اتفاق التحكيم

 

يندرج اتفاق التحكيم لفض المنازعات التي تنشأ بين الأشخاص، في إطار التطورات التي تشهدها الدولة الحديثة نتيجة تسارع النمو الاقتصادي وتطور العلاقات الدولية والإقليمية وتنامي الرغبة في الاندماج في النسيج الاقتصادي العالمي المطبوع بتحولات اقتصادية واجتماعية متنوعة يغلب عليها اقتصاد السوق ونموذج النيوليبرالية والتنافس حول استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار، مما حتم ضرورة التفكير في اعتماد وسائل بديلة لتسوية المنازعات بشكل يمكن من تجاوز مثالب القضاء العادي الذي يعتبر من حيث الأصل الوسيلة الطبيعية لفض المنازعات وإحلال العدل في المجتمع.

وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة التحكيم عريقة ترجع جذورها التاريخية إلى الحضارات القديمة كالحضارة الإسلامية واليونانية والرومانية واتخذتها أداة لحسم المنازعات بين أفرادها على أساس الأعراف والتقاليد السائدة فيها؛ قبل أن تزحف عليها الأنظمة القانونية الرسمية؛ والتي أبانت عن عجزها وقصورها في مواجهة عقود التجارة، لما تتسم به من عيوب كطول الإجراءات وبطئ المساطر، وبالتالي إرباك لمخطط التجار، وإرهاق لقدراتهم التنافسية، وتعطيل لحركة الأموال، وإفساد لبرامج تنفيذ التعهدات التجارية، الشيء الذي دفع الأطراف المتعاقدة من جديد على الإقبال على اتفاق التحكيم خصوصا في مجال التحكيم التجاري الدولي كأسلوب لفض المنازعات بشكل اختياري ورضائي بعيدا عن عيوب القضاء الرسمي. وفي هذا السياق جاء القانون 05.08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، يقضي بإلغاء أحكام الإجراءات المدنية المتعلقة بالتحكيم ويفرض إجراءات جديدة تنظم التحكيم والوساطة الاتفاقية كمظهر من مظاهر الفكر القانوني الحديث وأداة لتنشيط التجارة العالمية، و إطار قانوني للتحكيم الداخلي والدولي في سياق مع ما يعرفه ميدان المال والأعمال، وضمان الحصول على عدالة في ظروف يطمئن إليها الأطراف ترتكز على قواعد مرنة تتجه نحو الإنصاف مع مراعاة عادات وأعراف الميدان التجاري المحلية والدولية وضرورة تشجيع الاستثمار؛ فهو بالتالي تقنية تهدف إلى إعطاء حل لمسألة تهم العلاقات بين الأشخاص عن طريق محكم أو محكمين يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص ويقضون به.

تتجلى أهمية اتفاق التحكيم بكونه إحدى الأدوات القانونية لحسم النزاعات بشكل متميز وسريع في الزمان والمكان وأداة إستراتيجية لإعادة بناء العلاقات المتوترة بين الأطراف وحالة في خلق جو من العدالة والإنصاف وفي حل كل النزاعات كيفما كانت طبيعتها محلية أو دولية، وفي جميع الميادين القانونية تجارية أو مدنية، وقائم في كل التشريعات الوطنية والدولية على فكرة أساسية ألى وهي حق الأطراف المتنازعة في عدم إخضاع نزاعاتهم الناشئة أو المحتملة لقضاة الدولة الرسميين ومنحتهم إمكانية اللجوء لقضاة يسمون محكمين يختارونهم بمحض إرادتهم ويرضون طوعا بأن يفرض عليهم ما يصدر عنهم من أحكام وقرارات تحكيمية؛ مما يتضح معه أن هذا الاتفاق له أبعاد قانونية وتنظيمية  واجتماعية واقتصادية وتنموية، وهذا يقتضي منا البحث وبسط التعارضات والتجادبات إن وجدت بين الأهداف المسطرة للآليات القانونية وبنيتها وكيفية عملها.


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق