مفهوم الدعوى: التعريف والخصائص

 

يتضمن مفهوم الدعوى عدة حقائق وعناصر ومقومات، من أهمها: تعريف الدعوى (المطلب
الأول) وخصائصها (المطلب الثاني)
المطلب الأول: تعريف الدعوى
سنتناول هذا المطلب في فقرتين؛ في الأولى سنحاول تعريف الدعوى، وفي الثانية سنحاول
تمييزها عن بعض المفاهيم الأخرى.
الفقرة الأولى: تعريف الدعوى
لم يعرف المشرع المغربي الدعوى، بل أتى بها في صيغتي المفرد والجمع في قانون
المسطرة المدنية ،3بخلاف المشرع الفرنسي الذي عرفها في مادته 30من قانون المسطرة
المدنية الجديد، التي جاء فيها بأن الدعوى هي الحق، بالنسبة لمقدم الطلب، في أن تستمع إليه
المحكمة فيما يدعيه ويطلبه من أجل تمكين القاضي بالقول بمدى صحته أو عدم صحته.
وبالنسبة للخصم، فالدعوى تعني الحق في مناقشة صحة الطلب الموجه ضده. 4وفي الوقت
الذي لم يعرف فيه المشرع المغربي الدعوى، فإن الفقه تكلف بذلك حيث اعتبرها "وسيلة
قانونية يمارسها صاحب حق أو زاعم وتتجسد بمطلب يقدمه صاحب الحق أو الزاعم إلى
القضاء قصد الحكم به" .5ولقد وردت كلمة "دعوى " في القرآن الكريم دلالة على الطلب
والتمني في قوله تعالى (ولهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) كما وردت بمعنى الدعاء في قوله عز وجل (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) ،7كما تأتي في اللغة بمعنى الزعم
(
ادعى فلان دعوى أي زعم.)
ومن ثم، ذهب اتجاه فقهي إلى اعتبار الدعوى جزءا لا يتجزأ من الحق المتنازع فيه، على
اعتبار أن الدعوى من مقتضيات الحق المتنازع فيه حيث تعتبر الحماية القانونية للحق حماية
تشريعية وقضائية (متلازمتين) بمقتضى النص، وهو ما يفسر اعتبار الدعوى والحق وجهان
لعملة واحدة. حيث تعتبر الدعوى بمثابة الحق نفسه عندما يتم تحريكه أمام المحكمة، حسب
مقولة مشهورة لموتلسكي Motulskyالذي اعتبر بأن " الدعوى هي الحق في حالة
حركة".8
في حين ذهب اتجاه آخر إلى ضرورة التمييز بين الدعوى والحق، كون الحق أساسه التشريع
ومبتدأه والدعوى أساسها النزاع حول الحق المشرع ومبتدأها تحقق المنازعة، وبالتالي فلا
يمكن تصور دعوى بدون نزاع حول الحق، فالدعوى إذن كيان مستقل عن الحق لذلك نظم
المشرع الدعوى بواسطة قواعد مجردة عن الحقوق.
أما الفقه المقارن من جهته فقد أكد بأن نظرية الدعوى تثير جدالا مشهورا، ومن أجل
التوضيح يمكن التمييز بين ثلاث حالات من الدعوى على ثلاثة مستويات:9
- يوجد من حيث الحريات حق حقيقي لممارسة الدعوى، يمكن ترجمته بكونه الحق
في مباشرة الدعوى، لكونه تعبيرا لحرية أساسية.
-
كما يوجد على المستوى الإجرائي خيار رفع الدعوى، يمكن اعتبارها سلطة
قانونية تعتبر أثرا مباشرا للاعتراف بحق مباشرة الدعوى باعتبارها حرية
أساسية.
-
على مستوى الممارسة، فإن هذا الخيار معترف به للكل، سواء بالنسبة للمدعي في
إطار ما يعرف بالطلبات، أو بالنسبة للمدعى عليه عن طريق ما يطلق عليه
بالدفوع بناء على ما تقدم يمكن اعتبار الدعوى " وسيلة قانونية لحماية الحق مؤداها تخويل صاحب
الحق إمكانية الالتجاء إلى القضاء للحصول على حقه أو ضمان احترامه".
وعموما فإن تناول مفهوم الدعوى يقتضي منا تمييزها عن المفاهيم التي تلتبس بها.
الفقرة الثانية: تمييزالدعوى عن غيرها من المفاهيم10
تمييز الدعوى عن الخصومة:
تعتبر الخصومة حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى أمام الجهات القضائية
المختصة، واتخاذ مجموعة من الإجراءات القضائية النظامية التي تبدأ بإثارة المدعي لدعواه
أمام القضاء وتنتهي بصدور الحكم البات فيها، أو بانقضائها بغير حكم لأسباب قانونية.
وتتميز إذن الدعوى عن الخصومة بكون الأولى حقا شخصيا لصاحبها، وهي سابقة على
الثانية.
تمييز الدعوى عن المطالبة القضائية:
تعد المطالبة القضائية مباشرة صاحب الحق لدعواه متبعا الإجراءات الشكلية التي
نص عليها القانون، أي التصرف الذي يجريه صاحب الدعوى استعمالا لحقه.
فالمطالبة القضائية إذن تكون مظهرا من مظاهر حق الدعوى وصورته الحركية. حيث
الدعوى سلطة إتيان عمل ما، والمطالبة القضائية هي الأعمال المتخذة إعمالا لهذه السلطة.
تمييز الدعوى عن المنازعة:
تنشأ المنازعة من لحظة حدوث اختلاف وجهات النظر أو تعارض أو تنازع في
المصالح. إنها المسألة التي تثير نزاعا بين الأفراد، واستنادا إلى حق التقاضي واستعمال
الوسائل القانونية لحفظ الحقوق يتم رفعها إلى القضاء عن طريق مباشرة الحق في الدعوى.
فالمنازعة إذن أشمل من الدعوى.

المطلب الثاني: خصائص الدعوى
يكاد الفقهاء يجمعون على أن الدعوى وسيلة قانونية لحماية حقوق الأفراد، وإمكانية
منحها لهم القانون للدفاع عن حقوقهم بعد أن حرمهم من اقتضائها وانتزاعها بأنفسهم. كما
ترك أمر ممارسة هذا الحق اختياريا (الفقرة الأولى) متروكا لإرادة صاحب الحق الذي له
مطلق الحرية (الفقرة الثانية) في الالتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقه أو التنازل عنه.
الفقرة الأولى: خاصية الاختيار
يقصد بخاصية الاختيار أن صاحب حق التقاضي غير ملزم ولا مجبر برفع الدعوى،
ولو تحققت كل شروطها، وإنما هي حق اختياري يعود له خيار استعماله من عدمه. أي أن
ممارسة الدعوى متروكة لحرية المتقاضي الذي يواجه وضعية نزاع. وتعد الاعتبارات
الأخلاقية من بين المبررات التي تؤدي إلى اعتماد هذه الخاصية، بينما يرجعها البعض إلى
الإهمال واللامبالاة.
إن التطور المذهل الذي عرفته الوسائل المكملة للعدالة المؤسساتية كرس من هذه
الخاصية بما يسمح للمتنازعين بعدم اللجوء للمحاكم. رغم مخاوف البعض من إقحام عنصر
اللامساواة مما دفعهم إلى اعتبار المطالبة بالحق أمام العدالة واجبا ملقى على عاتق كل
شخص.11
الفقرة الثانية: خاصية الحرية
إن الشرط الأساسي والمهم بالنسبة للمشرع المغربي هو أن يتقاضى الشخص بحسن
نية ،12ومادام كذلك فلا يمكن تحميله مسؤولية لكونه قام برفع دعوى قضائية، أما إذا كان
سيء النية فإنه يمكن متابعته والحكم عليه بتعويض لفائدة المتضرر.
وهو الأمر الذي أكده القضاء المغربي من خلال قرار لمحكمة النقض بتاريخ 6أكتوبر 1999
جاء فيه" توجيه الدعوى في عنوان غير حقيقي للمدعى عليه لحرمانه من درجة للتقاضي
يتنافى مع قواعد حسن النية عند التقاضي وفق أحكام الفصل 5من قانون المسطرة المدنية
وأن الدفع بذلك له علاقة وثيقة باحترام حقوق الدفاع ويعتبر جوهريا

عدم اعتبار هذا الدفع من طرف المحكمة يعتبر خرقا لقواعد المسطرة المدنية المتعلقة
بوجوب احترام مبدأ التواجهية".13
وقد نص قانون المسطرة المدنية على عدة جزاءات لمعاقبة الشخص المتعسف في استعمال
الدعوى أو طرق الطعن – الذي يتقاضى بسوء نية-، ومن هذه النصوص نشير إلى :
الفقرة الثانية من الفصل 98من قانون المسطرة المدنية: يحكم على مدعي
الزور المرفوض طلبه بغرامة تتراوح بين خمسمائة وخمسة آلاف درهم دون
مساس بالتعويضات والمتابعات الجنائية.
الفصل 164من قانون المسطرة المدنية: إذا رأت المحكمة أن الاستئناف لم
يقصد منه إلا المماطلة والتسويف، وجب عليها أن تحكم على المدين بغرامة
مدنية لا تقل عن عشرة 10في المائة من مبلغ الدين ولا تفوق 25في المائة
من مبلغ الدين لفائدة الخزينة.
تواجه بعض الصعوبات التي تعترض خاصية حرية ممارسة الدعوى، بعضها ظاهري
والبعض الآخر حقيقي.
فبخصوص النوع الأول، نجدها تتمثل في المصاريف والنفقات التي تتضمن مصاريف
التقاضي؛ كما هو الشأن بالنسبة لمصاريف الخبير والتعويضات التي يستوجبها الشهود،
والأتعاب المحددة لمساعدي القضاء. إضافة إلى النفقات التي لا تسترد والتي تتضمن أساسا
الأتعاب المحددة باتفاق بين المحامي وزبونه. والقاعدة تقضي بأن المصاريف يتحملها
الشخص الذي يخسر الدعوى.
أما بخصوص النوع الثاني، والذي يشكل تقييدا حقيقيا على قاعدة الحرية، فيتمثل في التعسف
في ممارسة الدعوى، والصورة الأكثر وضوحا حينما يعمل المتقاضي على تحريك الدعوى
لمجرد أنه يسعى إلى الإضرار بالطرف الآخر، رغم أنه متأكد بأنه ليس له أي حق يستهدفه
من خلال ممارسته لتلك الدعوى

كما يمكن إثارة بعض النصوص من قانون المسطرة المدنية والتي تعيق خاصية الحرية،
وهي:
الفصل 305الخاص بالتعرض: "يحكم على الطرف الذي لا يقبل تعرضه
بغرامة لا تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية، وثلاثمائة درهم
بالنسبة لمحاكم الاستئناف وخمسمائة درهم بالنسبة للمجلس الأعلى دون
مساس بتعويض الطرف الآخر عند الاقتضاء.
الفقرة الثانية من الفصل " :376يحق للمجلس أيضا أن يبت في الطلب الذي
يمكن أن يرفعه إليه المطلوب ضده النقض للمطالبة بتعويض عن الضرر
الذي لحقه بسبب رفع الطعن التعسفي.
الفصل 401في مخاصمة القضاة: إذا صدر الحكم برفض طلب المدعي،
أمكن الحكم عليه بتعويضات للأطراف الآخرين.
الفصل 407الخاص بإعادة النظر: " يحكم على الطرف الذي يخسر إعادة
النظر بغرامة يبلغ حدها الأقصى ألف درهم أمام المحكمة الابتدائية، وألفي
درهم أمام محكمة الاستئناف، وخمسة آلاف درهم أمام المجلس الأعلى بدون
مساس عند الاقتضاء بتعويضات للطرف الآخر


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق