سبل تجاوز الإكراهات التي تحد من فعالية وثائق التعمير.

 

سبل تجاوز الإكراهات التي تحد من فعالية وثائق التعمير.

       لتجاوز المشاكل وتدارك الصعوبات التي تحد من الوصول إلى الأهداف المتوخاة وثائق التعمير كإستراتيجية لتنظيم المجال، سوف نتطرق لتصور الوزارة المكلفة بالتعمير من أجل تجاوز الإكراهات المرتبطة بهذا المجال ( الفقرة الأولى )، لكي نقدم بعض الاقتراحات في نفس الموضوع ( الفقرة الثانية ).   

الفقرة الأولى: تصور الوزارة المكلفة بالتعمير.

  بدأ التفكير في إصلاح شمولي لمنظومة التعمير الجاري بها العمل، والوقوف على محدوديتها في ضبط النمو العمراني ومسايرة التغيرات المتسارعة التي يشهدها المجال بكل مكوناته، بعد الرسالة الملكية الموجهة إلى الملتقى الوطني حول مدونة التعمير بتاريخ 03 أكتوبر 2005، لتؤكد على ضرورة اعتماد إطار قانوني جديد، حيث جاء فيها: " تعزيزا للمجهودات التي تقوم بها حكومتنا، فقد أضحى من اللازم الانكباب على مراجعة وتحديث منظومة التعمير الجاري بها العمل في بلادنا، والتي وإن عرفت بعض الإصلاحات في العقدين الماضيين، فإنها ظلت محدودة .......، غايتنا المثلى جعلها تواكب الحركة العمرانية التي تعرفها المملكة، وتساير وثيرة تنمية العديد من القطاعات الحيوية ذات الأبعاد الاستثمارية والصناعية والسياحية والسكنية.[1]        

  و تفاعلا مع هذه الرغبة الملكية، وأمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات الأساسية حول إشكالية التعمير: الواقع والآفاق، قدم عبد الأحد فاسي فهري، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة يوم 25 دجنبر 2018، بمقر البرلمان بالرباط، استعرضا لبعض الأوراش الكبرى التي تشتغل عليها الوزارة و التي تخص مهام واختصاصاتها، خاصة مجالات إعداد التراب الوطني، والتنمية المجالية، والتعمير، وقد تطرق في بداية كلمته، إلى واقع الحال الذي تعيشه المجالات الحضرية والقروية بالمملكة مستندا إلى بعض المؤشرات الدالة، حيث أشار إلى تضاعف عدد الساكنة المغربية ثلاثة مرات خلال الفترة الممتدة بين 1960 و2014 وستة مرات بالنسبة للساكنة الحضرية خلال نفس الفترة، وأكد على أن المغرب يعرف حركية عمرانية متسارعة، ودورا اقتصاديا مهما للمدن، حيث أن ثمان فضاءات متربولية فقط تحتضن 58% من الساكنة الوطنية، ويتركز 65% من السكان الحضريين بالمناطق الساحلية، واستطرد، بالحديث على التخطيط الحضري واكراهاته، حيث تناول مختلف أنواع وثائق التعمير (مخطط توجيه التهيئة العمرانية، تصميم التنطيق و تصميم التهيئة) والمراحل التي تقطعها للإعداد والأهداف المتوخاة، وكذا الآثار المترتبة عليها، وأشار إلى أن هناك إكراهات عديدة تواجه التخطيط الحضري، ومن أبرزها: صعوبة تجميع المعطيات وبرامج العمل القطاعية، وتباين في التخطيط والبرمجة المتعددة السنوات لدى العديد من القطاعات، وضعف الميزانيات المرصودة لإعداد وثائق التعمير لدى مختلف المتدخلين، وكذا ندرة مكاتب الدراسات الوطنية المختصة في ميدان التعمير.

وقد عملت الوزارة عل إيجاد حلول لهذه الإكراهات، بتبني التشخيص التشاركي والترابي و المواطن و مراجعة النصوص المرجعية لطلبات العروض الخاصة بإعداد وثائق التعمير، و كذا تبسيط محتويات تصاميم التهيئة، و خلق بوابة جغرافية رقمية وطنية لوثائق التعمير المصادق عليها، بالإضافة إلى تعميم الوكالات الحضرية عبر مجموع التراب الوطني كأجهزة متخصصة والرفع من ميزانية الاستثمار المرصودة لإعداد وثائق التعمير وتحسين حكامة تتبع إعدادها وإرساء جيل جديد من مخططات توجيه التهيئة العمرانية، وتبني دلائل ومرجعيات جديدة للتخطيط الحضري من أجل إرساء مبادئ التعمير المستدام.

وفي نفس السياق، أبرز حصيلة التخطيط الحضري، حيث تمت المصادقة على أزيد من 1500 وثيقة تعميرية منذ استصدار القانون 90-12 المتعلق بالتعمير، وتغطية 98 % من المجال الحضري و75% من المجال القروي وارتفاع متوسط عدد الوثائق المصادق عليها سنويا خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى 130 وثيقة سنويا، كما توجد 970 وثيقة بمختلف مراحل الإعداد والدراسة، وقد فتح أزيد من مائة ألف هكتار للتعمير مخصصة للسكن والأنشطة الاقتصادية والمرافق و الفضاءات العمومية وكذا مراجعة وتطوير مستمرين لمناهج التخطيط المعتمدة على ضوء الدراسات والتقييمات.

