مساطر حماية الملك الغابوي

 

مساطر حماية الملك الغابوي

لقد خص المشرع المغربي الملك الغابوي بمساطر خاصة لحمايته من بينها عملية تحديد الملك الغابوي كعملية تهدف إلى توضيح وضبط النظام العقاري للأراضي وتحسين العلاقات مع الساكنة المحلية المجاورة للغابات، عبر إرساء حدود قارة وواضحة بين الملك الغابوي للدولة وأملاك الخواص. إذ يمكن التحديد الإداري بالإضافة الى التحفيظ العقاري  من التصدي لحالات الترامي على الملك الغابوي ومحو القرينة الغابوية بالحرث والاحتلال بما يهدد ديمومة النظم البيئية ويتسبب في اختلالات تضر بالتوازنات وتخل بالموارد الطبيعية وتسبب في تدهور المياه والتربة والانجراف

و هكذا من أجل تأمين الملك الغابوي كانت المندوبية تتوخى التأمين الكامل للملك الغابوي في أفق 2014 لكن لم يتم الوصول الى ذلك المبتغى، لذا فإن برنامج عمل المندوبية السامية للمياه و الغابات و محاربة التصحر 2017-2021 يهدف إلى تحديد و تحفيظ ما تبقى من الملك الغابوي مما سيساعد المندوبية على إنجاز برامجها المتعلقة بالمحافظة و التنمية المجالية للغابات و تحسين علاقتها مع الساكنة المنتفعة من الغابات و المجاورة لها.

 المطلب الأول: مسطرة التحديد الإداري

إن التحديد الإداري يعتبر مجموعة من العمليات القانونية والتقنية التي تخضع لمسطرة طويلة، وترتكز هذه المسطرة على المبادئ التالية:

·      ضرورة الاخبار والاشهار

·      حضور ومشاركة الساكنة المحلية في عملية التحديد.

·      الحق في الدفاع عن الملكية الخاصة.

·      امكانية البت في النزاعات عن طريق التراضي.

ولتحقيق هذه المبادئ، فإن عملية التحديد تمر عبر مراحل متعددة يمكن أن نوجزها كما يلي:

-        التحديد المؤقت كعملية تقنية تتولاها مصالح المندوبية السامية للمياه والغابات

-        التحديد النهائي كعملية قانونية تتولاه كل من الأمانة العامة للحكومة ومصالح المياه والغابات

-        الإيداع كعملية قانونية تقوم بها المحافظة العقارية والسلطات المحلية ومصالح المياه والغابات.

-        المصادقة على التحديد عملية قانونية تتولاها الأمانة من الأمانة العامة للحكومة ومصالح المياه والغابات[1]

أ‌-                الوضعية قبل التحديد

تعتبر الاملاك الغابوية مجالات مفتوحة مثقلة باستعمالات سوسيو-اقتصادية

متعددة. ومن بين الضغوطات التي تهدد النظام البيئي بالمغرب محاولات

الترامي على الأراضي الغابوية عن طريق التعشيب والحرث والبناء، من أجل محو معالم القرينة الغابوية، وبالتالي توسيع دائرة ملكية الاراضي الخاص على حساب الأملاك الغابوية التابعة للدولة بهدف إحداث مشاريع استثمارية خاصة.

ومن أجل التصدي لهذه الممارسات التدميرية للمجالات الغابوية والتي تشكل تهديدا حقيقيا لاستمرار التوازنات البيئية، فإنه يتم العمل على مباشرة تحديدها كأحد مداخل التصدي لهذه الاعتداءات.

ب‌-           التحديد المؤقت

إن عملية تحديد الملك الغابوي للدولة تنبني على أساس مبدأ القرينة القانونية المنصوص عليه في ظهير 10 أكتوبر 1917 ، المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها.وبمقتضى هذا المبدأ، فإن غابات الدولة والأراضي المغطاة بسهوب الحلفاء، والتلال الرملية الساحلية والقارية والأراضي المخزنية المشجرة أو القابلة للتشجير، كما ان العقارات التي تضم الدور الغابوية وملحقاتها والمسالك الغابوية والمشاتل، تعتبر جزء لا يتجزأ من الأملاك الغابوية للدولة.

