السياسات الفلاحية بالمغرب
ارتبط امتهان الإنسان للفلاحة بالاستقرار و بتطور الحضارات الإنسانية من بينها الحضارات التي عرفها المغرب، حيث تركت عدة أثار تدل على اعتماد الفلاحة نظرا للمؤهلات الطبيعية و البشرية التي يتوفر عليها، إذ حاول المستعمر استغلال ذلك بتبني سياسة استغلالية تجلت مظاهرها في الاستغلال الفلاحي من خلال مصادرة أراضي وممتلكات الدولة وأراضي الملاكين المغاربة، كما دعمت سلطات الحماية الفلاح الأجنبي بالآليات والتقنيات الحديثة والأموال حيث استمرت عملية تحديث القطاع الفلاحي لكن فقط لصالح الفلاح المستعمر مقابل إفقار الفلاح المغربي وفرض الضرائب عليه، و هكذا سعت السياسة الفلاحية الاستعمارية لتمكين الفلاح الأجنبي عبر إطارات مؤسساتية تسهر على تنفيذ سياستها تمثلت في إحداث الإدارة الفلاحية، و كذلك عبر اليات قانونية تستهدف تنفيذ سياستها تحث غطاء قانوني.
ومع فجر الاستقلال أعطى المغرب أهمية كبرى للقطاع الفلاحي وذلك باستهداف الفلاحين المغاربة من خلال فتح الأراضي الفلاحية أمامهم للاستثمار وبداية تشجيع المكننة في الإنتاج الفلاحي باستخدام الجرارات الفلاحية وكذا إحداث مراكز للأشغال قصد تقديم مساعدات خاصة فيما يتعلق بطرق الري واختيار البذور والأسمدة.
وقد تبنى المغرب سياسة التخطيط الشمولية في الستينات لكن سرعان ما تخلى عنها لفائدة المخططات القطاعية، حيث تميزت الخطة الخماسية لحكومة عبد الله ابراهيم بتشجيع الري من خلال إحداث مكتب الري كما تم إطلاق عملية المغربة بينما تم تعويض مكتب الري بمكتب الاستثمار الفلاحي فقد ركز المخطط الثلاثي الذي أعد سنة 1965 على التحديث والعصرنة التي تطلبت تبني المغرب لسياسة بناء السدود بالالتزام ببناء سد كل سنة للوصول الى مليون هكتار مسقية، حيث تم الاستمرار على هذا النهج لما له من دور في الأمن المائي للمملكة خصوصا في المدارات المسقية الكبرى حيث تم إحداث المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي.
ورغم التوجه الليبرالي للدولة المغربية فإنها تدخلت بقوة في الفلاحة عبر قوانين ملزمة للفلاحين بمجموعة من المقتضيات المتعددة التي تبرز الدورالتدخلي للدولة في هذا القطاع الاقتصادي مقابل حجم الاستثمارات العمومية الضخمة المخصصة للقطاع الفلاحي، ويتضح ذلك من خلال ميثاق الاستثمارات الفلاحية الذي يتدخل في مجالات كثيرة ومتنوعة تهم الملكية، الاستغلال، ضم الأراضي، المساعدات المالية.... لكن سياسة التقويم الهيكلي شملت أيضا القطاع الفلاحي فمقابل القروض لإصلاح دوائر السقي والاستثمار الفلاحي تم تقليص التدخل المالي للدولة وتحرير بنية الانتاج والتبادل تبعا للسوق وذلك بإلغاء دعم الدولة لعوامل الإنتاج وتحرير أثمان الإنتاج والاستهلاك بتحرير تدريجي للأسعار وحذف الإعانة للأسمدة والتخفيض من إعانة البذور...
وقد عادت حكومة التناوب الى تبني عملية التخطيط باعتماد الخطة الخماسية 2000-2004 التي استمرت على نفس النهج السابق بإعطاء أهمية للقطاع الفلاحي وربطه بالتنمية القروية، ليتم بعد ذلك تبني مخططات قطاعية بدل المخططات الشمولية من بينها مخطط المغرب الأخضر الذي تم إطلاقه في أبريل 2008 ليستمر لمدة عشر سنوات جاءت بعده الاستراتيجية الجديدة الجيل الأخضر 2020-2030.
ويهدف مخطط المغرب الأخضر الى تحديث وعصرنة الفلاحة وتعزيز الاستثمارات والتكامل الجيد بين السلاسل الإنتاجية وضمان الأمن الغذائي والحد من تأثير التغيرات المناخية والحفاظ على الموارد الطبيعية وإنعاش صادرات المنتجات الفلاحية وتثمين المنتجات المحلية وخلق فرص العمل.
كما يستهدف مخطط المغرب الأخضر دعم الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة والانتاجية العالية التي تستجيب لمتطلبات السوق من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة واعتماد وسائل جديدة من التجميع العادل، وتطوير الصادرات الفلاحية المغربية، وتطوير الأنشطة الصناعية المرتبطة بالفلاحة وتثمين منتوجاتها وتأهيل تسويق المنتجات وشروط التجميع والتخزين.
فيما تستهدف الدعامة الثانية للمخطط الاخضر، تحسين ظروف عيش الفلاح الصغير، ومحاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة، إضافة إلى النهوض بفلاحة تضامنية ذات مردودية لفائدة المرأة القروية، من خلال مشاريع مخصصة للتعاونيات الفلاحية النسائية.
وتتمثل أهم المنجزات المحققة في إطار مخطط المغرب الأخضر في توقيع 19 عقد برنامج، وتنزيل 12 مخططا فلاحيا جهويا، وإنشاء 4 وكالات جديدة، ودخول 4.500 نص قانوني وتنظيمي حيز التنفيذ، وتعبئة أزيد من 34 مليار درهم لدى الجهات الدولية المانحة.
وقد جاءت استراتيجية الجيل الأخضر لتعزيز المكاسب المحققة في إطار مخطط المغرب الأخضر، وذلك بخلق المزيد من فرص الشغل والدخل، وخاصة لفائدة الشباب القروي بهدف “انبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية، وجعلها عامل توازن، ورافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على غرار الدور الهام للطبقة الوسطى في المدن” كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان في 9 اكتوبر 2020.
وترتكز هذه الاستراتيجية على اعتماد رؤية جديدة للقطاع الفلاحي، وإرساء حكامة جديدة، ووضع إمكانيات حديثة رهن إشارة القطاع