الظهور كنص .
فمن خلال هاذا تعريف يمكننا أن نحدد
عناصر الملك العام فما يلي :
✓
أن يكون هذا الملك في ملكية الأشخاص المعنوية العامة .
✓ أن يكون هذا الملك مخصصا تخصيصا عاما، سواء أكان
ذلك التخصيص لفائدة الجمهور ، أو كان
لتسيير و ادارة مرفق من المرافق العمومية .
✓ أن يكون الملك المخصص للمرفق عام قد أعد إعدادا
خاصا يتلائم مع الوظائف والأغراض الذي
يهدف اليها مرفق
كما انه
في سنة 2006 صدرت المدونة العامة لأملاك الأشخاص المعنوية العامة التي لا تختلف عن
المعايير التي كان معمول بها وقد نص فصل 2111-1 ماعدا مقتضيات تشريعية خصوصية ، يتكون الدومين العام
لشخص معنوي عام من يملكه كأملاك تكون
مخصصة للاستعمال المباشر من قبل الكافة وإما مخصصة لمرفق عام شريطة أنه في هذه الحالة
تكون محل تهيئة ضرورية لتنفيد مهام مرفق عام
فالتخصيص لاستعمال الجمهور أو لخدمة
مرفق عمومي يشكل المعيار المتحدث عنه – التخصيص للمنفعة عامة . والذي يعد من أفضل
معايير التي أعتمدتها التشريع الفرنسي والمصري والمغربي لتحديد ملك عام .
ومن تم ملك خاص لدولة مادامت عملية تمييز بين ملكين تنطلق في غالبيتها من مفهوم ملك عام وليس عكس وذلك لإبراز ما يميز كلا منهما عن الأخر .