مراقبة شرط المصلحة العامة لنزع الملكية في الاجتهادات القضائية بالمغرب
إذا لم يفلح نازع الملكية في اقتناء العقار الذي صدر مقرر التخلي بشأنه بكيفية ودية في أثناء المرحلة الإدارية طبقا لأحكام الفصل 42، فلا يبقى أمامه إلا سلوك دعوى نقل الملكية قبل انصرام أجل سنتين من نشر مقرر التخلي أو تبليغه، وإلا وجب التصريح برفض الطلب المتعلق بدعوى نقل الملكية، وهذه القاعدة آمرة تتصل بالنظام العام يجب على قاضي نزع الملكية أن يسهر على حسن تطبيق مقتضياتها ولو لم يطلب منه ذوو المصلحة ذلك، غير أن القضاء الإداري المغربي بالرغم من تأثره التاريخي بنظيره الفرنسي، ظل إلى عهد قريب متشبثا بأساليب الرقابة التقليدية على القرارات الإدارية، بما فيها قرارات نزع الملكية، ( المطلب الأول )، ولم تعرف اجتهادات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أحكاما تغير من مدى رقابتها لهذه القرارات إلا في المرحلة الحديثة ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول: مراقبة شرط المصلحة العامة من طرف القضاء المغربي في المرحلة التقليدية.
تعتبر السلطة القضائية عموما حامية للملكية الخاصة من جميع الاعتداءات التي قد تتعرض لها، و خولها المشرع وحدها دون غيرها النطق بالحكم القاضي بنزع الملكية قسرا على صاحبها مقابل تعويض عادل، وباستقراء للمقتضيات الواردة في القوانين المتعاقبة في مجال نزع الملكية لأجل المصلحة العامة المشار إليها أعلاه، فإن مقررات إعلان المنفعة العامة لم تكن قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة قبل إنشاء المجلس الأعلى تطبيقا للقاعدة التي كانت مقررة في الفصل 8 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بالتنظيم القضائي[1]، ولقد فسر القضاء هذا الفصل بأنه يسمح بمراقبة صحة القرارات الإدارية دون إلغائها عن طريق (أسلوب الدفع بعدم المشروعية، وكان هذا الأسلوب كذلك يجد له سندا قانونيا في الفصل 2 من ظهير 31/8/1914 أثناء تنصيصه على: "أنه لا يجوز للمحاكم أن تأمر بنزع الملكية إلا إذا وقع التصريح بالمنفعة العامة طبق الكيفية المقررة في الباب الأول والثاني من الظهير"، ونفس الشيء في ظهير 08/04/1951، الذي نص في فصله الثاني على أنه: " لا يجوز للمحاكم أن تأذن في نزع الملكية إلا إذا تم التصريح بالمنفعة العامة طبق الكيفيات المقررة في القانون". أما القانون رقم 81/7 فتضمن في فصله الأول: "أن نزع الملكية لا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة، ولا يمكن إجراؤه إلا طبق الكيفيات المقررة في هذا القانون"، كما أشار في نفس الفصل أنه "عندما يلتمس نازع الملكية الحيازة، لا يجوز لقاضي المستعجلات رفض الإذن في ذلك إلا بسبب بطلان المسطرة."[2]