ومن أجل تسهيل تطبيق هذا المبدأ فيما يخص غابات الدولة، فقد تم توضيح مفهومه ومدلوله بواسطة الفصل الفريد من الظهير الشريف رقم 1- 60 - 126 الصادر بتاريخ 26محرم 1380 ) 21 يوليوز 1960 ( والذي ينص على أنه "تعتبر غابة للدولة، كل قطعة أرضية مكسوة بنباتات عودية وطبيعية "

وبالاعتماد على هذا المبدأ، تتم عملية المعاينة الميدانية للمجال الغابوي المراد تحديده والتي تمكن من إنجاز عملية تحديده المؤقت والتي تتم عبر وضع حدود طبيعية ووضع أنصاب مؤقتة. وخلال هذه العملية الاولية يتم استثناء بشكل تلقائي كل الاراضي التي لا تستوفي شروط القرينة القانونية كالأراضي الفلاحية والتجمعات السكنية وكذا الدور المنعزلة ويتم فصلها عن الملك الغابوي على شكل محصورات.[2]

واعتمادا على المعطيات التي تم قياسها خلال هذه المعاينة الميدانية يتم اعداد ملف يتكون أساسا من مخطط للعقار الغابوي يوضح وضعيته الادارية ويبين حدوده ومساحته بشكل تقريبي.

ج- التحديد النهائي

تتم احالة ملف التحديد مرفقا بمشروع مرسوم يأمر بإجراء عمليات التحديد النهائي على الامانة العامة للحكومة التي بعد أن تخضعه لصك المطابقة، تعرضه على السيد رئيس الحكومة من أجل التوقيع عليه.

وبعد استصدار مرسوم التحديد الذي يحدد تاريخ وساعة ومكان انطلاق

عملية التحديد، يتم العمل على نشره بالجريدة الرسمية لمدة شهر. كما يتم

خلال نفس المدة إشهاره عن طريق اللصق في الاماكن المخصصة بمكاتب بعض الادارات العمومية والمناداة في القرى والأسواق وذلك من أجل إثارة انتباه ملاكي الأراضي المجاورة للغابات.

ويجب التأكيد على أنه ابتداء من صدور هذا المرسوم يتم تعليق جميع المعاملات المتعلقة بإنجاز العقود وغيرها للأراضي الموجودة داخل المحيط المشمول بالتحديد إلا في حالة الحصول على شهادة تسمح بذلك من طرف الإدارة المعنية كما لا يمكن وضع مطلب تحفيظ لأي قطعة توجد بهذا المحيط إلا كإثبات للتعرض على التحديد.

تباشر عملية التحديد النهائي للملك الغابوي من طرف لجنة قانونية مختصة مكونة من قائد الملحقة التي توجد بترابها الغابة المعنية كرئيس للجنة وضابط للمياه والغابات ويمكن أن يرافق هذه اللجنة عند الاقتضاء عدلان وأعوان السلطة المحلية.

وتجرى هذه العملية بعلم وبحضور السكان المحليين الذين يمكنهم إثارة الملاحظات التي يرونها ضرورية وإبداء تعرضاتهم أمام اللجنة المختصة بالتحديد، تلك اللجنة التي لها الصلاحية لدراسة جميع المستندات والحجج التي يدلي بها السكان لإثبات حقوقهم.

ويخول القانون لهذه اللجنة كامل الصلاحية للبت في النزاعات المطروحة خلال جريان التحديد ومن ثم فهي تقوم بإدخال تغييرات على حدود الملك الغابوي أو إحداث محصورات جديدة في إطار تسوية بعض النزاعات عن طريق التراضي.

وبالنسبة للملاحظات المقدمة والتي يتعذر على اللجنة الفصل فيها، فإنها تعمل على إدراجها بمحضر التحديد قصد إحالتها على القضاء.

وتختم اللجنة الادارية أعمالها بإعداد ملف للتحديد النهائي موقع من طرف أعضائها، ويتكون الملف من محضر للتحديد معزز بمخطط وبجدول للأنصاب الغابوية يحتوي على جميع القياسات الطبوغرافية المتعلقة بحدود العقار المحدد.

