تعتبر السياسات العمومية بمثابة نشاط أو فعل عمومي لا خاص صادر عن سلطة عمومية بهدف حل مشكل عمومي حيث يجب أن نميز بين أمرين : السياسات العمومية كفعل تدخل عمومي و هذا من اهتمام دوائر القرار و الثاني السياسات العمومية كحقل علمي معرفي يدخل في صميم اهتمام الباحثين و الأكاديميين.
وقد ارتبط ظهور السياسات العمومية كتدخل عمومي بانتقال المجتمعات المحددة جغرافيا إلى المجتمعات المحددة قطاعيا حيث كان المحدد للهوية في البداية هو الانتماء الترابي، ثم انتقل المحدد للهوية إلى الانتماء للقطاع مما خلق صراعات بين القطاعات استدعى تدخل السلطات العمومية كسلطة للتسوية بواسطة التدخل العمومي لحل النزاع .
أما السياسات العمومية كحقل علمي و معرفي في إطار التوجه الحديث فقد ارتبط ظهورها بالأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 و ما اعقبها من خطة جديدة New Dell لحل إشكاليتين رئيسيتين يتمثلان في الإجابة عن الخروج من الأزمة مسؤولية من و كيف؟
و حددت مسؤولية الدولة الفيدرالية الأمريكية أما الكيفية فستتم عبر إعادة مأسسة النظام الليبرالي بهدف شرعنة تدخل الدولة في إطار النظام الليبرالي من خلال آليتين أولها أليه الضبط الذاتي للسوق و الثانية آلية تدخل الدولة و هذا ما أدى إلى ظهور السياسات العمومية كحقل علمي معرفي يهدف إلى تحليل النشاط أو الفعل العمومي الذي تقوم به الدولة لأجل عقلنة الفعل العمومي و إعادة تأهيله و هذا الظاهر أما في الهدف الأساسي في العمق فكان هو إضفاء الشرعنة على التدخل العمومي.
و قد بدأت السياسات العمومية كعلم مع LASWELL سنة 1951 انطلاقا من النموذج التسلسلي و هو بمثابة نموذج وصفي انطلق من الوسط القراري حيث تميز بالطابع اللاإشكالي لمرحلة التنزيل و تجسيد لهدف العقلنة و الشرعنة.
أما الفترة الممتدة مابين 1960 و 1970 فقد عرف خلالها هذا العلم نزوعا نحو الاستقلالية بخروج الباحثين من دائرة القرار و النظر إليه من الخارج لكشف حقيقة القرار العمومي إلى جانب السعي نحو العقلنة.
هذا التحول يتسم بالنزعة البرغماتية الليبرالية و بالطابع النقدي حيث تم الوقوف على الاختلال الوظيفي للدولة و بالتالي زعزعة التدخل الدويلاتي .
أما منعطف 1970 فيتمثل في انتقاد تدخل الدولة بانبعاث الروح الليبرالية من جديد و التحرر من السلطة " النزوع نحو الفوضوية" مما أضعف مشروعية الدولة "تشاؤم السوسيولوجيا" .
إذا كان النموذج التسلسلي قد أعطانا الصورة التي ينبغي أن تكون عليها السياسات العمومية إلا أنه قد واجه انتقادات كثيرة تكمن أساسا في كونه منهجا وصفي لا تحليلي و لا يقدم على بناء فرضيات حيث لايمكن اعتبار مسار الفعل العمومي مسارا خطيا كما يقدمه النموذج التسلسلي لكون دور حياة السياسات العمومية تعرف حيوية و دينامية .
أما المرحلة الثانية في علم السياسات العمومية فانطلقت مع سوسيولوجيا التنظيمات التي تجاوزت النموذج العقلاني و الإرادة المنفردة للدولة بظهور تعدد الفاعلين و تعدد الضوابط التي تحركهم من تمثلات و مرجعيات و مصالح متوافقة أو متضاربة ، و هذه المرحلة تعتبر جسرا بين مرحلتين مهمتين في تاريخ السياسات العمومية هما مرحلة العقلنة و الشرعنة و إعادة التأهيل ومرحلة سوسيولوجيا الفعل العمومي حيث يهدف الباحث إلى الكشف عن الحقيقة و القطع مع الأهداف السابقة لهذا العلم و ذلك بالنظر إلى الفعل العمومي كبناء سوسيوسياسي مما أدى إلى تغيير على مستوى المقاربة بالانتقال من التمركز التحليلي للفاعل الوحيد "السلطة الفيدرالية" إلى تحليل تعدد الفاعلين و العلاقة التفاعلية بينهم بما فيها من صدام و تحالف و توافق الشئ الذي يجسد الطابع الإشكالي للفعل العمومي.
و إذا كانت مرحلة سوسيولوجيا الفعل العمومي تنظر إلى الفعل العمومي كبناء سوسيوسياسي يمر عبر أربعة مراحل كما صنفها Jones انطلاقا من مرحلة الولوجية إلى الأجندة La mise à l’Agenda كمرحلة أساسية و جوهرية في دورة حياة السياسة العمومية التي يتجلى فيها بناء المشكل العمومي للولوج إلى الأجندة حيث نستحضر نظرية Pierre Favre الذي قسم مرحلة الولوجية إلى الأجندة إلى مرحلتين :
أ- مرحلة تسليط الضوء حيث ينتقل المشكل من فردي إلى جماعيّ، اجتماعي ثم عمومي عبر اشتغال آليات التعبئة و تشكل حلبة الصراع العمومي لتحديد تعريف و هوية المشكل العمومي
ب- مرحلة الولوج إلى الأجندة المؤسساتية: بعد الولوج إلى الأجندة المنظوماتية بالدخول إلى دائرة اهتمام السياسي و المؤسساتي للولوج للأجندة المؤسساتية
و يتم الولوج إلى الأجندة بتزاوج ضيق بين تيار المشاكل و تيار السياسة و مرن مع تيار الحلول حسب Kingdom
و بعد مرحلة الولوج إلى الأجندة باعتبارها مرحلة سياسية بامتياز تأتي مرحلة بلورة السياسة العمومية Formulation et élaboration حيث تتميز هذه المرحلة بإصدار منتوجين من خلال استحضار النموذج السويسري في بلورة السياسة البيئية هما :
- المخطط السياسي الإداري PPA
- التنظيم و التنسيق السياسي الإداري APA
- و يعتبر المخطط السياسي الإداري PPA بمثابة مجموعة من القواعد التنظيمية التي يرى البرلمان أو الحكومة أو السلطة المكلفة ببلورة السياسة العمومية و تنفيذها أنها ضرورة لبناء و تنزيل السياسة العمومية أما التنظيم و التنسيق السياسي الإداري APA فهو تنظيم أدق و أكثر تفصيل لبنيات المتدخلين العموميين و الموازيين للدولة المكلفين بالسياسة العمومية حيث تحدد الاختصاصات و الصلاحيات و الموارد الأساسية .....
أما المرحلة الثالثة المتمثلة في مرحلة تنزيل السيــاسات العمومية على أرض الواقـــع La Mise en Œuvre تتميز بمنتوج أساسي يتمثل في برنامج عمل Plan d’action و هو أول تماس مع الفئة المستهدفة إذ يضم رزنامة من الأفعــال المنتـظمة و المنسجمة و المحددة في الزمان و المكان موضوع من طرف "سلطة عمومية" و متبع من طرفها و يندرج في إطار مخطط برنامج و ذلك لضمان التنزيل الإداري الملموس لتأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة لدورة حياة السياسة العمومية المتمثـلة في مرحلة التقييم Évaluation و هي مرحلة لقياس مدى نجاح برنامج معين و الأسباب الكامنة وراء ذلك النجاح و قياس مدى نجاعة البرنامج و التعرف على سبل تحسين الأداء و المساعدة على رصد أفضل للاعتمادات و الموارد أو إعادة النظر في برنامج العمل في حالة الإخفاق وعدم تحقيق النتائج المتوخاة.