وهكذا يتضح أن رقابة القضاء في هذه المرحلة تتقيد فقط بمراقبة الإدارة في قيامها بإجراءات الإعلان عن نزع الملكية للمنفعة العامة ولم تنصب على شرط المنفعة العامة حتى يتسنى له التأكد من مدى توافرها من عدمه، ذلك أن المرسوم الذي يصدر بنزع الملكية هو الذي يقرر المنفعة العامة، وحرية تحديد واختيار العقار المناسب والملائم للمشروع وكذا مساحته دون تدخل القضاء الإداري ودون مجادلتها في هذا الشأن؛ يتجلى ذلك في جل قرارات المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا )، ففي قضية رفعها المسمى (تاك تاك عبد العزيز) إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ضد مقرر إعلان المنفعة العامة لنزع ملكية أرض عارية -بها سكنى ومعمل- بقصد استعمالها من طرف هذه الأخيرة كمرآب لشاحناتها، وتمسك رافعه بانعدام وجود المنفعة العامة لمجموعة من الأسباب أهمها: أن العقار موضوع نزع الملكية يوجد بالقرب من المجزرة، ومع ذلك تسعى الجماعة إلى استغلالها كمستودع لشاحنات الأزبال، وأن ذلك له انعكاسات سلبية على سلامة الذبائح وعلى الاقتصاد الوطني بعدما هددت السوق الأوروبية بتوقيف استيراد اللحوم ما لم يتم تحسين مستوى المجازر، فضلا عن كون الكلفة المالية تفوق بكثير ما ستجنيه الجماعة من عملية نزع الملكية، لكن المجلس الأعلى تجاهل كل تلك الادعاءات ولم يجب عنها، واكتفى بالتأكد من أن إنشاء مرآب في العقار المنزوع ملكيته لاستعماله كمستودع لناقلات الجماعة، يحقق المنفعة العامة التي تطلبها القانون لتبرير نزع الملكية، حيث قرر ما يلي: "لكن حيث أنشىء مرأب في العقار المنزوع ملكيته لاستعماله للمصلحة العامة، كمستودع لناقلات الجماعة تكون المنفعة العامة التي يتطلبها القانون لتبرير نزع الملكية متوفرة، ولهذا فإن القرار المطلوب إلغاؤه لا يشوبه أي شطط".
وفي إحدى حيثيات قرار مماثل جاء فيه: ” وحيث إن إنشاء منطقة صناعية بمدينة مراكش ليس الهدف منها مجرد تجريد الخواص بمن فيهم الطاعنون من أملاكهم، ولكن لاستجلاب رؤوس أموال وطنية قصد القيام بصناعات حيوية تعود على مدينة مراكش بالازدهار، مما يعني أن عنصر المصلحة العامة متوفر وأن المرسوم المطعون فيه لا يتسم بأي شطط في استعمال السلطة."
نفس التوجه سيكرسه قرار المجلس الأعلى بتاريخ 21 دجنبر 1995، حيث أورد من بين حيثياته ما يلي: ".......لكن حيث يتضح من مراجعة مشروع الأرضية التي يملكها الطاعنان تتجلى في إحداث تجزئة سكنية بسوق أربعاء الغرب، وحيث يتضح من البيانات التي قدمتها الإدارة في خصوص هذا المشروع المزمع إنجازه، أن الأمر يتعلق بمشروع ذي طابع اجتماعي لأنه سيمكن من تهيئ قطع أرضية اقتصادية مخصصة لذوي الدخل المحدود، كما سيتضمن هذا المشروع تجهيزات أساسية وإدارية لمدينة سوق الأربعاء الغرب، إضافة إلى مركب رياضي على مساحة ست هكتارات".[3]
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مرحلة التسعينات تميزت بأحداث مهمة كان في مقدمتها إنشاء المحاكم الإدارية بالقانون رقم 90-41 دعما لتعميق الرقابة القضائية من أجل حماية أكثر فعالية للمواطن، كما ظهرت في هذه المرحلة رغبة السلطات في إعطاء الرقابة القضائية الإدارية طابعا حديثا، يهدف إلى إقامة عدالة يتم بموجبها حماية الأفراد وحرياتهم، وتطوير الرقابة القضائية على الإدارة، فبدأت بوادر توجه حديت في مراقبة شرط المنفعة العامة.
المطلب الثاني: مراقبة شرط المصلحة العامة من طرف القضاء المغربي في المرحلة الحديثة.
كان سعي القضاء الإداري المغربي حثيثا نحو تشديد رقابته على السلطة التقديرية الممنوحة للإدارة، والأخذ بالتوجهات الحديثة في مجال الرقابة القضائية، ومن أبرز المجالات التي نشط فيها عمل المجلس الأعلى، القرارات المتعلقة بنزع الملكية، حيث ظهرت لأول مرة بوادر الأخذ بنظرية الموازنة بين المنافع والأضرار في هذا النوع من القرارات مع قرار الغرفة الإدارية الشهير بقضية الشركة العقارية ميموزا والتي تتلخص وقائعها في أن هذه الشركة قامت بتهيئة قطعة أرضية في ملكيتها وحصلت على رخصة لإنجاز تجزئة سكنية، أنجزت منها الشطر الأول، وبدأت في إنجاز الشطر الثاني، إلا أنها فوجئت بصدور مرسوم يعلن أن المنفعة العامة تقتضي إنجاز مشروع التنمية الحضرية لمدينة القنيطرة المشتمل على تغيير هياكل مدن الصفيح ووضع التجهيزات الأساسية الضرورية، ولما طعنت الشركة في هذا المرسوم أثارت النقط التالية:
ـ أنه قد رخص لها القيام بنفس المشروع الذي تنوي الإدارة إنجازه في نفس المكان وفوق عقارها؛ ـإنجازها للشطر الأول من المشروع وإنفاقها أموالا طائلة دون أن تحرك الإدارة أي ساكن.
ـ تفويت الإدارة للبقع المجهزة من طرف الشركة، للخواص بمبلغ مائة وعشرين ألف درهم للمتر المربع، وشروع هؤلاء في البناء.
- حصولها على قرار استئنافي بإيقاف أعمال التفويت والأشغال الجارية بالعقار.
وانتهى المجلس الأعلى إلى إلغاء مرسوم إعلان المنفعة العامة، ومما جاء فيه:
" إذا كانت الإدارة تتوفر على السلطة التقديرية بخصوص المنفعة العامة التي تسعى إلى تحقيقها من وراء نزع الملكية، فإن ذلك لا يمنع القضاء الإداري من مراقبة مضمون وأغراض المنفعة العامة المذكورة، وما إذا كان المنزوع ملكيته، كما هو الحال في النازلة، يسعى إلى تحقيق نفس الأغراض والأهداف بموافقة الإدارة المسبقة لإنجاز هذا المشروع، مما يعني أن الإدارة التي رخصت للطاعنة لتحقيق هذا المشروع وتركها تحقق جزءا منه وتنفق مبالغ هامة لا يمكنها أن تسعى إلى نزع هذه الملكية للمنفعة العامة لتحقيق نفس الأغراض، وإلا فإنها تكون مشتطة في استعمال سلطتها، وإن المنفعة العامة التي تتذرع بها الإدارة لإصدار المرسوم المطعون فيه قد تحققت بالفعل، بعد أن أنجزت الطاعنة طرفا مهما منه باعتراف الإدارة وبموافقتها الواضحة والصريحة، مما يجب إلغاء المقرر المطعون فيه"
وعلى الرغم من أهمية هذا القرار والنتيجة التي انتهى إليها إلغاء قرار إعلان المنفعة العامة، بعد ترجيح الجهة المؤهلة للقيام بالمشروع فإنه لم يشكل اجتهادا متواترا يمكن تعميمه، والدليل على ذلك هو أن كثيرا من القرارات اللاحقة صدرت عن الغرفة الإدارية، وظلت تقر للإدارة بسلطتها التقديرية في مجال إعلان المنفعة العامة، ومنها:
القرار عدد 515 بتاريخ 30 نونبر 1995 في قضية رشيد بن محمد بوحجرة حيث جاء فيه: "وحيث إنه حتى على فرض أن الطاعن كان ينوي إحداث مشروع سياحي على القطعة المنزوع ملكيتها، فإن المنفعة العامة المتوخاة تبقى فوق كل الاعتبارات الشخصية مادامت الإدارة قد احترمت أسس هذه المنفعة ولم تحد عنها ولم تنحرف في استعمال سلطتها التقديرية في هذا المجال، ولم يكن هدفها هو حرمان الطاعن من أرضه لأغراض أخرى غير غرض المنفعة العامة التي من أجلها تقرر نزع الملكية مما يكون معه السبب المستدل به غير مؤسس،" وهناك أيضا القرار عدد 557 بتاريخ 21 دجنبر 1995، الذي جاء فيه: "وحيث إن رغبة المنزوع ملكيتهم في إقامة نفس المشاريع التي تنوي الإدارة إنجازها أو مشروعات قريبة منها لا يكفي للقول بأن هناك شططا في استعمال السلطة ما دامت المنفعة العامة فوق كل الاعتبارات الشخصية ومادامت الإدارة لم تنحرف أو تنوي الانحراف عن الأهداف المتوخاة من هذه المنفعة،"ولعل صدور مثل هذه القرارات يوضح تردد المجلس الأعلى في المضي قدما نحو إقرار اجتهادات أكثر جرأة.
وبالرغم من ذلك يمكن اعتبار قرار المجلس الأعلى بتاريخ 23 يناير 1997، أول منعطف دخل فيه الاجتهاد القضائي المغربي نحو التحول إلى تبني نظرية الموازنة في مجال نزع الملكية لأجل المصلحة العامة باعتباره أول قرار يخرج فيه المجلس الأعلى عن التوجه الذي رسمه طيلة 40 سنة بخصوص قضايا نزع الملكية التي كان يقر فيها بالسلطة التقديرية الغير مقيدة للإدارة، ويعطي الأسبقية لأشخاص القانون العام، فعلى إثر صدور مرسوم يقضي بإعلان المنفعة العامة لإنجاز تجزئة سكنية بسيدي العابد عمالة الصخيرات تمارة وبنزع ملكية القطع الأرضية اللازمة لهذا الغرض ونشره بالجريدة الرسمية تقدمت شركة بونيفلار المتضررة من هذا القرار بالطعن بإلغاء المرسوم المذكور مدعية خرقه لقدسية الملكية المقررة دستوريا وعرقلة المبادرة الحرة للخواص، وأن الغرض الحقيقي من نزع الملكية هو إحداث مساكن وفيلات فاخرة مطلة على البحر لفائدة فئة معينة، في الوقت الذي تنوي فيه الشركة المالكة للأرض القيام بمشاريع اجتماعية واقتصادية مدعمة بوثائق وأدلة تثبت دلك.
وبعد هذا الطعن أصدرت الغرفة الإدارية قرارا تمهيديا عدد 97/01/23/81 لإجراء خبرة حول مجموعة من النقط أهمها نوع الأضرار التي ستتحملها الشركة الطاعنة من جراء نزع الملكية مقارنة مع المصالح التي يتوقع الحصول عليها بتنفيذ مشروع الإدارة، وتحديد الفئات الاجتماعية التي تستفيد من نزع الملكية ونوع المنافع التي ستجنيها.
ومن هنا يتضح أن الإدارة وبالرغم من أنها تستقل بتحديد أغراض وعناصر المنفعة العامة المتوخاة انطلاقا من سلطتها التقديرية ومسؤوليتها التي تؤهلها لتحديد حاجياتها من الأراضي الواجب نزع ملكيتها موقعا ومساحة، فإن قضاء الإلغاء يفرض مع ذلك رقابته على مشروعية اختيار الإدارة وعلى دواعيه ومدى ما يمكن أن يترتب عنه من أضرار سواء بالنسبة للطرف المنزوعة ملكيته أو بالنسبة للمرفق العام المنزوعة الملكية لفائدته، وبذلك يكون المجلس الأعلى من خلال هذا القرار قد حاول الوقوف على الغرض الحقيقي الذي تستهدفه الإدارة من نزع الملكية، معترفا لنفسه بأحقيته في بسط رقابته لتمتد إلى سلطة الإدارة في اختيار العقارات المراد نزع ملكيتها ومتخذا من مبدأ الموازنة بين الفوائد التي سيحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها، معيارا لبحث مشروعية قرار النزع.
وباختصار، فلئن كان المجلس الأعلى يكتفي في اجتهاده السابق بمراقبة بعض عناصر النزاع المتعلقة بالنصوص والمسطرة، يعني المشروعية الخارجية لفعل نزع الملكية، فإنه في هذا القرار قد تجاوز ذلك للنظر في المضمون الحقيقي للمشروع الذي يستلزم نزع الملكية.
وكان القضاء الإداري المغربي أكثر وضوحا حين عبر عن اتجاهه الجديد في الرقابة على قرارات إعلان المنفعة العامة في قرار آخر صدر عنه بتاريخ 7 ماي 1997، حيث انه بموجب مرسوم 14 دجنبر 1994 تم الإعلان عن المنفعة العامة لتحديد مجموعة من القطع الأرضية المزمع نزع ملكيتها من أجل إنجاز مشروع سيدي عبد الله بسلا، وتقدم المطالبون بمقال للطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة أمام المجلس الأعلى عارضين أن نزع الملكية جاء مخالفا للمسطرة المنصوص عليها في ظهير 6 ماي 1982، وأضافوا بأنهم ينوون هم بأنفسهم إقامة مشروع على الأرض المعنية، وقد أمر المجلس الأعلى بإجراء خبرة لتحديد طبيعة مشروع الإدارة وآثاره على المصلحة العامة بالمقارنة مع مصلحة مالكي الأرض.
ومما جاء في هذا القرار:"إن الاتجاه الحديث في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر إلى تحقيق المنفعة العامة نظرة مجردة وإنما تجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة، وذلك عن طريق الموازنة بين الفوائد التي يحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي يتسم بها، وبالتالي تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة والخواص المنزوعة ملكيتهم .
ومما لا شك فيه فقد أحدث القاضي بهذا التعليل منعطفا ذا أهمية قصوى في مجال نزع الملكية، وتبدو العبارة بمثابة قطيعة مع الاجتهاد القضائي التقليدي لكونها تحيل على اتجاه جديد وحديث في مجال القضاء الإداري، فقد خلص إلى أن الوقت قد حان لكي لا يقتصر على مراقبة ما إذ كانت شكليات بسيطة قد احترمت وأن يتبرأ من دوره الحقيقي كقاض ينظر في الطعون ضد تجاوز السلطة خاصة وأنه في هذا المجال لا يجب النظر إلى التجاوز كمجرد خرق للنصوص، بل كانحراف للفلسفة التي يستمد منها مفهوم نزع الملكية، وهنا تكمن أهمية القرار، فخلافا للأساليب الكلاسيكية والتقليدية المتعلقة بدراسة نزع الملكية، تأتي نظرية الموازنة التي تبناها المجلس الأعلى لتدقيق وسائل استقصاء المراقبة القضائية.[4]
وكخلاصة لهذا الموضوع الموسوم بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة كآلية لتكوين الرصيد العقاري للدولة، يتضح من جهة أن العقار يكتسي أهمية بالغة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجلب الاستثمارات إذا ما أحسن استعماله، وتكون على هذا الأساس الفرضية الأولى صحيحة عكس الفرضية الثانية، ومن جهة أخرى فإن المشرع المغربي نظم مجال نزع الملكية بصورة سعى من خلالها على التوفيق ما بين المصلحة العامة وحق المنزوعة ملكيته، وذلك ما ترجمته الاجتهادات القضائية للقضاء الإداري المغربي في تبنيه لنظرية الموازنة في المرحلة الحديثة، وبهذا تكون الفرضية الثالثة صحيحة عكس الفرضية الرابعة.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من الطفرة التي شاهدتها الاجتهادات القضائية المغربية، فإنه يتعين أن تواكبه إصلاحات على مستوى الإطار القانوني المنظم لنزع الملكية لأجل المصلحة العامة، وتتجلى اقتراحاتنا بصدد هذه الإصلاحات في أن تسند رئاسة اللجنة الإدارية للتقييم إلى قاض مختص وأن يتم التنصيص على أن يكون من بين أعضاءها الدائمين المراد نزع ملكيته مثله في هذا الشأن كنازع الملكية، وإعادة النظر في معايير تحديد التعويضات الممنوحة للمنزوعة ملكيته وذلك بالبحث عن معايير عادلة في تحديد أثمنة العقارات لتفادي الإحساس بالغبن والظلم، والتنصيص على إيداع المبلغ المحدد وفق المعايير الموضوعية مسبقا على غرار التشريعات المقارنة، وكذا إفساح المجال أمام الأطراف للاستعانة بخدمات وسيط لحل النزاع قبل اللجوء إلى القضاء الإداري.