د-ايداع ملف التحديد

يتم وضع محضر التحديد بين يدي السلطة المحلية التي باشرت عملية التحديد وكذا لدى المحافظة العقارية التي يقع تحت نفوذ ترابها العقار المحدد وذلك خلال ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ إيداع محضر التحديد.

ويتم نشر الإعلان المتعلق بإيداع محضر التحديد بالجريدة الرسمية وإشهاره عن طريق اللصق على صعيد الإدارات المعنية المركزية والمحلية وكذا عن طريق المناداة في القرى والاسواق لمدة شهر قبل اتمام عملية ايداع المحضر لدى السلطتين الاداريتين المشار اليهما أعلاه.

ويعتبر هذا الاجراء فرصة للذين تعذر عليهم تقديم تعرضاتهم أثناء مرور لجنة التحديد أن يقدموها أمام السلطة المحلية.

وخلال الثلاثة الأشهر الموالية التي تلي فترة إيداع محضر التحديد، فإن القانون يلزم المتعرضين على التحديد بتقديم مطالب للتحفيظ إلى المحافظة العقارية المعنية.

وبعد مضي هذا الأجل الأخير فإن التعرضات التي لم يتم تثبيتها تسقط بمقتضى القانون الجاري به العمل.

وتجدر الاشارة في هذا الصدد أن المشرع أتاح إمكانية فض النزاعات المتعلقة بمطالب التحفيظ المودعة كتأكيد للتعرضات المقدمة ضد عملية التحديد، وذلك تحت إشراف السيد المحافظ على الاملاك العقارية.

وتحال الملفات المتعلقة بمطالب التحفيظ التي لم يتم تسويتها عن طريق الترا ضي على القضاء من أجل البت فيها.

ه‌-   المصادقة على عملية التحديد

بعد انصرام مدة إيداع محضر التحديد وطبقا للفصل الثاني من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 26 رمضان 1340   الموافق ل25 ماي 1922 المتعلق بتحفيظ الأملاك الخاصة للدولة التي جرى تحديدها طبقا للمسطرة المبينة بالظهير الشريف المؤرخ بسادس وعشرين صفر عام 1334 الموافق لثالث يناير سنة 1916 الصادر في النظام الخاص لتحديد أملاك

الدولة الخاصة، يرسل السيد المحافظ إلى المصالح المركزية لهذه المندوبية السامية شهادة إدارية تبرز وجود أو عدم وجود:

رسوم عقارية ومطالب التحفيظ تم إيداعها قبل صدور مرسوم التحديد؛ مع أو بدون طلبات التحفيظ التي سجلت لتثبيت التعرضات على التحديد؛ وتتم مباشرة إجراءات المصادقة على التحديد بشكل جزئي، مستثنية القطع الأرضية موضوع الرسوم العقارية ومطالب التحفيظ السالفة الذكر في حالة وجودها، أو بشكل كلي وشامل في حالة عدم وجودها.

وتتم المصادقة على عملية التحديد بواسطة مرسوم ينشر بالجريدة الرسمية، تضبط بصفة ثابتة ولا رجعة فيها الحدود المادية والوضعية القانونية كملك غابوي للعقار موضوع التحديد.

و قد لاحظ المجلس الأعلى للحسابات بأن مسطرة تحديد الملك الغابوي وتحفيظ العقارات الغابوية مسطرة معقدة، تستغرق وقتا طويلا وتحتاج إلى بذل الكثير من الجهود وتوظيف للوسائل.ويستوجب نجاح هذه المسطرة تحقيق وإنجاز أكثر من عشر عمليات مرتبطة بتلازم فيما بينها يتدخل فيها عدة شركاء (سلطات وجماعات و محافظة عقارية و...إلخ) ويتطلب كسب ثقة الساكنة المجاورة المعنية ببرامج التحديد المنجزة من طرف مصالح المياه والغابات وكذا تعاون الإدارات المكلفة بتسيير الأراضي الجماعية والملك الخاص للدولة والملك العام.وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض آجال إنجاز مسطرة التحديد الإداري لم يتم تحديدها بموجب مقتضيات تنظيمية نذكر من بينها أساسا إعداد وتنفيد المرحلة التحضيرية وانطلاق الأشغال التمهيدية للتحديد بشكل خاص وكذا تحديد مواقع الأنصاب الغابوية وتحرير محاضر التحديد.فضلا عن ذلك، فإن التمديد المفرط لمدة إنجاز مختلف عمليات التحديد الإداري تتسبب في ضياع المعلومات المتعلقة بالعقارات الغابوية مما يشكل بالنسبة للساكنة المجاورة فرصة سانحة لتقديم طلبات التحفيظ أو للترامي على الملك الغابوي وذلك قصد طمس وإتلاف العناصر المادية التي يتم إعتمادها كحجج لإثبات الملك  الغابوي لذا، يوصي المجلس الأعلى للحسابات المندوبية السامية بدعوة السلطات العمومية إلى تتميم وتحيين القوانين الجاري بها العمل وذلك من اجل تحديد آجال لكل مرحلة من مراحل مسطرة التحديد الإداري.فضلا عن ذلك، تعترض تحقيق إنجاز مسطرة التحديد الإداري عدة معوقات ذات طبيعة تقنية و تنظيمية.[3]