وفيما يخص محور تأطير العالم القروي، فقد أكد خلال عرضه على المؤهلات التي يتوفر عليها هذا المجال، وأبرز أيضا الإختلالات التي يعرفها من هشاشة وعزلة و الخصاص الكبير على مستوى التجهيزات والخدمات الأساسية ومرافق القرب الضرورية، حيث ركز على إشكالية تغطية العالم القروي بوثائق التعمير و الترخيص بالبناء فيه، و البرامج التي تم إنجازها و الأهداف المتوخاة منها،

و ذكر ببعض الإنجازات المهمة التي قدمت للعالم القروي والتي من بينها:

دراسة 42000 ملف سنتي 2017 و2018، 80% منها حصلت على الآراء الموافقة، وتغطية %75 من المجال القروي بوثائق التعمير، وكذلك تتبع إنجاز 375 مخطط تنمية التكتلات العمرانية القروية موزعة كما يلي: المصادقة على 80 مخطط تنمية، وإحالة 14 مشروع قرار قاضي بالموافقة على مخططات تنمية التكتلات العمرانية القروية على مصالح الأمانة العامة للحكومة، و115 مخطط تنمية في طور المشاورات القانونية، و122 مخطط تنمية في طور الدراسة، و 44 مخطط تم إسناد الصفقات المتعلقة بها، ووضع جيل جديد من مخططات توجيه التهيئة العمرانية حيث أصبح الهدف منها هو تحقيق التناسق الترابي في تنزيل السياسات والأخذ بعين الاعتبار العلاقة الوظيفية والتمفصل بين المجالين الحضري والقروي، ووضع برنامج جديد للمساعدة المعمارية والتقنية المجانية في العالم القروي،

وإنجاز برامج عملياتية ذات وقع على التنمية القروية، وإعداد البرنامج الوطني للتنمية المندمجة للمراكز الصاعدة، ووضع خريطة وطنية للمراكز الصاعدة وبلورة مشاريع ترابية يتم أجرأتها عبر آلية التعاقد.

وفي ختام كلمته، استعرض آفاق وبرنامج العمل للوزارة واللذان يرتكزان على: مراجعة المنظومة القانونية المؤطرة للتعمير، وفتح المناطق للتعمير وتمويله، وإرساء آليات التهيئة العقارية، وإعادة تموقع الوكالات الحضرية و حكامة القطاع، ووضع سياسة حضرية وطنية شاملة، وإرساء خارطة طريق وطنية تضمن التقائية مختلف السياسات العمومية.      

ومن أجل إغناء هذا التصور نقدم اقتراحات نعتبرها أساسية لتجاوز الإكراهات التي تحد من فعالية وثائق التعمير لتحقيق التنمية المنتظرة وجلب الاستثمارات.

الفقرة الثانية: سبل تجاوز الإكراهات التي تحد من فعالية وثائق التعمير لتحقيق التنمية.      

  انطلاقا من كل ما سبق ذكره، فإن المشرع المغربي من خلال إصدار القانون رقم 12.90 والقانون رقم 25.90 والقانون المعدل و المتمم لهما رقم 66.12 يتوخى من وراء ذلك وضع آليات تنظيمية وإجرائية لتنظيم المجال ليكون مناسبا لتحقيق التنمية وجلب الاستثمارات الوطنية والأجنبية لأن بها تتحقق التنمية المنتظرة، وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بانتهاج إستراتيجية التسويق الترابي.

وبالرغم من عدم التنصيص صراحة على انتهاج الإستراتيجية المذكورة، فإنه يتم الاعتماد على عدد كبير من النصوص القانونية الهامة التي تخدم التسويق الترابي من خلال تنظيم المجال من قبيل تشجيع الاستثمار وحماية البيئة وغيرها كثير لها مكانتها رغم بعض الثغرات التي تشوبها، لكن وحتى تساهم بشكل فعال في تسويق التراب يجب تحيينها وإدماجها في إطار قانوني متماسك ومرتب وفق محاور محددة، يمكن أن يأخذ شكل مدونة للتسويق الترابي كمطلب أساسي لا يمكن أن تكون لها دلالتها الحقيقية إلا إذا تم العمل على التأصيل القانوني للتسويق الترابي وملاءمته المستمرة مع المستجدات المجالية والاقتصادية والاجتماعية، مع اعتماد المرونة لأن القوانين الصارمة تمنع الاستثمار وتقلل من حظوظ الإنجاز، أو تدفع إلى ارتكاب المخالفات وبعد ذلك طلب الاستثناءات، وهذا كله في مراعاة للخصوصية المحلية والجهوية.

مسألة أخرى لا تقل أهمية من سابقاتها وهي أن يتم تضمين وتجميع كل النصوص المواكبة للتسويق الترابي من قبيل: التعمير، الاستثمار، السياحة، السكن، المحافظة على البيئة.......، مع العمل على ضمان الانسجام فيما بينها تلافيا لكل تناقض أو تعارض وضمانا للتطبيق الأمثل لها، مع إبراز إرادة الدولة في تشجيع المبادرات الحرة وذكر التحفيزات عكس ما هو ملاحظ في القوانين المذكورة فهي خالية تماما من المحفزات لصالح المستثمر، بل على العكس من ذلك تفرض شروطا وتحجم عن ذكر الامتيازات، وبدون شك فالغاية الأساسية لهذه المدونة تكمن في تجنب التناقضات، وتسهيل التكامل بين مختلف النصوص المشتتة والتي لها دور في تسويق التراب، وإيجاد مقترب قانوني شمولي ومتكامل، لأن كثرة الأنظمة القانونية تساهم في كثرة المساطر الإدارية بحكم أن لكل قانون منطقه وتصوره الخاص.

مسألة أخرى تكتسي أهمية قصوى في هذا المجال وغيره، تتعلق بإصدار النصوص التكميلية على مستوى المراسيم أو القرارات أو الدوريات قصد إعطاء مختلف مضامين القوانين تفسيرات وافية تفاديا لكل تأويل خاطئ، غير أنه يجب التأكيد على ضرورة احترام لمبدأ تدرج القوانين لتفادي المساس بالبنيان القانوني وإفراغ التشريع الأصلي من محتواه، طالما أن الغرض من الدوريات والمناشير يكمن في التفسير والتوضيح، ولا يمكنها أن تقيد ما جاء به القانون أو تضيف إليه شيئا يتعارض مع مقتضياته، ومجال التعمير يشهد الكثير من هذا النوع من التدخلات التي يتعين الإقلاع عن ممارستها.

كذلك لا بد من إصلاح شامل أو جزئي للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعمير، نظرا لأهميته في الحياة العامة وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكونه مفتاح لإصلاح باقي القطاعات الأخرى ومنطلق كل تنمية متوازنة مستدامة؛ ذلك أن كلا من القانون 12.90 و 25.90، أصبحا متجاوزين، حيت أثبتت الممارسة والوقع العملي أنهما عاجزين عن حل العديد من المشاكل المرتبطة بإعداد وثائق التعمير وذلك من خلال عدم الإشراك الفعلي للجماعات الترابية في إعداد هذه الوثائق لأنها المعني بتنزيلها على أرض الواقع، خصوصا مع صيحات تبني الدولة للامركزية الترابية والتدبير الحر ومسؤوليتها على إعداد وتنفيذ وتنزيل السياسات الترابية، فهيمنة الدولة على إعداد هذه الوثائق، يجب إعادة النظر فيه، على اعتبار أن إعداد مثل هذه الوثائق يستوجب أن تتظافر جهود كل من الدولة والهيئات اللامركزية من جماعات ترابية ومؤسسات عمومية وخواص في إطار من التشاور والتعاون، بهدف الدفع بتنمية الجماعات الترابية في مختلف المجالات.

كذلك لا بد من التنصيص على آجال محددة ومعقولة لإخراج هذه المخططات إلى حيز الوجود وتمكين الجماعات الترابية من موارد مالية لإعدادها والاستفادة من خبرات علماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد والجغرافيين وغيرهم ممن له الكفاءة اللازمة في هذا المجال، وإلزام الجماعات وكذا الإدارات والمؤسسات العمومية، باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذها في أسرع وقت، حيث أنها تثقل ممتلكات المواطنين بارتفاقات وتتباطأ في تنفيذها مما يضر بحقوق المواطنين خصوصا أن المصادقة على هذه المخططات يعتبر بمثابة إعلان للمنفعة العامة تسري آثارها لمدة عشر سنوات تتجمد معها أراضي الخواص.

هكذا نكون قد أحطنا بجميع جوانب إشكالية الموضوع، وأجبنا عن جميع الأسئلة الإشكالية، مستنتجين أن القانون رقم 12.90، لايعتبر آلية فعالة لتحسين السياسة التنموية وإنعاش الاستثمارات،  بل تتخلله مجموعة من الإكراهات تجعله يتسم بالنقص والغموض، وبهذا تكون الفرضية الثانية صحيحة، وقدمنا بشأن ذلك مجموعة من الاقتراحات تهدف إلى تجاوز الإكراهات المشار إليها والتي تحد من فعالية وثائق التعمير المنظمة في القانون رقم 12.90، المتعلق بالتعمير، وخلصنا إلى ضرورة إصلاح شامل أو جزئي للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعمير، نظرا لأهميته في الحياة العامة وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكونه مفتاح لإصلاح باقي القطاعات الأخرى، ومنطلق كل تنمية متوازنة مستدامة.   

  



[1]  مقتطف من الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الملتقى الوطني الأول لانطلاق إعداد مدونة التعمير المؤرخة في فاتح أكتوبر 2005، الموقع الإلكتروني: http://www.maroc.ma، تاريخ الزيارة: يوم السبت 11 أبريل 2020، على الساعة السادسة مساء.


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق