من أليات تكريس أسس الحكامة الجيدة
من أبرز آليات تكريس أسس الحكامة الإدارية الجيدة، ماتم ضبطه تشريعيا لإيقاف نزيف نهب المال العام وتخليق الحياة العامة والقطع مع كل أشكال الفساد، آلية تبني قانون التصريح الإجباري بالممتلكات، من طرف أعضاء الحكومة والنواب والقضاة والموظفين السامين ورؤساء مجالس الجهات والأقاليم و الجماعات.
و يحتل المستوى الوقائي في تخليق المرفق العمومي، جانبا مهما للحد من انتشار مختلف تجليات الفساد الإداري والانحرافات في القطاع العام.
في
هذا السياق، عملت الحكومة المغربية منذ بداية التسعينات ببلورة رؤية قانونية تتوخى
ترسيخ أسس الشفافية وتعزيز دمقرطة الإدارة، وذلك عبر سن بعض النصوص القانونية
وتفعيل البعض الآخر المتواجد منها،من قبيل القانون رقم 92/25 بتاريخ 07 دجنبر 1992
والمتعلق بإقرار موظفي الدولة و الجماعات المحلية، والمؤسسات الحكومية وأعضاء مجلس
النواب ومجالس الجماعات المحلية والغرف المهنية، بالممتلكات العقارية والقيم
المنقولة التي يملكونها أو يملكها أولادهم القاصرين.
و ينص هذا القانون على ضرورة تصريح الموظفين السامين والعموميين
بممتلكاتهم، مباشرة بعد تعيينهم أو تنصيبهم، حتى تكتشف الدولة تطور غناهم و تعرف
مصادر ثرواتهم.
و ذلك من أجل ترسيخ الجانب الوقائي لمفهوم التخليق بحيث، كما يؤكد ذلك الملك محمد السادس، في رسالته الموجهة للمناظرة حول دعم الأخلاقيات في المرفق العام،أنه “لا بد لبلوغ هذا المرمى الأساسي – التخليق في المرفق العمومي– من تفعيل قانون الإقرار بالممتلكات، حتى يستجيب للآمال المنوطة به لوقاية الصرح الإداري من كل ما يخل بالسلوك المرغوب فيه.
ومن أجل توطيد آلية التصريح الإجباري بالممتلكات، وبغية ضمان حكامة إدارية جيدة حرص الدستور الجديد للمملكة المغربية في فصله 158 على تكريسها كآلية تمثل خيارا تخليقيا لا محيد عنه، حيث ينص هذا الفصل على ما يلي : “يجب على كل شخص، منتخبا أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسليمه لمهامه وخلال ممارستها وعند انتهائها.
و يبقى التساؤل المطروح حول مدى تفعيل هذه الآلية ومجموعة من الآليات الأخرى حيث أنه غالبا ما يتم التحايل على القانون باعتماد أساليب تؤثر على مبدأ تخليق الحياة الإدارية.
و هل اعتماد مشروع قانون محاربة الإثراء الغير المشروع سيحد من ظاهرة الفساد الإداري؟
حيث أنه من بين مشاريع النصوص التي تم إقتراحها للإضافة إلى القانون الجنائي نص مشروع قانون الإثراء غير المشروع، لمحاربة الفساد في مؤسسات الدولة وحماية المال العام.
وتعد جريمة الإثراء غير المشروع جديدة في مشروع القانون الجنائي وتطبق فقط، على الموظفين الخاضعين للتصريح الإجباري بالممتلكات.
كما يعتبر قانون الإثراء غير المشروع من أهم مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة وينص، على أن تكوين أي ثروة غير مبررة هو جريمة يُحاسب عليها جميع موظفي الدولة والجماعات المحلية بعقوبة سجنية تصل إلى خمس سنوات مع مصادرة الممتلكات.
وأدرجت وزارة العدل في مشروع القانون الجنائي المغربي في الولاية الحكومية السابقة إمكانية مصادرة أملاك أي موظف عمومي يثري فجأة وبدون سبب وذلك بعد توليه للوظيفة، هذه الفترة التي تبين من خلالها أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع .
ورغم وضعه في البرلمان مند نهاية الولاية الحكومية السابقة فلم تتم المصاقة عليه، و لحدود اليوم لا زال مشروع القانون هذا حبيس رفوف البرلمان بسبب تباين المواقف بين مكونات البرلمان حوله.
مما يطرح السؤال حول وجود إرادة سياسية لدى كل الفاعلين للحد من كل أشكال الفساد الإداري و تخليق الحياة الإدارية بالمغرب؟
خاصة أنه نرى في الواقع المغربي أناس راكموا ثروات ضخمة من خلال توليهم لمناصب المسؤولية وتسيير الشأن العام المحلي و الوطني، ما يجب معه طرح سؤال من أين لك هذا؟