المطلب الثاني: مسطرة التحفيظ العقاري

إن تحفيظ الملك الغابوي يعتبر ذا أهمية قصوى في تطهير العقار وتصفية وعائه بصفة نهائية بالرغم من أن المصادقة على التحديد الإداري تؤدي إلى نفس النتائج بالنسبة لحقوق الملكية.

وتندرج هذه العملية في إطار الاستراتيجية الوطنية لتوضيح الوضعية العقارية للأراضي، بحيث انها تمكن من صيانة حقوق الأغيار وتوحيد مساطر رسم حدود العقارات المجاورة للملك الغابوي سواء كانت أراضي خاصة أو جماعية أو غيرها والحد من التعرضات على مطالب التحفيظ في حالة التداخل، وبذلك فهي تهدف الى تصفية النزاعات وتحسين العلاقات مع الساكنة المجاورة وتحسين الظروف لتشجيع الاستثمار على مستوى أراضي

الخواص والملك الغابوي على حد سواء.

وتباشر عملية التحفيظ العقاري للأملاك الغابوية للدولة المصادق على عمليات تحديدها في إطار مسطرة التحفيظ الخاصة المنصوص عليها في الظهير المتعلق بتحفيظ أملاك الدولة المحددة حسب مسطرة الظهير المتعلق بسن نظام خاص لتحديد أملاك الدولة، كما وقع تغييره وتتميمه المشار اليه سابقا وهي كذلك تخضع لمقتضيات قانون التحفيظ العقاري.

وبذلك فإن مسطرة تحفيظ الأملاك الغابوية تباشر من خلال إيداع مطالب لتحفيظها لدى مصالح المحافظة العقارية وإنجاز تصاميمها الطبوغرافية من طرف مهندسين مساحين وإجراء عمليات مراجعة حدودها من طرف أطر مصالح المسح العقاري للتأكد من مطابقة حدودها مع ملفات التحديد الإداري المصادق عليه المتعلقة بها.

ومن المعلوم أن مسطرة التحفيظ العقاري تقيد في السجلات العقارية بشكل نهائي ولا رجعة فيه الحقوق العقارية المعترف بها داخل العقار موضوع التحفيظ. وبذلك فإن عملية التحفيظ العقاري للأملاك الغابوية لا تتناقض مع ممارسة حقوق الانتفاع المخولة للساكنة المحلية ولا تعني إعادة النظر في التحديدات الإدارية المنجزة التي أصبحت نهائية ولا رجعة فيها بقوة القانون.

لذا فإن المسعى هو إنهـاء عمليـات تحديـد وتحفيـظ الملـك الغابـوي وذلك ما أوصى به أيضا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للتصدي لعمليـات التعمير العشـوائية.[4]



[1]  موقع المندوبية السامية للمياه و الغابات و محاربة التصحر، مرجع سابق

[2]  إشكاليات تطور القطاع الغابوي، مرجع سابق

[3]  موقع المجلس الأعلى للحسابات www.coursdescomptes.ma    تاريخ الزيارة 5 ماي 2020 على الساعة العاشرة مساء

[4]  موقع المجلس الاقتصادي و الاحتماعي و البيئي www.cse.ma  تاريخ الزيارة يوم 11 أبريل 2020 على الساعة الثاسعة مساء


 

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق