الإكراهات التي تحد من فعالية وثائق التعمير لتحقيق التنمية المنتظرة.

 

الإكراهات التي تحد من فعالية وثائق التعمير لتحقيق التنمية المنتظرة.

وتتجلى في الإكراهات القانونية والعقارية ( الفقرة الأولى )، و الإكراهات المؤسساتية وضعف سياسة التخطيط ( الفقرة الثانية ).   

الفقرة الأولى: الإكراهات القانونية والعقارية.

سوف نتطرق في هذه الفقرة، لتعدد، وقصور التشريعات القانونية (أولا )، وازدواجية النظام العقاري.

أولا: تعدد وقصور التشريعات القانونية.

        إذا كان التعمير يشكل أحد المحركات لكل دينامية مجالية مستدامة وعقلانية،حيث يلزم أن تكون عمليات التخطيط والتدبير الحضريين متسمين بالتحفيز لفئة المستثمرين، وذلك من أجل تبسيط المساطر الإدارية و ملاءمتها من جهة، وإعداد الهياكل الضرورية لاستقبال الاستثمارات من جهة أخرى، فبالرغم من الايجابيات التي جاءت بها القوانين المعتمدة في مجال التعمير ( القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير والقانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات )، فإن هده القوانين تتخللها مجموعة من الإختلالات والنواقص، تجلت في عدم ملاءمة مضامينها لإرادة الدولة المتجهة للرفع من القيود على الاستثمارات الخاصة الوطنية منها والأجنبية، حيث أن الجانب المتعلق بالاستثمار في جل قوانين التعمير المعمول بها معاكسة له بسبب ما تتميز به نصوصها من صلابة في المقتضيات، إذ المرونة لم تكن تطال إلا بعض المقتضيات المحدودة تمت الإشارة إليها سابقا أثناء الحديث عن آثار تصميم التهيئة وغالبا ما يتم تجاوزها عمليا باتخاذ جملة من الإجراءات مثل إصدار دوريات وزارية، كالدورية الوزارية رقم 3020 الصادرة بتاريخ 8 ماي 2003 والتي عملت على إحداث لجان جهوية للدراسة واتخاذ القرار بخصوص الطلبات الرامية إلى الاستفادة من الاستثناء في مجال التعمير، تحت رئاسة والي الجهة انسجاما مع الدور الجديد المنوط به عملا بمضمون الرسالة الملكية في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار بتاريخ 9 يناير 2002، فهذا الجمود أو الصلابة ساهما في تعطيل العديد من المشاريع الاستثمارية، إضافة إلى أن قانون التعمير خال تماما من المحفزات لصالح المستثمر، بل على العكس من ذلك يفرض شروطا ويحجم عن ذكر الامتيازات.[1]

        ومن جهة أخرى يعاب على قانون التعمير 12.90، تقليصه لصلاحيات الجماعات الترابية التي ظل دورها استشاريا فقط على الرغم من كونها المعنية الأولى في هذا المجال و الأدرى بشؤونه في حدودها الترابية، ومن جملة الملاحظات التي يمكن استخلاصها من معاينة الإطار القانوني المنظم للتعمير هو قدم نصوصه، حيث مازال التعامل خاضعا لنصوص متجاوزة في بنائها المصطلحي، ففيما يخص بنود القانونين 12.90، و25.90 أصبحت في حالة ملحة للمراجعة رغم التغيير الذي طالهما بمقتضى القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، حيت أبانت الممارسات عن وجود الكثير من مظاهر اللبس والتعقيد سواء على صعيد نطاق التطبيق أو على مستوى وثائق التعمير أو القواعد المتعلقة بالبناء والتي تمخضت عنها مجموعة من المشاكل.[2]      

        كما أن ما يثير الانتباه، هو أن المراكز الجهوية للاستثمار التي أحدثت سنة 2002 لم يصدر المرسوم المتعلق بتنظيمها إلا في دجنبر  2003[3]، ونظرا لطابع العمومية وعدم التدقيق اللذين ميزا هذا المرسوم، لم يتم تفعيله على أرض الواقع، وكان على المراكز الجهوية للاستثمار انتظار صدور مرسوم تعديلي في 11 دجنبر 2009[4]، ولعل أن هذا التأخير الذي يعرفه إصدار النصوص التطبيقية في مثل هذه الحالات، يؤثر بشكل سلبي على المؤسسات والبنيات الإدارية المعنية، بل يجعل الكثير منها مجرد هياكل بدون مضمون فعلي وحقيقي.[5]

ثانيا: ازدواجية النظام العقاري.

        يتميز النظام العقاري ببلادنا بكونه نظام مزدوج في هيكله ومتنوع في طبيعته، إذ يوجد نظام للعقارات المحفظة (أ)، ونظم للعقارات غير المحفظة (ب)، مما يؤثر بشكل كبير على تعبئة الأراضي القابلة للتعمير.

 أ‌-    العقارات المحفظة. 

يقصد بنظام التحفيظ العقاري، إعطاء الملكية العقارية هوية توضح على وجه الدقة معالمها وأصنافها وحدودها ومالكها وطرق انتقال الملكية إليه، وكل ما يقع على الملكية من حقوق عينية وشخصية[6]، وبشكل أدق فإن نظام التحفيظ العقاري هو نظام إشهار عيني يتجلى في تسجيل كل عقار على حدة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بسجلات خاصة تدعى السجلات العقارية تحت اسم ورقم ترتيبي خاصين، بطلب من المعنيين بالأمر وبمحض إرادتهم، وذلك بعد تحديد العقار بكيفية واضحة ودقيقة في عين المكان وفي تصميم دقيق.[7]

وقد تم إدخال التحفيظ العقاري إلى المغرب في عهد الحماية بمقتضى ظهير 12 غشت 1913، والذي وقع تتميمه بنصوص قانونية فيما بعد، ولقد اعتمدت الدولة بعد الاستقلال نظام التحفيظ العقاري لتوحيد النظام العقاري لما يحققه من مزايا نذكر منها من جهة: تمكين الدولة من معرفة المعطيات العقارية المتعلقة بباقي الأنظمة العقارية الأخرى - كالأحباس والجموع - المشمولة بالتحفيظ، حيت يتم على ضوئها تحديد المخططات الاقتصادية بوجه عام، والتصاميم التعميرية على قواعد واقعية صحيحة، ومن جهة أخرى: منح المالك الثقة والحجة على ملكه، بالإضافة إلى الاستقرار الذي هو أساس المعاملات؛ خاصة حين اللجوء إلى المؤسسات المالية للحصول على قروض للبناء أو لإقامة مشروع ما، وبالمقابل فهو يحقق مصلحة لهذه المؤسسات التي ترتكز بواسطته على ضمانات عينية عقارية قائمة على أسس قانونية متينة.

لكن رغم كل الايجابيات التي يقدمها نظام التحفيظ العقاري كأسلوب فعال لإحاطة الملكية العقارية بضمانات أساسية لحمايتها، كالدقة والوضوح وضبط معالم العقارات، فإنه لم يعمم بعد لاعتماد المبدأ الاختياري كأساس، وهذا ما دفع بالمشرع المغربي إلى محاولة فرض هذا النظام على الأراضي الحضرية التي يراد إحداث تجزئات عقارية بها[8]، بحيث نصت المادة 5 من القانون رقم 25.90، على أنه: "لا يقبل طلب التجزئة المنصوص عليه في المادة 4 أعلاه إذا كانت الأرض المراد تجزئتها ليست محفظة ولا بصدد التحفيظ، ولا يكون الطلب مقبولا إذا تعلق الأمر بأرض بصدد التحفيظ، إلا إذا كان الأجل المحدد لتقديم التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته..."

ومن جانب آخر، فالعقار المحفظ يؤثر سلبا على تنفيذ وثائق التعمير، فأمام وضعيات مثل حالة الشياع على رسم عقاري يتعدد ملاكه، فإن الأمر يستوجب من أجل حصول أحد المالكين مثلا على رخصة بناء موافقة جميع المالكين أو إجرائهم قسمة رضائية أو قضائية عند الاقتضاء، في حين إذا تعلق الأمر بحالة الشياع على عقار غير محفظ، فإن الأمر يسهل على أحد المالكين إذا رغب في الحصول على رخصة للبناء، وذلك بإدلائه بأية وثيقة تبرز صلته بالبقعة الأرضية المعنية موضوع الطلب من قبيل إشهاد عدلي، طالما أن القانون رقم 12.90، وكذا المرسوم التطبيقي رقم 2.92.832، لا يشترط شهادة الملكية ضمن قائمة الوثائق الواجب الإدلاء بها في إطار ملف طلب رخصة البناء.[9]

ب‌-       العقارات غير المحفظة.

وهذه العقارات هي الأراضي التي يعود تنظيم ملكيتها أساسا لقواعد الفقه الإسلامي، وهي من النوع الذي يثير العديد من المشاكل على المستوى العملي، حيث تعرف العمليات العقارية الخاصة بهذه الأراضي نزاعات لا حد لها، فتتكاثر بذلك الدعاوى المتنازع فيها حو ل استحقاق العقار نظرا لتفشي ظاهرة التواطؤ والغش والتدليس، وذلك بسبب افتقاد العقود العدلية المعتمد عليها لإثبات حق ملكية هذه الأراضي للمعلومات الدقيقة المتعلقة بالعقار سواء القانونية أو الطبوغرافية، وأن السجلات العقارية ليست مضبوطة بالشكل الكافي الذي ييسر إمكانية الرجوع إليها واعتمادها، وهو ما يعرقل عملية الإطلاع على العقارات وتتبع وضعيتها ومعرفة ملاكها الحقيقيين، ناهيك على صعوبة التعرف على الالتزامات التي تثقل العقار كالرهون والارتفاقات، وعدم إطلاع الغير على التصرفات التي تقع على العقار نتيجة لانعدام الشهر، الأمر الذي يسهل على المالك القيام بتصرفات متلاحقة على نفس العقار.[10]

إضافة إلى ذلك وكما سبقت الإشارة، فالأراضي غير المحفظة لا يمكن تجزئتها طبقا لما نصت عليه المادة 5 من القانون رقم 25.90، فالواقع العقاري للمجال الحضري لمختلف المدن المغربية، يشكل عائقا أساسيا وجوهريا أمام وضع تخطيط عمراني سليم، كما أنه يشكل عائقا أمام إنجاز البرامج والعمليات الاستثمارية في آجال معقولة، وعلى مستوى المتدخلين في النسق الإداري، نجد تعدد الفاعلين مما يجعله يعاني من مشاكل تنظيمية وضعف التنسيق بين مختلف وحداته، يفرز بالضرورة اختلافات واضحة في وجهات النظر لدى كل متدخل وقدرته على تفسير النصوص القانونية وتنفيذها، وهو ما يتضح جليا من خلال القانون رقم 25.90، التي تقرن منح رئيس ال جلس الجماعي للإذن بالتقسيم باستطلاع رأي الإدارة هذا الأخير شكل نقطة خلاف بين الوكالة الحضرية والمجالس الجماعية حول مدى إلزامية رأي الأولى، و التي تستند على مقتضيات الفقرة 4 من المادة 3 من الظهير رقم 1.93.51، المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية، التي نجدها تؤكد على إلزامية الرأي الذي تبديه هذه الوكالات داخل أجل أقصاه شهرا حول المشاريع المتعلقة بتقسيم وتجزيء الأراضي وإقامة الجم وعات السكنية والمباني ال حالة عليها من قبل السلطات المختصة، لكن باستقراء مقتضيات المادة 59 من القانون 25.90 والمادتين 43 و 45 من القانون رقم 12.90 يتضح ضعف القوة الإلزامية لرأي الوكالة الحضرية نتيجة غموض مقتضياتها.

وقد ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة إلى اعتبار هذا الرأي مجرد ٍأي استشاري ليس إلا، حيث جاء في أحد قراراتها أن: "الرأي الذي تبديه الوكالة الحضرية بشأن طلب الترخيص بإحداث تجزئة هو رأي استشاري فقط، لا يرقى إلى درجة القرار القابل للطعن بإلغائه"[11]، ونفس الشيء أكده ال جلس الأعلى، حيث ذهب في أحد قراراته إلى أن: " ال حكمة الإدارية بقبولها لدعوى الطعن بالإلغاء ضد قرار العمل مدير الوكالة الحضرية، والحالة أن الأمر لا يتعلق بقرار إداري، ولكن بمجرد رأي استشاري لا يؤثر مباشرة في المركز القانوني للطاعن، قد حرفت المبادئ العامة للطعن في القرارات الإدارية ولم تركز قضاءها على أساس، مما يجب معه إلغاء الحكم المستأنف[12]، وقد تم حل هذا الخلاف مؤخرا بصدور القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات من خلال المادة 101 التي نصت فقرته 2 على أنه: " يتعين على رئيس المجلس بخصوص منح رخص البناء والتجزئة والتقسيم، التقيد بجميع الآراء الملزمة المنصوص عليها في النصوص التشريعية الجاري بها العمل ولا سيما بالرأي الملزم للوكالة الحضرية"

الفقرة الثانية: الإكراهات المؤسساتية وضعف سياسة التخطيط.

        بالإضافة إلى الإكراهات القانونية والعقارية المعرقلة لفعالية وثائق التعمير، فإن هناك إكراهات أخرى تتجلى في الإكراهات المؤسساتية ( أ )، و إكراهات تتعلق بسياسة التخطيط ( ب ).

أ‌-     الإكراهات المؤسساتية.

 يعتبر مجال التعمير من القطاعات الحيوية بالمدن والمراكز الحضرية الأكثر عرضة لتشابك الأدوار والمسؤوليات، إذ هناك عدة فاعلين رسميين سواء على الصعيد المركزي (مديرية التعمير التابعة لوزارة التعمير ) و اللامتمركز ( المفتشيات الجهوية للتعمير- أقسام التعمير بالعمالات) أو على الصعيد اللامركزي ( رؤساء الجماعات الترابية )، ففي ظل تعدد المتدخلين يصعب تحديد الجهة المسؤولة عن معين، وأمام غياب تحديد واضح للاختصاصات، تتدخل جهات عدة لإنجاز نشاط معين بدرجات متفاوتة.

 إن التأثيرات السلبية لعدم معرفة الجهة المسؤولة عن النشاط تمتد إلى مجالات أكثر حساسية تتعلق بالتنمية، وخاصة جلب الاستثمارات، فالمستثمر عموما يميل إلى البساطة والسهولة، وأمام الوضعية الحالية التي تتسم بعدد كبير من المتدخلين، فإن المشهد يبدو أكثر تعقيدا أمام المستثمر، الشيء الذي ينفره ويدفعه للبحث عن بيئة أكثر ملائمة.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب أحدث المراكز الجهوية للاستثمار التي من شأنها مساعدة المستثمر وتشجيع الاستثمار، إلا أن الواقع العملي يبين أن هذه المراكز لا تستطيع تغيير النصوص القانونية الموجودة والخاصة بالقطاعات المختلفة، فالمستثمر قد تعطى له رخصة من قبل سلطة معينة وعند إقامة مشروعه يفاجأ بأن سلطة أخرى تطالبه برخصة أو القيام بإجراء معين، وذلك رغم وجود المركز الجهوي للاستثمار الذي لا يستطيع تجاوز هذا الإشكال،لأن الإدارة التي تطالب بتلك الرخصة تستند في طلبها إلى نص قانوني أو تنظيميه جاري به العمل، و من أبرز أسباب محدودية نتائج المجهودات المبذولة من أجل تسويق التراب، هو غياب التنسيق بين المؤسسات الساهرة على القيام بذلك، وغياب نظرة شمولية للتراب، بحيث أصبحت كل إدارة تعمل في نطاقها الضيق ووفق تصورات وأهداف تخصها، في غياب إستراتيجية موحدة تؤطر عمل الإدارات المكلفة بتنفيذ سياسة الدولة في تنظيم المجال الترابي وتدبيره وبالتالي حسن تسويقه، مع العلم أن هذا المجال يشكل تقاطعا للعديد من الأجهزة عبر مستويات مختلفة، فهناك الوزارات على المستوى المركزي والمصالح اللامتمركزة والجماعات الترابية إضافة إلى العديد من اللجان التي يتم تشكيلها والتي لا تؤدي سوى إلى تضخم البنيات الإدارية في ظل غياب جهاز للتنسيق بين مختلف هؤلاء الفاعلين، في انتظار ما سيسفر عليه تطبيق ميثاق اللاتمركز الإداري والتدبير اللامتمكز للاستثمار الذي أوكل هذه المهمة للوالي[13]      

ب‌-       إكراهات تتعلق بسياسة التخطيط.

بعدما تم التطرق في المبحث الأول لأهم القواعد والآليات التقنية المنظمة لميدان التعمير، والتي تنبني عليها إستراتيجية تسويق التراب، على اعتبار أن وثائق التعمير تختزل السياسة المتبعة في ميدان التخطيط العمراني، حيث تنص على مجموعة من الانجازات التي تلعب دورها في تنمية المجالين الحضري والقروي، ومن الأهداف التي ترمي إليها تحقيق التوازن بين متطلبات وحاجيات السكان وبين الطاقة الاستيعابية للمرافق الاجتماعية، الاقتصادية والتجهيزات الجماعية سواء على مستوى الكم أو الكيف، الشيء الذي يتطلب وضع توقعات حول واقع ومآل المجال وبناء على معطيات محددة في وثائق التعمير.

غير أن هذه السياسة مهما بلغت طموحاتها على مستوى تنمية وتنظيم المجالات الترابية، فإنها تبقى محدودة النتائج وضعيفة المردودية في غياب معالجة رشيدة وشمولية لمجموعة من المشاكل وخاصة الحضرية منها، والتي تؤثر بشكل سلبي على أهداف سياسة التخطيط العمراني، وتحد من فعاليته من جهة، ومن جهة أخرى هناك من جوانب الخلل تعزى إلى أدوات التخطيط نفسها والأسس التي تقم عليها و الدينامية التي تؤطرها، ويتجلى ذلك في احتكار الإدارة المركزية لمبادرة تهييء وإعداد وثائق التعمير باللجوء إلى مكاتب الدراسات مقابل تهميش صارخ لدور الجماعات الترابية مما يطرح إشكالية ملاءمة هذه الأدوات للخصوصية التي تعرفها كل منطقة معينة، هذا بالإضافة إلى ضعف التغطية لمجموعة من التجمعات العمرانية بسبب بطئ المسطرة الإدارية، وكذا البطء في إنتاج وثائق التعمير.

فعلى مستوى الإعداد والدراسات الأولية، فقد أثبتت الممارسة[14] أن فكرة تخطيط التنمية المحلية على مستوى الزمن لا تؤخذ بعين الاعتبار من قبل المسؤولين الإداريين، حيث أن عمليات إعداد الوثائق ودراستها تعرف تأخرا كبيرا يهدد قدرتها على مواكبة التحولات الديموغرافية والعمرانية المتسارعة، ومجاراة الديناميات السوسيو- اقتصادية التي تتفاعل داخل المجالات الترابية، الأمر الذي يؤثر لا محالة على جودة تلك الوثائق، ومن بين المظاهر المعيقة أن مكاتب الدراسات تنال صفقة إعداد الوثيقة إذا ما تجاوزنا الكيفية التي يتم بها اختيارها بحيث غالبا ما يكون المعيار المعتمد هو العرض المالي على حساب الجودة مما ينجم عنه عدم توظيف وسائل العمل التقنية اللازمة، والطاقم البشري ذو الكفاءة العالية والمختص مثل هيمنة نظرة التقني وغياب مساهمة عالم الاجتماع وعلم الجغرافية ورأي الاقتصادي، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على معلومات محينة في نمو السكان وصور جوية قديمة لا تواكب التطور العمراني بالمجال مما ينتج عنه مخالفة الواقع المراد تهيئه مع الدراسات المنجزة لأنها مبنية على واقع مغاير مثل توطين ارتفاقات في مناطق آهلة بالبنايات ظنا منهم حسب الصورة الجوية القديمة أنها فارغة، أو إرفاقها في ضابط التصميم بمقتضيات تتنافى مع الواقع ( AL  عوض AC ).

ويتفاقم المشكل أكثر مع تعدد المتدخلين في مختلف مراحل الإعداد، وتضارب المصالح ووجهات النظر والمواقف الإدارية بخصوص اختيارات التهيئة في ظل هشاشة قنوات التنسيق بين الجهات المتدخلة وزخم مسطري وإجرائي مبالغ فيه، علما أن التخطيط العمراني الحديث أصبح يقاس ليس بالمجال فحسب، وإنما بواسطة الربط المحكم بين البعدين المجالي والزمني في توقع الصورة المستقبلية للتجمعات العمرانية.[15] وهذا يقتضي العمل على تجاوز كل هذه الإكراهات.

 



[1]  فتيحة بشتاوي، التسويق الترابي ودينامية المجال، ص: 261، مرجع سابق.

[2]  فتيحة بشتاوي، التسويق الترابي ودينامية المجال، ص: 264، نفس المرجع.

[3]  المرسوم رقم 2.03.727، صادر في 26 دجنبر 2003، بتنظيم المراكز الجهوية للاستثمار، الجريدة الرسمية عدد 5174 بتاريخ فاتح يناير 2004.

[4]  المرسوم رقم 2.09.435 الصادر في 11 دجنبر 2009 بتتميم المرسوم 2.03.727، بتنظيم المركز الجهوية للاستثمار، الجريدة الرسمية عدد 6034 بتاريخ 21 دجنبر 2009.

[5]  فتيحة بشتاوي، التسويق الترابي ودينامية المجال، ص: 264، نفس المرجع.

 

[6]  محمد الوكاري، العقار بين الازدواجية وتعدد الأنظمة ومتطلبات التنمية الحضرية، أعمال الندوة الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية، المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش، المطبعة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2003، ص: 246.

[7]  محمد بن الحاج السلمي، سياسة التحفيظ العقاري في المغرب: بين الإشهار العقاري والتخطيط الاجتماعي – الاقتصادي، منشورات عكاظ، الرباط، ماي 2002، ص: 29.  

[8]  محمد محجوبي، قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2006، ص: 157.     

[9]  أحمد مالكي، التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق بوجدة، السنة الجامعية: 2007/2008، ص:223.

[10]  السعدية لحمرو، التحفيظ العقاري والاستثمار وتطور المساطر، أشغال اليوم الدراسي المنظم من طرف عمالة إقليم الحوز والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للحوز بتعاون مع مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش، بتاريخ 19 يونيو 2003، حول موضوع: العقار والاستثمار، المطبعة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى، سنة 2005، ص: 21.

[11]  حكم رقم 99 بتاريخ 28/10/2004 في الملف عدد 16/04، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 5و6، 2007، ص: 258.

[12]  قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى  عدد 1056 في الملف عدد 342/04/1 /2002 الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 2002.

[13]  مرسوم 2.17.618، صادر في 18 ربيع الثاني 1440( 26 دجنبر 2018)، بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، الجريدة الرسمية عدد 6738، ص: 9787.

[14]  يوجد ضمن المجموعة التي أعدت الموضوع، مستشار جماعي مند سنة 1992 إلى حدود اليوم، و كان مشرفا على إعداد تصميم تهيئة الجماعة الترابية لأيت ملول مند سنة 2005، و الذي لم يخرج إلى حيز الوجود إلى اليوم، وأن المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية مرت عليه أكثر من 30 سنة وبالتالي أصبح متجاوزا والكثير من توجهاته كذلك أصبحت متجاوزة.

[15]  أحمد مالكي، التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب، ص: 199، مرجع سابق.


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق